حول وادي الرمة
على الباحثين التثبت عند إيراد المعلومات (2-2)
قلت: ما نقله لنا: أن الرُّمة يصب في الدهناء، فيظهر أن المقصود الثويرات. أما وادي الجريب في الزمن القديم، هو وادي الجرير في الوقت الحالي. ويعد أكبر روافد وادي الرُّمة، إذ يبلغ طوله 240كم منها 115كم في منطقة الرياض و125كم في منطقة القصيم أما منابعه فهي من جنوب غرب عفيف بنحو 70كم. كما نلاحظ أنه ذكر أن وادي الرمة (يجيء من الغور) فالغور منطقة منخفضة فكيف يجري الوادي من المنخفض (الغور) إلى المرتفع (عالية نجد)؟ ويقول ياقوت: والذي قرأته في كتاب الأصمعي في جزيرة العرب رواية ابن دريد عن عبدالرحمن بن عمه وقد ذكر نجداً فقال: والرمة يجيء من الغور والحجاز. يقول الشيخ العبودي: المتبادر للذهن أن الغور هو مكان منخفض لا يمكن أن تأتي منه السيول إلى نجد التي هي مكان مرتفع والظاهر أن الذين قالوا تلك العبارة إن كانوا قالوها ولم تكن محرفة -إنما أرادوا أن المياه التي تنزل على الرأس الأبيض وهو جبل في قمة ارتفاع الجزيرة العربية في المنطقة التي تقع إلى الشرق من خيبر تفترق فيذهب بعضها إلى الغور وبعضها الآخر إلى الشرق مكوناً بداية وادي الرمة. قلت: هذا تعليل معقول ومقبول. لكن لا نجزم به فمن المعروف أن وجه الأرض لا يستقر على صورة واحدة بل إنه دائم التشكل فقد تتحول الجبال إلى هضاب وقد تؤثر الزلازل بالسطح فترفع بعض الأجزاء من الأرض كانت منخفضة أو مغمورة بالماء وقد يحدث العكس، وقد ترفع البراكين أجزاء منخفضة، ونشاهد سطح منطقة القصيم يتغير شكله من وقت لآخر بفعل عوامل الرياح والسيول ولعل أبرز مثال لذلك عندما جرفت سيول وادي الرمة الرمال التي زحفت على مكان (العَوسَجة) وهذا اسمها في صدر الإسلام أما اليوم فتعرف بالبُريكة أو (القُصير). وهي تقع شمال الربيعيّة بالقصيم على بعد 6.7 كم. وقد ظهرت جدران بركة كانت مطمورة بالأتربة في طريق الحاج البصري.
وجاء في تهذيب اللغة للأزهري: عن الأصمعي قال: سمعت الأعراب يقولون: إذا خلفت عجلزاً مصعداً -وعجلز فوق القريتين- فقد أنجدت. قال: وأخربني الحراني عن ابن السكيت عن الأصمعي قال: ما ارتفع عن بطن الرُّمة - والرمة: واد معلوم- فهو نجد إلى ثنايا ذات عرق.
قلت: تقع (القريتين) على ضفاف وادي الرُّمة قرب مدينة عنيزة. أما متعشّى عجلز فقد حدد الشايع بأنه: يقع جنوب وادي الرمة. وهو ما يسمى الآن (البُريكة) يقع في وسط مزارع تسمى بهذا الاسم وموقعها في نهاية رمال (غميس عُنيزة) من جهة الغرب.
كذلك قدم لنا الهجري صاحب كتاب (التعليقات والنوادر) معلومات قيمة حين قال: وتنتهي الرمة عند أيرمي الكلبة من شقيق النباح، والشقيق رمل وأول الرمل جبل الحاضر من رمل الشقيق وأقصاه ميل الأمل، وهذا من جبال رمل الدهناء وبين هذين الجبلين خمسة أجبل بين كل جبلين ميلان أو أقل.
قلت: الميل العربي (2000م) حسب قياس جل الباحثين. أما كاتب هذه الأسطر فقد تبين له -حسب دراسته على واقع الأرض- أن الميل العربي عادل 2.2 كم، أو نحوها. أما (النِّباح) فتعرف اليوم بمحافظة (العين) في الأسياح، وهي تقع شمال شرق بريدة على بعد 54كم (في خط مستقيم). ومما ذكرت آنفاً من المصادر السابقة يتبين لنا أن حدود حوض وادي الرمة ونهياته -شرق البندرية في الأسياح حيث تحجزها رمال الثويرات- لم تتغير منذ صدر الإسلام وحتى وقتنا الحالي. وقد تحدثت بما فيه الكفاية في كتابي الموسوم ب(أرض القصيم) في مبحث خاص عن وادي الرمة فارجع إلى الكلام هناك إن أردت. واقرأ ما قلته من كلام في صفحة 78.
ثالثاً: المدلول الاصطلاحي:
الرُّمة: (بضم الأول. وبتثقل الثاني -أي بتشديد الميم. أو بتخفيفها- أي بحذفها) قطعة من الحَبْل. وهذا الوصف -في نظري- ينطبق على وادي الرمة في الوقت الحالي، فهو عبارة عن جزء من نهر كان يصب في العراق في الزمن المطير. لكن العوامل المناخية في فترات الجفاف عملت على طمر الوادي برواسب الرياح. إذ زحفت عليه رمال الثويرات والدهناء (قبل الإسلام) فقطعته إلى ثلاثة أودية منذ زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى وقتنا الحالي، وهي: الأجردي، الباطن، الرُّمَّة.
لكن (الرُّمة) يكتب كما ينطق في بعض وسائل الإعلام: الرِّمة (بالكسرِ). وهذا في نظري خطأ، وصوابه (الرُّمَة) أو (الرُّمّة). أما الرِّمةُ فهي: ما بليَ من العظام. كما نراه في المصادر المختلفة: قال جل جلاله {يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ }(78)) سورة يس. وفي أيسر التفاسير: جاء أبي بن خلف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده عظم رميم، أخذ يفته ويذروه بيديه، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن الله يبعث هذا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم يميتك الله تعالى، ثم يبعثك، ثم يحشرك إلى النار. والرمة كما يذكر الرازي (ت 721هـ): الرمة بالضم قطعة من الحبل بالية والجمع رُمم ورِمام وبها سُمّي ذو الرمة. ومنه قولهم دفع إليه الشيء برُمّته. وأصله أن رجلاً دفع إلى رجل بعيرً بحبل في عُنقه فقيل ذلك لكل من دفع شيئاً بجملته. والرمة بالكسر العظام البالية. ويقول ياقوت: الرمة بضم أوله، وتشديد ثانيه وقد يخفف ولفظ الأصمعي في كتابه: ما ارتفع من بطن الرمة يخفف ويثقل هذا لفظه، والرمة ما بقي من الحبل بعد تقطيعه وقال ابن دريد: الرمة قاع عظيم بنجد تنصب فيه أودية ويقال بالتخفيف. كما ذكر الفراهيدي (100-170هـ) الرمة في أشهر أولى معاجم اللغة العربية (العين): الرمة: القطعة من الحبل، وبها سمّي ذو الرمة. ودفعت الدابة إليك برُمّتها، أي: ببقية حبل على عنقها.. والرِّمة: العظام البالية. وفي المحيط في اللغة: الرُّمة: القطعة من الحبل، وبه سُمّي ذا الرُّمة. ودفعته إليه برُمّته: أي ببقية حبل على عنقه.. والرُّمة: قاع عظيم بنجد تنصب فيه أودية. ويفرّق ابن دريد بين الرمة، والرمّة حين قال: الرُّمة: القطعة من الحبل. والرّمة: ما رمَّ من العظام. أيضاً جاء في الصحاح في اللغة: الرُّمّة: قطعة من الحبل باليةٌ.. والرِمَّةُ بالكسر: العظام البالية. وفي (المغرب): الرِّمّة بالكسرِ ما بلي من العظامِ ومنها الحديث (نهى عن الاستنجاء بالروثِ والرمة).
كذلك جاء في تاج العروس للزبيدي: (والرمة بالضم قطعة من حبل) بالية (ويكسر) واقتصر الجوهري على الضم والجمع رمم ورمام ومنه قول علي رضي الله عنه يذم الدنيا وأسبابها رمام أي بالية.. (و) الرمة (قاع عظيم بنجد تنصب فيه) مياه (أودية وقد تخفف ميمه).
كما قال الفيروزابادي: الرُّمّة. بالضم: قطعة من حبل، ويُكسر، وبه سمي ذو الرمةِ، وقاعٌ عظيم بنجدٍ، تنصب فيه أودية، وقد تخفف ميمه. وفي المثل: تقول الرُّمة: كل شيء يُحسيني إلا الجُرَيْبَ فإنه يرويني. والجُريبُ: وادٍ تنصب فيه، والجبهة. ودفع رجل إلى آخر بعيراً بحبل في عنقه، فقيل لكل من دفع شيئاً بجملته: أعطاه برُمّته، وبالكسر. العظام البالية: والنملة ذات الجناحين، والأرضة. وحبلٌ أرمامٌ ورِمامٌ، ككتابٍ وعنب: بال. وجاء بالطِّم والرِّمّ: بالبحر والثرى، أو الرطبِ واليابسِ، أو التُرابِ والماء، أو بالمال الكثير.
والرِّمّ، بالكسر: ما يحمله الماءُ، أو ما على وجه الأرض من فُتات الحشيش.
أيضاً أورد ابن دريد: الرُّمة: قاع عظيم بنجد تنصب فيه جماعة أودية، وقالوا: الرُّمة فخففوا. كما بين لنا صاحب (جمهرة اللغة) أن ذي الرُّمة الشاعر سُمّي ببيت قاله وهو: أشعث باقي رمة التقليد. يعني وتداً.
وقولهم: خذ هذا برمته، أي اقتده بحبله. والرمة في بعض اللغات: الأرضة. ويقال: رممْتُ الشيء أرمّه رما، إذا أصلحته. و(جاء بالطمّ والرمّ)، فأحسن ما قالوا فيه أن الطمّ ما حمله الماء والرم ما حملته الريحُ.
ويضيف في موقع آخر: الرمة: العظم البالي، والجمع رِمم وأرمام. والرمة: قطعة من حبل. وتقول العرب: أتيتُك به برمّته، أي به كلّه، والأصل أن تأتي بالأسير وقد شددته برُمّة. والرُّمة: تخفّف وتثقل: موضع.
هذا ما عنَّ لي قوله. والمنة مَنْ منَّ الله عليه بالإيمان.
تركي بن إبراهيم القهيدان
guhaidan@hotmail.com
المصدر:
http://www.al-jazirah.com/147862/rv4d.htm
النهاية