عند صعود ابن الشيخ الى السطح كان اول المستقبلين له ......... صفعة قوية من موجة متكسره على الشعب.
كانت غلطة صغيرة من الشاب ..لكن (غلطة الشاطر بعشرة) ....... ماذا حدث؟
كانت سباحته ضد التيار لهذه المسافة الطويلة قد ضاعفت من استهلاكة للطاقة والهواء.
السباحته بجوار الشعب افقده دقة الاتجاه ... يعتقد انه بخط شبه مستقيم .. بينما هو يدور حول الشعب
وصعوده لم يكن محسوبا ......... فقد نسي ان الغوص لهذه المسافه في هذا الموقع بالذات سوف يوصله الى منطقة الامواج. وأي امواج؟ انها عاصفة.
اصبح الآن فوق الشعب ، منضمه في فمه ، جاكيت الطفو منفوخ ، عمق الماء يقارب المتر والنصف ، لا يراه من بالاسفل ، وصعب جدا رؤيته من القارب .....
هل هذا كل مافي الامر؟
طبعا لا .... فالموج مازال يدير له الصفعات الواحدة تلو الاخرى .... يسحبه الى البحر ثم يقذفه على الشعب ... وهكذا دواليك.
حاول ان يتفنن ويمسك بالشعب لتفادي سحب الموج له ... لكن هيهات فكل شيء ضده ....... الجاكت المنفوخ يرفعه والموج يسحبه ويرطمه بالشعب.
أخذ يفكر الشاب "مالهذا الجسد المتهالك قد خارت قواه ...فأنا من اجتاز تمارين اللياقة (الستمنا) بجداره"
ياله من مأزق .. الثواني اصبحت ساعات ... الهواء استنفذ .... احدى الزعانف فقدت .... بدلة المليميتران لم تقاوم حدة الشعاب كثيرا ... الدماء تنزف ... القوى تخور في تسارع مذهل .... نفذ الهواء فحاول استبدال المنضم بالقصبه .... شرق ... سعل ثم شرب .... بدء يجد الماء الطريق الى رئتيه.
حاول ربط جأشه " لا لن اموت غريقا بهذه البساطه .... فأنا المنقذ .... انا كبير الغواصين ... انا ...."
قل الاكسجين بالدم وبدأت تجحظ عيناه ........ وعاد رشده الى واليه فأخذ يدعو ربه ويبتهل.... بعد ان سقطت القوة البدنية .... سقطت المهارات والفيزيا والفسيولوجيا ...... "ولم يبقى الا وجه ربك ذو الجلاال والاكرام".
الزميل لم يكن مرتاحا من البداية ... بل كان قلقا لتواجده وحيدا على القارب في هذا الجو المتوتر... كما اسلفنا كان يراقب .. لا يدري عن ماذا يبحث فكل شي متشابه .... لكنه لمح لمعة الاسطوانه الملونه على الطرف الآخر من القطعه وشبح غواص يطفو ثم يختفي بين زبد الموج.
سأل نفسه ماذا افعل؟ هل اترك القارب واتجه لانقاذ ذلك الغواص؟ ام هل احرر القارب واقوده كما اتفق الا ان اصل اليه؟
نحمد الله الذي الهمه الحكمه .. فإن كان لايجيد قيادة القارب الا انه غواص حكيم ... فالحكمه لا تمنح مع الشهادة والمعرفه.
بحث حوله على اي اداة تبيه لمن هم تحت السطح ... فوقعت عيناه على مسدس الغوص.
تناوله ثم اخذ يضرب به جانب القارب ... فهو يعلم ان الصوت ينتقل بسرعه داخل الماء ... ضرب عدة مرات لكن لم تكن هناك اي استجابه ... استمر بالضرب بشده حتى اعتقد ان جدار القارب سوف ينكسر او بالمقابل يتفتت المسدس. ... لكنه استمر.
كان الشيخ وصديقه على عمق توقف السلامه في طريق عودتهم لكن مازالوا بعيدين عن القارب وصوت الطرق ضعيف جدا فهو عكس التيار .... مع انه صوت ضعيف ... الا انه كان ملفتا لمن هو مثل الشيخ.
اشار الشيخ الى صديقه بالتوقف .... كتم انفاسه ثم اصغى السمع ... نعم انه صوت تنبيه.
اشار الشيخ لصديقه بالصعود.
الزميل يشير الى موقع يقع خلفهم بمسافه ..... نضر الشيخ الى حيث يشير الزميل فلم يرى شيئا سوى الموج ...... استمر الزميل يشير بإصرار وهو يقفز بحركات هستيريه الى موقع خلفهم.
سبحا الى منطقة يخف فيها الموج وجاهدا التيارللوصول الى الشعب .. فكلما اقتربا دفعهم التيار بعيد الى الشعب ... في النهاية وصلا.
رأى الغواص الذي تتقاذفه الامواج ... كان مرهقا ... لكنه عرف ان هذا الغواص ابنه ... ارتفع الادرنالين اقصاه.... خلع اسطوانته وزعانفه وجرى على الشعب جري الخائف الى حيث الشاب.
سحبه الى منطقة اقل عمق على الشعب وهرب به عن رش الموج الى حيث يوجد صديقه .... لم يستطع صديق الشيخ تصديق عينيه ...فمن اين لهذا الشيخ كل هذه الخفه والقوه .... لن ازيد ( فالشيخ بنفسه لا يعرف ماذا حدث وكيف حدث)
الشاب مازال يتنفس لكنه شبه فاقد الوعي هناك كدمات وجروح وجرح قطعي غائر على مرفقه..... سبحوا به الى القارب ... اكملو اسعافهم الاولي .... محاوله لوقف النزف ... الشاب يرتجف .... بداية صدمة .... اكسجين.... جمعوا كل قطع ملابسهم الجافه وغطو جسمه البالي بها .... قطعة الفراش الوحيدة استخدمت كغطاء.
العاصفه في تزايد مستمر .... يبدو ان المرساة لن تصمد كثيرا.
صديق الشيخ أخذ يوزع ستر النجاة وهو ينادي .... "هيا بنا ماذا ننتظر ... فلن يقاوم هذا الشاب كثيرا" وهم بقطع حبل المرساة الاحتياطي.
استوقفه الشيخ صارخا فيه " لا ... لا... فوالله لن اعطل عقلي واخسركم جميعا .... فإن قدر الله وأخذ مني هذا الابن .... فلا اعتراض .... اما ان اقدمكم قربانا للبحر فلا والله"
كان حازما ... عاقلا .... كضم عاطفته .... فجروحه ابلغ من جروح هذا الشاب .... تغيرت ملامح وجهه الى شخص آخر لم يروه من قبل.
بعد اربع ساعات تقريبا بدأت العاصفه تخف دريجيا ... ومازال هناك موج.
قال الشيخ" الآن نبحر .... فالموج مازال عارما .... لكن المجازفة فيه محتمله".
ابحروا .... وصارعوا الامواج ... واجبرتهم الموجة الى تغيير مسارهم مما اطال وقت وصولهم.
تم التنسيق مع المشفى وكانت سيارة الاسعاف في الانتظار... هرع الشيخ اليها مع الشاب برفقة المسعفين.... وصلو الى المشفى
.
..
... تم التعامل مع جميع الاصابات .... نقص الترويه على مرفق الشاب اضطرت الجراح لبترها ... فقد ماتت الانسجه ....... لكنه مازال على قيد الحياة.
....
..... الشيخ مازال يعاني من الكوابيس .... هجر الغوص والبحر..... مازال يلوم نفسه مع انه متأكدا انه لم يكن بالامكان اكثر مما كان ... فقد كانت ارادة الله.
...... بعد انقطاع دام خمس سنوات .... عاد الشيخ الى البحر لعله يواسي جروحه ... بعد ان فقد الامل في بلاسم البر.
....... عاد كمجرد غواص لا كمعلم ..... بين الفينة والاخرى يتفوق خوفه على زملائه بالغوص وتبرز بعض معارفه .... وان كان يحاول اخفائها....
اما الشاب فقط عزف عن الغوص وانقطع عنه بلا رجعه تحت بكاء ورجاء والدته ... وحديثا ساندتها زوجته.
......................... تمت بعون الله ................
....................... نسأل الله العلي القدير ان ينير عقل كل من قرأها كي يعتبر ويتعض.
........................ أخوكم في الله: ثالاسا (البحر)