بعد عشر سنوات من الحرمان .
عدت مجددا إلى أحضان الحبيبة
يدفعني إليها شوق عجيب ، وحنين لعودة أيامنا الخوالي .
كنت أنتظر الوصول اليها بلهفة شديدة .
وكالعادة وصلتها في منتصف الليل
فأسرعت بفتح نوافذ سيارتي ، لأتنفس هواءها بعمق ، وأتعطر بروائحها الساحرة .
بدأت أشعر فعلا بأن الحياة بدأت تدب في أوصالي .
كم كان الفراق طويلا ! والغربة موحشة !
....
ترى هل عرفتني ؟
هل أحست بوجودي ؟
وهل تذكرت تلك الأيام الماضية ، كما أتذكرها الآن ؟
.
.
.
هنا كنت أنام ، وهنا أصلي ، وهناك أعد إفطاري .
آه ما أجمل هذا المكان !
أسرعت بإنزال منامي واستلقيت ، مطلقا لعيني العنان تجوب أرجاء السماء .
هاهي كما عهدتها دوما ، سماء صافية تتلألأ فيها النجوم ، وهبات من النسيم البارد المنعش ..
كم إفتقدت هذا الصفاء .
أشعر كأني في حلم عميق ، وما أجمل الأحلام في مجاهل الصمان .
انطلقت بي الهواجس والخيالات كالعادة .
أسال نفسي : تـرى كيف ستبدوفياضها ؟ ودحولها ؟ وطرقها ؟
وهل ستأتي الطيور كالعادة ؟
وهل سأرى الأرانب كلما أردت ذلك ؟
وهل الضبان لازالت تترقب مروري ؟
وهل سأكون وحيدا على ترابها ؟
وهل .. وهل .. وهل ؟
لم اجد إجابة قبل ان أغرق في نوم عميق .
لم أشعر بعدها بنفسي إلا في الصباح الباكر .
أعددت إفطاري وانطلقت لأقرب فيضة .
وصلت اليها !
لكن لماذا الأشجار قصيرة !؟
أظنها كانت أطول وأجمل !!
ربما طول الفراق أخل بموازيني ! فالأشجار تطول مع الزمن ولاتقصر !!
إتجهت للفيضة الثانية ، فلم أعثر عليها !!
كانت هنا ! تـرى أين ذهبت ؟
لم أنتظر كثيرا ، وانطلقت للفيضة الثالثة ، أيضا لم اعثر عليها !!
فالرابعة ،، فالخامسة ،....، ......... لاشيء ؟؟
يبدو أني لم أعد أتذكر موقعها ، فهل سأبدأ من جديد بالتعرف عليها ؟
أحسست بضيق شديد ، فكيف أنسى أرضا كنت احفظها عن ظهر قلب !!
ذهب يوم كامل وأنا كالتائه لا أدري أين أنا !
فقررت توديعها للعودة مجددا في الأسبوع القادم .
يبدو أني بحاجة لمزيد من الهدوء ، ومزيد من التركيز .
أتيت اليها في الأسبوع الثاني ، ولكني لازلت كالغريب فيها ، وبلغ الحزن مني مبلغه .
وفي الأسبوع الثالث عزمت ان لا أعود من تلك الأراضي ، حتى أعرف سرها تماما .
وكم كانت الحقيقة مرة ومؤلمة .
فأنا لم أكن تائها .
فالأرض هي الأرض لكن معالمها طمست !
لاأشجار ولا أظلة !
لذا .. فلن يكون هناك لا طيور مهاجرة ولا مستوطنة !
ما أقسى هذا المنظر ، ويالها من نهاية فضيعة !
لم يعد هناك سوى بعض الآشجار الصغيرة جدا والمتباعدة كثيرا ، وبقايا أشجار محطمة ، تقف شاهدة على جريمتهم البشعة .
قطع الله يدا قطعتها بلا وجه حق !
وأعمى الله عينا لم تقدر ذلك الجمال !
وبلّد الله إحساسا لم يتفكر بصنيع خلق الله !
هم لم يقتلوها فقط !
بل إنتقموا من كل محبيها !
فهم لا سواهم دمروها !
ولا تسألني من هم ؟
فهم : من كانوا يستخدمونها حطبا !
وهم : من كانوا يرمون أغنامهم النافقة في ظلالها !
وهم : من باعو اوراقها في سوق العطارة !
وهم : من حسدونا على نعم الله !
فهل مرت جريمتهم بغير عقاب ؟
هناك مايدل على أن الأوبئة عثت في أغنامهم !
ففي كل بقعة من الصمان قطعان كاملة تُركت ميتة في العراء !
ربما كان ذلك عقوبة إلهية ! من يدري !
فهل استوعبوا الدرس ؟
وهل ندمووووووووا ؟
.
.
.
وأين اولئك المتحمسون ؟
فعندما ضُبطت متلبسا بتصوير ضب ! قامت الدنيا ولم تقعد !
أين هم ممن دمرالطبيعة هناك ؟
أين هم عندما قطعت أشجار اكثر من ثلاثين فيضة ؟
.....
حسبنا الله ونعم الوكيل
..................
أخيرا :
1 - كم نحن بحاجة لتوعية مركزة على أماكن معينة ، كأسواق بيع الحيوانات ، ومراكز بيع الشعير والأعلاف .
2 - وكم نحن بحاجة لرادع كالغرامات المالية لمن يثبت تورطه بقطع الأشجار .
3 - وكم نحن بحاجة لمزيد من الجدية ، لعلنا ننقذ مايمكن إنقاذه قبل فوات الأوان ، فالأشجار التي تتعرض للقطع أشجار معمرة ومن الصعب تعويضها !
.........
والله من وراء القصد
تحيتي
الصمان ... ( قصة عشق ) .... (5)