قالوا عن حائل وأهلها
( ذات نخيل وأشجار ، وعيون وآبار ، وطيور وأزهار ، وبساتين واسعة وثمار ، وكأنها روضة من رياض الجنان فيها من كل فاكهة زوجان ، وأهلها عرب كرام شمل كرمهم الخاص والعام .. لم تلق فيهم غير شجاع عظيم وجواد كريم).
الرحالة الفارسي عباس الموسي زار حائل عام 1131 هـ ـ 1719 م.
( دهشت لرؤيتي الصغار الذين تتراوح أعمارهم بين ثلاث واثنتي عشرة سنة يرافقون المسنين ، ويسمح لهم بالحديث المتبادل معهم ، ويستشارون أحياناً في مواضيع تفوق مستواهم ، ويعيشون مع أهلهم في مودة ومحبة .. ولم أر في العالم كله أولاداً أكثر تعقلاً وأحسن خلقاً وأكثر طاعة لآبائهم مثل أبناء العرب في حائل ).
الرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين زار حائل عام 1845م وعام 1848م.
( إنني أحمل انطباعاً عميقاً عن جمالها ومفاتنها في كل شيء .. فن المعمار.. شوارعها النظيفة عديمة الضوضاء وقد يكون غريباً إن قلت عديمة الغبار أيضاً حقول الذرة الخضراء وهي تشع كاللؤلؤ من بين الحيطان).
الرحالة الإنجليزية جرترود بل زارت حائل عام 1914م ـ 1332هـ.
_
حائل منطقة عريقة في تاريخها ، أصيلة في تراثها ، نامية زاهرة في حاضرها ، وهي في السنام من حواضر الجزيرة ، وفي الهامة من نجد. حباها الله سبحانه وتعالى بسطة في الأرض ، وسعة في الأنحاء ، وتنوعاً في التضاريس ، فضمّت السهل والجبل وكثبان الرمل ، فمن انبساط في السهل إلى شموخ في الجبل ، ومن خضرة يانعة إلى صفرة ذهبية ، ومن مياه رقراقة عذبة إلى غدران متكاثرة صافية ، ومن عراقة في الجذور إلى حضارة ضاربة في أعماق الزمن ، ومن مجد مؤثل كللته الجيوش الإسلامية الفاتحة المتجهة من طيبة الطيبة إلى بلاد ما بين النهرين وحتى حاضر متطور زاهر في عهد خادم الحرمين الشريفين ، يعبرها ضيوف الرحمن من مشرق الأرض. ما زالت تحتضن أطرافها الشرقية معالم من درب زبيدة. وإذا ما تجاوزنا عهد الإسلام الزاهر موغلين في البحث عن الأصول والجذور فإننا مع عاد وثمود على صعيد من تاريخ مديد انقضت أيامه وتصرمت أزمانه.
ولها في التراث الأسطوري الذي يتصل بالتاريخ في أكثر من سبب سهم وافر ، فجبال أجا وسلمى فتيان نسبة لفتى وفتاة من العماليق عاشقان متيمان هربا إلى أرض الجبلين ولكن القوم أمسكوا بتلابيبهما فصلبوهما على جبلي أجا وسلمى اللذين سميا باسميهما. وليس هذان الاسمان بدعاً بين أسماء أخرى كفدك وفيد وسميراء وزرود وجبّة والملحية والشويمس وغيرها ، فكل قصة تنضّم إلى ذلك التراث الميثيولوجي الذي تحتفظ به الأمم المتحضرة عادة. وتشير النقوش والرسومات الأثرية التي تم اكتشافها حتى الآن في واجهات الجبال والمواقع الصخرية المختلفة من حائل في ( ياطب وجبّة وجانّين والقاعد وغيرها ) إلى أن أقواماً غابرة من العرب البائدة كعاد وثمود كانت تقطن منطقة حائل ، ويرجع تاريخ بعض هذه النقوش والرموز الأثرية خاصة إلى سبعة آلاف سنة . وقد عاش في منطقة حائل رجال ظلوا في ذاكرة التاريخ مثل حاتم الطائي وعدي بن حاتم وأخته سفانة ( رضي الله عنهما ) . وقبر حاتم يعتبر معلماً مهماً في قرية توارن على بعد ( 55 كم ) شمال غرب مدينة حائل . كما عاش في حائل وقضى في ربوعها عنترة بن شداد الذي قال :
_
يا عبلة سلي الجبلين عنا *** وما لاقت بنو الأعجام منا
أبدنا جمعـهم يوم أتونا *** تموج بها إنسـاً وجنـا
_
_
حائل المكان .... والإنسـان
وقبر عنترة ببلدة النّعي في ـ قول جمع من الكتاب ـ عند سفح جبل سلمى على بعد 60 كم شرق مدينة حائل . وقضى أمرؤ القيس شطراً من حياته في حائل.
وتزيد الأماكن الأثرية في حائل على 65 موقعاً أثرياً حتى الآن ، وربما تكشف الحفريات مستقبلاً عن أعداد أخرى من المواقع ، وتنقسم الآثار في المنطقة إلى عدة أقسام :
الأول : على هيئة نقوش وكتابات ورسوم على صفحات الجبال والصخور منذ ما قبل التاريخ.
الثاني : معالم أثرية شاخصة للعيان على هيئة أطلال وبقايا مباني ومعالم حضارية .
الثالث: مدافن وأماكن بلدان قديمة لم تستكشف على نحو كامل بعد.
والآثار في حائل إمّا تاريخية قديمة أو إسلامية تتركز على طريق الحج الكوفي القديم .
ومن أشهر النقوش ، والكتابات القديمة ما يوجد على جبل أم سنمان المشرف على مدينة جبّة، وجبل غوطا إلى الشرق عن جبّة 103 كم ، وجبل جانّين ، وجبل صبحى شرق حائل على بعد 40 كم ، وجبل المليحية ، وجبل الحميمة ، والشويمس وضرغط ومدينة الحائط وبلدة الحويّط إلى الجنوب الغربي عن مدينة حائل 280 كم ، وموقع الجويعيدية قرب مدينة الروضة 85 كم جنوبي مدينة حائل وغيرها كثير . أما الآثار الإسلامية فتقع في الطريق المسمى بطريق الحج الكوفي كما سبق بدءاً من الحزيمية شمالاً حتى البعايث جنوباً مروراً بالأجفر وفيد وسميراء والمخروقة ، وتتمثل في بقايا البرك والجسور والآثار التي يعود تاريخها إلى القرن الثاني الهجري . وموضع الهدم المسمى ( الهدايم ) الواقعة إلى الشرق بميل نحو الشمال عن مدينة السليمي ، وموقع سدوما إلى الشمال الشرقي من مدينة الروضة جنوب حائل ، وموقع مدينة الحائط جنوب غرب مدينة حائل ، وموقع مدينة الشملي . أما المدافن فيمثلها مدافن جبل ركان جنوب حائل على بعد 30 كم ، وغيرها ذلك مما يطول الحديث عنه .
قلعة إعيرف : تقع هذه القلعة في أعلى قمّة جبل صغير يتوسط المدينة ، وهي قلعة متوسطة الحجم مشيدة بالطين ( اللُّبن ) ، مساحتها حوالي 11.40 متر مربع . بنيت خلال فترة حكم آل علي ، وكانت عبارة عن أساسات من الحجر يتخللها فتحات للمراقبة ، وقد توالت عليها الإصلاحات والإضافات في العهد السعودي الزاهر حيث رممت لتكون من أهم معالم المدينة .
قصر القشلة : يقع في وسط مدينة حائل ، وهو عبارة عن مبنى ضخم جداً يتكون من دورين شيّد بالطين ( اللُّبن ) في عهد الأمير عبد العزيز بن مساعد ( يرحمه الله ) ، وذلك في بداية الستينيات من القرن الهجري الرابع عشر . كان يستخدم في ذلك الوقت ثكنة عسكرية . أما الآن فإنه يعتبر من المعالم المهمة حيث تم ترميمه وأقيم بداخله المتحف الإقليمي للمنطقة لفترة مؤقتة ثم نقل فيما بعد .
مدينة جبّة : تقع جبّة وسط النفوذ الكبير ( عالج قديماً ) ، وأهم ما يميز هذا الموقع تلك النقوش والكتابات ذات الطابع الفريد التي تنتشر على جبل أم سنمان الضخم ، وفي المناطق المحيطة فوق جبل غوطا التي يمكن إرجاعها إلى ثلاث فترات مختلفة ، أولها ما يعرف بنمط جبّة المبكر حيث رسوم الأبقار ذات القرون الطويلة والقصيرة المصاحبة لأعداد من المجسمات من نمط العصي أو الأشكال الآدمية المكتملة التي تحمل بعضها أقواساً وحبالاً وسهاماً ونصالاً ، ويمكن إرجاعها إلى سبعة آلاف سنة . ثانيها ما يعرف بالفترة الثمودية فيما بين 1500 و 2500 سنة والتي تتميز برسوم الجمال والوعول والماعز والغزال والبشر بالإضافة إلى الكتابات الثمودية المنتشرة على الجبال الصغيرة المحيطة بجبل أم سنمان ، أما ثالث هذه الفترات فهو ما يعرف بالفترة العربية حيث ظهرت رسوم للآدميين بأنماط العصا والوعل والخيل والأشخاص راكبي الجمال وهي تشبه إلى حد كبير الفترة الثمودية السابقة لها.
المواقع الأثرية
ومن المناطق الأثرية تلك التي أشرنا إليها من قبل جانّين والحائط وسميراء والحويّط وفيد وكلها مشهورة بالنقوش والكتابات والأطلال ، وكذلك غمرة التي تحتوي على أربعة مواقع أثرية متباعدة تضم مجموعة من البرك الدائرية والمستطيلة والمربعة وأحواض المياه والآبار والمباني والقصور ، وموقع توارن الذي يضم بالإضافة إلى قبر حاتم الطائي قصرين أحدهما يقع في مدخل الوادي والثاني يقع في وسط القرية مجاوراً لمقبرة إسلامية ، وموقع قفار على بعد 9 كم جنوب مدينة حائل ، وهو عبارة عن أطلا ل بنايات متفاوتة الأحجام والأشكال وآبار مردومة كانت تحيط بها أسوار ضخمة تشبه أسوار المدن الحصينة الدفاعية . حيث يتكون السور من ثلاثة جدران متلاصقة مع بعضها ، وتعود قرية قفار إلى العصور الإسلامية المتأخرة .
ومن المواقع جبل حبشي والقاعد ووطايف وركان والشملي وحريد والجفالية ووسيط ... وغيرها كثير.
ومنطقة حائل معروفة ومشهود لها بالجمال من قبل جُلّ من زارها من الرحالة والضيوف وقد أثبتوا ذلك في كتاباتهم ومؤلفاتهم ومذكراتهم ، ويحدها من الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي منطقة الجوف ومنطقة الحدود الشمالية ، ومن الجنوب والجنوب الغربي منطقة المدينة المنورة ، ومن الشرق والجنوب الشرقي منطقة القصيم ومن الغرب منطقة المدينة المنورة ومنطقة تبوك ، ومن أشهر المعالم الجغرافية فيها سلسلة جبال ( أجا ) الجرانيتية حيث تمتد بطول 70 كيلو متر وعرض يتراوح بين 25ـ 35 كيلومتر ، وتحتضن هذه السلسلة من الجبال بعض القرى الصغيرة وبعض السدود المائية مثل السلف ، البار والرظفين وغيرها من السدود ويبلغ ارتفاع أعلى قمة في هذه السلسلة الجبلية 1500 متراً . تقع مدينة حائل في سفح أجا الشرقي ، وكانت تعرف قديماً باسم القرية أما حائل فكان يطلق على الوادي الذي يمر بها الآن ويعرف باسم وادي الأديرع .
وكانت مساحة المنطقة 350000 كيلومتر مربع ثم تقلصت تدريجياً بفعل التقسيمات الإدارية المتتالية إلى أن وصلت إلى 118232 كم2 ، أي حوالي 6% من إجمالي المساحة الكلية للمملكة العربية السعودية . وتمتد حائل مسترخية فوق أطراف الدرع العربي من جهة الشمال. تنقسم طبيعة أرض حائل السطحية إلى أربعة أقسام : سهول ، كثبان رملية ، سلاسل جبلية وحرّة صخرية . تغطي الكثبان الرملية حوالي 34% من مساحة منطقة حائل الإجمالية حيث تترامى صحراء النفوذ الكبرى التي تلي صحراء الربع الخالي في اتساعها . وعرفت قديماً بصحراء ( عالج ) نسبة إلى إحدى العشائر القبلية المعروفة آنذاك . وتمثّل المنطقة الجبلية حوالي 10% من إجمالي مساحة المنطقة ، وفي الجنوب والجنوب الغربي من حائل تقع حرة خيبر ، وهي منطقة صخرية قديمة مكونة من حمم بركانية خامدة يعود تاريخها إلى ملايين السنين .. وتضم حائل مناطق جبلية غنية بالحديد والماغنسيوم وبعض المعادن الأخرى .. وفي بقاعها الرملية مادة السيليكون وهو ما يعرف بالرمل الزجاجي ، والمنطقة غنية بهذه الخامات وبكميات اقتصادية إضافة إلى بعض المعادن الأخرى مثل الزنك والتنجستون .
تقع منطقة حائل بين خطي الطول 30ـ 41 وخطي العرض 33ـ 37 على ارتفاع يتراوح ما بين 600م إلى 1500م عن سطح البحر . درجات الحرارة تتراوح بين 40 درجة مئوية في الصيف وتصل إلى صفر مئوي في فصل الشتاء .
ويقدر عدد سكان منطقة حائل حسب آخر تقدير رسمي عام 1421 هـ بأكثر من 650 ألف نسمة أي بمعدل ( 5 لكل كيلومتر مربع ) وسكان حائل متوائمون متآلفون ومتآخون ويتسمون بالكرم والنجدة ومساعدة المحتاج وإغاثة الملهوف ورعاية حق الجار واحترام الكبار ، ويقطن أغلب سكان حائل في المدن والقرى والهجر المنتشرة في كل أرجاء المنطقة وأكبرها مدينة حائل التي يقطنها نصف عدد السكان تقريباً.