عبد الله المنصور
06/05/2012, 06:13 PM
(( ذات العراقيب ))
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
فهذا اسمٌ كان يطلق على رملةٍ مشهورة في أرض القصيم ، وقد أصبحت هذه الرَّملةُ مُتَنـزَّهاً لأهل بريدة ، يخرجون إليها في ليالي الصيف ، وأيام الشتاء ، لقربها ، وصحّة تربتها ، وطيب هوائها ، إلا أنّ الأسماء الحديثة طغتْ على اسمها الحقيقي فهمّ ذلك الاسم بالزوال كما زال غيره من أسماء ، لولا أنه أتيح لهذا المكان النَّـِزه راوٍ من الأعراب الفصحاء الذين سقط إلينا كلامهم من خلال بعض كتب اللغة ، فحدّده تحديدًا واضحًا، ووصفه صفة دقيقة ، وقد طلبتُ هذا الموضع في ( معجم بلاد القصيم ) ظننًا أنه سيذكره فما وجدته ، والسببُ في ذلك بيّن ، وهو أنّ هذا النّصّ لم يرد في معاجم البلدان ، وإنما حفظتْه لنا كتب اللغة ، وبذلك لا يعدّ من فائت ( معجم بلاد القصيم ) وحده ، وإنما يُعد مما فات معاجم البلدان كلها ، وما أكثر المواضع التي لم ترد في معاجم البلدان ، وجاءتنا من خلال كتب العربية الأخرى .
***
وأنا لا أحبّ الإفصاح باسم هذا المكان الذي أتكلّم عنه ، قبل أنّ أنقل كلام هذا الأعرابي ؛ لأنَ من يقرأه فلن يجد مشقّة في التوصّل إليه ، ولن ينتظر من يَكْشفه له .
وقد سمّى لنا ابنُ سِيْدةَ هذا الأعرابي ، وعدّه ابن النديم في ( الفهرست ) ممن روتْ العلماء عنه ، وقد رأيتُ ابنَ السِّكِّيت يروي عنه أقوالاً، كما جاء في ( المُخَصَّص ) ، مما يدّل على أنّه كان من الرواة المشتغلين باللغة .
أما اسم هذا الأعرابي فهو أبو صاعد الكلابي ، وربما سماه ابنُ السِّكيت بالكلابي ، وتارةً يسميه بالصموتي الكلابي ، ولعله غيره .
***
http://im28.gulfup.com/2012-05-06/1336301647952.jpg (http://www.gulfup.com/show/Xreqo790afkgc0)
أحد حبال ذات العراقيب وقد انساب انسياب الحية
وإليك كلامه عن ( ذات العراقيب ) ، وقد أوجز فيه ، إلا أنّه كلام رجلٍ عرف المكان تمام المعرفة ، فقد جاء في كتاب ( المُخَصَّص ) لابنِ سِيْدةَ في صفحة 222 من الجزء 13 (( طبعة بولاق )) : ( ذات العراقيب : ضَفِرَةٌ في بلاد عمرو بن تميم ، بحِذاءِ قارةِ بَوْلان القَصيم ، والعَراقيب : حبالٌ تَنْسابُ منها فتَشْتَبِك بينها وبين الضّفِرةِ الأخرى ، وربما تَبَتَّرَتْ ) انقضى كلامه
وههنا كلمة في هذا النص مُزالةٌ عن وجهها يجب التنبيه إليها ، وهي قوله : بحذاء قارة بولان ، فهذا العبارة مختلّةٌ ، فكلمة قارة ، لا وجه لها ، لأنه ليس بقرب بولان قارة فتضاف إليه ، وإنما بولان قاعٌ كما هو مستفيض في معاجم البلدان . وكأنّ الناسخ اشتبه عليه حوض حرف العين بحرف الراء فاعتقدها راءً ، وظنّ أنّ صورة رأس العين تاءٌ مربوطة فتوهم أنّ الكلمة قارة ، وهذا أمر واضح قريب .
وإذا أعدنا النظر مرّة أخرى في هذا التحديد ، فإنّ أول ما يستوقفنا هو كونه بالقصيم ، وإذا نحن علمنا أنّ قاع بولان هو ما يعرف اليوم بالقاع الأبيض أو بقاع مُتعب كما حققه صاحب ( بلاد القصيم ) فإنّ الموضع الذي نتحرّاه قد صار منا على قاب قوسين أو أدنى ، ولا بدّ إذا أردنا التوصُّلَ إلى الموضع بدقةٍ أن نُعاود النظرَ في كلام أبي صاعد الكلابي ، فإنه تضمّن كلماتٍ غاية في الفصاحة ، فقد قال : ( وذات العراقيب : ضَفِرَةٌ في بلاد عمرو بن تميم ) ، والضَّفِرةُ كما في ( تهذيب اللغة ) للأزهري ) : الرمل المنعقد بعضه على بعض ، كما نقل عن أبي عمرو ) ، وهذا يعني أنّ ذات العراقيب رملة وليست واديًا أو جبلًا أو شيئًا آخر ، ومن يقف في قاع متعب ير إلى الشرق منه نفود الشماسية ، وإلى الشمال رمال الجرّاد، ، غير أن الرمال الشرقية تُشرف على القاع مباشرة ، وأما الشمالية فلا تشرف مباشرة ولكنّها محاذيةٌ له ، وكلما اتجهنا معها شمالًا ظهرتْ بوضوح ، مما يعني أنّ ذات العراقيب أحد هاتين الرملتين ، وترجيح إحدى هاتين الرملتين على الأخرى ، وأن تكون هي التي ذكرت دون الأخرى ، يحتاج إلى دليل .
http://im28.gulfup.com/2012-05-06/1336301646111.jpg (http://www.gulfup.com/show/X94ww0f672o84ws)
جانب من نفود الشماسية
و الغريب في الأمر أنني وجدتُ على الخارطة موضعًا شمال الجرّاد يحمل اسم ( أم عرقوب ) فبدا لي أول الأمر أنّه هو ذات العراقيب ، فكلمة أم عند العامة بمعنى ذات ، وعرقوب هي إفراد لكلمة العراقيب ، والوصف ينطبق عليها ، فاتصلتُ بأستاذنا الجليل أبي سهيل ، وأعلمتُه بما كان ، وطلبتُ منه أن يصحبني إلى هذا الموضع الذي اعتقدتُ أنّه ذات العراقيب فوافق ، وكانت المفاجأة حين التقينا في ذلك القاع أن قال مُنَبِّهًا لي ومُسَدِّدًا : وفي ذلك الرمل - وأشار بيده إلى نفود الشماسية – عراقيب ، ثم تابع كلامه قائلًا : وكلّ رملٍ أو كثيبٍ واقفٍ عند عامة أهل نجدٍ اليوم يُسمّى عرقوبًا ، وهو وصف وليس علمًا .
والحقّ أنّ هذا الكلام الذي سمعتُه من أستاذنا أبي سهيل فتح لي بابًا من التأمّل ، وجعلني أعيد النظر فيما رجّحتُه ، وكان من ثمرة هذا اللقاء أني استدركتُ بعض ألفاظ اللغة التي أخلّتْ بها المعاجم ؛ لأنّ أبا سهيل نبّهني إلى استعمال العامة لهذه الكلمة .
http://im14.gulfup.com/2012-05-06/1336301392631.png (http://www.gulfup.com/show/X31mxdf8tj78kwo)
صورة جوية تبيّن هيئة الحبال في ذات العراقيب
وقد رجعتُ بعد هذا اللقاء إلى قراءة كلام أبي صاعدٍ الكلابي مرّة أخرى ، وليس الغرض من قراءته هذه المرة هو نفسه في المرّات السابقة ؛ ففي هذه المرّة جعلتُ ألتمس العلامة الفارقة كما يقال ، وأتحسس ضالّتي في هذا الكلام العربي المبين ، وهي ما عبّر عنها أبو صاعٍد الكلابي بقوله : ( والعَراقيب : حبالٌ تَنْسابُ منها فتَشْتَبِك بينها وبين الضّفِرةِ الأخرى ، وربما تَبَتَّرَتْ ) ، وتفسير العراقيب بمثل هذا الكلام ، أي أنّ العرقوب هو حبل الرمل ، أو الكثيب الممتد ، لم يرد في شيءٍ من معاجم اللغة التي اطّلعتُ عليها ، وإنما سقط إلينا في كلام هذا الأعرابي وحده ، وهو ما يشهد لصحة كلام العامة ، وقد اضطرني هذا الوصف الدقيق إلى السير على رمال هذين الموضعين طلبًا لتلك الحبال التي تنساب فتَشْتَبِك وربما تَبَتَّرَتْ ، فقمتُ أولًا بزيارة للجرّاد في 8 / 6 / 1433 هـــ للوقوف على عرق ( أم عرقوب ) ورؤية المكان ، وقد شاهدتُ في زيارتي هذه حبال الرمل ممتدة من الجنوب إلى الشمال لا تكاد العين تخطئها ، وكنت كلّما نظرتُ إلى حبال الرمل استأنفتُ التّعجّب من حُسْن وصف الكلابي ، وقمتُ بزيارة أخرى في 13/ 6 / 1433 هــ إلى نفود الشماسية ، وقد حرَصتُ على هذه الزيارة لأتحقق من مطابقة هذا الوصف لأي هذين الموضعين ، وقد تجلّى بعد رؤيته أنّ ذلك الكلام لا يصلح فيه ، فالغالب على رمال هذا الموضع أعني نفود الشماسية وهو جُزء من رمال صعافيق الأنقاء والزبائر ، وهي طبيعة رمال صعافيق ، ومن خلال صور الأقمار الصناعية يتضح ذلك جليًّا ، وبهذه الزيارة استبعدتُ أن يكون هذا النفود هو ذات العراقيب .
http://im14.gulfup.com/2012-05-06/133630139282.jpg (http://www.gulfup.com/show/X2a8711fwib0gw)
صورة جويّة لنفود الشماسية الذي استبعدنا أن يكون ذات العراقيب
ومما يستأنسُ به أيضًا على أنّ الرمال الواقعة شمالًا من القاع الأبيض ابتداءً من الجرّاد فما كان شمالًا هي ذات العراقيب وقوعها في حدود بلاد عمرو بن تميم كما ذكر أبو صاعد الكلابي ، وبلاد هؤلاء ، كما نقل ياقوت ، الصريف وهو الموضع الواقع شرق هذه الرمال بمسافة لا تتجاوز 9 أكيال .
وأستطيع الآن أن أقول بكلّ طُمأنينة : إنّ حبال الرمل الواسعة الواقعة بين رمال الجرّاد جنوبًا وعسيلان شمالًا هي رملة ذات العراقيب كما أنّ عرق أمِّ عرقوب المُثبَت على الخرائط هو الاسم القديم إلا أن هذا الاسم قد تقلّص وصار يطلق على عرق واحد ، وهو علمٌ عليه كمكة ، وليس وصفًا .
وبعد فليس هذا هو المكان الوحيد الذي ظلّ خاملًا ، متواريًا عن الأسماع طول هذه المُدّة ، بل هناك مئات الأسماء التي تنتظر من يبعثها للناس من مَرْقدها ، وإنما تعجّلتُه لك أيها القارئ الكريم من بين سائر الأماكن ، لمكان الوطن من القلب ، ولأجل انتسابي إلى هذه المدينة الحبيبة ، نسأل الله تعالى حُسن النية وسلامة القصد ، والله تعالى أعلم .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد :
فهذا اسمٌ كان يطلق على رملةٍ مشهورة في أرض القصيم ، وقد أصبحت هذه الرَّملةُ مُتَنـزَّهاً لأهل بريدة ، يخرجون إليها في ليالي الصيف ، وأيام الشتاء ، لقربها ، وصحّة تربتها ، وطيب هوائها ، إلا أنّ الأسماء الحديثة طغتْ على اسمها الحقيقي فهمّ ذلك الاسم بالزوال كما زال غيره من أسماء ، لولا أنه أتيح لهذا المكان النَّـِزه راوٍ من الأعراب الفصحاء الذين سقط إلينا كلامهم من خلال بعض كتب اللغة ، فحدّده تحديدًا واضحًا، ووصفه صفة دقيقة ، وقد طلبتُ هذا الموضع في ( معجم بلاد القصيم ) ظننًا أنه سيذكره فما وجدته ، والسببُ في ذلك بيّن ، وهو أنّ هذا النّصّ لم يرد في معاجم البلدان ، وإنما حفظتْه لنا كتب اللغة ، وبذلك لا يعدّ من فائت ( معجم بلاد القصيم ) وحده ، وإنما يُعد مما فات معاجم البلدان كلها ، وما أكثر المواضع التي لم ترد في معاجم البلدان ، وجاءتنا من خلال كتب العربية الأخرى .
***
وأنا لا أحبّ الإفصاح باسم هذا المكان الذي أتكلّم عنه ، قبل أنّ أنقل كلام هذا الأعرابي ؛ لأنَ من يقرأه فلن يجد مشقّة في التوصّل إليه ، ولن ينتظر من يَكْشفه له .
وقد سمّى لنا ابنُ سِيْدةَ هذا الأعرابي ، وعدّه ابن النديم في ( الفهرست ) ممن روتْ العلماء عنه ، وقد رأيتُ ابنَ السِّكِّيت يروي عنه أقوالاً، كما جاء في ( المُخَصَّص ) ، مما يدّل على أنّه كان من الرواة المشتغلين باللغة .
أما اسم هذا الأعرابي فهو أبو صاعد الكلابي ، وربما سماه ابنُ السِّكيت بالكلابي ، وتارةً يسميه بالصموتي الكلابي ، ولعله غيره .
***
http://im28.gulfup.com/2012-05-06/1336301647952.jpg (http://www.gulfup.com/show/Xreqo790afkgc0)
أحد حبال ذات العراقيب وقد انساب انسياب الحية
وإليك كلامه عن ( ذات العراقيب ) ، وقد أوجز فيه ، إلا أنّه كلام رجلٍ عرف المكان تمام المعرفة ، فقد جاء في كتاب ( المُخَصَّص ) لابنِ سِيْدةَ في صفحة 222 من الجزء 13 (( طبعة بولاق )) : ( ذات العراقيب : ضَفِرَةٌ في بلاد عمرو بن تميم ، بحِذاءِ قارةِ بَوْلان القَصيم ، والعَراقيب : حبالٌ تَنْسابُ منها فتَشْتَبِك بينها وبين الضّفِرةِ الأخرى ، وربما تَبَتَّرَتْ ) انقضى كلامه
وههنا كلمة في هذا النص مُزالةٌ عن وجهها يجب التنبيه إليها ، وهي قوله : بحذاء قارة بولان ، فهذا العبارة مختلّةٌ ، فكلمة قارة ، لا وجه لها ، لأنه ليس بقرب بولان قارة فتضاف إليه ، وإنما بولان قاعٌ كما هو مستفيض في معاجم البلدان . وكأنّ الناسخ اشتبه عليه حوض حرف العين بحرف الراء فاعتقدها راءً ، وظنّ أنّ صورة رأس العين تاءٌ مربوطة فتوهم أنّ الكلمة قارة ، وهذا أمر واضح قريب .
وإذا أعدنا النظر مرّة أخرى في هذا التحديد ، فإنّ أول ما يستوقفنا هو كونه بالقصيم ، وإذا نحن علمنا أنّ قاع بولان هو ما يعرف اليوم بالقاع الأبيض أو بقاع مُتعب كما حققه صاحب ( بلاد القصيم ) فإنّ الموضع الذي نتحرّاه قد صار منا على قاب قوسين أو أدنى ، ولا بدّ إذا أردنا التوصُّلَ إلى الموضع بدقةٍ أن نُعاود النظرَ في كلام أبي صاعد الكلابي ، فإنه تضمّن كلماتٍ غاية في الفصاحة ، فقد قال : ( وذات العراقيب : ضَفِرَةٌ في بلاد عمرو بن تميم ) ، والضَّفِرةُ كما في ( تهذيب اللغة ) للأزهري ) : الرمل المنعقد بعضه على بعض ، كما نقل عن أبي عمرو ) ، وهذا يعني أنّ ذات العراقيب رملة وليست واديًا أو جبلًا أو شيئًا آخر ، ومن يقف في قاع متعب ير إلى الشرق منه نفود الشماسية ، وإلى الشمال رمال الجرّاد، ، غير أن الرمال الشرقية تُشرف على القاع مباشرة ، وأما الشمالية فلا تشرف مباشرة ولكنّها محاذيةٌ له ، وكلما اتجهنا معها شمالًا ظهرتْ بوضوح ، مما يعني أنّ ذات العراقيب أحد هاتين الرملتين ، وترجيح إحدى هاتين الرملتين على الأخرى ، وأن تكون هي التي ذكرت دون الأخرى ، يحتاج إلى دليل .
http://im28.gulfup.com/2012-05-06/1336301646111.jpg (http://www.gulfup.com/show/X94ww0f672o84ws)
جانب من نفود الشماسية
و الغريب في الأمر أنني وجدتُ على الخارطة موضعًا شمال الجرّاد يحمل اسم ( أم عرقوب ) فبدا لي أول الأمر أنّه هو ذات العراقيب ، فكلمة أم عند العامة بمعنى ذات ، وعرقوب هي إفراد لكلمة العراقيب ، والوصف ينطبق عليها ، فاتصلتُ بأستاذنا الجليل أبي سهيل ، وأعلمتُه بما كان ، وطلبتُ منه أن يصحبني إلى هذا الموضع الذي اعتقدتُ أنّه ذات العراقيب فوافق ، وكانت المفاجأة حين التقينا في ذلك القاع أن قال مُنَبِّهًا لي ومُسَدِّدًا : وفي ذلك الرمل - وأشار بيده إلى نفود الشماسية – عراقيب ، ثم تابع كلامه قائلًا : وكلّ رملٍ أو كثيبٍ واقفٍ عند عامة أهل نجدٍ اليوم يُسمّى عرقوبًا ، وهو وصف وليس علمًا .
والحقّ أنّ هذا الكلام الذي سمعتُه من أستاذنا أبي سهيل فتح لي بابًا من التأمّل ، وجعلني أعيد النظر فيما رجّحتُه ، وكان من ثمرة هذا اللقاء أني استدركتُ بعض ألفاظ اللغة التي أخلّتْ بها المعاجم ؛ لأنّ أبا سهيل نبّهني إلى استعمال العامة لهذه الكلمة .
http://im14.gulfup.com/2012-05-06/1336301392631.png (http://www.gulfup.com/show/X31mxdf8tj78kwo)
صورة جوية تبيّن هيئة الحبال في ذات العراقيب
وقد رجعتُ بعد هذا اللقاء إلى قراءة كلام أبي صاعدٍ الكلابي مرّة أخرى ، وليس الغرض من قراءته هذه المرة هو نفسه في المرّات السابقة ؛ ففي هذه المرّة جعلتُ ألتمس العلامة الفارقة كما يقال ، وأتحسس ضالّتي في هذا الكلام العربي المبين ، وهي ما عبّر عنها أبو صاعٍد الكلابي بقوله : ( والعَراقيب : حبالٌ تَنْسابُ منها فتَشْتَبِك بينها وبين الضّفِرةِ الأخرى ، وربما تَبَتَّرَتْ ) ، وتفسير العراقيب بمثل هذا الكلام ، أي أنّ العرقوب هو حبل الرمل ، أو الكثيب الممتد ، لم يرد في شيءٍ من معاجم اللغة التي اطّلعتُ عليها ، وإنما سقط إلينا في كلام هذا الأعرابي وحده ، وهو ما يشهد لصحة كلام العامة ، وقد اضطرني هذا الوصف الدقيق إلى السير على رمال هذين الموضعين طلبًا لتلك الحبال التي تنساب فتَشْتَبِك وربما تَبَتَّرَتْ ، فقمتُ أولًا بزيارة للجرّاد في 8 / 6 / 1433 هـــ للوقوف على عرق ( أم عرقوب ) ورؤية المكان ، وقد شاهدتُ في زيارتي هذه حبال الرمل ممتدة من الجنوب إلى الشمال لا تكاد العين تخطئها ، وكنت كلّما نظرتُ إلى حبال الرمل استأنفتُ التّعجّب من حُسْن وصف الكلابي ، وقمتُ بزيارة أخرى في 13/ 6 / 1433 هــ إلى نفود الشماسية ، وقد حرَصتُ على هذه الزيارة لأتحقق من مطابقة هذا الوصف لأي هذين الموضعين ، وقد تجلّى بعد رؤيته أنّ ذلك الكلام لا يصلح فيه ، فالغالب على رمال هذا الموضع أعني نفود الشماسية وهو جُزء من رمال صعافيق الأنقاء والزبائر ، وهي طبيعة رمال صعافيق ، ومن خلال صور الأقمار الصناعية يتضح ذلك جليًّا ، وبهذه الزيارة استبعدتُ أن يكون هذا النفود هو ذات العراقيب .
http://im14.gulfup.com/2012-05-06/133630139282.jpg (http://www.gulfup.com/show/X2a8711fwib0gw)
صورة جويّة لنفود الشماسية الذي استبعدنا أن يكون ذات العراقيب
ومما يستأنسُ به أيضًا على أنّ الرمال الواقعة شمالًا من القاع الأبيض ابتداءً من الجرّاد فما كان شمالًا هي ذات العراقيب وقوعها في حدود بلاد عمرو بن تميم كما ذكر أبو صاعد الكلابي ، وبلاد هؤلاء ، كما نقل ياقوت ، الصريف وهو الموضع الواقع شرق هذه الرمال بمسافة لا تتجاوز 9 أكيال .
وأستطيع الآن أن أقول بكلّ طُمأنينة : إنّ حبال الرمل الواسعة الواقعة بين رمال الجرّاد جنوبًا وعسيلان شمالًا هي رملة ذات العراقيب كما أنّ عرق أمِّ عرقوب المُثبَت على الخرائط هو الاسم القديم إلا أن هذا الاسم قد تقلّص وصار يطلق على عرق واحد ، وهو علمٌ عليه كمكة ، وليس وصفًا .
وبعد فليس هذا هو المكان الوحيد الذي ظلّ خاملًا ، متواريًا عن الأسماع طول هذه المُدّة ، بل هناك مئات الأسماء التي تنتظر من يبعثها للناس من مَرْقدها ، وإنما تعجّلتُه لك أيها القارئ الكريم من بين سائر الأماكن ، لمكان الوطن من القلب ، ولأجل انتسابي إلى هذه المدينة الحبيبة ، نسأل الله تعالى حُسن النية وسلامة القصد ، والله تعالى أعلم .