عاشق المتنبي
06/02/2009, 09:04 PM
يسعدني أن أضع هذا الموضوع في خيمة الأخ العزيز الغالي : السر الكبير , لمعرفتي التامة بحبه للبحر وبكل ما يتعلق فيه , علماً أنني لست من هواة البحر , ولست من مرتاديه إلا نادراً , وأعيش وسط رمال القصيم الذهبية التي تتلاطم كأمواج البحر .
البحر في الرمزية العربية :
يمثل البحر مصدراً كبيرا من مصادر الثقافة العربية , إذ يستعمله العرب كثيراً في كلامهم معبرين به عن رموز كثيرة تجري في حياتهم , ومن أبرز تلك الرموز ما يلي :
1. الكرم . حينما يريدون وصف إنسان بالكرم يقول : فلان بحر , أي كريم , ومن ذلك قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :
سأمتاح البحور فجنِّبينِي ## أذاة اللوم وانتظري امتياحي
أي أي سأطلب عطاء من البحور , وهم خلفاء بني أمية , شبه كرمهم بالبحر .
وقال المتنبي يمدح علي بن منصور الحاجب :
هذا الذي أبصرت منه حاضرا ## مثل الذي أبصرت منه غائباً
كالبحر يقذف للقريب جواهراً ## جوداً , ويبعث للبعيد سحائباً .
2. الهيبة , يضربون مثلاً في الرجل يُهاب بأنه مثل البحر , حينما يكون هادئاً فإنك تجد عنده ما تريد , ولكن حينما يغضب فإنه لا يُواجه .
ومن ذلك قول المتنبي يمدح سيف الدولة ويصفه بالهيبة :
هو البحر غُصْ فيه إذا كان راكداً ## على الدر , واحذره إذا كان مُزبِدا
وقال أيضاً يمدح سيف الدولة :
ويُخشَى عُبابُ البحر وهو مكانهَ ## فكيف بمن يغشى البلاد إذا عبّا
المعنى : أن البحر مخوف ومهيب وهو مكانه , فكيف بمن إذا ماج وتحرّك عمّ البلاد ( يقصد سيف الدولة ) .
3. الظلمات : ولعل أبلغ نص في ذلك قوله تعالى يصف أعمال الكافرين ويشببها بظلمات البحر : {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40) سورة النــور
, ومن ذلك قول امرئ القيس يصف الليل : وليل ٍ كوج البحر أرخى سدوله ## علي بأنواع الهموم ليبتلي
أي أن هذا الليل بظلامه الحالك يشبه ظلمات أمواج الحر .
4. السعة والإحاطة : فحين يشبهون إنساناً بعلمه وسَعَة إدراكه يقولون : فلان بحر .
. ولذلك نجد بعض أهل العلم يسمون كتبهم بالبحر للدلالة على سعتها مثل : البحر المحيط في تفسير القرآن لأبي حيان , والبحر الزخار ( مسند البزار ) , والقاموس المحيط في اللغة للفيروزآبادي ( والقاموس هو البحر ) .
وقال حافظ إبراهيم عن سعة اللغة العربية وإحاطتها واشتمالها على كنوز الألفاظ :
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ ## فهل ساءلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتي
5. الشدة والقوة , ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فزع الناس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: (لم تراعوا، إنه لبحر). فما سبق بعد ذلك اليوم : أخرجه البخاري وغيره .
فوصف الرسول صلى الله عليه وسلم الفرس بأنه بحر , وهذا معناه الشدة والقوة في الجري , قال الأصمعي : يُقال للفرس بحراً : إذا كان واسعَ الجري ( أي سريعاً قوياً ) , أو لأن جريه لا ينفد كما ينفد البحر . ( فتح الباري : 5/285 ) .
6. الشاعرية والرومنسية , وهذا يستخدمه شعراء العصر الحاضر , حيث يرون فيه ملاذا لشاعريتهم , وأحزانهم , وخواطرهم , فتجدهم يستدعون البحر , ويُناجونه , ويبثونه أحزانهم وشجونهم , والسبب في ذلك : عمق البحر , وصموته , واحتفاظه بالأسرار الغريبة , وشدة البحر , وأهواله , وغير ذلك من الأسرار , ومن ذلك قول إبراهيم ناجي في قصيدته الرائعة : خواطر الغروب :
قلت للبحر إذ وقفت مساء ## كم أطلت الوقوف والإصغاء
أنت باق ونحن حرب الليالي ## مزَّقتنا وصيرتنا هباء
أنت عات ونحن كالزبد الذا هب يعلو حيناً ويمضي جفاء
وقول إيليا أبو ماضي في قصيدته الطلاسم :
سألت البحر يوماً : هل أنا يا بحرُ منكا ؟
أيها البحر , أتدري كم مضت ألفٌ عليكا
وهل الشاطئ يدري أنه جاثٍ لديكا ؟
والرموز المستعملة للبحر كثيرة , والشواهد عليها أكثر , ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق .
والسلام عليكم .
البحر في الرمزية العربية :
يمثل البحر مصدراً كبيرا من مصادر الثقافة العربية , إذ يستعمله العرب كثيراً في كلامهم معبرين به عن رموز كثيرة تجري في حياتهم , ومن أبرز تلك الرموز ما يلي :
1. الكرم . حينما يريدون وصف إنسان بالكرم يقول : فلان بحر , أي كريم , ومن ذلك قول جرير يمدح عبد الملك بن مروان :
سأمتاح البحور فجنِّبينِي ## أذاة اللوم وانتظري امتياحي
أي أي سأطلب عطاء من البحور , وهم خلفاء بني أمية , شبه كرمهم بالبحر .
وقال المتنبي يمدح علي بن منصور الحاجب :
هذا الذي أبصرت منه حاضرا ## مثل الذي أبصرت منه غائباً
كالبحر يقذف للقريب جواهراً ## جوداً , ويبعث للبعيد سحائباً .
2. الهيبة , يضربون مثلاً في الرجل يُهاب بأنه مثل البحر , حينما يكون هادئاً فإنك تجد عنده ما تريد , ولكن حينما يغضب فإنه لا يُواجه .
ومن ذلك قول المتنبي يمدح سيف الدولة ويصفه بالهيبة :
هو البحر غُصْ فيه إذا كان راكداً ## على الدر , واحذره إذا كان مُزبِدا
وقال أيضاً يمدح سيف الدولة :
ويُخشَى عُبابُ البحر وهو مكانهَ ## فكيف بمن يغشى البلاد إذا عبّا
المعنى : أن البحر مخوف ومهيب وهو مكانه , فكيف بمن إذا ماج وتحرّك عمّ البلاد ( يقصد سيف الدولة ) .
3. الظلمات : ولعل أبلغ نص في ذلك قوله تعالى يصف أعمال الكافرين ويشببها بظلمات البحر : {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (40) سورة النــور
, ومن ذلك قول امرئ القيس يصف الليل : وليل ٍ كوج البحر أرخى سدوله ## علي بأنواع الهموم ليبتلي
أي أن هذا الليل بظلامه الحالك يشبه ظلمات أمواج الحر .
4. السعة والإحاطة : فحين يشبهون إنساناً بعلمه وسَعَة إدراكه يقولون : فلان بحر .
. ولذلك نجد بعض أهل العلم يسمون كتبهم بالبحر للدلالة على سعتها مثل : البحر المحيط في تفسير القرآن لأبي حيان , والبحر الزخار ( مسند البزار ) , والقاموس المحيط في اللغة للفيروزآبادي ( والقاموس هو البحر ) .
وقال حافظ إبراهيم عن سعة اللغة العربية وإحاطتها واشتمالها على كنوز الألفاظ :
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ ## فهل ساءلوا الغَوَّاصَ عن صَدَفاتي
5. الشدة والقوة , ومن ذلك ما جاء في الحديث الشريف : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فزع الناس، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسًا لأبي طلحة بطيئًا، ثم خرج يركض وحده، فركب الناس يركضون خلفه، فقال: (لم تراعوا، إنه لبحر). فما سبق بعد ذلك اليوم : أخرجه البخاري وغيره .
فوصف الرسول صلى الله عليه وسلم الفرس بأنه بحر , وهذا معناه الشدة والقوة في الجري , قال الأصمعي : يُقال للفرس بحراً : إذا كان واسعَ الجري ( أي سريعاً قوياً ) , أو لأن جريه لا ينفد كما ينفد البحر . ( فتح الباري : 5/285 ) .
6. الشاعرية والرومنسية , وهذا يستخدمه شعراء العصر الحاضر , حيث يرون فيه ملاذا لشاعريتهم , وأحزانهم , وخواطرهم , فتجدهم يستدعون البحر , ويُناجونه , ويبثونه أحزانهم وشجونهم , والسبب في ذلك : عمق البحر , وصموته , واحتفاظه بالأسرار الغريبة , وشدة البحر , وأهواله , وغير ذلك من الأسرار , ومن ذلك قول إبراهيم ناجي في قصيدته الرائعة : خواطر الغروب :
قلت للبحر إذ وقفت مساء ## كم أطلت الوقوف والإصغاء
أنت باق ونحن حرب الليالي ## مزَّقتنا وصيرتنا هباء
أنت عات ونحن كالزبد الذا هب يعلو حيناً ويمضي جفاء
وقول إيليا أبو ماضي في قصيدته الطلاسم :
سألت البحر يوماً : هل أنا يا بحرُ منكا ؟
أيها البحر , أتدري كم مضت ألفٌ عليكا
وهل الشاطئ يدري أنه جاثٍ لديكا ؟
والرموز المستعملة للبحر كثيرة , والشواهد عليها أكثر , ولكن حسبنا من القلادة ما أحاط بالعنق .
والسلام عليكم .