- النوع الثاني: ما يخشى فساده ؛ كبطيخ وفاكهة ، فيفعل الملتقط الأحظّ لمالكه من أكله ودفع قيمته لمالكه ، وبيعه وحفظ ثمنه حتى يأتي مالكه.
- النوع الثالث: سائر الأموال ما عدا القسمين السابقين ، كالنقود والأواني ، فيلزمه حفظ الجميع أمانة بيده ، والتعريف عليه في مجامع الناس.
- ولا يجوز له أخذ اللقطة بأنواعها إلا إذا أمن على نفسه عليها وقوي على تعريف ما يحتاج إلى تعريف ، لحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ، قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن لقطة الذهب والورق ؟ فقال: ( اعرف وكاءها وعفاصها ، ثم عرفها سنة ، فإن لم تعرف ، فاستنفقها ، ولتكن وديعة عندك ، فإن جاء طالبها يوماً من الدهر ، فادفعها إليه ) ، وسأله عن الشاة ؟ فقال: ( خذها ، فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب )، وسئل عن ضالة الإبل ، فقال: ( مالك ولها ؟! معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء ، وتأكل الشجر ، حتى يجدها ربها ) متفق عليه .
- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعرف وكاءها وعفاصها ): الوكاء: ما يربط به الوعاء الذي تكون به النفقة ، والعفاص: الوعاء الذي تكون فيه النفقة.
- ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ( ثم عرِّفها سنة ) ، أي اذكرها للناس في مكان اجتماعهم من الأسواق وأبواب المساجد والمجامع والمحافل ، ( سنة ) أي: مدة عام كامل ، ففي الأسبوع الأول من التقاطها ينادى عليها كل يوم ، لأن مجيء صاحبها في ذلك الأسبوع أحرى ، ثم بعد الأسبوع ينادى عليها حسب عادة الناس في ذلك.
- ( وإذا كانت هذه طريقة التعريف في العهد الماضي فإنّ الملتقط يعرّف اللقطة بالطرق المناسبة في هذا العصر ، والمهم حصول المقصود وهو بذل ما يُمكن للوصول إلى صاحبها ).
- والحديث يدل على وجوب التعريف باللقطة ، وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( اعرف وكاءها وعفاصها ): دليل على وجوب معرفة صفاتها ، حتى إذا جاء صاحبها ووصفها وصفاً مطابقاً لتلك الصفات ، دُفعت إليه ، وإن اختلف وصفه لها عن الواقع لم يجز دفعها إليه.
- وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن لم تعرف ، فاستنفقها ): دليل على أن الملتقط يملكها بعد الحول وبعد التعريف ، لكن لا يتصرف فيها قبل معرفة صفاتها: أي حتى يعرف وعاءها ووكاءها وقدرها وجنسها وصفتها ، فإن جاء صاحبها بعد الحول ، ووصفها بما ينطبق على تلك الأوصاف ، دفعها إليه ، لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فإن جاء طالبها يوماً من الدهر ، فادفعها إليه ).
* وقد تبين مما سبق أنه يلزم نحو اللقطة أمور:
أولاً: إذا وجدها ، فلا يُقْدم على أخذها إلا إذا عرف من نفسه الأمانة في حفظها والقوة على تعريفها بالنداء عليها حتى يعثر على صاحبها ، ومن لا يأمن نفسه عليها ، لم يجز له أخذها ، فإن أخَذَها ، فهو كغاصب ، لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه ، ولما في أخذها حينئذ من تضييع مال غيره.
ثانياً: لا بد له قبل أخذها من ضبط صفاتها بمعرفة وعائها ووكائها وقدرها وجنسها وصنفها ، والمراد بوعائها ظرفها الذي هي فيه كيساً كان أو خرقة ، والمراد بوكائها ما تُشدّ به ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ، والأمر يقتضي الوجوب.
ثالثاً: لابد من النداء عليها وتعريفها حولاً كاملاً في الأسبوع الأول كل يوم ، وبعد ذلك ما جرت به العادة ، ويقول في التعريف مثلاً : من ضاع له شيء ونحو ذلك ، وتكون المناداة عليها في مجامع الناس كالأسواق ، وعند أبواب المساجد في أوقات الصلوات ، ولا ينادي عليها في المساجد لأن المساجد لم تبن لذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من سمع رجلاً ينشد ضالة في المسجد ، فليقل لا ردها الله عليك ).
رابعاً: إذا جاء طالبها ، فوصفها بما يطابق وصفها ، وجب دفعها إليه بلا بينة ولا يمين ، لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولقيام صفتها مقام البينة واليمين ، بل ربما يكون وصفه لها أظهر وأصدق من البينة واليمين ، ويدفع معها نماءها المتصل والمنفصل ، أما إذا لم يقدر على وصفها ، فإنها لا تدفع إليه ، لأنها أمانة في يده ، فلم يجز دفعها إلى من لم يثبت أنه صاحبها.
خامساً: إذا لم يأت صاحبها بعد تعريفها حولاً كاملاً ، تكون ملكاً لواجدها ، لكن يجب عليه قبل التصرف فيها ضبط صفاتها ، بحيث لو جاء صاحبها في أي وقت ، ووصفها ردها عليه إن كانت موجودة ، أو ردَّ بدلها إن لم تكن موجودة ، لأن ملكه لها مراعى يزول بمجيء صاحبها.
* تنبيه:من هدي الإسلام في شأن اللقطة تدرك عنايته بالأموال وحفظها وعنايته بحرمة مال المسلم وحفاظه عليه ، وفي الجملة ندرك من ذلك كله حث الإسلام على التعاون على الخير ، نسأل الله سبحانه أن يثبتنا جميعاً على الإسلام ويتوفانا مسلمين.
من كتاب الملخص الفقهي للشيخ
صالح بن فوزان آل فوزان ص 150