المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جزيرة العرب



((أبو أسامة))
30/06/2005, 01:45 AM
جزيرة العرب موطن الخير ومهبط الوحي ومصنع الرجال

بقلم أحمد بن محارب الظفيري *

ان جزيرة العرب ارض مباركة، فهي مهبط الوحي ومنطلق الرسالة الاسلامية الكريمة، ومهد الحضارة الانسانية ومستودع القيم والشيم العربية السامية... هذه الارض التي انجبت للانسانية نماذج فاضلة من البشر على مر عصور التاريخ، فكانوا بحق بناة حضارة ودعاة توحيد، نشروا عدل الاسلام وخيره في كل بقاع الدنيا، وبسبب معاملتهم الطيبة للبشر سارع الكثيرون الى اعتناق الاسلام العظيم.

الارض وجزيرة العرب ودورات المناخ

لقد توصل العلماء الجيولوجيون الى ان سطح الارض قد تعرض في الماضي البعيد لعدة تغيرات مناخية في مختلف العصور، فقد مر باربع دورات جليدية تفصل بينهما دورات او فترات دفيئة ذات مناخ جاف لا يختلف عما هو سائد اليوم.
وآخر دورة جليدية مرت على الكرة الارضية وانتهت، هي الدورة الجليدية الرابعة ويسميها العلماء «دورة جليد فرم wurm بدأت في سنة 40000 قبل الميلاد وانتهت في سنة 18000 قبل الميلاد».

ويؤكد علماء التاريخ القديم والحديث وعلماء طبقات الارض والحفريات، ان الحضارة الانسانية عاشت ونمت خلال هذه الفترة الجليدية الرابعة ضمن حدود شبه الجزيرة العربية، بينما كانت اوروبا وكل الاجزاء الشمالية من الكرة الارضية مغطاة بالثلوج الهائلة، في حين كانت الحياة والحضارة مزدهرة وزاهية ضمن حدود جزيرة العرب، التي كانت تتعرض خلال هذه الفترة لأمطار غزيرة واجواء رطيبة معتدلة في كل المواسم شتاء وصيفاً، وكانت الانهار الجارية يتدفق ماؤها وتخترق اراضيها من كل صوب لتصب في البحار المحيطة بها. كل هذه العوامل ساعدت على نمو الغابات الكثيفة والاعشاب الكثيرة، فعاش البشر في بحبوحة من العيش الرغيد يقتطفون ثمار الحياة بكل يسر وسهولة، فسبحان رب العزة والجلال القائل في محكم كتابه العزيز: (وجعلنا من الماء كل شيء حي).

جزيرة العرب في الدورة الدفيئة الجافة

يتضح مما تقدم ان العالم اليوم يعيش في الدورة الدفيئة الثالثة (الدورتان الجليديتان الاولى والثانية متلاصقتان لا يفصل بينهما دورة دفيئة) وهذه الدورة الدفيئة الثالثة بدأت في اعقاب دورة جليد فرم wurm المنتهية في سنة 18000 قبل الميلاد، وخلال هذه الدورة الدفيئة التي نعيشها اصبحت اوروبا ممطرة خصيبة، وتحولت ارض الجزيرة العربية تدريجيا الى صحارى نتيجة لتغير المناح من بارد معتدل ممطر الى حار جاف قليل المطر، فتدفقت موجات البشر (الكنعانيين والعموريين والاكديين والبابليين والاشوريين والآراميين ـ الكلدانيين) من جزيرة العرب الى الاقطار المجاورة التي اطلق عليها الغربيون مصطلح «الهلال الخصيب The fertile cerscent» فصنعوا حضارات فجر التاريخ القديمة التي وصلنا الكثير من اخبارها ومعلوماتها، ولقد اشار القرآن الكريم الى «جنات عدن» في الكثير من آياته البينات ـ واشار الرسول محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حديثه الشريف الذي رواه الامام احمد بن حنبل في كتابه «المسند» ورواه كذلك ابو عبد الله الحاكم النيسابوري في كتابه «المستدرك على الصحيحين» فقد ذكرا ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى تعود ارض العرب مروجا وانهارا» ومعنى كلمة «ستعود» انها كانت فيما مضى مروجا وانهارا.

ويرى بعض الرواد الاجانب من مستشرقين وعلماء مثل (برترام توماس) و«سنت جون فلبي» ـ المعروف عند عرب الجزيرة باسم الحاج عبد الله فلبي ـ و«كيناتي»، ان جزيرة العرب تضم تحت اراضيها ورمالها شواهد مؤكدة وآثارا حقيقية لحضارة انسانية راقية، وبعد مشاهدتهم وابحاثهم عن الجزيرة يؤكدون انها ما زالت ارضا بكراً لم يكشف النقاب عن طبقاتها لحد الآن. يقول عالم الآثار الايطالي مارينا كيناتي الذي قام في سنة 1929م بدراسة ميدانية في الجزيرة العربية: ان بوادر الجفاف طرأت على الجزيرة العربية حوالي الالف العاشر قبل الميلاد، ولكنه لم يتمكن من التأثير فيها تأثيراً محسوسا الا في الألف الخامس قبل الميلاد ففي هذا التاريخ وما بعده احس الاهالي بمضايقته وحينئذ بدأت سلسلة هجرات الاهالي المتتابعة الى الاقطار المجاورة ذات الانهار الدائمة والظروف المناخية الاحسن.

ويؤكد العلماء ان الغابات الكثيفة في جزيرة العرب تحولت فيما بعد عصر الجفاف نتيجة للضغط الواقع عليها عبر تقادم العصور الى طبقات نفطية.

الرمال جمعتها المياه وليس الرياح

ويؤكد العلماء الاختصاصيون ان هذه الرمال الكثيفة الموجودة في جزيرة العرب مثل رمال النفود والدهناء والربع الخالي لم تتجمع في امكنتها الحالية بفعل حركة الرياح بل تجمعت بفعل حركة التيارات المائية النشطة المتدفقة عبر الانهار العظيمة والروافد الكثيرة، حيث جرفتها المياه ورسبتها في هذه الامكنة المنخفضة في العصور الجليدية المطيرة، والدليل على ذلك ان بعض هذه التجمعات الرملية الهائلة يقع عكس حركة الرياح، وهذا الامر يبدو للوهلة الاولى غير معقول! فكيف تتحرك الرمال عكس حركة الرياح السائدة؟! علماً بان معظم هذه الرمال موجودة باسمائها المعروفة منذ العصر الجاهلي والى اليوم، تغنى بها شعراؤهم وحفلت بذكرها كتب التاريخ والادب والبلدان، وعبر هذه السنين الطويلة لم تحرك منها الرياح الا النزر اليسير مقارنة بضخامتها وكبر مساحة ارضها التي تشغلها.

خذ مثلاً رمال منطقة الربع الخالي الذي تبلغ مساحتها نحو ضعفي مساحة فرنسا كلها، هي بالاصل في عصور الدورة الجليدية الرابعة كانت منخفضا كبيرا تغمره المياه «بحيرة» تتصل بالبحر ويصب فيها انها عظيمة مثل نهر وادي الدواسر «مسمى الوادي حديث» وغيره من الانهار «آثار وديانها واضحة للعيان». وهذه الرمال الهائلة المتراكمة في الربع الخالي لم تنقلها الرياح، بل نقلتها وجمعتها حركة التيارات المائية المتدفقة في هذه البحيرة في العصور الممطرة... عصور الدورة الجليدية الرابعة «40.000 سنة ق. م. ـ 18.000 سنة ق.م.» وباعماق ارض الربع الخالي فوق طبقات تجمع البترول يوجد خزان جوفي هائل للمياه.

الجنة الدنيوية تحت الرمال الذهبية

ولقد اكتشف عالم الآثار الايطالي كيناتي في الربع الخالي معالم وشواهد حضارية كثيرة، حيث عثر على بقايا اسواق ومنازل ومعابد وبحيرات مياه واحواض اسماك اصطناعية وبقايا عظام وقواقع متحجرة وادوات زراعية» وكل هذه الآثار تؤكد بما لا يقبل الشك على وجود الانسان والحيوان والماء والحياة في هذه المنطقة في العصور السحيقة. ويقول هذا العالم الاثاري الشهير: ان هذه الجنان هي التي كانت سبباً في رسم تلك الصورة الجميلة في مخيلة كتاب التوراة عن «جنة عدن» المذكورة في التوراة والقرآن الكريم.

ونحن نضيف على ما قاله العالم مارينا كيناتي ونقول: ان الموروث الشعبي لعرب الجزيرة يردد قصصا واساطير جميلة عن اهل الحضارات التي سادت ثم بادت مثل عاد وثمود. وما زلت اذكر وانا فتى يافع تلك القصة التراثية الشعبية التي يرددها شيبان القبيلة والتي تقول: ان نبي الله سليمان بن داود عليه السلام نادى نسرا هرماً وقال له: ايها النسر ان عمرك طويل جدا واظن انك عاصرت الكثير من الملوك الاقدمين. فقال النسر: نعم لقد عاصرت الكثير ومنهم الملك شداد بن عاد ورأيت جنته. فقال له سليمان: ايها النسر دلني على مكان جنة شداد بن عاد. فأخذه النسر اليها ولما وصلا الى مكانها وجداها مطمورة بالرمال. فأمر نبي الله سليمان رياح النكباء بازالة الرمال عنها، ولما ظهرت قصور شداد بن عاد وظهرت جنته، تعجب سليمان منها واندهش، وامر النكباء ان تعيد الرمال عليها وتدفنها كما كانت اولاً حتى لا يطغى وينسى ربه. ويقول بدو اليوم في جزيرة العرب في استشهادهم على قدم الشيء «من دور شداد بن عاد» او يقولون: «من ثمدا ثمود وبنية العمود» وهم يقصدون بكلمة «بنية العمود» البدو بناة بيوت الشعر.

تاريخ الربع الخالي عند عرب الامس واليوم

«الربع الخالي» هذا المنخفض العظيم الممتلىء بالرمال الهائلة، لم يكن يسمى بهذا الاسم عند اجدادنا الاقدمين وحتى عند العرب الحاليين وانما تسميته الحديثة هذه جاءت ترجمة حرفية للتسمية الانجليزية (the Empty Quarter) التي اطلقها عليه المستشرقون والمستكشفون الغربيون الذين زاروه وتجولوا فوق رماله وواحاته وبين ثنيات جباله المحيطة به.

ولقد اطلق العرب القدماء اسم مخصوص على كل قسم من رمال الربع الخالي، وما زالت هذه التسميات متوارثة ومتداولة عند عرب اليوم.

«رمال الاحقاف»: وهي تسمية قديمة مذكورة في معظم كتب التراث العربي القديم من تاريخ وأدب وبلدان، وتطلق تسمية «الاحقاف» على القسم الجنوبي من رمال الربع الخالي. ويتوارث الناس منذ العصر الجاهلي الى اليوم حكايات ذهبية واساطير خيالية تقول: ان تحت رمال الاحقاف تقع جنة شداد بن عاد الذي طغى واستكبر فدمره الله سبحانه وتعالى بريح صرصر: قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: (فلما رأوه عارضا مستقبل اوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم. تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يُرى الا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين) الآيتان 24 و25 من سورة الاحقاف.

«رمال وبار»: قبائل تلك المنطقة كالمرة والمناصير والعوامر ينطقونها «اوبار» وهي بالفصيح (وبار) وهي تسمية قديمة ما زالت مستعملة تطلق على القسم الغربي من رمال الربع الخالي المتاخمة لليمن وعمان ويتوراث الناس هناك ايضاً نفس الحكايات عن جنة شداد بن عاد، ولقد قرأت منذ خمس سنوات ان الاقمار الصناعية الامريكية المتخصصة بالاستكشافات الارضية وطبقات الارض قد اكتشفت مدينة مطمورة تحت رمال وبار القريبة من محافظة ظفار العمانية، وتم التنقيب في الموقع المكتشف فظهرت لهم آثار مدينة وسموا هذه المدينة المتكشفة باسم (مدينة اوبار) وتم العثور في هذا الموقع على المعالم القديمة لهذه المدينة كالأساسات والابراج وعلى الكثير من الادوات والمعدات والشواهد الاثرية التي تؤكد على انها كانت مأهولة وعامرة بالنشاط البشري منذ اكثر من خمسة آلاف سنة قبل الميلاد.
ويذكر ديكسون في كتابه «عرب الصحراء»: ان الكثير من الافراد الذين قابلهم من بادية الربع الخالي قد سمعوا الكثير عن المدينة التاريخية القدمة المدفونة تحت الارض وانهم يسمونها «اوبار».

ومن يتصفح كتب التراث العربي القديم من ادب وتاريخ وبلدان يجد هذه الكتب تسهب بوصف خيالي عجيب غريب لهذه المدينة المطمورة. فهل يا ترى هذه المدينة هي ايضاً جنة شداد بن عاد؟! ام هي من الجنات الاخرى والمدن الاخرى المدفونة تحت رمال جزيرة العرب ... ان علماء التراث الشعبي (الفولكلور (folklore يؤكدون ان الاساطير والحكايات المغلفة بالخيال الملون التي ترددها الشعوب يترسب في قعرها شذرات من الحقيقة الضائعة عبر تقادم العصور والاجيال.

رمال الجزء: يطلق هذا الاسم على القسم الشمالي الغربي من رمال الربع الخالي، وتقع هذه الرمال جنوب وادي الدواسر، وفي رمال الجزء يندفن الطرف الجنوبي لسلسلة جبل طويق «يسمى قديما جبل العارض او عارض اليمامة» وطويق جبل عملاق يعترض في وسط نجد تغنى به الشعراء الحاليون باسمه الحديث وتغنى به الشعراء الاقدمون باسمه القديم.

سميت هذه الرمال بـ «رمال الجزء» نسبة الى جزء الابل عن الماء في وقت الربيع فهي لا ترد الى القلبان «الآبار» ولا تحتاج الى الماء حيث تجتزىء عنه بالعشب الرطيب، وتفسير ذلك كالآتي:

في موسم الامطار تفيض الكثير من الوديان المنحدرة من الهضبة النجدية بالمياه على رمال الجزء فتصبح هذه الرمال في الربيع من احسن المراعي الجيدة لاصحاب الابل، فاذا كان الربيع طيبا فان الابل تصبح كما يقول بدو الجاهلية وبدو اليوم «إبل جازية» أي لا تشرب الماء وتستعيض عنه بالعشب الاخضر الرطيب، ولكن ما ان ينتهي الربيع ويدخل الصيف بحرارته حتى تبدأ الاعشاب باليبس والانصرام فحينئذ تنقض الابل الجزء وترجع لشرب الماء حسب مواقيت اظماء الابل المعروفة عند العرب قديما وحديثا، واظماء الابل تتماشى حسب مناخ فصول السنة. ويسمي البدو الوقت الذي رجعت فيه ابلهم لورد الماء باسم «نقضة الجزو» ـ الجزو أي الجزء ـ .

رمال يبْرين: تقع هذه الرمال في القسم الشرقي والشمالي الشرقي من الربع الخالي وكانت تسمى عند اجدادنا عرب الجاهلية والاسلام باسم «رمال بني سعد» وبنو سعد عشيرة من قبيلة بني تميم. اما الآن فهي تسمى بـ «رمال يبرين» نسبة الى الواحة الشهيرة الواقعة بقرب هذه الرمال، وهذه الواحة هي الآن بلدة عامرة بالسكان واكثرهم من قبيلة بني مرة وكبيرهم الشيخ جابر بن حمد المرضف المري، وهذه الواحة الجميلة تقع غرب جنوب الاحساء بحوالي 230 كيلومترا، وجاء ذكر هذه الواحة باسمها المعروف يبرين في كتب البلدانيين والجغرافيين العرب القدامى امثال ياقوت الحموي «ت 626هـ» صاحب كتاب «معجم البلدان» والهمداني «ولد 280 هـ» صاحب كتاب «صفة جزيرة العرب» وقد وصفوها بكثرة المياه والنخيل والمزروعات. وقال ابو علي الهجري قبل ألف سنة ونيف: «وكان يبرين لبني سعد من تميم فغلبتهم القرامطة عليه».

سطح شبه الجزيرة العربية

يتكون سطح شبه الجزيرة العربية من هضبة متوسطة الارتفاع تبدأ بالانحدار التدريجي من الغرب الى الشرق وتتكون هذه الهضبة من صخور نارية، يحدها من جهة الغرب جبال الحجاز وعسير وهي جبال انكسارية، ويحدها من جهة الجنوب الشرقي جبال عمان وهي جبال التوائية شبيهة بجبال زاجروس الموجودة على الساحل الشرقي للخليج العربي، واكثر وديان هذه الهضبة تتجه الى جهة الشرق حيث الارض رملية رسوبية وتصب في الخليج العربي وحوض نهر الفرات، وبعض هذه الوديان ينفرش في الارض السهلية المنبسطة التي تحف بالهضبة من جهة الشرق، فتكون الخباري والغدران والدحول والحسيان «الاحساء» والعيون.

وديان جزيرة العرب:

يوجد في شبه جزيرة العرب الكثير من الوديان، وسنذكر في بحثنا هذا ثلاثة وديان كبيرة وطويلة وذات اهمية متميزة في تاريخ هذه الأرض، ذكرتها معظم كتب الجغرافيا والتاريخ والاطاليس القديمة والحديثة،

وهذه الوديان المهمة هي «وادي الرمة» و«وادي الدواسر» ـ اسمه الجاهلي وادي عقيق بني عقيل ـ و«وادي السرحان».

ان هذه الوديان الثلاثة كانت في الفترة الجليدية الرابعة من سنة 40 الف قبل الميلاد الى سنة 18 الف قبل الميلاد وخلال العصر المطير البارد المعتدل انهارا كبيرة وطويلة جارية بالماء تخترق ارض الجزيرة وتصب في البحار والبحيرات، وعلى ضفاف هذه الانهار الكبيرة وروافدها وما يتفرع منها من انهار وجداول عديدة كانت تقوم الزراعة التي تعتمد على الري الدائم، فكانت هذه الانهار المباركة مبعث الخير والسعادة لسكان ارض الجزيرة العربية في تلك الحقب التاريخية الموغلة في القدم، وبعد انتهاء الدورة الجليدية الرابعة اخذ عصر الامطار بالتراجع التدريجي حيث اخذت الدورة الدفيئة الجافة الثالثة بالزحف على المناخ حتى تغير وساد عصر الجفاف والحرارة، فجفت مياه هذه الانهار والبحيرات المتصلة بها وبالبحار، وبقيت وديان هذه الانهار الجافة واحواضها ودلتاواتها وقيعان هذه البحيرات التي تبخرت مياهها شاهدة على الماضي الخالد المندفن في اعماق التاريخ البكر للانسانية في بداياتها الاولى.

وتنص الروايات اليونانية والرومانية القديمة بكل صراحة ووضوح على وجود انهار طويلة تخترق جزيرة العرب فهذا المؤرخ اليوناني هيرودوتس يذكر في تاريخه وجود نهر عظيم في جزيرة العرب سماه «نهر كورس» وقال انه ملك العرب قد عمل على نقل المياه من هذا النهر العظيم حيث حفر نهراً منه يخترق الصحراء العربية، وطول هذا النهر الفرعي المحفور مسيرة اثني عشر يوما عن ساحل النهر العظيم «كورس».

ونرجح والله اعلم، ان هذا النهر العظيم كان يجري في العهود السحيقة في «وادي السرحان» ـ السرحان مسمى حديث ـ.

وهذا ايضا الجغرافي اليوناني الشهير بطليموس رسم في جغرافيته المسماة «جغرافية بطليموس» انهارا تخترق جزيرة العرب وتتجه نحو الخليج العربي وسمى لنا احد هذه الانهار العربية الكبير بسم «نهرلار» . ونرجح، والله اعلم، ان «نهرلار» هذا هو «نهر الرقة» تبخرت مياهه وبقي الوادي «وادي الرقة».

ومن المؤكد ان المؤرخ هيرودوتس والجغرافي بطليموس وغيرهم من كتاب اليونان والرومان قد اطلعوا على كتابات من سبقوهم من بابليين وأشوريين وفراعنة، وعليه فاننا نجزم ونؤكد بان هؤلاء القوم لا يكتبون من فراغ وانما اعتمدوا على تلك المراجع والمصادر والشواهد الآتية لهم من حضارات سابقة. ومن يقرأ عن جزيرة العرب في كتب اليونان والرومان يزداد ثقة بحضارة ارض العرب، لقد ذكرت هذه الكتب الكثير من الحيوانات والغابات التي كانت سائدة بكثرة في جزيرة العرب ولكنها مع تقادم العصور اندثرت ولم يبق منها الا الشيء القليل!.

وديان الجزيرة في عصور الجفاف صنعت العيون والأحساء

نحن الآن نعيش في الدورة الدفيئة الجافة والتي بدأت من 18.000 سنة، هكذا يقول علماء الجيولوجيا والآثار والفضاء، وتدريجيا مع تقدم الجفاف والحرارة بدأت الانهار المتحدرة من جبال الحجاز وهضبة نجد تجف مياهها، وتغيرت مسمياتها من «انهار» الى «وديان» فسبحان مغير الاحوال من حال الى حال بيده الملك وهو على كل شيء قدير.

ان هضبة نجد بانحدارها الى الخليج العربي تصب وديانها في ما يسميه بدو اليوم والامس بـ «الطاش» او «الطفة» او «السرك» والمسميات عربية فصحى او تعني المنطقة المحاذية لحوض البحر وتكثر في هذه المنطقة العيون والحسيان «الاحساء».

وبانحدار هضبة نجد الى جهة الشرق باتجاه حوض الفرات فان مياه وديانها تصب في المنطقة التي يسميها البدو بـ «الرحاب» جمع «رحب» او «رحبة» ويسمونها ايضاً بـ «الطفة» ويجمعونها فيقولون: «منطقة الطفوف» وكل هذه الاسماء عربية فصيحة تداولها بنو شيبان وبنو تميم قديما، وما زالت متداولة عند احفادهم عرب اليوم.

وتمتد «منطقة الرحاب» او «منطقة الطفوف» بمحاذاة حوض الفرات، وقد تقترب منه او تبتعد عنه بأكثر من مائة كيلومتر، واكثر اراضيها سبخاء وتحد منطقة الرحاب من جهة الشرق الكثبان الرملية «دعوص الرمل» ـ يسميها البدو «طعوس» ـ ومن جهة الغرب تحدها الاراضي الحجرية الصلبة المرتفعة المتصلة بالهضبة النجدية، وهضبة نجد بانحدارها الى حوض الفرات تصب وديانها في «منطقة الرحاب» او ما تسمى ايضاً بـ «منطقة الطفوف او الطفة» وتكثر في هذه المنطقة العيون والحسيان.

والملاحظ ان منطقة الطاش اقرب لحوض البحر من منطقة الرحاب لحوض نهر الفرات، والعيون «منابع الماء» يخرج ماؤها الى سطح الارض فيجري على الارض، والعيون كالآبار فيها القراح العذب، وفيها الملاح المالح، وبعض العيون فوارة يتدفق الماء من فوهتها من تلقاء ذاته بدون تدخل خارجي.

اما الحسيان «جمع حسو» فهي الآبار التي يكون ماؤها قريبا جداً من سطح الارض، ويعتمد كلية على كثرة مياه الامطار، ويكون عادة ارضاً رملية منخفضة تحتها ارض صلبة تصمد الماء فلا ينفذ منها، وتوجد الحسيان بمصبات الوديان ومغيضها.

وفي اللغة: الحسي: هو سهل من الارض يستنقع فيه الماء، ويكون غليظا من الارض فوقه رمل يجمع ماء المطر فتحفر فيه حفرة لتنزح منها الماء، وكلما نزحت دلوا جمعت اخرى، فتلك الحفرة حسي، والحسي في اللغة ايضا البئر القريبة الماء، والجمع احساء ومنه منطقة الاحساء بالمملكة العربية السعودية. والفرق بين الحسو والقليب عند البدو، هو ان ماء الحسو قريب من سطح الارض حيث ان طوله من باع الى خمسة ابواع ولا يحتاج الى جمل السناية لاحتياج الماء منه بل يمتح باليد. بينما ماء القليب بعيد عن سطح الارض ويحتاج جمل السناية لامتياح الماء منه ويسمى قليب مسنوي.

وادي الرمة:

نصفه الشرقي يسمى قديما«وادي فلج» وحالياً يسمى هذا النصف بـ «وادي الباطن» او «شعيب الباطن». من منا من هواة الادب والتاريخ العربي لا يعرف «وادي الرمة» الشهير، انه اشهر من نار على علم في جميع كتب التراث العربي من شعر وادب وجغرافيا وتاريخ. وكذلك «وادي فلج» الامتداد الطبيعي لوادي الرمة طغت شهرته على كل الحدود وتعطرت بذكره ألسنة شعراء العرب منذ العصر الجاهلي ومروراً بكل العهود الاسلامية المتعاقبة... انه وادي المياه والخير والنماء.

يقول عالم الآثار البريطاني برترام توماس (bertram thomas) صاحب كتاب العربية السعيدة (Arabia felix): انه لاحظ ان وادي الرمة لا يزال مملوءاً بالصخور الرسوبية والحصى مما يدل على انه كان في القديم مجرى نهر غزير المياه.

ونحن نقول: ان ما يقوله برترام توماس صحيح مائة بالمائة فارض الوادي والبر الوسيع المحيط به يعج بالقواقع والاصداف والودع، وكنا ايام الصبا والشباب نلتقطها ونلعب بها، وكانت تذكرنا بمياه الانهار الحلوة... ولا تنس ان نصف الوادي المتجه للشرق اسمه فلج ـ أي ثلج ـ وقلب الفاء ثاء لغة عند العرب معروفة ذكرتها كتب اللغة فهم يقولون «فوم» بدلاً من «ثوم» و«جدف» بدلاً من «جدث». ويؤكد علماء الجيولوجيا والآثار انهم اكتشفوا مدنا وقرى كثيرة كانت قائمة على ضفتي وادي الرمة عندما كان نهراً جارياً في الفترات الجليدية التي مرت على الارض في العهود السحيقة، ونشرت هذه الاكتشافات في المجلات العلمية المتخصصة.

ينطلق وادي الرمة وروافده من جبال الحجاز من حرار خيبر الواقعة شرقي المدينة المنورة، ثم يتجه هذا الوادي الى الشرق، وعندما يصل وادي الرمة الى رمال الدهناء العظيمة، فان الرمال تغطيه وتكاد معالمه تضيع بسبب تراكم جبال رمال الدهناء فوقه، ويظهر «وادي الرمة» من الرمال متجها الى الشرق ولكنه بعد ظهوره من الرمال غير اجدادنا عرب الجاهلية اسمه من «وادي الرمة» الى اسم «وادي فلج» واستمر هذا الاسم عالقاً به في العهود الاسلامية، حتى جاء العرب الأواخر وغيروا اسمه الى «وادي الباطن». وخلال انحدار «وادي فلج قديما او وادي الباطن حديثا» الى جهة الشرق قامت في بطنه وعلى جانبي هذا البطن وفي مسيل تلاعه موارد «آبارا» كثيرة تطور بعض هذه الموارد فيما بعد واصبح مدننا مشهورة مثل مدينة حفر الباطن، والتي سيأتي الكلام عنها خلال سياق الكلام.

ان لدي الامنية والرغبة الاكيدة بذكر اسم وتاريخ كل مدينة او قرية قامت في وسط او على ضفتي «وادي الرمة» وكذلك المدن والقرى التي قامت في وسط او على ضفتي «وادي الباطن ـ فلج قديما» ولكن ضيق المجال في المجلة لا يسمح لي بزيادة الكلام والاسترسال في الشرح.

ولنكتف بالكلام عن مدينة حفر الباطن، هذه المدينة السعودية المهمة الواقعة على مفترق الطرق المتجهة للكويت وللعراق وللشام ولمدن المملكة العربية السعودية، هذه المدينة التي اخذت اسمها من اسم وادي الباطن.

مدينة حفر الباطن الكبيرة والشهيرة كانت في بداية نشأتها في اول هذا القرن عبارة عن مجموعة قلبان «آبار» محفورة في وسط شعيب «وادي» الباطن» ونذكر من اسماء هذه الآبار «الثيليه» و«مليحه» و«غصيبه» و«ريقان ـ ريجان» و«عسيله» و«المرقبي ـ المرقب» و«مرير» و«الفويهية» و«الحلافيه» وكانت ملكية هذه الابار في العهد العثماني تعود الى قبيلة الظفير، لانها تقع ضمن حدود ديرتها القبلية وهذا ما اشار اليه الاستاذ صالح محمد العطني، مدير الاحوال المدنية في حفر الباطن عندما تكلم عن هجرة القبائل النجدية الى هذه المنطقة في مقابلته مع مجلة اليقظة الكويتية في 6 - 3 - 1987 م حيث قال: «ولعل اولى القبائل التي سكنت حفر الباطن هي قبيلة الظفير قبل مطلع القرن الهجري الماضي».

وكانت العربان تقطن حول هذه الآبار في بيوت من الشعر كثيرة تنتشر على ارضها، وبعد ان تمكن الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ـ رحمة الله عليه ـ من ارجاع ملك ابائه واجداده، وبناء الدولة السعودية الثالثة، جعل على هذه الآبار موظفين حكوميين من قبله واسكنهم خياما واناط بهم حل مشاكل الناس وفرض الامن والامان في ربوع الصحراء ثم فيما بعد بدأ التطور والبناء وتكوين الهجر وبناء المدن.

وتذكر كتب التاريخ ان اول من حفر قلبان «آبار» الحفر هو الصحابي الجليل ابو موسى الاشعري والي البصرة في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

يقول الشيخ الامام شهاب الدين ابو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي (ت: 626هـ/1229م) في كتابه «معجم البلدان»: ولما اراد ابو موسى الاشعري حفر ركايا الحفر قال: دلوني على موضع بئر يقطع بها هذه الفلاة، قالوا: هو بجة تنبت الارطى بين فلج وفليج، فحفر الحفر، وهو حفر أبي موسى، بينه وبين البصرة خمس ليال.

ونحن نقول: ان قول الشيخ الامام ياقوت الحموي ـ رحمة الله عليه: «ان ابا موسى الاشعري حفر في هوبجه «منقع ماء» بين فلج وفليج» يحتاج الى تصحيح ونحن لا نلومه لانه ينقل من افواه الناس» او قد يكون الخطأ من النساخين لتقادم السنين.

الصحيح الذي نراه بحكم خبرتنا بالارض ومعرفتنا لها ميدانيا، انه حفر الآبار «الركايا» في هوبجه «منقع ماء» تقع في وسط وادي فلج ـ امتداد وادي الرمة ـ وهذه الآبار او هذه الهوبجة «مكان الحفر» تقع بين فليج وفليج ـ مصغر فلج ـ «فليج الشمالي وفليج الجنوبي» وهما واديان «رافدان» يصب سيلهما في وادي فلج في المكان الذي حفر فيه ابو موسى الاشعري آباره، وعلى هذه الآبار قامت مدينة حفر الباطن الحالية.

فليج الشمالي تأتي منابعه من «قارة فلجه» وهي هضبة معروفة في ديرة الظفير تبعد هذه القارة عن آبار الدليمية «من طوال الظفير» باثنى عشر كيلومترا الى جهة الشمال الشرقي، وينحدر سيل فليج الشمالي من جهة الشمال الى الجنوب حتى يفيض في وادي فلج «يسمى عند العرب الاواخر وادي الباطن او شعيب الباطن».

وقارة فلجه ما زالت معروفة بهذا الاسم منذ عرب الجاهلية الى اليوم وتقع على درب الحاج وكانت مسكن ميّه الخرقاء المنقرية العامرية حبيبة غيلان ذو الرمة، وبما ان (فلجه) تقع في القف أعلى طريق حجيج البصرة، وحول آبارها تقطن الخرقاء ميه لذلك قال فيها الشاعر البدوي الاموي ذو الرمه غيلان بن عقبه بن نهيس العدوي المضري:

تمام الحجّ ان تقف المطايا على خرقاء واضعة اللثام

وهذا حفيد ذي الرمة الشاعر الظفيري المعاصر عبد الله بن زويران الرسمي ـ رحمة الله عليه ـ يذكر ان حبيبته لم تتجول في شعيب فليج الجنوبي ويذكرها له طير الهواء بانها قاطنة في فيضة «روضة» سدر اسمها «مغليّه» في منطقة الحجرة، حيث يقول:

صاحبي ما داج بفليج الجنوبي يذكره طير الهواد صوت امغليه

اما فليج الجنوب فيأتي من جهة الجنوب من مرتفعات السوبان ويتجه شمالاً حتى يفيض في وادي فلج، ومن مشاهداتي لفليج الجنوبي اشك بانه ليس رافداً وانما هو في العهود السحيقة كان نهراً متفرعا من نهر فلج الرئيسي لان نهايته الجنوبية تنحدر الى الجنوب وتمتد في اراض منخفضة وتصب في اراضي متطامنة يحير فيها السيل تسمى «حيرة السوبان».

والآن لنرجع الى «وادي فلج ـ وادي الباطن» الذي هو امتداد طبيعي لوادي الرمة كما قلنا، فان هذا الوادي عندما يقترب من شمال الخليج العربي، ينفرش بطنه ويشكل شمال الكويت بالقرب من جبل سنام، دلتا واضحة المعالم تتجه تفرعاتها المنفتحة الى الخليج العربي، وبذلك يؤكد لنا «وادي الباطن ـ وادي فلج» اراء علماء الآثار والجيولوجيا والفولوكلور القائلة بانه كان نهرا عظيماً متدفقا بالمياه في العهود السحيقة من التاريخ.

ولقد قال الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف: «لا تقوم الساعة حتى تعود ارض العرب مروجاً وانهاراً» ومعنى الفعل «تعود» ان ارض العرب كانت فيما مضى مروجا وانهاراً.

«وادي الرمّة ـ وادي الباطن» في التراث الشعبي لعرب الجزيرة:

لقد احتل هذا الوادي الطويل ـ الذي يقطع الجزيرة من جبال الحجاز غرباً الى مياه الخليج العربي شرقا ـ جانباً مهماً في الموروث الشعبي لعرب الجزيرة قديما وحديثا، وما زال الحديث عنه شيقا ومحببا عند عرب اليوم كما هو عند عرب الامس.

وسنتكلم عن بعض الروايات والاساطير الشفاهية التراثية «الفولكلورية» التي تحكي عن هذا الوادي العملاق وعن بعض الموجودات التضاريسية التي لها علاقة به. واللافت للنظر ان اغلب هذه الحكايات الاسطورية والسوالف «القصص» التراثية الخيالية مدونة في كتب التراث العربي القديم مما يدلل على انها موغلة في القدم، وان العرب الحاليين توارثوها من اجدداهم الاقدمين عبر تقادم العصور وتتابع الاجيال. وتحوي هذه الموروثات الشعبية بين مفرداتها الكلامية رموزا واشارات ذات معان غائصة في رحم التاريخ الأقدم. ومع تقدم وتطور علم التراث الشعبي «الفولكلور» (Folklore) تمكن علماؤه بطرائقهم العلمية الخاصة من تحليل هذه الاساطير والحكايات الخرافية التي كنا قديما لا نعرف معانيها، واستخلصوا منها المعاني الحقيقية المنطقية التي غلفتها الاساطير في مغمياتها ومبهماتها عبر تراكم حكي الاجيال ومنطوقها خلال العصور. ومادة الاساطير الخيالية والحكايات الشعبية الخرافية يدرجها علماء الغرب تحت فرع من التراث الشعبي «الفولكلور» اسمه «الميثولوجيا» (mythology).

وعندنا اسطورة متوارثة ومتواترة تتردد على افواه عربان البوادي في جزيرة العرب تثبت ان وادي الرمه كان نهراً جاريا في سالف العصر والآوان.

تقول الاسطورة الشعبية المتوارثة جيلاً بعد جيل:

«جبل سنام» ـ الواقع شمال الكويت ـ وعشيقته «جبل طميه» ـ الواقع جنوب عقله الصقور بالمملكة العربية السعوديةـ الاثنان اغتاظا وزعلا على جماعتهم «جبال الحجاز» فانقطعا عنها، وتحرك الاثنان «سنام وطميه» من الغرب الى الشرق، ولما وصلا الى نجد توقفت «طمية» عن المسير ورفضت مواصلة السير الى الشرق على الرغم من الحاح عشيقها «سنام»، واخيراً زعل «سنام» على «طميه» وواصل المسير لوحده الى الشرق، ولما وصل الى موقعه الحالي ـ شمال الكويت وغرب مدينة الزبير ـ تذكر حبيبة قلبه «طميه» فالتفت الى الوراء لعله يراها فانكسرت رقبته وثبت في مكانه الحالي. وبسبب حركة جبل سنام وجبل طميه انجرفت الارض وانحفر وادي الرمة وامتداده وادي الباطن، هكذا تفسر الاسطورة الشعبية طريقة انحفار هذا الوادي الطويل العملاق الممتد من جبال الحجاز غربا الى شمال الخليج العربي شرقا... وعموما الاساطير الخرافية والحكايات الخيالية موجودة عند كل شعوب الارض» ويفسرون نتائجها ومضامينها بتبريرات خيالية غير منطقية وذلك بقولهم: ان كل الموجودات والمخلوقات على هذه الارض كانت قديما تتكلم وتحس مثل الانسان!!

ومن اسطورة جبل سنام الزعلان على جبلة طمية، استوحى البدوي في جزيرة العرب هذه الكلمة او هذا المثل الشائع: «زعلة سنام على طميه» يقوله البدوي للشخص الذي يزعل عليه وهو يود فراقه ولا يرغب بمراهناته، أي كأنه يقول له: «روحة بلا رجعة»وكما قلنا استمد ابن الصحراء هذا المثل المتوارث عبر العصور من الزعل والغيظ الذي حصل بين سنام وعشيقته طميه فهما فعلاً تفارقا بلا عودة!!

كيف يفسر العلم الحديث هذه الاسطورة؟

يقول الدكتور فاروق الباز رئيس مركز الاستشعار عن بعد في جامعة بوسطن الامريكية، في مقابلته المنشورة في جريدة (الأنباء) الكويتية يوم الاثنين 29 نوفمبر 1993م العدد 6309 ما يلي ـ بتصرف بسيط ـ: منذ 5000 الى 11000 سنة كانت منطقتنا العربية تعيش في مرحلة مطيرة، وقبل هذه المرحلة أي منذ ما يقرب من 180 الف سنة كانت منطقتنا تعيش في مرحلة الانهار الواسعة العظيمة.وادي الباطن، هو وادي كبير الحجم والصخور الموجودة فيه ليس لها مثيل في صخور الكويت على الاطلاق ولذلك فلا بد من انها منقولة من مكان ما يوجد به مثل هذه الصخور، فلو افترضنا ان هذه الصخور جاءت من الشمال عن طريق نهري دجلة والفرات فهذا امر مستحيل لان المنطقة الواقعة في منتصف العراق منطقة مستوية تماما وليس فيها انحدار يسمح بنقل كتل صخرية كبيرة مثل جبل سنام.

اما في غرب شبه الجزيرة العربية حيث توجد جبال الحجاز فالارض مرتفعة وفيها انحدار الى جهة الشرق يسمح بنقل الصخور من الجبال العالية الى المناطق المستوية القريبة من ساحل الخليج العربي، وبما ان وادي الباطن هو امتداد لوادي الرمة ويشكلان واديا واحدا ممتداً من جبال الحجاز في غرب الجزيرة وينحدر الى جهة الشرق، والصخور الكبيرة الموجودة في وادي الباطن هي صخور منقولة بواسطة تدفق المياه في هذا المجرى في زمن الفترة المطيرة ذات الانهار الواسعة العظيمة.

ونحن نقول: ان البدوي ابن الصحراء العربية المعاصر والقديم، عرف ان جبل سنام منقول من جبال الحجاز، فهو عندما نظر الى نوعية وطبيعة صخور جبل سنام وجبل طميه وجد ان طبيعة ونوعية صخورهما متشابهة وتشبه طبيعة جبال الحجاز، وبناء على هذه المشابهة تشكلت في ذاكرة الاجيال المتعاقبة هذه الاسطورة الشعبية المتوارثة عبر العصور.

ولا تنس ان جبل سنام كما هو معلوم على الطبيعة، جبل منفرد لوحده يقع في وسط دلتا النهر القديم، ولا يوجد حوله أي جبال أخرى.

اما في وسط نجد وعاليتها فيوجد عدد من الجبال بعضها في وسط وادي الرمة وبعضها على ضفتيه، وهي مشابهة لجبال الحجاز جاء بها السيل المتدفق في العصور السحيقة، وتدور حولها الكثير من القصص والاساطير. ويصف علماء الجيولوجيا «علم طبقات الارض» وادي الرمة ـ الباطن بانه عبارة عن «فالق» او «كسر» في القشرة الارضية حصل في العصور السحيقة نتيجة لحركة زلزال عنيف، وبسبب هذه الزلازل العنيفة التي حصلت في فترة سحيقة، تكونت الوديان الكبيرة التي اصبحت فيما بعد انهاراً جارية، وتكون البحر الاحمر واغوار الاردن وسهل البقاع؟ هكذا يقول علماء الجيولوجيا، والله أعلم.

وصف احد شعراء البادية الشعبيين «وادي الرمة» بالجمل الواقف الذي رجلاه بالبصرة وزوره في وسط نجد بـ «أبانان» ومكرع يشرب من خباري مياه الحره قرب المدينة المنورة، يقول الشاعر:

رجليه بالبصرة وزوره بابانان ومكرع يشرب بحوض المدينه

أبانات: اسم بصيغة الجمع اطلقه العرب الحاليون على ما يسمى قديما بصيغة التثنيه «أبانان» وهما جبلان أبان الاسود «حالياً يسمى ابان الأسمر» وأبان الابيض «حالياً يسمى ابان الأحمر» ويقعان قرب مدينة الرس بالمملكة العربية السعودية وكانا قديما لقبيلة بني خزاره وهذا الجبلان «ابانان» اللذان يقعان على وادي الرمه، ذكرهما امرؤ القيس:

كأنّ «ابانا» في أفانين وبله كبير أناس في بجاد مزمل

والآن لنرى ماذا تقول كتب المراجع العربية القديمة عن هذه المسميات التي لها علاقة بوادي الرمه:

ذكر امرؤ القيس جبلة طمية عشيقة جبل سنام حيث يقول:

كأن طميّة المجيمر غدوة من السيل والاغثاء فلكة مغزل

ويذكر ياقوت الحموي في كتابه «معجم البلدان» ان مالك بن الريب لما نزل قباب الترك تذكر سناماً الموضع الذي في بلاده فقال:

تذكرني قباب الترك أهلي وقبداهم اذا نزلوا سناما
وصوت حمامة بجال كشّي دعت مع مطلع الشمس الحماما
فبت لصوتها أرقا وباتت بمنطقها تراجعني الكلاما

وعن رمال الدهناء العظيمة التي تقطع وادي الرمة حتى تضيع معالمه، ولكن اهل المنطقة من بدو الجاهلية وبدو اليوم يعرفون هذه المعالم عندما يتحولون فوق الرمال قالت العرب بخصوص رمال الدهناء هذه الكلمة المأثورة قديما وحديثا:

«اذا ربعت الدهناء ربعت العرب جمعاء»، قال احد شعراء العرب:

ألا حبذا الدهناء وطيب ترابها وأرض خلاء يصدح الليل هامها

وقال الأعشى:

يمرون بالدهنا خفافاً عيابهم ويرجعن من دارين بجر الحقائب

ودارين: جزيرة ساحلية قديمة وهي مسكونة الآن وتبعد عن الدمام بنحو 32 كيلومترا. وهي فرضة شهيرة وميناء تجاري قديم له صيت ذائع في المراجع العربية القديمة.

* باحث في التاريخ والتراث

الموضوع منقول للأمانة العلمية

أبــوريـــان
30/06/2005, 01:39 PM
مشكور اخي فتى الحريق على هذا النقل
معلومات قيمة جزاك ا لله عنا كل خير
اخوك ابوريان

الرباعي
04/07/2005, 08:23 AM
هلا اخوي فتى الحريق ومشكور على النقل المميز والمعلومات القيمه والتي بحق فيها فوائد جمه للباحث والمطلع ,,,,وتقبل تحيتي

beddo
04/07/2005, 01:45 PM
مشكور اخي فتى الحريق وحبذا لوزودتنا بالمرجع والكاتب
مع وافر الشكر والتحية

((أبو أسامة))
05/07/2005, 12:44 AM
اشكر الجميع على تفاعلهم

الاخ beddo

رابط الموضوع
http://www.athagafy.com/rahalat/Index1.htm

وهو منقول من موقع جماعة هواة البر(( موقع جميل ومفيد للغاية )) انصح بزيارته والتفاعل معه

http://www.athagafy.com/rahalat/

beddo
05/07/2005, 11:51 AM
الاخ فتى الحريق :جزيل شكري للتفاعل السريع وهذا مهوب مستغرب على الشقردية

رسلان
05/07/2005, 01:52 PM
ماشاء الله معلومات كثيرة ومفيدة ...

الله يعطيكم العافية ....