السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
حدثتني نفسي ثاني أيام العيد أن أزور جبل رباح ، جبل المعدن الشهير باسم ( معدن البرام ) وقد حدثني عنه كثيرا والدي رحمه الله ، لكن لم يسبق لي زيارته ، بالرغم من قربه مني . وقد عجبت حين زرت هذا الموقع ثم عرفت قيمته الأثرية لأول مرة ، فهو يحوي قرية أثرية كبيرة في قمة الجبل ، ومسجدا كبيرا ، وكتابات على الصخور ، وعددا كبيرا جدا من قطع البرم المتناثرة في كامل الجبل ، بل وفي الأودية المجاورة ، وقطع الخزف ، والزجاج الملون ، وقطع الحديد ... ثم عجبت حين قرأت الكثير من كتب الآثار والبلدان ، واستعرضت الكثير من المواقع المهتمة على الشبكة العنكبوتية ، ثم لم أجد صورة واحدة لهذا الجبل أو لآثاره ، ولم أجد تقريرا وافيا سوى بعض الأسطر في كتب البلدان ، وأوفى من كتب عنه هو البلادي رحمه الله في معجمه .
وقد يسر الله لي زيارة هذا المعدن ، ورزقني بمرافقة أحد أبناء القرية المجاورة للمعدن (قرية غرابة ) وهو : علي بن خلف الثبيتي ، الذي صعد معي الجبل وبقي معي قرابة ثلاث ساعات ، أرشدني لكثير من الأشياء ماكنت لأعرفها لولا دلالته ، فجزاه الله ألف خير .
فما هو معدن البرام ؟ وأين يقع ؟ وماهي آثاره ؟
تمهيد لغوي :
البرام والبرم : جمع برمة ، جاء في اللسان :
والبُرْمَةُ قِدْر من حجارة والجمع بَرَمٌ وبِرامٌ وبُرْمٌ قال طرَفة : جاؤوا إليك بكل أَرْمَلَةٍ
شَعْثاءَ تَحْمِل مِنْقَعَ البُرم
وفي حديث بَرِيرَةَ : رَأَى بُرْمةً تَفُورُ ... قال : البُرْمة : القِدْرُ مطلقاً ، وهي في الأصل المُتَّخَذَة من الحَجر المعروف بالحجاز واليَمن . والمُبْرِمُ الذي يَقْتَلِعُ حِجارةَ البِرامِ من الجبل ويقطَعُها ويُسَوِّيها ويَنْحَتها .
وإطلاق البرمة على قدر الحجر هو من حيث الغالب ، وإلا فإن حجر البرم يصنع منه الكثير من الأواني المختلفة من حيث الشكل والحجم ، مابين منقع البرم الوارد في بيت طرفة السابق والسرج ونحوها ، إلى المهراس الضخم الكبير .
وحجر البرم ليس أي حجر بل هو حجر معين له مواصفات ، وهو المسمى عند المختصين المعاصرين باسم ( الحجر الصابوني ) الذي يمتاز أولا بقابليته للنحت ، وبعدم امتصاصه للسوائل ، ومقاومته للحرارة .. ومعادن البرم في جزيرة العرب معروفة ، وهذا من أشهرها .
أين يقع معدن البرام ؟
يقع هذا المعدن جنوب الطائف ، على طريق الطائف الباحة السياحي ، غرب قرية غرابة ، في أول ديار بني سعد . في حدود ثلاثين كيلا تقريبا من الطائف . ويحده من الشرق وادي سلّامة لقبيلة الثبتة ، الذي يقع بينه وبين غرابة ، ومن الغرب وادي الحليف ، وقرية ذوي صالح من بني زائد . وقد أخذت المنطقة اسمها من هذا المعدن ، فيقال للمنطقة الآن : المعدن ، بدون إضافة كلمة برام أو برم التي نسيت الآن ، ويقال للجبل : جبل رباح اسم شخص مقبورا هناك ، وجبل الطحل ؛ للون الجبل . ففي اللغة : الطُّحْلة لون بين الغُبْرة والبياض بسواد قليل كَلَوْن الرَّماد . وقرأت عند البلادي أن اسمه الجبل الأخضر ، ولم يعرفه دليلي . ويقال للقرية التي في الجبل : قرية المعدن . كما يطلق على المنطقة وأوديتها : المعادن بالجمع ، وهو إطلاق قديم ، فقد نقل الهمداني عن أبي الجياش الحجري الأزدي قوله :
فالذرى من سراة غامد فالنمـر
فأجبال دوسها ضحيـــاء
فقرى الدارتين أرض علـــــي
سهلها والجبال منها الماء
فالشـــــــبابات فالمعادن فالطائف
فالويل أرضهن سمــاء
نظرة تاريخية :
أول من اطلعت على كتابته ممن ذكر هذا المعدن هو الهمداني في صفة جزيرة العرب ( 334هـ) ، قال : ومن يماني الطائف واد يقال له جفن لثقيف ، وهو بين الطائف وبين معدن البرام . ويسكن معدن البرام قريش وثقيف .
قلت : لعل قريشا وجدت هنا في ذلك الوقت لاستغلال المعدن هي وثقيف ، فإن الديار ليست ديارها بل الغالب انها كانت من ديار عدوان القريبة منها في بقران والسر وغيرهما . قال ياقوت : والطائف من سراة بني ثقيف وهو أدنى السروات إلى مكة ومعدن البرم هو السراة الثانية وهو في بلاد عدوان. . وقال ابن حزم : وأرض عدوان وفهم على مقطع البرام بقرب مكة، على طريق نجد ( مع التحفظ على قوله : بقرب مكة، على طريق نجد ) .
ولم أعثر على أثر لتاريخ بدء استغلال هذا المعدن ، إلا أن وجود المسجد في هذه القرية يرجح أن الموقع اسلامي ، ووجود الخط العربي غير المنقوط يدل على أن الاستغلال بدأ في القرن الأول أو الثاني من الهجرة النبوية .
والآن مع صور الموقع ، والمعذرة إذا لم تكن الصور واضحة ؛ لأن التصوير كان في وقت الضحى وسطوع الشمس ، ثم تعطلت الكمرة فأكملت الصور بالجوال .
أولا : صور الموقع من قوقل إيرث :
صورة عامة للموقع :
صورة الجبل وهي غير واضحة لوقوع الجبل تحت ظل سحابة ،لكن واضح لون الجبل الرمادي ، وآثار التنقيب :
صورة القرية الكبيرة جدا في قمة الجبل ، ويظهر منفردا في غربها المسجد ، وفي وسطه قبر :
ثانيا : صور حفر التعدين ، وأغلبها طمر أو كاد ، بفعل الأمطار والرياح ... ، مما يدل على أن استغلال المنجم قد توقف منذ زمن بعيد ، وأيضا صور أكوام النثالة الباقية عدا التي عادت لحفر المنجم أو حملتها السيول إلى الأودية المجاورة :
ثالثا : صور لقطع البرم المتناثرة بأعداد كبيرة جدا ، وهي قطع لأواني لم يكتمل نحتها لفسادها في أيدي الصناع فتلقى ، وكذلك صور لقطع الفخار والزجاج الملون ، وهي توجد بكثرة حول القرية :
يتبع :
رد مع اقتباس
