المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من اعلام الرحّالة المسلمين (ابن جبير) نقلت لكم شيء من كنوزه.



رحال الخبر
25/03/2008, 09:59 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين من الشيطان الرجيم
وصلى الله على النبي الكريم محمد ابن عبدالله وعلى اله وصحبه وسلم
اما بعد..
فمن باب الترحال والرحالة والذي نحن نخوض في غماره وأدبه لابد لنا من التعرف على رحالة العصر من المسلمين الأوائل وهم كثر ولله الحمد ولهم باع في صنع التاريخ وجغرافية الأرض ومعرفة الشعوب وفتح باب للفاتحين وميلاد ارض مسلمة جديدة تنضم لمملكة أراضي المسلمين ، وقد سمعنا عنهم وتكراراً لذكراهم نستجلب اليوم معنا احدهم وهو علم في الترحال كما في الأدب والشعر والحساب ، لذا دعونا نتجول ونرتحل في شخص ابن جبير ذاك الرحّال الفذّ والذي طالما سمعنا عن اسمه فمن هو.
ابن جبير الأندلسي
هو من أشهر الرحالة المسلمين الذين قاموا برحلات إلى المشرق العربي ، دون خلالها الكثير من المعلومات التي تعتبر وثائق من الدرجة الأولى وذلك يرجع كونه أديبا وشاعراً وعالماً للعلوم التي جعلت منه كاتباً فذّاً ، فلحسن الملاحظة لديه وصريح العبارة التي يمتلكها مكنته من ان يتبوأ كتاباته هذه المكانة من الشهرة .
وان انتقلنا الى رحلته وما احتوت من علم ومعرفة وتوثيق نجدها مصدراً مهماً للباحثين في مجال التاريخ و الاجتماع والحضارة العربية في القرن السادس و السابع الهجري .
وابن جبير يعرف باسم الشهرة ابن جبير واسمه (محمد بن أحمد بن جبير وكنيته أبو الحسن).
ولد ابن جبير بمدينة بلنسية بالأندلس عام 540 هـ ، و هو ينحدر من أسرة عربية عريقة سكنت الأندلس عام 123هـ ، قادمة من المشرق مع القائد المشهور بَلْج بن بشر بن عياض .
فلا عجب ان تمكن هذا الرحّال الكبير من تكوين هذه القدرة الكبيرة لمشروعة الكبير ، وتجميع لمستلزمات المشروع في بيئة خصبة وغنية بثروات من كنوز العلم والمعرفة والتشجيع لها كالمجتمع الأندلسي المجتمع الحضاري الذي حرص على التقدم العلمي بشتى أنماطه وسلوكياته وبلوغ أرقى مراتب العلم ، فكان ابن جبير ممن بنى لنفسه علماً ظلّ إلى يومنا هذا يستفاد منه وعلماً ينتفع به
أتم ابن جبير دراسته بعد أن أتم حفظه للقرآن الكريم بمدينة بلنسية على يد أبي الحسن بن أبي العيش، وفي شاطبة درس ابن جبير علوم الدين على يد أبيه وشغف بها لكن ميوله برزت أيضا في علم الحساب، وفي العلوم اللغوية والأدبية ، وأظهر مواهب شعرية ونثرية رشحته للعمل كاتبا لحاكم غرناطة وقتذاك أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن ، أمير الموحدين.
رحلاته :
كان ابن جبير يحب الرحلات و التنقل فترك الأمير وقام بثلاث رحلات إلى المشرق
أما الرحلة الأولى فقد خرج سنة 579هـ وكان عمره 39 سنة ، وبدأ رحلته من غرناطة وسط الاندلس وما تزال تسمى غرناطة ببعض من التحريف للاسم كما يلفظ لدى الأسبان (جرانادا) (Granada) ومدينة غرناطة تقع على بعد 267 ميلا جنوب مدينة مدريد عاصمة أسبانيا الحالية،وتتميز بمناخ غاية في اللطف والجمال ومنه اشتق اسمها، حيث تعني كلمة غرناطة الحسن والجمال ، تطل غرناطة من الجنوب على نهر شنيل كذلك ، تعلو غرناطة قرابة 669 مترًا فوق سطح البحر، وهذا سر جمال مناخها .ومنها إلى الجنوب ، على البحر الأبيض المتوسط وعبوره بالقوارب إلى الضفة الشمالية لأفريقيا ويقابلها مدينة (سبتة) وسبته لا تزال تحت السيطرة الاسبانية رغم مطالبة المغرب لها طوال عقود من الزمن، ومن سبتة ركب البحر مرة أخرى الى مصر عبر البحر الأبيض المتوسط مرورا بالمغرب العربي إلى الإسكندرية ومنها توجه إلى مكة عن طريق (عيذاب) فجدة ، فحج وزار المدينة والكوفة وبغداد والموصل وحلب ودمشق وركب البحر إلى صقلية عائدا إلى غرناطة عام 581 هـ وقد استغرقت رحلته سنتين سجل فيها مشاهداته وملاحظاته بعين فاحصة في يومياته المعروفة برحلة ابن جبير ثم أتبع هذه الرحلة برحلة ثانية وثالثة.
الرحلة الاولى لابن جبير




http://www.mekshat.com/pix/upload02/images65/mk10555_abn jubir travel.jpg




أما رحلته الثانية فقد دفعه إليها أنباء استرداد بيت المقدس من الصليبيين من قبل السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 583هـ فشرع في هذه الرحلة سنة 585هـ وعمره انذاك 45 سنة، وانتهى منها سنة 586 هـ.
أما رحلته الثالثة فكانت إثر وفاة زوجته ، فقد كان يحبها حبا شديدا ، فدفعه الحزن عليها إلى القيام برحلة ثالثة يروح بها عما ألم به من حزن على فراقها، فخرج من (سبتة) إلى مكة وبقي فيها فترة من الزمن ثم غادرها إلى بيت المقدس والقاهرة والإسكندرية، حيث توفي فيها سنة 614هـ.
ولم يترك لنا ابن جبير إلا حديثه عن رحلته الأولى.
رحلة ابن جبير
من مصنفات ابن جبير كتابه عن رحلته الأولى وتعرف بـ " رحلة ابن جبير " ، وتعد من أهم مؤلفات العرب في الرحلات.
فقد تفقد فيها الآثار والمساجد والدواوين ودرس أحوالها وذكر ما شاهده وما كابده في أسفاره، ووصف حال مصر في عهد صلاح الدين ومدحه لإبطاله المكس (الضريبة) المترتبة على الحجاج ، ووصف المسجد الأقصى والجامع الأموي بدمشق والساعة العجيبة التي كانت فيه ، وهي من صنع رضوان ابن الساعاتي ، وانتقد كثيراً من الأحوال، ومن أهم مشاهداته ما تحدث به عن صقلية وآثارها، من مساجد ومدارس وقصور، وعن الحضارة التي خلفها العرب في الجزيرة .



لقد ترك لنا «ابن جبير» تحفة رائعة من خلال كتابه «رحلة ابن جبير» وذلك حين رسم لنا الحياة بكل تجلياتها في القرن السابع الهجري في المشرق والمغرب والانطباع الذي خلفته هذه المدن في نفسه والأهمية التي رأى أنها تستحقها.
من شعر ابن جبير
الذي لا يعرفه الكثيرون عن ابن جبير أنه كان أديباً شاعراً ، وله ديوان شعر يسمى " نظم الجمان في التشكي من إخوان الزمان " ، كما له كتاب آخر بعنوان "نتيجة وجد الجوانح في تأبين القرين الصالح " .
وهذا نموذج رائع من شعره ، من قصيدته التي مدح بها السلطان صلاح الدين ، يهنئه فيها بفتح بيت المقدس ، وفيها يقول:
ثأرت لدين الهدى في العدا فآثــرك الله من ثائر
وقمت بنصـر إله الورى فسمـاك بالملك الناصر
فتحت المقدس من أرضـه فعادت إلى وصفها الطاهر
وأعليت فيه منار الهـدى وأحييت من رسمـه الداثر
وفاته :
توفي الرحالة ابن جبير وهو راجع من رحلته الثالثة في الإسكندرية سنة 614 هـ ، عن عمر يناهز الرابعة و السبعين عاماً.

beddo
25/03/2008, 11:01 AM
الأخ رحال الخبر يسرني ان اكون اول من عانق هذا الموضوع الجميل وتشكر على الأفادة النظرية

كما سبق ان اثريت الساحة بالأجابة العملية

النائب
25/03/2008, 11:21 AM
بورك فيك اخي رحال الخبر

معلومات قيمة عن هذا الرحالة

العزوم
25/03/2008, 12:29 PM
الاخ / رحال الخبر

شكرا على طرحك لسيرة احد الرحالة الذين انارو الطريق بوصفهم لهذه الرحلات التي تعتبر اكتشافات لمواقع كانت شبه مجهوله ولكن ؟؟؟؟؟؟؟

متى نتصدى لاحياء ذكرى هذه الرحلات للسير على خطاهم وتتبع اثارهم لا سيما في مثل هذا الوقت الذي يتوفر به افضل وسائل النقل المختلفه

<<<<< لا اخفيك ان هذه الفكرة تراودني ولعل البداية تكون من داخل المملكه

تقبل مروري واعجابي بطرحك المتميز

محمد الشاوي
25/03/2008, 01:22 PM
بيض الله وجهك يارحال الخبر

موضوع متألق عن رحالة قديم يكتبه لنا رحالة معاصر

شكرا لجهودك المباركة أخي وائل

وجزاك الله خيرا على كل حرف سطرته أناملك

جمران
25/03/2008, 09:02 PM
كم أمتعتنا يبو إبراهيم بهذا الموجز
رحلة ابن جبير من الرحلات النادرة ولديه اسلوب عجيب حينما يصف
واذكر انه وصف نجدا حينما مر بها ووصف طيب ونقاوة هوائها
وتربتها ,,,
واذكر أنه ذكر حينما وصل الى ميناء مصر على البحر الاحمر
(جنوب شرق) ذكر انه هنا اتم حفظ القرآن الكريم
أبو ابراهيم كم اتمنى أن تتحفنا بملخص عن زيارته للجزيرة العربية
وجزاك الله خير الجزاء ونحن مشتاقين لك يبعدي

رحال الخبر
26/03/2008, 10:55 AM
الاخوة الاعزاء
beddo
النائب
العزوم
محمد الشاوي
جمران
شكر وتقدير لمروركم الطيب واسعدني لقاؤكم ويسرني الاستمرار في كتابة الشيء اليسير من هذا العلم الكبير ابن جبير الذي اتحفنا بنقل صورة من صور المناطق التي زارها فاليكم بعض من نوادره .

وعن كتابه المشهور

طبع الكتاب كاملاً لأول مرة في لندن سنة 1852م بعناية الإنجليزي رايت. ثم في ليدن 1907م كما ترجمت قديماً إلى لغات كثيرة. تحكي قصة الكتاب خروج ابن جبير من بلده غرناطة يوم الخميس 8 شوال 578هـ بصحبة صديقه أحمد بن حسان، قاصداً أداء فريضة الحج، عن طريق البحر وما لقياه في هذه الرحلة.
مقتطفات من بداية رحلة ابن جبير في كتابه
((فجاء النهار، وهو يوم الأربعاء التاسع عشر من ذي القعدة، بما هو اشد هولاً وأعظم كرباً، وزاد البحر اهتياجاً واربدت الآفاق سواداً، واستشرت الريح والمطر عصوفاً، حتى لم يثبت معها شراع. فلجأ استعمال الشرع الصغار. فأخذت الريح أحدها ومزقته وكسرت الخشبة التي ترتبط الشرع فيها، وهي المعروفة عندهم بالقرية. فحينئذ تمكن اليأس من النفوس وارتفعت أيدي المسلمين بالدعاء الله عز وجل. وأقمنا على تلك الحال النهار كله. جن الليل فترت الحال بعض فتور، وسرنا في هذه الحال كلها بريح الصواري سيراً سريعاً.
وفي ذلك اليوم حاذينا بر جزيرة صقلية. وبتنا تلك الليلة، التي هي ليلة الخميس التالية لليوم المذكور، مترددين بين الرجاء واليأس. فلما أسفر الصبح نشر الله رحمته، وأقشعت السحاب وطاب الهواء وأضاءت الشمس وأخذ في السكون البحر. فاستبشر الناس وعاد الأنس وذهب اليأس، والحمد لله الذي أرانا عظيم قدرته، ثم تلافى بجميل رحمته ولطيف رأفته،حمداً يكون كفاءً لمنته ونعمته.
وفي هذا الصباح المذكور ظهر لنا بر صقلية وقد أجزنا أكثره ولم يبق منه إلا الأقل. وأجمع من حضر من رؤساء البحر من الروم وممن شاهد الأسفار والأهوال في البحر من المسلمين أنهم لم يعاينوا قط مثل هذا الهول فيما سلف من أعمارهم،والخبر عن هذه الحال يصغر في خبرها.))
وحيث ابتدأ رحلته في 8 شوال 578هـ من غرناطة وتوجه الى سبته ومن سبته استقل السفينة متوجهاً الى الاسكندرية في يوم 29 شوال 24 فبراير 1183م فقد انتهى الى المرحلة الاولى منها الى الاسكندرية في 29 ذي القعدة يعني استمرت رحلتة البحرية شهراً كاملاً في البحر وقد مرّ على اهوال البحر الابيض المتوسط وحوادث سطرها كتابه النادر وينتهي بقوله حين وصل الى الاسكندرية بقوله:
((ونزولنا عنه في يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة، وبموافقة السادس والعشرين من مارس، والحمد لله على ما من به من التيسير والتسهيل، وهو سبحانه المسؤول بتتميم النعمة علينا ببلوغ الغرض من المقصود، وتعجيل الإياب الوطن على خير وعافية، انه المنعم بذلك لارب سواه. وكان نزولنا بها بفندق يعرف بفندق الصفار بمقربة من الصبانة.
شهر ذي الحجة من السنة المذكورة
أوله يوم الأحد، ثاني يوم نزولنا بالإسكندرية)).
نكمل معكم مقتطفات مثيرة من رحلة ابن جبير حيث اكمل طريقه من الاسكندرية وتحرك ركبه إلى القاهرة، ومنها استقل سفينته في نهر النيل حتى مدينة قوص في صعيد مصر، ومنها برا إلى ميناء عيذاب على البحر الأحمر ليستقل سفينته حتى ميناء جدة التي هاجم في كتابه استغلال سكانها للحجاج وفرضهم الإتاوة عليهم، ثم وصف عملية تسجيل أسماء الحجاج لدى صاحب جدة قبل انتقالهم إلى مكة المكرمة ليلة الثالث عشر من ربيع الآخر 578هـ. في المسجد الحرام
وصف ابن جبير المسجد الحرام، والأماكن المقدسة والمباركة في مكة، وقد قرر أن يبقى بالمدينة حتى عام 579 لأداء الحج حيث كان وصوله بعد موسم حج عام 578هـ، وقام أثناء ذلك بأداء عمرة شهر رجب واصفا زحام المعتمرين أو "مرأى الحشر يوم القيامة لكثرة الخلائق فيه".
وكان قد حضر ليلة النصف من شعبان في مكة المكرمة ووصف قراءة القرآن والصلاة بالمسجد الحرام.
وسجل لنا ابن جبير في رحلته بداية شهر رمضان في الأراضي المباركة؛ إذ ذكر أنه قد وافق يوم أحد، ولم يفته أن يلاحظ أن أهل مكة صاموا ولم يكونوا قد تمكنوا تماما من رؤية الهلال، ولكن أمير مكة أمر بضرب "الدبادب" وهي آلات ذات أصوات عالية من أجل إعلان بدء الصوم؛ لأنه رأى وجوب صيام يوم الشك.

ولاحظ ابن جبير أنه بمجرد بدء شهر رمضان تم تجديد الحصر الموجودة بالمسجد الحرام والإكثار من إشعال الشموع والقناديل حتى تلألأ الحرم نورا وسطع ضياء.
كما وصف صلاة التراويح بالحرم المكي فذكر اصطفاف العديد من المصلين خلف الأئمة من المذاهب الأربعة، ولأن ابن جبير كان مالكي المذهب فقد احتفى بذكر الأئمة والقراء المالكية وما قدمه التجار المالكية من شموع عالية أمام المحراب.
قناديل المسجد دليل السحور
ولم يفت ابن جبير ذكر مسألة السحور في ليالي رمضان في مكة المكرمة، فذكر أن أحد المؤذنين كان يتولى التسحير في الصومعة الموجودة في الركن الشرقي من المسجد الحرام بسبب قربها من دار أمير مكة فيقوم المؤذن وقت السحور داعيا ومذكرا ومحرضا على السحور، ونصبت في أعلى الصومعة خشبة طويلة في رأسها عود كالذراع وفي طرفيه بكرتان صغيرتان فوقهما قنديلان كبيران من الزجاج يضيئان طوال فترة السحور، فإذا اقتربت نهاية وقت السحور قام المؤذن بإنزال القنديلين من أعلى الخشبة وبدأ في الأذان.
ونتيجة لاتساع مساحة مكة المكرمة وبعد الكثير من منازلها عن المكان الموجود به قنديلا التسحير، يذكر ابن جبير ارتفاع منازل مكة؛ وهو الأمر الذي جعل الذين لم يسمعوا نداء السحور يشاهدون القنديلين يضيئان أعلى الصومعة فإذا لم يبصروهما عرفوا أن وقت السحور قد انتهى.
وسجل ابن جبير في رحلته وصول الأمير سيف الإسلام بن أيوب أخي صلاح الدين الأيوبي إلى مكة في اليوم التالي من شهر رمضان 578هـ قادما من مصر بعد مروره على المدينة المنورة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم زيارة لمكة بعض الوقت وبرفقته وفد من الحجاج المصريين الذين التمسوا الأمن برفقته قبل أن يكمل الطريق باتجاه اليمن لمعالجة إحدى الفتن التي حدثت بها، كما سجل دعاء سكان مكة للأمير سيف الإسلام وأخيه صلاح الدين الأيوبي لاهتمامه بأحوال المدينة المقدسة، ثم طاف سيف الإسلام وأتباعه ببيت الله الحرام، ودمعت أعينهم تبتلا وخشوعا قبل أن يقوم بالسعي بين الصفا والمروة كما تم فتح الكعبة المشرفة له خصيصا.
ختم القرآن شيم المجاورين
اهتم ابن جبير بذكر اجتهاد المجاورين للمسجد الحرام في صلاة التراويح وختم القرآن، فذكر أنه كان يجري ختم القرآن في كل ليلة من ليالي العشر الأواخر، فذكر أنه في ليلة الحادي والعشرين من رمضان قام أحد أبناء مكة بختم القرآن أمام قاضي المدينة وبعض شيوخها، واحتفل والد الصبي بذلك بأن قام بدعوتهم إلى وليمة في منزله.
كما قام صبي آخر من أبناء مكة عمره 15 عاما بختم القرآن ليلة الثالث والعشرين فقام والده أيضا بالاحتفال بهذه المناسبة؛ ولأنه كان من الأثرياء، فقد لاحظ ابن جبير أنه أحضر ثريا مصنوعة من الشمع، وأنواعا من الفاكهة "الرطبة واليابسة" والعديد من القناديل والمشاعل.
وفي ليلة الخامس والعشرين قام بختم القرآن ابن الإمام الحنفي للمسجد الحرام؛ الأمر الذي أوجب احتفال والده به أيضا.
ثم تحدث ابن جبير عن ختم القرآن الكريم بالمسجد الحرام ليلة السابع والعشرين بوصفها ليلة استثنائية ومباركة يقول: "وأي حالة توازي شهود ختم القرآن ليلة سبع وعشرين من رمضان خلف المقام الكريم وتجاه البيت العظيم؟ وإنها لنعمة تتضاءل لها النعم تضاؤل سائر البقاع للحرم". وختم ابن جبير حديثه عن ليالي رمضان في مكة، بالدعاء لله أن يبارك صومه إلى جوار الكعبة والبيت الحرام.
ويصف ليلة عيد الفطر المبارك في مكة المكرمة بوصفها من "الليالي الحفيلة"، حيث جرى إيقاد جميع القناديل والمشاعل والأنوار في الجهات الأربع للحرم، كما تمت إضاءة سطح المسجد الموجود أعلى جبل أبي قبيس، كما أقام المؤذن تلك الليلة أعلى سطح قبلة زمزم مهللا ومكبرا ومسبحا وحامدا. بينما قضى كافة الموجودين في مكة ليلتهم ما بين صلاة وطواف وتهليل وتكبير.
عيد الفطر في مكة
بادر السكان بمجرد الانتهاء من أداء صلاة الفجر بلبس أثواب العيد الجديدة، وتوجهوا ثانية لصلاة العيد بالمسجد الحرام، وبعد الاستماع إلى خطبة العيد أقبل الناس على مصافحة بعضهم البعض آخذين في الدعاء مسرورين فرحين بما آتاهم الله من فضله، ثم طافوا بالبيت الحرام.
وبعد انتهاء الصلاة والطواف والسلام توجهوا إلى زيارة قبور الصحابة المسلمين في جبانة المعلى، وقاموا بالدعاء لمن فيها من عباد الله الصالحين.
مكث ابن جبير شهري شوال وذي القعدة في مكة المكرمة انتظارا لأداء فريضة الحج، استعرض خلالهما كيفية أداء المناسك، كما قام بزيارة المنزل الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي تحول إلى مسجد يعرف بمسجد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، كما زار دار السيدة خديجة رضي الله عنها.
تشمير الكعبة
كما وصف تشمير أستار الكعبة المقدسة على جوانبها الأربعة، فيما يعرف بإحرام الكعبة، حيث ترفع الأستار يوم السابع والعشرين من ذي القعدة ولا تفتح الكعبة حين إحرامها إلا بعد الوقفة.
ويحكي لنا موقفا طريفا في مكة ليلة التاسع والعشرين من ذي القعدة، حيث انتظار هلال ذي الحجة، فيذكر أن طائفة من الحجاج المغاربة والمصريين كانوا يريدون أن يكون الوقوف على جبل عرفات يوم جمعة، لما لهذا اليوم من بركة واسعة، فادعوا أنهم شاهدوا هلال ذي الحجة في التاسع والعشرين من ذي القعدة غير أن قاضي مكة ردهم قائلا: "يا للعجب! لو أن أحدهم يشهد برؤيته الشمس تحت الغيم الكثيف لما قبلته. فكيف برؤية هلال هو ابن تسع وعشرين ليلة!
مكة كالرحم يسع مولوده
ويرصد ابن جبير توافد أعداد لا تحصى من الحجاج على مكة المكرمة، ويذكر أنه من الآيات البينات أن تسع مدينة مكة الصغيرة جميع هؤلاء الحجاج، وذلك حسب تعبيره، "لو أن المدن العظيمة حلم عليها هذا الجمع لضاقت عنه ويتفق مع العلماء القائلين بأن ذلك ما حدث إلا لأن مكة تتسع لحجاجها اتساع الرحم لمولوده".
ويلاحظ أنه منذ اليوم الأول لذي الحجة بدأت أصوات "الدبادب" العالية تظهر في كافة أوقات الصلاة وحتى يوم عرفة بتذكير الناس وجمعهم عند الصلاة الجامعة بالمسجد الحرام.
وصف ابن جبير مناسك الحج وأفاض في وصف الوقوف على جبل عرفات وذكر أنه من السنة المبيت بها، ولكن الحجاج اضطروا إلى مغادرتها بسبب خوفهم من قبيلة بني شعبة المشهورة بالإغارة على الحجاج ونهبهم؛ غير أنه يذكر أنه تمت حماية الحجاج آنذاك بفضل تدخل الأمير عثمان بن علي صاحب عدن. الذي كان قد فر منها بعد وصول الأمير سيف الإسلام أخي صلاح الدين الأيوبي، وعلى الرغم من وصف ابن جبير له سابقا بأنه كان ظالما في قومه واختص لنفسه الكثير من الأموال والمتاجر وهو ما دفع الدولة الأيوبية إلى مهاجمته وعزله فإن ابن جبير يحمد له موقفه في حماية الحجاج من هجمات الشعبيين في المضيق الكائن بين مزدلفة وعرفات، ويصف ما فعله الأمير عثمان بأنه "... جهاد يرجى له بالمغفرة لجميع خطاياه".
ووصف ابن جبير ازدحام الحجاج على جبل عرفات الذي "لا شبيه له إلا الحشر"، وتتبع كل مناسك الحج ورحلة الحجيج ومواقعهم بالتفصيل الدقيق، وذكر أهم الشخصيات التي وصلت للحج هذا العام، وكان أمير العراق الذي وصل في موكب ضخم برفقة أمراء بلاد فارس والعديد من السيدات. كما ذكر ما جرى عند عودة الحجاج إلى مكة من المناوشات والاحتكاكات بين أهالي مكة والحجاج العراقيين والأتراك، حيث جرح البعض وانتهبت بعض أمتعة التجار قبل أن تنتهي تلك الفتنة سريعا.
ولم يفت ابن جبير الإشارة إلى وجود أسواق لتلبية حاجات الحجاج، ومن ذلك سوق منى التي تستمر لثلاثة أيام، وهي من كبرى الأسواق فضلا عن السوق العظيمة المعروفة بسوق المسجد الحرام التي تحتوي سلعا وبضائع لا حصر لها، وحسب تعبيره "كانت سوقا عظيمة يباع فيها من الدقيق إلى العقيق ومن البر إلى الدر".
ثم غادر ابن جبير مكة في العشرين من ذي الحجة 578هـ بعد أن مكث بها أكثر من ثمانية أشهر، وبعد إتمام الغرض الأساسي من رحلته إلى الشرق وهو الحج إلى بيت الله الحرام.
انتهينا من نقل صورة لشيء من رحلة ابن جبير والتي قضى فيها العام الكامل بين اكناف المدينة ومكة المكرمة

عصا الترحال
27/03/2008, 02:03 PM
جزاك الله خير يا رحالة الخبر معلومات قيمة ومفيدة