قبل مدة ذهبت خارج البلد وكنت متجها إلى البر القريب من مدينتنا

فلما صرفت السيارة عن الطريق المعبد واتجهت إلى الصحراء قاصدا إحدى الشعاب

وإذا بتلك السيارة الواقفة وبداخلها صاحبها ليست ببعيدة عن الإسفلت

وإذا بذلك الرجل الكبير في السن والذي كانت له معرفة بوالدي رحمه الله

فما كان مني إلا أن رجعت إليه لأسلم عليه برا بوالدي واحتراما له وتقديرا لكبر سنه ومعرفتي به

فلما أوقفت السيارة بدأ يجمع قواه لينزل من سيارته

فاستعجلت وأمسكت بباب سيارته كي لا ينزل حتى لا يرهقه التعب أثناء النزول والركوب ثانية

فقبلته وهو داخل السيارة

وكان قد أراد أن يرفه عن نفسه في البر عن زحمة المدنية والضوضاء

حيث يجد الهدوء واستنشاق الهواء الطلق

فتعجبت من ابن آدم قبل سنوات أيام الشباب والفتوة يصل إلى أقصى النجود البعيدة

والآن يجد الصعوبة في الوصول إلى البر القريب فهذه سنة الله في الكون

فمتعه الله بالصحة والعافية

سألته عن صحته وأحواله فأجاب بحمد الله وشكره وذكر نعمة الله عليه

وسألته عن أحوال الجماعة كذلك فكان نفس الجواب

ثم سألته عن أولاده فنظر إلي برهة وطأطأ رأسه ثم رفعه وكأن الحزن يغطي وجهه قائلا

الأولاد اسأل الله لهم الصلاح لا أراهم إلا قليلا على غير المفترض

حيث أحتاجهم ليدخلوا السرور على قلبي وقد تقدم بي العمر

فالتمست لهم العذر وأردت أن أطيب خاطره وقلت لعلها مشاغل الحياة الآن وانشغالهم بأعمالهم

لكن قد يأتوك في الليل فقال ولا حتى الليل فسأل الله لهم الهداية

فأردت أن أغير السالفة بأن سألته عن منامه في الليل بأن لا يجد إرهاقا ولا غيره فقال

أنام ولله الحمد مع أنني لست منشرح الصدر فكأنه يريد أولاده حوله

فكان الوضع حزينا فعلا والله المستعان

فلما ذهبت من عنده بعد أن قبلته ووادعته ودعوت له قلت الأبيات التالية


يا عود وش حدك على الضيم يا عود=الا زمانن جود الناس قيده
يا عود دربك بالمقابيل مسدود=مثلك مثل كفن تصفط وريده
هذي حياة الخلق مقفي ومولود=كما العيادين ابتدا منها غيده
يا عود وحداني ولا عنك منشود=يرثى لحالك بالشعر والجريده
وش عندك بقفرا الخلا تطلب الزود=غير النفاهه والحياة السعيده
ما عندك الا الرمث والنقد مرمود=وطوالع القيظ بمطامين بيده
موجود ولا كنك مع الناس موجود=مثل قطاتن بالصحاري فريده
غديت كالعرقد اليا صار مجدود=كالهامله باقصى النجود البعيده
عمرك يسف خطاك والوقت محدود=مثلك ترى سعوف الدهر ما تفيده
يا عود شف صمدا الحزم فوقها جلود=هذي ترا الدنيا مولي عنيده
تشكي غثا الوحده على ضعف ولهود=عزيل حالك بالحياة الشديده
هذي سنين العبد باولها مقرود=واليا تمنى مثلها ما يعيده
باتلا حياته يتعبه كل مجهود=تلقا العصى منهوضه بقابض ايده
تكاهلت سبتيه والساق مبرود=ما فيه من قامة عظامه صميده
لكن ترا بوصيك والعالم رقود=وصاة ناصح قبل مظلم لحيده
قبل يجيك الموت مع كاثر الدود=اليا تنادوا راح منا فقيده
عليك بالثنتين والوتر محمود=داوم عليها والفعول الحميده
هذي غناة الحال والفعل مجرود=على كتابن ما يخلي شريده
نفوسنا ترجي رضا صاحب الجود=ربي وربك ما يخلي عبيده


يوسف الخليفة ( أبو عبد الله )