الصالحي
03/07/2005, 12:04 PM
في الأيام القليلة الماضية ، ضمني لقاء ببعض الدعاة ومن يهتمون بنشر الخير في منطقة جيزان ، تلك المنطقة المنسية من كثير من دعاتنا بل وسياحنا ، إلا من ثلة من مغرمي الصيادين ، وما ذلك إلا لما شاع عن تلك المنطقة من أنها مقر الفقر والجهل ، ومستودع المسكنة ومنشأ بعض الأمراض ، وما انتشر عن أهل الجبال فيها أنهم من القطاع أو مدمني ( القات ) .
ذهب أولئك الإخوة على السيارة ، بعد أن أصروا علي أن ألحق بهم هناك ، فتحاملت على نفسي وتركت بعض ما أنا فيه من أعمال وارتباطات ، ولحقت بهم بالطائرة ، ومن جيزان ركبنا السيارة ، وتجولنا في عدد من المحافظات والمدن والقرى ( جيزان ـ صبياء ـ أبوعريش ـ بيش ـ أحد المسارحة ـ أم الحجل ـ هروب ـ المحلة ـ الريث ) ... إلخ .
وكانت تلك الأخيرة ، أعني ( الرَّيثَ ) محافظة تقع في شرقي منطقة جيزان ، في الجبال على علوًّ متوسط ، وقد قضينا فيها يومين ، بعيدًا عن تلك ( الغُبْرَة ) التي تبتلى بها المنطقة الساحلية طوال شهرين تقريبًا ، وقد تنقص قليلا ، لكن هذه المحافظة وبحكم ارتفاعها المناسب ، تقل فيها الغبرة بشكل كبير ، ويلطف الجو فيها عنه في الساحل ، الذي يجمع إلى الغبرة الحرارة الشديدة والرطوبة العالية ...
تبعد محافظة ( الريث ) عن مدينة جيزان ساعة ونصف بالسيارة ، أي ما يقارب مائة إلى مائة وعشرين كيلا ، ولها طريق يتعرج بين الجبال كالثعبان ، مارًّا بوديان جميلة وأشجار ذات خضرة ورواء ، وبعد أن تتجاوز ( رَخْيَة ) حاضرة الريث بما يتراوح من ستة إلى عشرة أكيال ، فاسأل عن (وادي لُجْب) تجد العجب .
أصر أحد الدعاة هناك ، ممن يتحلون بكرم عجيب كما رأيت وذكر لي ، وعزم علينا بعد أن فَطَّرَنا على مائدة دسمة ، عزم علينا أن نتغدَّى في (وادي لجب) ، وكان الإخوان يحدثوننا عنه عجبًا ، وكنت بالأشواق إلى أن نقصده ؛ لنرى ذلك الوادي العجيب ، فصلينا الجمعة ، وسرنا شرقي ( رَخيَة ) في طريق معبد متعرج ، يعلو بك حينًا إلى السماء ويهبط حينًا آخر إلى قاع وادٍ ، في منعطفات خطيرة ، ولا تصعد السيارة في بعض أجزاء هذا الطريق إلا بـ ( الدبل ) ، وتفاجأ في بعض أجزائه بالجبل وقد انهار عليه من جراء السيول العاتية وسده ، فاضطرت شركة الصيانة لفتح تحويلة بجانبه ، لتصلح ما أزاله السيل العرمرم من ذلك الطريق المعبد .
وبعد أن قطعنا الكيلات الثمانية أو العشرة ، صاح أحد الشباب لسائقنا ( التحويلة من هنا ) فنزلنا عن يسار الطريق ، مع ممر ترابي حجري ، وهنا لحظت أننا بعد أن كنا نسير في جبال سوداء رأينا على اليسار في وجوهنا بعد أن نزلنا هضابًا ( صفا ) تميل إلى الحمرة قليلا ، وبعد ما يقرب من الكيل الواحد ، كانت بداية الوادي الحقيقية الفعلية ، لقد دخلنا ممرًّا ضيقًا بين طودين عظيمين من الهضاب ، لا يكاد يتسع للسيارة في بعض أجزائه ، ويتسع أحيانًا إلى حوالي العشرين مترًا ، ويبدو للناظر أنها هضبة انفلقت ، فكان منها طودان عظيمان عاليان ، تسقط عمامتك إذا رفعت الرأس لتنظر إلى علوّهما ، ويخيل إليَّ أن ارتفاعهما لا يقل عن ثلاث مائة متر ، ويزيد أحيانًا إلى أن يصل إلى ما يربو على خمس مائة متر وقد يصل إلى الثمان مائة ... هذا الوادي لا أحسبه يرى الشمس أكثر من ساعة ، هي وقت قيامها قبل الزوال ، وأما ما عدا ذلك فهو في ظل دائم .
إنها متعة حقًا ، لكنها مشوبة لا بقليل ولكن بكثير من الخوف ... ماذا لو تحرك هذان الطودان ، فالتقيا ببعضهما وانطبقا ، ماذا لو سال هذا الوادي وأنت بداخله ، لا مفر ولا ملجأ ، المدخل والمخرج واحد ، وعن يمينك طود وعن شمالك طود ، لا تستطيع ولو كنت من أمهر متسلقي الجبال أن تفعل شيئًا ، وقد حدثنا الإخوان من أهل المنطقة أنه قد حدثت لأشخاص فيه حوادث غرق بسبب مداهمة السيول لهم ...
دخلنا الوادي نتوجس خيفة ... لا نسمع إلا فرقعة الحُصيَّات تحت العجلات ، إنها حصيات قد استدارت في الغالب بفعل مرور المياه عليها وزحفها بها ... وعما قليل ، وإذا بي أرى ماء يجري كـ ( الساقي ) فصحت : " سبحان الله !! " ثم ما يبلث هذا الماء أن يختفي تحت هذه الحصيات الواسعة المسام ، ثم يخرج نابعًا من موقع آخر ، فأزيد : " سبحان الله !! سبحان الله !! " ويقول لي الإخوان : أصبر ، أصبر ... ما رأيت شيئًا "
ونتوغل شيئًا فشيئًا وبسرعة بطيئة ؛ لما ذكرته من هذه الحصيات التي يخشى على العجلات من بعضها ، وإن كانت كما ذكرت سابقًا في غالبها دائرية لا تشكل تلك الخطورة ... ويزداد الماء ويزداد ، مكونًا في بعض الأماكن بركًا صغيرة ... وبعد ما يقرب من كيلو متر أو لعله يزيد ، وصلنا إلى المقر الذي فيه الغداء ، وقد وضع هنالك متنزه ، فيه مطعم للمندي ، والظاهر أن من أراد أن يدعو أحدًا يكلم العاملين فيه ، فيجهزون له كل شيء ، وهذا المتنزه على ما يشبه الردهة أو المرتفع ، وتحيط بك الأشجار من هنا وهناك ، في منظر بديع يخلب اللب ويسحر العين ، وتتدلى أشجار من هذه السفوح القائمة ، وترتفع أخرى إلى الأعلى مقاومة الجاذبية ، وترى عن يمينك وشمالك المياه تتقاطر حينًا وتسيل حينًا آخر من علو شاهق .
وبعد الغداء ركبنا الأقدام ، ونزلنا في أسفل الوادي لنتتبع هذا الماء ، ونسير بعد مقر الغداء ما يقرب من مائتي متر أو لعلها ثلاث مائة ، فنقع على مكان فسيح نوعًا ما ، يرفده واد صغير آت من جهة الغرب فتلتقي المياه مكونة بركة كبيرة ، يردها أهالي تلك المنطقة من مسافات بعيدة كما حدثنا الإخوة ، لعلها تزيد عن مائة كيل أحيانًا ليستقوا من هذه المياه العذبة الصافية ، المنبثقة من هذه الصخور الصماء العالية ... وغالبًا ما يستعملون ( الجيب الشاص ) لهذا الغرض ، إلا أنني فوجئت بسيارة مورسيدس ( سقس ) يبدو أن صاحبها خاطر ونزل بها إلى هذا المكان ،، لكنه البحث عن الرزق ، إذ يشكل هذا العمل المصدر الوحيد لكثير منهم .
وفي هذا المكان ، التفت إلى يمينك تجد خزان مياه ، بناه أحد فاعلي الخير ، ضمانًا لتوفير الماء الأنقى ، إذ تنبع المياه من الجبل فتصب مجتمعة في هذا الخزان مباشرة ، قبل أن تقع على الأرض ، ومن هذا الخزان تنطلق صنابير ومحابس بسعة ( البوصة ) تقريبًا ، تتدلى منها خراطيم لمن أراد أن يستقي ، فجزى الله من بناه ومدَّدَها خيرًا .
وندلف إلى أسفل الوادي خطوة خطوة ، نُقَدِّرُ موضعًا للرجل قبل وضعها ، وتساعد أيدينا أرجلنا أحيانًا ؛ خوف الزلل والزلق ، فنمر بشلالات وبرك كثيرة ، حتى ننتهي إلى بركة كبيرة يتجمع فيها الماء ، عرضها أكثر من مترين ، وطولها أكثر من عشرة أمتار ، وعمقها يزيد على الثلاثة ، وماؤها أصفى من عين الديك ـ كما يقال في الأمثال ـ وقد أخبرنا بعض الإخوان أنهم سبحوا فيها مرة ، فيقف أحدهم قبل أن ينتهي إلى جانبها العميق رافعًا يده ، فتغمره المياه فيها .
ومن هذه البركة ينحدر الماء مشكلا ما يشبه ( الخارَّة ) لمن يعرفها من أهل المزارع القدماء ، في خرير يشرح الصدر ويبهج النفس ، ويلذ للعين والأذن مرآه ومسمعه ، وهناك توضأنا ، ثم نزلنا قليلا لرؤية بعض الشلالات والبرك ، فوجدنا السمك في بعضها ، وعندها وصلنا إلى مكان ظهر أن لا قدرة لنا على تجاوزه إلا بصعوبة ، لشدة انحداره ووعورته وتكونه من صخور كبيرة ، بل يظهر أن لا إمكانية لتجاوزه إلا بأجهزة وحبال وإمكانيات غير طبيعية ، ولذلك قررنا الرجوع بعد أن متعنا أعيننا وآذانا ، بتلك المياه الجارية ، والشلالات الماضية ، والأشجار الكثيفة العالية ، وتلك المتدلية من على السفوح ، وقد استمر سيرنا هذا أكثر من ساعتين ، رجعنا بعده إلى إخواننا ؛ لنسأل بعض شيوخهم وكبار السن منهم عن مجرى هذا الوادي وأين ينتهي ، فذكروا لنا أنه يمتد لأكثر من خمسة عشر كيلا على هذه الصورة ، ثم يصب في وادي بيش ، المنتهي في البحر الأحمر ، وهكذا هو طوال السنة ، فسبحان الله الذي جعل في الأرض " آيات للموقنين " وجمل بلادنا بهذه الأماكن الجميلة ، وأعتذر للإخوان أنني لم أكن محترفًا للتصوير ، بل لم أظن ـ كغيري ـ أن أعثر على مثل هذا المكان في ( جيزان ) ، وإلا لانتدبت معي من يصوره ،، لكن لعلي وفقت في نقل صورة كتابية ، تبرز شيئًا من وصف هذا المكان السياحي الجميل ، الذي أرى أنه لم يأخذ حقه من الدعاية من أهل تلك المنطقة أنفسهم ، فضلا عن غيرهم ، ولعل أحدكم ـ أيها المكشاتيون ـ يزوره فينقل للإخوان صورة أوسع وأشمل مما نقلته أنا ، وأتمنى للجميع إجازة سعيدة موفقة .
ذهب أولئك الإخوة على السيارة ، بعد أن أصروا علي أن ألحق بهم هناك ، فتحاملت على نفسي وتركت بعض ما أنا فيه من أعمال وارتباطات ، ولحقت بهم بالطائرة ، ومن جيزان ركبنا السيارة ، وتجولنا في عدد من المحافظات والمدن والقرى ( جيزان ـ صبياء ـ أبوعريش ـ بيش ـ أحد المسارحة ـ أم الحجل ـ هروب ـ المحلة ـ الريث ) ... إلخ .
وكانت تلك الأخيرة ، أعني ( الرَّيثَ ) محافظة تقع في شرقي منطقة جيزان ، في الجبال على علوًّ متوسط ، وقد قضينا فيها يومين ، بعيدًا عن تلك ( الغُبْرَة ) التي تبتلى بها المنطقة الساحلية طوال شهرين تقريبًا ، وقد تنقص قليلا ، لكن هذه المحافظة وبحكم ارتفاعها المناسب ، تقل فيها الغبرة بشكل كبير ، ويلطف الجو فيها عنه في الساحل ، الذي يجمع إلى الغبرة الحرارة الشديدة والرطوبة العالية ...
تبعد محافظة ( الريث ) عن مدينة جيزان ساعة ونصف بالسيارة ، أي ما يقارب مائة إلى مائة وعشرين كيلا ، ولها طريق يتعرج بين الجبال كالثعبان ، مارًّا بوديان جميلة وأشجار ذات خضرة ورواء ، وبعد أن تتجاوز ( رَخْيَة ) حاضرة الريث بما يتراوح من ستة إلى عشرة أكيال ، فاسأل عن (وادي لُجْب) تجد العجب .
أصر أحد الدعاة هناك ، ممن يتحلون بكرم عجيب كما رأيت وذكر لي ، وعزم علينا بعد أن فَطَّرَنا على مائدة دسمة ، عزم علينا أن نتغدَّى في (وادي لجب) ، وكان الإخوان يحدثوننا عنه عجبًا ، وكنت بالأشواق إلى أن نقصده ؛ لنرى ذلك الوادي العجيب ، فصلينا الجمعة ، وسرنا شرقي ( رَخيَة ) في طريق معبد متعرج ، يعلو بك حينًا إلى السماء ويهبط حينًا آخر إلى قاع وادٍ ، في منعطفات خطيرة ، ولا تصعد السيارة في بعض أجزاء هذا الطريق إلا بـ ( الدبل ) ، وتفاجأ في بعض أجزائه بالجبل وقد انهار عليه من جراء السيول العاتية وسده ، فاضطرت شركة الصيانة لفتح تحويلة بجانبه ، لتصلح ما أزاله السيل العرمرم من ذلك الطريق المعبد .
وبعد أن قطعنا الكيلات الثمانية أو العشرة ، صاح أحد الشباب لسائقنا ( التحويلة من هنا ) فنزلنا عن يسار الطريق ، مع ممر ترابي حجري ، وهنا لحظت أننا بعد أن كنا نسير في جبال سوداء رأينا على اليسار في وجوهنا بعد أن نزلنا هضابًا ( صفا ) تميل إلى الحمرة قليلا ، وبعد ما يقرب من الكيل الواحد ، كانت بداية الوادي الحقيقية الفعلية ، لقد دخلنا ممرًّا ضيقًا بين طودين عظيمين من الهضاب ، لا يكاد يتسع للسيارة في بعض أجزائه ، ويتسع أحيانًا إلى حوالي العشرين مترًا ، ويبدو للناظر أنها هضبة انفلقت ، فكان منها طودان عظيمان عاليان ، تسقط عمامتك إذا رفعت الرأس لتنظر إلى علوّهما ، ويخيل إليَّ أن ارتفاعهما لا يقل عن ثلاث مائة متر ، ويزيد أحيانًا إلى أن يصل إلى ما يربو على خمس مائة متر وقد يصل إلى الثمان مائة ... هذا الوادي لا أحسبه يرى الشمس أكثر من ساعة ، هي وقت قيامها قبل الزوال ، وأما ما عدا ذلك فهو في ظل دائم .
إنها متعة حقًا ، لكنها مشوبة لا بقليل ولكن بكثير من الخوف ... ماذا لو تحرك هذان الطودان ، فالتقيا ببعضهما وانطبقا ، ماذا لو سال هذا الوادي وأنت بداخله ، لا مفر ولا ملجأ ، المدخل والمخرج واحد ، وعن يمينك طود وعن شمالك طود ، لا تستطيع ولو كنت من أمهر متسلقي الجبال أن تفعل شيئًا ، وقد حدثنا الإخوان من أهل المنطقة أنه قد حدثت لأشخاص فيه حوادث غرق بسبب مداهمة السيول لهم ...
دخلنا الوادي نتوجس خيفة ... لا نسمع إلا فرقعة الحُصيَّات تحت العجلات ، إنها حصيات قد استدارت في الغالب بفعل مرور المياه عليها وزحفها بها ... وعما قليل ، وإذا بي أرى ماء يجري كـ ( الساقي ) فصحت : " سبحان الله !! " ثم ما يبلث هذا الماء أن يختفي تحت هذه الحصيات الواسعة المسام ، ثم يخرج نابعًا من موقع آخر ، فأزيد : " سبحان الله !! سبحان الله !! " ويقول لي الإخوان : أصبر ، أصبر ... ما رأيت شيئًا "
ونتوغل شيئًا فشيئًا وبسرعة بطيئة ؛ لما ذكرته من هذه الحصيات التي يخشى على العجلات من بعضها ، وإن كانت كما ذكرت سابقًا في غالبها دائرية لا تشكل تلك الخطورة ... ويزداد الماء ويزداد ، مكونًا في بعض الأماكن بركًا صغيرة ... وبعد ما يقرب من كيلو متر أو لعله يزيد ، وصلنا إلى المقر الذي فيه الغداء ، وقد وضع هنالك متنزه ، فيه مطعم للمندي ، والظاهر أن من أراد أن يدعو أحدًا يكلم العاملين فيه ، فيجهزون له كل شيء ، وهذا المتنزه على ما يشبه الردهة أو المرتفع ، وتحيط بك الأشجار من هنا وهناك ، في منظر بديع يخلب اللب ويسحر العين ، وتتدلى أشجار من هذه السفوح القائمة ، وترتفع أخرى إلى الأعلى مقاومة الجاذبية ، وترى عن يمينك وشمالك المياه تتقاطر حينًا وتسيل حينًا آخر من علو شاهق .
وبعد الغداء ركبنا الأقدام ، ونزلنا في أسفل الوادي لنتتبع هذا الماء ، ونسير بعد مقر الغداء ما يقرب من مائتي متر أو لعلها ثلاث مائة ، فنقع على مكان فسيح نوعًا ما ، يرفده واد صغير آت من جهة الغرب فتلتقي المياه مكونة بركة كبيرة ، يردها أهالي تلك المنطقة من مسافات بعيدة كما حدثنا الإخوة ، لعلها تزيد عن مائة كيل أحيانًا ليستقوا من هذه المياه العذبة الصافية ، المنبثقة من هذه الصخور الصماء العالية ... وغالبًا ما يستعملون ( الجيب الشاص ) لهذا الغرض ، إلا أنني فوجئت بسيارة مورسيدس ( سقس ) يبدو أن صاحبها خاطر ونزل بها إلى هذا المكان ،، لكنه البحث عن الرزق ، إذ يشكل هذا العمل المصدر الوحيد لكثير منهم .
وفي هذا المكان ، التفت إلى يمينك تجد خزان مياه ، بناه أحد فاعلي الخير ، ضمانًا لتوفير الماء الأنقى ، إذ تنبع المياه من الجبل فتصب مجتمعة في هذا الخزان مباشرة ، قبل أن تقع على الأرض ، ومن هذا الخزان تنطلق صنابير ومحابس بسعة ( البوصة ) تقريبًا ، تتدلى منها خراطيم لمن أراد أن يستقي ، فجزى الله من بناه ومدَّدَها خيرًا .
وندلف إلى أسفل الوادي خطوة خطوة ، نُقَدِّرُ موضعًا للرجل قبل وضعها ، وتساعد أيدينا أرجلنا أحيانًا ؛ خوف الزلل والزلق ، فنمر بشلالات وبرك كثيرة ، حتى ننتهي إلى بركة كبيرة يتجمع فيها الماء ، عرضها أكثر من مترين ، وطولها أكثر من عشرة أمتار ، وعمقها يزيد على الثلاثة ، وماؤها أصفى من عين الديك ـ كما يقال في الأمثال ـ وقد أخبرنا بعض الإخوان أنهم سبحوا فيها مرة ، فيقف أحدهم قبل أن ينتهي إلى جانبها العميق رافعًا يده ، فتغمره المياه فيها .
ومن هذه البركة ينحدر الماء مشكلا ما يشبه ( الخارَّة ) لمن يعرفها من أهل المزارع القدماء ، في خرير يشرح الصدر ويبهج النفس ، ويلذ للعين والأذن مرآه ومسمعه ، وهناك توضأنا ، ثم نزلنا قليلا لرؤية بعض الشلالات والبرك ، فوجدنا السمك في بعضها ، وعندها وصلنا إلى مكان ظهر أن لا قدرة لنا على تجاوزه إلا بصعوبة ، لشدة انحداره ووعورته وتكونه من صخور كبيرة ، بل يظهر أن لا إمكانية لتجاوزه إلا بأجهزة وحبال وإمكانيات غير طبيعية ، ولذلك قررنا الرجوع بعد أن متعنا أعيننا وآذانا ، بتلك المياه الجارية ، والشلالات الماضية ، والأشجار الكثيفة العالية ، وتلك المتدلية من على السفوح ، وقد استمر سيرنا هذا أكثر من ساعتين ، رجعنا بعده إلى إخواننا ؛ لنسأل بعض شيوخهم وكبار السن منهم عن مجرى هذا الوادي وأين ينتهي ، فذكروا لنا أنه يمتد لأكثر من خمسة عشر كيلا على هذه الصورة ، ثم يصب في وادي بيش ، المنتهي في البحر الأحمر ، وهكذا هو طوال السنة ، فسبحان الله الذي جعل في الأرض " آيات للموقنين " وجمل بلادنا بهذه الأماكن الجميلة ، وأعتذر للإخوان أنني لم أكن محترفًا للتصوير ، بل لم أظن ـ كغيري ـ أن أعثر على مثل هذا المكان في ( جيزان ) ، وإلا لانتدبت معي من يصوره ،، لكن لعلي وفقت في نقل صورة كتابية ، تبرز شيئًا من وصف هذا المكان السياحي الجميل ، الذي أرى أنه لم يأخذ حقه من الدعاية من أهل تلك المنطقة أنفسهم ، فضلا عن غيرهم ، ولعل أحدكم ـ أيها المكشاتيون ـ يزوره فينقل للإخوان صورة أوسع وأشمل مما نقلته أنا ، وأتمنى للجميع إجازة سعيدة موفقة .