إدارة منتديات مكشات
10/05/2004, 02:57 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
تشرفت منتديات مكشات مؤخراً بانضمام سعادة الدكتور ناصر بن عبدالرحمن الخنين عضو هيئة التدريس بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي ورئيس القسم سابقاً بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وسعادة الدكتور ناصر من المهتمين والمتابعين لحركة السحب والأمطار وتغير الأجواء عن طريق سماع تأثير البرق عبر المذياع . هذه الهواية الفريدة تطورت لدى سعادته وأصبحت تمثل جزءاً من اهتماماته بمتابعته المستمرة وقراءاته عن السحب وتكونها والرياح وأنواعها ... إلخ .
كان لمكشات هذا اللقاء مع سعادة الدكتور الذي تطرق فيه للكثير من المعلومات عن هذه الهواية ونشأتها وطرق العمل بها ، ومعرفة السحب الممطرة والمصحوبة بالبَرَد ، وبعض النصائح في حال حدوث أمطار وصواعق في الصحراء .. والكثير الكثير من الفوائد في هذا المجال .
لقد وجدنا سعادة الدكتور ناصر بحراً في هذه الناحية وكان يستفيض في الإجابة على الأسئلة بأسلوب لغوي راقٍ ، ولا غرابة في ذلك فهو أستاذ اللغة والأدب والبلاغة . كما أبدى استعداده للرد على أسئلة الأعضاء الكرام فيما يخص هذا الاتجاه ، فله الشكر الجزيل من كافة المنتمين لمكشات من مشرفين وأعضاء وزوار ، راجين من المولى القدير أن يكون عمله خالصاً لوجه الله وأن يجزيه خير الجزاء .
عُرِفَ عن سعادتكم اهتمامكم في تتبع أخبار الأمطار ومتابعة تحركات السحب عن طريق جهاز الراديو ، بودنا لو تعطون الإخوة الأعضاء نبذه عن هذه الهواية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
فأشكر جميع الإخوة القائمين على موقع مكشات والمتابعين له ، وأسال الله تعالى أن يعينهم على تغذيته بما ينفع ويرفع ، كما أسأله تعالى أن يجعلني خيراً مما يظنون وأن يغفر لي ما لا يعلمون ، ثم أما بعد :-
فإن الاهتمام بالأمطار لدي نشأ عندي من صغري ، وعرفت الحياة وكأني مفطور على الاهتمام به ومتابعته وتقصٍّي أخباره ، وغذّاه ونمّاه عنصران :
الأول : نفسي ذاتي ، وذلك من خلال ما أجده في نفسي من صغري من الإثارة النفسية والعقلية ، عندما أرى المطر ينزل من أعالي السماء هبوطاً إلى الأرض بطريقة عجيبة مثيرة ، فلا هو الذي ينصبّ صبًّا فيفسد ما يقع عليه ، ولا هو الذي ينزل على جهة معينة فيجري على الأرض منها إلى غيرها ، بل إن نزوله يكون على سائر الأرض بطريقة غريبة عجيبة ، من خلال قطرات صغيرة تكبر حيناً وتصغر أحياناً ، وتشتد وتخف ، وترتبط بهيئات السحاب وألوانه وحركاته وكثافته ، ثم ترى بعد ذلك كل شيء يفرح به ويطرب له ، من العقلاء وغيرهم ، من الجمادات وسواها ، كلّ يغتسل بهذا الغيث ويهنئا به ، ويشكر الله عليه ، بلسان المقال وبلسان الحال ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله ، نطقاً وتسبيحاً ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) فهذه الظاهرة شدَّتني إليها وجذبت عقلي نحوها .
وأما العنصر الثاني المغذي لهذا الاهتمام لدي فهو وراثي ، وذلك ورثته من طبع الوالد واهتمامه – رحمه الله – بالمطر وبأنواع السحب ، عندما كان يتحدث عنها ويهتم بها ، ويقف في بعض الليالي المبرقة يتابع حركات ما يراه من برق ، ويحدد مواقعه حَدْساً وتخميناً ، على الجهات القريبة من موقع سكننا في الدلم بمحافظة الخرج في حي ( الرَّفيعة ) ويعتني بالبروق التي تصيب بمياهها الأودية ، كوادي العين ، وماوان ، ووثيلان ، والسوط ، وهي أودية تنزل من جبال طويق المعترضة غرب الدلم من الشمال إلى الجنوب ، فتنزل سيولها لتروي المزارع ، فوادي العين يروي (( نعجان )) ثم تندفع سيوله إلى (( الرويضة )) فالخرج فالسلمية ، وماوان ووثيلان والسوط تجري بعد أن تجتمع قبل الدلم مندفعة نحو مزارع الدلم من الجهات الجنوبية الغربية لها ، ثم إذا جاد السيل تتجه شمالاً بميل إلى الشرق نحو الخرج فالسلمية ، وهي ملتقى أودية نساح وحنيفة وما غذََّاهما من الشعاب .
ماذا يقصد بتتبع حركة السحب عن طريق المذياع ؟ وكيف نشأت وتطورت هذه الهواية لديكم ؟
تتبع السحب من خلال المذياع نشأت لدي من صغري ، منذ السنة الرابعة الابتدائية تقريباً عندما اكتشفت أن السحب الرعدية لها أثر على الإذاعة ، إذا كان الجهاز مفتوحاً يلتقط أي إذاعة ما ، فارتبط لدي صوت البرق المرئي بالعين المجردة بصوت أثره في المذياع من خلال (( الشطشطة )) المتوافقة مع عملية الإبراق التي يتبعها الرعد مباشرة ، فقرَّ واستقر لدي أن هذا الصوت المسموع في ليل أو نهار ناتج عن برق في السحاب سواء كان قريباً مرئياً أو بعيداً خفياً ، وصرت أعتني بهذه الظاهرة لارتباطها بالغيث والمطر الذي يتبعها غالبا ، وتطور الأمر إلى أنني صرت أسمع أصوات بروق في المذياع لا أراها لا في الليل ولا في النهار لبعدها ، ثم بعد أيام تأتينا أخبار غيثها ، فأتذكر أن الراديو وقتها كان على جهة الشمال الغربي – مثلاً – وكان الصوت في هذه الجهة أشد ما يكون ، فاكتشفت أمراً آخر وهو أن البرق في المذياع أشبه بمحطة تبث صوتاً مؤثراً ، اذا كان المذياع موجها إلى جهته زاد الصوت وتنامى ، وإن كان مخالفاً خفي وتلاشى ، ثم دخلت في مرحلة ثالثة وهي نبرة الصوت في المذياع للبرق، يتوقف عليها القرب والبعد ، فإن كان الصوت واضحاً حاداً بيِّن الشخصية بداية ونهاية فإنه قريب المنال ظاهر للعيان – غالباً – وإن كان خافتاً فإنه بعيد المنال نائي المكان لا يمكن أن يُرى ، ومع الأيام تَبَرْمَجَ البُعد والقرب من خلال تركيز المتابعة ، وشدّة الاهتمام والملاحظة ، حتى صار أمراً عادياً شبه مقطوع ببعده مكانياً وتحديد جهته لا على سبيل الجزم والقطع بل على سبيل الظن القريب من الجزم في مساحة مكانية تزيد أو تنقص بخمسين كيلو متر تقريباً لإصابة الهدف الذي تتمركز عليه السحب المبرقة الراعدة وأما إذا لم يكن في السحب برق فلا يمكن تحديد جهاتها ولا رصد حركاتها بالمذياع ، وإنما بالقرائن العامة الملحوظة في السماء من رياح أو قطع من السحب المبشّرة او رطوبة أو منها جميعاً .
كيف يتم التعرف على حركة السحب ونوعياتها وثقلها وتحديد بعدها وجهتها ؟
هذه الأمور من الأمور السهلة الممتنعة ، فهي سهلة على مَنْ اعتنى بها واهتم بمظاهرها وتفطن عقله لأطيافها وأقبلت نفسه على أمثالها ، وممتنعة على من تطفَّل عليها ولم يكن لديه استعداد نفسي ولا عقلي للاهتمام بها أو التعامل مع أحوالها ومظاهرها ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه ، وقد قيل : مَن اعتنى بشيء أعطي حكمته
ومهما يكن من أمر فإن التعرف على حركة السحب ورصد أنواعها وتحديد جهاتها متاح لكل عاقل فطن ، ندب الله تعلى إليه في غير ما آيه ، ومنها ما جاء في سورة البقرة في قوله تعالى (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون )) (164)
فانظر وتأمل كيف ربط الله عز وجل بين هذه المظاهر العظام وذكرها ثم خصَّ التفكير فيها والنظر في أجرامها وأطيافها وتحركاتها بذوي العقول ، فمن فكر في ذلك وتابعه وتأمله فهو منهم ، ومن لا ، فلا .
ومن العوام المعينة على ذلك بعد النظر في هذه الآيات ومتابعتها وترتيب النتائج على حركاتها ورصد تقلبّاتها والاحتكاك بذوي الميول والمتابعة لهذه الظواهر والخروج معهم إلى المواقع القريبة المكشوفة للإفادة من نظراتهم وسماع أوصافهم لهذه السحب ، وسؤالهم عن أنواعها ومواقع إنزالها في أثناء تفاعل الحالة وإبّان توهّجها واشتعال بروقها ، وتراكم سحبها ، ومن العوامل المعينة القراءة عن السحب وخواصها ، وأنواعها وطبائع حركاتها وما يسبقها أو يواكبها أو يعقبها من الرياح وجهات مهابّها .. وهكذا تنمو المعرفة وتزداد الخبرة حتى تصبح المعرفة من خلال النظرة بالعين أو السماع بالمذياع عادية طبيعية .
هل تستطيعون من خلال هوايتكم معرفة السحب المصحوبة بالبرد ، إذا كانت الإجابة بنعم ، فكيف يتم ذلك ؟
نعم بإذن الله – غالبا – وذلك من خلال الرجوع إلى رصيد الخبرة ، والقياس على النظائر ، والنظر في القرائن التي تعمر السحاب المُبْرِد ، من حيث المنظر والمخبر ، والشكل والهيئة ، وطريقة التكوين ، وكيفية الإبراق ، واسلوب البناء الجانبي في السحابة الحظيرة ، وما يحفّها ويحيط بها ويعمر فيها من رياح ورباب ، وألوان كالحمرة ثم الدُّكنة ثم السّواد ثم الخضرة المشوبة بالصّفرة ، ثم الهملول المنخرط منها ، الواقف خلفها الزاحف معها ، الذي ترى البرق يختلجه ويتهاوى بين جنباته ، ويتخلل طبقات السحابة نفسها حتى لا يترك لها فرصة للراحة ، فكأنها من شدّة جمالها تشدّه إليها حتى ينزل بساحات أطرافها متراقصاً في جنباتها متضاحكاً في أجوائها ن فإذا رأيت سحابة ينفضها البرق نفضاً ويؤزّها الرعد أزَّاً ، وتتشكل ألوانها وهي على تلك الهيئة فاعلم أن وَبْلها غزير وأن بَرَدها كبير وخطير .. ، وأن الأخبار عنها سوف تأتيك تترى .
في عام 1416هـ أصاب مدينة الرياض بَرَدٌ شديد ، وتضرر منه الناس كثيراً ، وقد شُهر عن سعادتكم أنكم حذّرتم الجهات المسؤولة بهذا الخصوص ، فهل تتفضلون برواية ما حدث ؟ وهل استجابت تلك الجهات للتحذير ؟
في يوم السبت الواقع في 21 مارس من 1996م ويوافق الأول من نوء سعد الأخبية ، تعرضت مدينة الرياض بعد صلاة العصر مباشرة لأجواء مناخية ربيعية شديدة التقلّب والاضطراب ، ناتجة بعد تقدير الله تعالى عن عناصر مناخية تهيأت مجتمعة فكان ما كان ، فقد سبق ذلك اليوم تيّار علوي نفّاث في طبقات الجو العليا تَصاحب مع منخفض جوي انخفضت فيه قيم الضغط بشكل كبير ومؤثر ، فتكاثرت السحب على عالية نجد و وسطه وهطلت الأمطار المصحوبة بالرعود في يوم الخميس وصباح الجمعة على المناطق الواقعة بين الرياض و القصيم وما سامتها غرباً وشرقاً ن ثم اجتاحت مناطق الشوكي والتنهاة والخشم وما حولها سحب رعدية بعد العصر من يوم الجمعة وكانت شديدة الفاعلية ، مطراً وبَرَداً ، فتهيأت الأجواء في يوم السبت على مدينة الرياض مع اكتمال العناصر المناخية المؤثرة من رطوبة عالية وقيم ضغط منخفضة ، ورياح جنوبية رطبة تقابلها رياح نسريّة باردة في طبقات الجو العليا ، فتكونت قبل العصر سحب ركامية سميكة المتن دسمة طرية شديدة الفاعلية غرب مدينة الرياض ما بين القويعية وشقراء ، وأخذت تتعمّر وتتنامى و تتكاثف و تتكاثر بصورة نادرة حتى باشرت العمارية بُعيد صلاة العصر في أوج توهّجها ثم ركبت الشق الشمالي من الرياض قبيل الرابعة والنصف عصراً ، وكانت تنطلق من أيمن الغرب زاحفة نحو الشرق المائل إلى الجنوب قليلاً ، فلما أقبلت سَدّت الأفق الشمالي الغربي بألوانها الأخّاذة وأشكالها المفزعة وحركاتها المتقلبة وبروقها المتهاوية ، ورعودها الطاحنة ورياحها الهائجة ، ومياهها الهادرة ، وبُرُوقها الكاسرة ، وأصواتها المزمجرة في السماء قبل أن تقع على الأرض فشُل النصف الشمالي من مدينة الرياض ومعظم الأحياء الشرقية ، فأغلقت الأنفاق بالسيول والسيارات ، وجرت الشوارع في صورة أودية كاسحات ، وتساقطت الأشجار والإعلانات ، وصار المسموع صوت الإنقاذات .
فكانت سحابة ذلك العصر سحابة العصر ، ثم نشأت على يسار منشئِها سحابة قريبة منها إلا أنها أخف وألطف ، مع غزارة مائها وكثافة بردها ، وأصابت الأحياء التي لم تصبها السحابة الأولى ، كحي البديعة والسويدي والشفا و وسط الرياض وجنوبه وجنوبه الشرقي ، وذلك عند الساعة السادسة مساء مع غروب الشمس ، ثم نشأت السحابة الثالثة بعد المغرب مع صلاة العشاء ، فكانت أوسع مساحة وأهدأ حركة وأعم مطراً و أقل خطراً ، فشملت مدينة الرياض في عمومها ، وبلغ مجموع ما سقط على حي الروضة في مدينة الرياض في ذلك اليوم ستين ملم ، وهي كمية نادرة في ساعات محدودة ، إذا أخذ في الحسبان أن المعدّل السنوي للمطر في مدينة الرياض يصل إلى ثمانين ملم سنوياً في بعض الدراسات المناخية .
وأما ما قيل عن تحذيري الجهات المسؤولة عن تلك السحب المطيرة فهو من تزيّد الرواة ، فليس له أصل ولم يقع ، وإنما حذرت من حولي ومَن اتصل بي بخطورة ما أرى وأنه غير عادي .
هل هناك من يشاركك هذه الهواية ، وكيف يتم التواصل بينكم ؟
نعم هناك أخوة أفاضل يعتنون بذلك ويهتمون به ، وبيننا تواصل هاتفي ، وبعضنا يخدم الآخر ، وينقل خبره ويثق به ، ويستخبره عن حالة الجو في بلده ، وهم منتشرون ، فمنهم من هو في القصيم والمجمعة وسدير وشقراء والدلم والحريق ونعام وحوطة بني تميم والأحساء وعفيف ، وكل واحد له من يتصل به في مناطق وقرى متفرقة ، فكانت المعلومات تصل في صورة سريعة وشبه موثّقة .
أحياناً نسمع الرعد ونشاهد البرق وبكثافة ، ولكن لا يأتي مطر بعدها ، فما الحكمة من ذلك ، وهل نستطيع تمييز السحب الممطرة من غيرها ؟
أخر السؤال يقود إلى الجواب ، فإنه لا يكاد يسمع رعد أو يشاهد برق إلا ويعقبه مطر ، قلّ أو كثر ، علم موقعه مَن علمه وجهله مَن جهله ، وكثير ما هم ، فإن أكثر الناس لهم الظاهر الذي يباشرهم ، فإذا لم يباشرهم المطر ويغسل رؤوسهم وساحات بيوتهم قالوا إننا رأينا برقاً وسمعنا رعداً وخيّلنا سحاباً ولكن لم يكن ممطراً ، وهذا الحكم فيه جهل وجور ، جهل من حيث إطلاقهم الحكم عليه وهم لم يتصوروه ، وجور من حيث إنهم جاروا عليه في هذا الحكم الذي سلبه حقيقته وجحد واقعه .
وحقيقة الأمر أن السحب تتفاوت فيما بينها ، ما بين كثيف وخفيف ، وصغير وكبير ، ودانٍ ومرتفع ، والقاعدة العامة أن كل سحاب يُبرق ويرعد فالأعم الأغلب أنه يمطر ولكن الحكم على غزارة مطره أو قلته يعود إلى كثافة سحابه وحجمه ، وإلى طريقة بنائه الجانبي وسيره الحركي ، فإذا انسحب على الناظر أصل السحاب وصُلبه وأصابه هملوله أحس بمائه ونظر إلى أثره ، وأما إذا جانبه هملول السحاب وخالفه يميناً أو شمالاً فإنه لا يصيبه مطره ولا يحس بأثره ولو سمع زمجرة رعده وأخذه لمعان برقه ، فالعبرة بمسحب صلب السحاب وهملوله ، وهو مثعب السحابة ومصبّها الرئيس ، وقد تكون هذه السّحابة محلّية تفرغ ماءها في محل منشئها ثم تقبل بعد أن خلّبت وأقشعت .
في رأيكم ما أفضل مكان يلتجئ إليه الشخص في حال وقوع الصواعق ؟
إن من السنة إذا سمع المسلم الصواعق أو تخوفها أن يقول ( اللهم لا تقتلنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ) وعليه أن يفعل مع هذا الدعاء أسباب الوقاية فإن كان في رابية أو على جبل أو في مكان مرتفع كسطح أو نحوه فعليه أن يبادر بالنزول إلى الأسفل ، وألا يكون شاخصاً واقفاً بل يلجأ إلى أقرب بنيان ، وأن يبتعد عن الأشجار العالية ، وإنْ لجاً إلى مسجد أو استراحة أو مقهى أو محطة أو نحو ذلك كان أوقى له . وإن لم يكن فالسيارة آمن وأفضل من الانكشاف في الخلاء أو الوقوف في العراء ، فإن الصاعقة تضرب الشواخص نازلة إلى الأرض محرقة ما تمر عليه وهي في هُويِّها الصاعق إلى الأرض لتفريغ الشحنة الكهربائية الهائلة ... التي قد تصل درجة حرارتها إلى ثلاثين ألف درجة مئوية ، نسأل الله السلامة .
للمبتدئين في هذه الهواية ، كيف يمكنهم تطوير أنفسهم ؟
أنصح أمثال هؤلاء بالآتي :
أولاً : أن يجعلوا اهتمامهم هذا تعبّداً وتفكرا قبل أن يكون هواية وتفسّحاً ، ولا تعارض بينهما ، والذي يكيّف ذلك ويحكمه هو النيّة ، فإن من اشتغل بأمثال ذلك وشغله على سبيل التفكر في آيات الله في الآفاق ومن بينها هذا السحاب المسخر بين السماء والأرض وما يقع فيه من عجائب الحركات وعجيب التصريفات وغريب التطورات كل ذلك عبرة تراها الأبصار ويعتبر بها ذو الإبصار ن كما قال تعالى (( ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )) (النور 43-44) إن من فعل ذلك وتابعه وتأمله فإنه يزيد في إيمانه ويقوي من يقينه ويجعل لسانه رطباً بذكر الله والثناء عليه وشكره على ما أنعم وينعم ، وذلك كله عمل إيماني من أعمال القلوب والألسنة يثاب عليه العبد ويجازى به إن شاء الله .
ثانياً : تدقيق الملاحظة في الظواهر الجوية ورصد آثارها ، وقياس أمثالها عليها ، ثم ترتيب النتائج الأولية من خلالها ، وجعل ذلك رصيداً ينضم إلى رصيد التجارب المماثلة التي تختصر البدايات وتعتبر بالنهايات ، فتختصر المسافات في الحكم على الظواهر الجوية من رياح مثيرة ، أو سحب متفرقة أو مجتمعة ، أو أخرى مبشّرة ، أو غيرها مبرقة ، أو سواها مُدَيِّمة ، أو خلافها ضبابية ... وهكذا
ثالثاً : إثارة الأسئلة ، ثم عرضها على ذوي الخبرات وأصحاب الاهتمامات ومناقشتهم في كل ظاهرة بعينها للوصول إلى السمة التقريبية لها ، ومعرفة الطبائع الذائعة عنها ، لتوظيف هذه المعلومات في عالم الواقع المشاهد في أثناء التفاعلات والاضطرابات المناخية المناسبة .
هل من نصيحة تقدمونها لمن يتعرض لسحابة ممطرة وهو في نزهة برية ؟
أنصحه بالآتي :-
بأن يحصّن نفسه ومن معه بالأوراد الشرعية ، فإنها حصن المسلم ، وأن يكثر من ذكر الله ويستنزل رحمته ولطفه ، فإذا هاجت ريح سأل الله تعالى أن يجعلها رياحاً ، وإذا سمع الرعد يسبّح سبّح معه وشاركه في التسبيح ، وإذا نزل أول المطر فليتعرض له ، ليصيبه ويصيب رحله وما معه – ما أمكن – فإن هذا من السنة ، ومن المقامات التي يستجاب فيها الدعاء أول الغيث فلا يفوّته ، وعليه أن يكثر من قوله : اللهم صَيِّباّ نافعاً ، ومن قوله : اللهم زد وبارك ، فإن البلاد بحاجة ماسة إلى الماء المبارك النازل من السماء ، فهو زينة على وجه الأرض بما يحليها من النباتات ، ومخزون مائي استراتيجي في جوفها ، وليحذر من التعرض للبرق المتصلّت الذي يفرّغ الصواعق المميتة .
ثم إن كان في أرض سبخة أو طينية أو تقطعها الأودية والشعاب وكان السحاب كثيفاً والمطر غزيراً فليبادر منذ البداية بالتحرك الفوري إلى أقرب خط معبَّد ، دفعاً للمهالك والمفاسد ، وطلباً لسبيل النجاة وأخذاً بأسباب السلامة ، وبخاصة إذا كان يرافقه نساء وأطفال أو أحدهما ، أو كان وجه الليل مقبلا ، فإن الليل مظنّة المخاطر وهو ضيّق الأعين كثير المفاجآت لا تؤمن غوائله ، والسعيد من وُعظ بغيره ، والشّقي من اتّعظ به غيره وتحدثوا عنه .
وجماع الأمر كله حب الخير وسؤال الله الغيث المبارك والفرح به وتبشير العباد بمواقعه ، وعدم الإفراط في متابعته ميدانياً ، ويغني عن ذلك التقاط أخباره الموثقة ومتابعة حركات روايا الأرض ومن السحب الماطرة من خلال صور الأقمار الصناعية ، وتعزيزها بالانتباه لصوت البرق في المذياع ، وتبادل المعلومات السارة عن ذلك ، والتوسط في الأمور كلها يورث الاعتدال والاتزان ، وما كان هذا في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
تشرفت منتديات مكشات مؤخراً بانضمام سعادة الدكتور ناصر بن عبدالرحمن الخنين عضو هيئة التدريس بقسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي ورئيس القسم سابقاً بكلية اللغة العربية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية .
وسعادة الدكتور ناصر من المهتمين والمتابعين لحركة السحب والأمطار وتغير الأجواء عن طريق سماع تأثير البرق عبر المذياع . هذه الهواية الفريدة تطورت لدى سعادته وأصبحت تمثل جزءاً من اهتماماته بمتابعته المستمرة وقراءاته عن السحب وتكونها والرياح وأنواعها ... إلخ .
كان لمكشات هذا اللقاء مع سعادة الدكتور الذي تطرق فيه للكثير من المعلومات عن هذه الهواية ونشأتها وطرق العمل بها ، ومعرفة السحب الممطرة والمصحوبة بالبَرَد ، وبعض النصائح في حال حدوث أمطار وصواعق في الصحراء .. والكثير الكثير من الفوائد في هذا المجال .
لقد وجدنا سعادة الدكتور ناصر بحراً في هذه الناحية وكان يستفيض في الإجابة على الأسئلة بأسلوب لغوي راقٍ ، ولا غرابة في ذلك فهو أستاذ اللغة والأدب والبلاغة . كما أبدى استعداده للرد على أسئلة الأعضاء الكرام فيما يخص هذا الاتجاه ، فله الشكر الجزيل من كافة المنتمين لمكشات من مشرفين وأعضاء وزوار ، راجين من المولى القدير أن يكون عمله خالصاً لوجه الله وأن يجزيه خير الجزاء .
عُرِفَ عن سعادتكم اهتمامكم في تتبع أخبار الأمطار ومتابعة تحركات السحب عن طريق جهاز الراديو ، بودنا لو تعطون الإخوة الأعضاء نبذه عن هذه الهواية ؟
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين ، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
فأشكر جميع الإخوة القائمين على موقع مكشات والمتابعين له ، وأسال الله تعالى أن يعينهم على تغذيته بما ينفع ويرفع ، كما أسأله تعالى أن يجعلني خيراً مما يظنون وأن يغفر لي ما لا يعلمون ، ثم أما بعد :-
فإن الاهتمام بالأمطار لدي نشأ عندي من صغري ، وعرفت الحياة وكأني مفطور على الاهتمام به ومتابعته وتقصٍّي أخباره ، وغذّاه ونمّاه عنصران :
الأول : نفسي ذاتي ، وذلك من خلال ما أجده في نفسي من صغري من الإثارة النفسية والعقلية ، عندما أرى المطر ينزل من أعالي السماء هبوطاً إلى الأرض بطريقة عجيبة مثيرة ، فلا هو الذي ينصبّ صبًّا فيفسد ما يقع عليه ، ولا هو الذي ينزل على جهة معينة فيجري على الأرض منها إلى غيرها ، بل إن نزوله يكون على سائر الأرض بطريقة غريبة عجيبة ، من خلال قطرات صغيرة تكبر حيناً وتصغر أحياناً ، وتشتد وتخف ، وترتبط بهيئات السحاب وألوانه وحركاته وكثافته ، ثم ترى بعد ذلك كل شيء يفرح به ويطرب له ، من العقلاء وغيرهم ، من الجمادات وسواها ، كلّ يغتسل بهذا الغيث ويهنئا به ، ويشكر الله عليه ، بلسان المقال وبلسان الحال ، علم ذلك من علمه وجهله من جهله ، نطقاً وتسبيحاً ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) فهذه الظاهرة شدَّتني إليها وجذبت عقلي نحوها .
وأما العنصر الثاني المغذي لهذا الاهتمام لدي فهو وراثي ، وذلك ورثته من طبع الوالد واهتمامه – رحمه الله – بالمطر وبأنواع السحب ، عندما كان يتحدث عنها ويهتم بها ، ويقف في بعض الليالي المبرقة يتابع حركات ما يراه من برق ، ويحدد مواقعه حَدْساً وتخميناً ، على الجهات القريبة من موقع سكننا في الدلم بمحافظة الخرج في حي ( الرَّفيعة ) ويعتني بالبروق التي تصيب بمياهها الأودية ، كوادي العين ، وماوان ، ووثيلان ، والسوط ، وهي أودية تنزل من جبال طويق المعترضة غرب الدلم من الشمال إلى الجنوب ، فتنزل سيولها لتروي المزارع ، فوادي العين يروي (( نعجان )) ثم تندفع سيوله إلى (( الرويضة )) فالخرج فالسلمية ، وماوان ووثيلان والسوط تجري بعد أن تجتمع قبل الدلم مندفعة نحو مزارع الدلم من الجهات الجنوبية الغربية لها ، ثم إذا جاد السيل تتجه شمالاً بميل إلى الشرق نحو الخرج فالسلمية ، وهي ملتقى أودية نساح وحنيفة وما غذََّاهما من الشعاب .
ماذا يقصد بتتبع حركة السحب عن طريق المذياع ؟ وكيف نشأت وتطورت هذه الهواية لديكم ؟
تتبع السحب من خلال المذياع نشأت لدي من صغري ، منذ السنة الرابعة الابتدائية تقريباً عندما اكتشفت أن السحب الرعدية لها أثر على الإذاعة ، إذا كان الجهاز مفتوحاً يلتقط أي إذاعة ما ، فارتبط لدي صوت البرق المرئي بالعين المجردة بصوت أثره في المذياع من خلال (( الشطشطة )) المتوافقة مع عملية الإبراق التي يتبعها الرعد مباشرة ، فقرَّ واستقر لدي أن هذا الصوت المسموع في ليل أو نهار ناتج عن برق في السحاب سواء كان قريباً مرئياً أو بعيداً خفياً ، وصرت أعتني بهذه الظاهرة لارتباطها بالغيث والمطر الذي يتبعها غالبا ، وتطور الأمر إلى أنني صرت أسمع أصوات بروق في المذياع لا أراها لا في الليل ولا في النهار لبعدها ، ثم بعد أيام تأتينا أخبار غيثها ، فأتذكر أن الراديو وقتها كان على جهة الشمال الغربي – مثلاً – وكان الصوت في هذه الجهة أشد ما يكون ، فاكتشفت أمراً آخر وهو أن البرق في المذياع أشبه بمحطة تبث صوتاً مؤثراً ، اذا كان المذياع موجها إلى جهته زاد الصوت وتنامى ، وإن كان مخالفاً خفي وتلاشى ، ثم دخلت في مرحلة ثالثة وهي نبرة الصوت في المذياع للبرق، يتوقف عليها القرب والبعد ، فإن كان الصوت واضحاً حاداً بيِّن الشخصية بداية ونهاية فإنه قريب المنال ظاهر للعيان – غالباً – وإن كان خافتاً فإنه بعيد المنال نائي المكان لا يمكن أن يُرى ، ومع الأيام تَبَرْمَجَ البُعد والقرب من خلال تركيز المتابعة ، وشدّة الاهتمام والملاحظة ، حتى صار أمراً عادياً شبه مقطوع ببعده مكانياً وتحديد جهته لا على سبيل الجزم والقطع بل على سبيل الظن القريب من الجزم في مساحة مكانية تزيد أو تنقص بخمسين كيلو متر تقريباً لإصابة الهدف الذي تتمركز عليه السحب المبرقة الراعدة وأما إذا لم يكن في السحب برق فلا يمكن تحديد جهاتها ولا رصد حركاتها بالمذياع ، وإنما بالقرائن العامة الملحوظة في السماء من رياح أو قطع من السحب المبشّرة او رطوبة أو منها جميعاً .
كيف يتم التعرف على حركة السحب ونوعياتها وثقلها وتحديد بعدها وجهتها ؟
هذه الأمور من الأمور السهلة الممتنعة ، فهي سهلة على مَنْ اعتنى بها واهتم بمظاهرها وتفطن عقله لأطيافها وأقبلت نفسه على أمثالها ، وممتنعة على من تطفَّل عليها ولم يكن لديه استعداد نفسي ولا عقلي للاهتمام بها أو التعامل مع أحوالها ومظاهرها ، ورحم الله امرءاً عرف قدر نفسه ، وقد قيل : مَن اعتنى بشيء أعطي حكمته
ومهما يكن من أمر فإن التعرف على حركة السحب ورصد أنواعها وتحديد جهاتها متاح لكل عاقل فطن ، ندب الله تعلى إليه في غير ما آيه ، ومنها ما جاء في سورة البقرة في قوله تعالى (( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون )) (164)
فانظر وتأمل كيف ربط الله عز وجل بين هذه المظاهر العظام وذكرها ثم خصَّ التفكير فيها والنظر في أجرامها وأطيافها وتحركاتها بذوي العقول ، فمن فكر في ذلك وتابعه وتأمله فهو منهم ، ومن لا ، فلا .
ومن العوام المعينة على ذلك بعد النظر في هذه الآيات ومتابعتها وترتيب النتائج على حركاتها ورصد تقلبّاتها والاحتكاك بذوي الميول والمتابعة لهذه الظواهر والخروج معهم إلى المواقع القريبة المكشوفة للإفادة من نظراتهم وسماع أوصافهم لهذه السحب ، وسؤالهم عن أنواعها ومواقع إنزالها في أثناء تفاعل الحالة وإبّان توهّجها واشتعال بروقها ، وتراكم سحبها ، ومن العوامل المعينة القراءة عن السحب وخواصها ، وأنواعها وطبائع حركاتها وما يسبقها أو يواكبها أو يعقبها من الرياح وجهات مهابّها .. وهكذا تنمو المعرفة وتزداد الخبرة حتى تصبح المعرفة من خلال النظرة بالعين أو السماع بالمذياع عادية طبيعية .
هل تستطيعون من خلال هوايتكم معرفة السحب المصحوبة بالبرد ، إذا كانت الإجابة بنعم ، فكيف يتم ذلك ؟
نعم بإذن الله – غالبا – وذلك من خلال الرجوع إلى رصيد الخبرة ، والقياس على النظائر ، والنظر في القرائن التي تعمر السحاب المُبْرِد ، من حيث المنظر والمخبر ، والشكل والهيئة ، وطريقة التكوين ، وكيفية الإبراق ، واسلوب البناء الجانبي في السحابة الحظيرة ، وما يحفّها ويحيط بها ويعمر فيها من رياح ورباب ، وألوان كالحمرة ثم الدُّكنة ثم السّواد ثم الخضرة المشوبة بالصّفرة ، ثم الهملول المنخرط منها ، الواقف خلفها الزاحف معها ، الذي ترى البرق يختلجه ويتهاوى بين جنباته ، ويتخلل طبقات السحابة نفسها حتى لا يترك لها فرصة للراحة ، فكأنها من شدّة جمالها تشدّه إليها حتى ينزل بساحات أطرافها متراقصاً في جنباتها متضاحكاً في أجوائها ن فإذا رأيت سحابة ينفضها البرق نفضاً ويؤزّها الرعد أزَّاً ، وتتشكل ألوانها وهي على تلك الهيئة فاعلم أن وَبْلها غزير وأن بَرَدها كبير وخطير .. ، وأن الأخبار عنها سوف تأتيك تترى .
في عام 1416هـ أصاب مدينة الرياض بَرَدٌ شديد ، وتضرر منه الناس كثيراً ، وقد شُهر عن سعادتكم أنكم حذّرتم الجهات المسؤولة بهذا الخصوص ، فهل تتفضلون برواية ما حدث ؟ وهل استجابت تلك الجهات للتحذير ؟
في يوم السبت الواقع في 21 مارس من 1996م ويوافق الأول من نوء سعد الأخبية ، تعرضت مدينة الرياض بعد صلاة العصر مباشرة لأجواء مناخية ربيعية شديدة التقلّب والاضطراب ، ناتجة بعد تقدير الله تعالى عن عناصر مناخية تهيأت مجتمعة فكان ما كان ، فقد سبق ذلك اليوم تيّار علوي نفّاث في طبقات الجو العليا تَصاحب مع منخفض جوي انخفضت فيه قيم الضغط بشكل كبير ومؤثر ، فتكاثرت السحب على عالية نجد و وسطه وهطلت الأمطار المصحوبة بالرعود في يوم الخميس وصباح الجمعة على المناطق الواقعة بين الرياض و القصيم وما سامتها غرباً وشرقاً ن ثم اجتاحت مناطق الشوكي والتنهاة والخشم وما حولها سحب رعدية بعد العصر من يوم الجمعة وكانت شديدة الفاعلية ، مطراً وبَرَداً ، فتهيأت الأجواء في يوم السبت على مدينة الرياض مع اكتمال العناصر المناخية المؤثرة من رطوبة عالية وقيم ضغط منخفضة ، ورياح جنوبية رطبة تقابلها رياح نسريّة باردة في طبقات الجو العليا ، فتكونت قبل العصر سحب ركامية سميكة المتن دسمة طرية شديدة الفاعلية غرب مدينة الرياض ما بين القويعية وشقراء ، وأخذت تتعمّر وتتنامى و تتكاثف و تتكاثر بصورة نادرة حتى باشرت العمارية بُعيد صلاة العصر في أوج توهّجها ثم ركبت الشق الشمالي من الرياض قبيل الرابعة والنصف عصراً ، وكانت تنطلق من أيمن الغرب زاحفة نحو الشرق المائل إلى الجنوب قليلاً ، فلما أقبلت سَدّت الأفق الشمالي الغربي بألوانها الأخّاذة وأشكالها المفزعة وحركاتها المتقلبة وبروقها المتهاوية ، ورعودها الطاحنة ورياحها الهائجة ، ومياهها الهادرة ، وبُرُوقها الكاسرة ، وأصواتها المزمجرة في السماء قبل أن تقع على الأرض فشُل النصف الشمالي من مدينة الرياض ومعظم الأحياء الشرقية ، فأغلقت الأنفاق بالسيول والسيارات ، وجرت الشوارع في صورة أودية كاسحات ، وتساقطت الأشجار والإعلانات ، وصار المسموع صوت الإنقاذات .
فكانت سحابة ذلك العصر سحابة العصر ، ثم نشأت على يسار منشئِها سحابة قريبة منها إلا أنها أخف وألطف ، مع غزارة مائها وكثافة بردها ، وأصابت الأحياء التي لم تصبها السحابة الأولى ، كحي البديعة والسويدي والشفا و وسط الرياض وجنوبه وجنوبه الشرقي ، وذلك عند الساعة السادسة مساء مع غروب الشمس ، ثم نشأت السحابة الثالثة بعد المغرب مع صلاة العشاء ، فكانت أوسع مساحة وأهدأ حركة وأعم مطراً و أقل خطراً ، فشملت مدينة الرياض في عمومها ، وبلغ مجموع ما سقط على حي الروضة في مدينة الرياض في ذلك اليوم ستين ملم ، وهي كمية نادرة في ساعات محدودة ، إذا أخذ في الحسبان أن المعدّل السنوي للمطر في مدينة الرياض يصل إلى ثمانين ملم سنوياً في بعض الدراسات المناخية .
وأما ما قيل عن تحذيري الجهات المسؤولة عن تلك السحب المطيرة فهو من تزيّد الرواة ، فليس له أصل ولم يقع ، وإنما حذرت من حولي ومَن اتصل بي بخطورة ما أرى وأنه غير عادي .
هل هناك من يشاركك هذه الهواية ، وكيف يتم التواصل بينكم ؟
نعم هناك أخوة أفاضل يعتنون بذلك ويهتمون به ، وبيننا تواصل هاتفي ، وبعضنا يخدم الآخر ، وينقل خبره ويثق به ، ويستخبره عن حالة الجو في بلده ، وهم منتشرون ، فمنهم من هو في القصيم والمجمعة وسدير وشقراء والدلم والحريق ونعام وحوطة بني تميم والأحساء وعفيف ، وكل واحد له من يتصل به في مناطق وقرى متفرقة ، فكانت المعلومات تصل في صورة سريعة وشبه موثّقة .
أحياناً نسمع الرعد ونشاهد البرق وبكثافة ، ولكن لا يأتي مطر بعدها ، فما الحكمة من ذلك ، وهل نستطيع تمييز السحب الممطرة من غيرها ؟
أخر السؤال يقود إلى الجواب ، فإنه لا يكاد يسمع رعد أو يشاهد برق إلا ويعقبه مطر ، قلّ أو كثر ، علم موقعه مَن علمه وجهله مَن جهله ، وكثير ما هم ، فإن أكثر الناس لهم الظاهر الذي يباشرهم ، فإذا لم يباشرهم المطر ويغسل رؤوسهم وساحات بيوتهم قالوا إننا رأينا برقاً وسمعنا رعداً وخيّلنا سحاباً ولكن لم يكن ممطراً ، وهذا الحكم فيه جهل وجور ، جهل من حيث إطلاقهم الحكم عليه وهم لم يتصوروه ، وجور من حيث إنهم جاروا عليه في هذا الحكم الذي سلبه حقيقته وجحد واقعه .
وحقيقة الأمر أن السحب تتفاوت فيما بينها ، ما بين كثيف وخفيف ، وصغير وكبير ، ودانٍ ومرتفع ، والقاعدة العامة أن كل سحاب يُبرق ويرعد فالأعم الأغلب أنه يمطر ولكن الحكم على غزارة مطره أو قلته يعود إلى كثافة سحابه وحجمه ، وإلى طريقة بنائه الجانبي وسيره الحركي ، فإذا انسحب على الناظر أصل السحاب وصُلبه وأصابه هملوله أحس بمائه ونظر إلى أثره ، وأما إذا جانبه هملول السحاب وخالفه يميناً أو شمالاً فإنه لا يصيبه مطره ولا يحس بأثره ولو سمع زمجرة رعده وأخذه لمعان برقه ، فالعبرة بمسحب صلب السحاب وهملوله ، وهو مثعب السحابة ومصبّها الرئيس ، وقد تكون هذه السّحابة محلّية تفرغ ماءها في محل منشئها ثم تقبل بعد أن خلّبت وأقشعت .
في رأيكم ما أفضل مكان يلتجئ إليه الشخص في حال وقوع الصواعق ؟
إن من السنة إذا سمع المسلم الصواعق أو تخوفها أن يقول ( اللهم لا تقتلنا بعذابك ، وعافنا قبل ذلك ) وعليه أن يفعل مع هذا الدعاء أسباب الوقاية فإن كان في رابية أو على جبل أو في مكان مرتفع كسطح أو نحوه فعليه أن يبادر بالنزول إلى الأسفل ، وألا يكون شاخصاً واقفاً بل يلجأ إلى أقرب بنيان ، وأن يبتعد عن الأشجار العالية ، وإنْ لجاً إلى مسجد أو استراحة أو مقهى أو محطة أو نحو ذلك كان أوقى له . وإن لم يكن فالسيارة آمن وأفضل من الانكشاف في الخلاء أو الوقوف في العراء ، فإن الصاعقة تضرب الشواخص نازلة إلى الأرض محرقة ما تمر عليه وهي في هُويِّها الصاعق إلى الأرض لتفريغ الشحنة الكهربائية الهائلة ... التي قد تصل درجة حرارتها إلى ثلاثين ألف درجة مئوية ، نسأل الله السلامة .
للمبتدئين في هذه الهواية ، كيف يمكنهم تطوير أنفسهم ؟
أنصح أمثال هؤلاء بالآتي :
أولاً : أن يجعلوا اهتمامهم هذا تعبّداً وتفكرا قبل أن يكون هواية وتفسّحاً ، ولا تعارض بينهما ، والذي يكيّف ذلك ويحكمه هو النيّة ، فإن من اشتغل بأمثال ذلك وشغله على سبيل التفكر في آيات الله في الآفاق ومن بينها هذا السحاب المسخر بين السماء والأرض وما يقع فيه من عجائب الحركات وعجيب التصريفات وغريب التطورات كل ذلك عبرة تراها الأبصار ويعتبر بها ذو الإبصار ن كما قال تعالى (( ألم تر أن الله يزجي سحاباً ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاماً فترى الودق يخرج من خلاله وينزّل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ، يقلب الله الليل والنهار إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار )) (النور 43-44) إن من فعل ذلك وتابعه وتأمله فإنه يزيد في إيمانه ويقوي من يقينه ويجعل لسانه رطباً بذكر الله والثناء عليه وشكره على ما أنعم وينعم ، وذلك كله عمل إيماني من أعمال القلوب والألسنة يثاب عليه العبد ويجازى به إن شاء الله .
ثانياً : تدقيق الملاحظة في الظواهر الجوية ورصد آثارها ، وقياس أمثالها عليها ، ثم ترتيب النتائج الأولية من خلالها ، وجعل ذلك رصيداً ينضم إلى رصيد التجارب المماثلة التي تختصر البدايات وتعتبر بالنهايات ، فتختصر المسافات في الحكم على الظواهر الجوية من رياح مثيرة ، أو سحب متفرقة أو مجتمعة ، أو أخرى مبشّرة ، أو غيرها مبرقة ، أو سواها مُدَيِّمة ، أو خلافها ضبابية ... وهكذا
ثالثاً : إثارة الأسئلة ، ثم عرضها على ذوي الخبرات وأصحاب الاهتمامات ومناقشتهم في كل ظاهرة بعينها للوصول إلى السمة التقريبية لها ، ومعرفة الطبائع الذائعة عنها ، لتوظيف هذه المعلومات في عالم الواقع المشاهد في أثناء التفاعلات والاضطرابات المناخية المناسبة .
هل من نصيحة تقدمونها لمن يتعرض لسحابة ممطرة وهو في نزهة برية ؟
أنصحه بالآتي :-
بأن يحصّن نفسه ومن معه بالأوراد الشرعية ، فإنها حصن المسلم ، وأن يكثر من ذكر الله ويستنزل رحمته ولطفه ، فإذا هاجت ريح سأل الله تعالى أن يجعلها رياحاً ، وإذا سمع الرعد يسبّح سبّح معه وشاركه في التسبيح ، وإذا نزل أول المطر فليتعرض له ، ليصيبه ويصيب رحله وما معه – ما أمكن – فإن هذا من السنة ، ومن المقامات التي يستجاب فيها الدعاء أول الغيث فلا يفوّته ، وعليه أن يكثر من قوله : اللهم صَيِّباّ نافعاً ، ومن قوله : اللهم زد وبارك ، فإن البلاد بحاجة ماسة إلى الماء المبارك النازل من السماء ، فهو زينة على وجه الأرض بما يحليها من النباتات ، ومخزون مائي استراتيجي في جوفها ، وليحذر من التعرض للبرق المتصلّت الذي يفرّغ الصواعق المميتة .
ثم إن كان في أرض سبخة أو طينية أو تقطعها الأودية والشعاب وكان السحاب كثيفاً والمطر غزيراً فليبادر منذ البداية بالتحرك الفوري إلى أقرب خط معبَّد ، دفعاً للمهالك والمفاسد ، وطلباً لسبيل النجاة وأخذاً بأسباب السلامة ، وبخاصة إذا كان يرافقه نساء وأطفال أو أحدهما ، أو كان وجه الليل مقبلا ، فإن الليل مظنّة المخاطر وهو ضيّق الأعين كثير المفاجآت لا تؤمن غوائله ، والسعيد من وُعظ بغيره ، والشّقي من اتّعظ به غيره وتحدثوا عنه .
وجماع الأمر كله حب الخير وسؤال الله الغيث المبارك والفرح به وتبشير العباد بمواقعه ، وعدم الإفراط في متابعته ميدانياً ، ويغني عن ذلك التقاط أخباره الموثقة ومتابعة حركات روايا الأرض ومن السحب الماطرة من خلال صور الأقمار الصناعية ، وتعزيزها بالانتباه لصوت البرق في المذياع ، وتبادل المعلومات السارة عن ذلك ، والتوسط في الأمور كلها يورث الاعتدال والاتزان ، وما كان هذا في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه ، والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .