5. قلعةمارد ومدينة دومة الجندل: يرجع تاريخ مدينة دومة الجندل وقلعة مارد إلى أكثر من ألفي عام عندما ورد ذكرها في مدونات من العصر الاشوري خصوصاً أن هناكنصوصاً مكتوبة ومفصلة تتحدث عن الجوف وتعودإلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد وتحدثت تلك النصوص عن مدينة دومة الجندل بوصفها عاصمة لعدد من الملكات العربيات مثل تلخونو وتبؤة وتارابوا وزبيبةوسمسي، حتى أن تغلث فلاشر الثالث 744-727 ق,م وسرجون الثاني 721-705ق,م في ذكرهماللجزية التي أرسلها لهما ملوك الدول المجاورة يضعان الملكة سمسي على مستوى واحد مع فرعون مصر وإن آمار السبئي وهذا المركز الرفيع الذي تبوأته دومة الجندل يمكن أن يفسره القول بأن بعض الآلهة مثل (دلبات وأشتار - اتارسامين) كانت لها تبعية وامتياز عظيمان في شمال الجزيرة العربية في ذلك الوقت ومن المعروف أنه كان لدلبات معبد هام في دومةالجندل، ولكن النصوص لم تحدد الزمن الذي بنيت فيه قلعة مارد أو من قام ببنائها,ويذكر الرحالة الواس موسيل أن الملكة سمسي ملكة دومة الجندل قد أثارت نقمة الحاكم الآشوري (تغلات فلاشر 732 قبل الميلاد) بعدمساعدتها لملك دمشق ضدالأشوريين فما كان منه الا أن جهز حملةعسكرية لاخضاع المملكة العربية، وقد ذكر النص الأشوري أن الملكة سمسي قد اصيبت بخسائر فادحة جداً اذ قال ألف ومائةرجل وثلاثون ألف جمل وعشرون ألفاً من الماشية، وقد دعم خبر الانتصار هذا بأن صوراً على اللوح الذي ورد فيه الخبر منظرفارسين اشوريين يحملان رمحين ويتعقبان اعرابياً راكباً جملاً، وتحت أعقاب الفارسين وامامهما جثث الاعراب الذين خروا صرعى على الأرض,وقدذكرأن الاشوريين وجهوا اهتماهم إلى دومةالجندل مرة أخرى حينما هاجم الملك سنحاريب دومة الجندل سنة 689 قبل الميلاد، كماهاجم البابليون المدينةكالهجوم الذي شنه الملك البابلي (نبوخذ نصر) على قبيلة قيدار والهجوم الذي شنه الملك البابلي نابونيد 539/556 قبل الميلاد على دومة الجندل في السنةالثالثة من حكمه,ويذكر الأمير عبدالرحمن السديري في كتابه وادي النفاخ ان الملكة العربية الشهيرة زنوبيا التي حكمت تدمر بين 267 و272 م قدغزت دومة الجندل لكن قلعةالمدينة كانت حصينة بحيث لم تتمكن من اقتحامها فعادت من حيث أتت وقالت قولتها الشهيرة: تمرد مارد وعز الأبلق ,وقصر مارد عبارة عن قلعة مسورة تنتصب على مرتفع يطل على مدينة دومة الجندل القديمة وأعيد بناء بعض أجزائها الا أن القسم الأكبر منها ظل على حالته منذانشائها في قديم الزمان، وشكل البناء الاصلي مستطيل الا أن بعض الاضافات بما فيها ابراج مخروطية احدث في ازمنة متأخرة والجزءالسفلي من هذا البناء بني من الحجارة اما الجزء العلوي فهو من الطين,وقد كشفت الحفريات القليلة والتي جرت على الجزء الأسفل من القلعة عام 1976م عن بعض الخزفيات النبطية والرومانية التي ترجع إلى القرنين الأول والثاني بعدالميلاد لكن تحديد الزمن الذي تعود إليه هذه القلعة لم يبت إلى الآن إلا أن الحفريات التي ربما يقوم بها عالمي الآثار الدكتورعبدالرحمن الانصاري والدكتورخليل المعيقل للمدينة القديمة ربما توضح التاريخ الحقيقي لبناء هذه القلعة العتيدة,وفي كتابه في شمال غرب الجزيرة العربية قالعلامة الجزيرة العربية الشيخ حمد الجاسر عن حصن مارد : لقد تجولت بكل ما يحيط بالحصن من بنايات فشاهدت أن هذاالحصن يقع على جبل أو تل صخري بمعنى أصح يطل على الجوف من الجهة الغربية ممتداً نحو الشرق حيث تقع شرقه وشماله أرض منخفضة تنتشرفيها بساتين البلد وبعض قصوره القديمة وتقع بجوار الحصن، والحصني سيطر على الأمكنة الواقعة حول الجوف بحيث يشاهد كل من يقدم إليه من أي جهة من مسافات بعيدة، والحصن مرتفع ارتفاعاً شاهقاً وهو مبني من الصخرالقوي,وأشار الدكتور جواد علي في كتابه المفصل إلى وجود كتابات ثمودية يظهر عليها أثر عبادة صلم وقال أن مدينة تيماء كانت من أهم الأماكن التي كانت تقدس هذاالوثن حوالي سنة 600 قبل الميلاد ويرمز أهل تيماء إلى صلم برأس ثور، ووجد هذا الرمز على النقوش الثمودية كماوجدت أسماء بعض الآلهة التي كانت ثمود تعبدهاوهناك صلات ثقافية ودينية بين تيماء وثمودوورد اسم صلم في النقش الروماني الذي عثر عليه في دومة الجندل,ويقول عبدالله التميم في كتابة صور تاريخيةعن حضارة الجوف ان عصر بناء القلعة هو عصر حياة أمة تتصف بقوة جبارة وقد يكون لثمودقوم صالح عليه السلام دورفي بناء بعض منه,والحصن عبارة عن ابنية وقلاع وحصون وشيدتابراج المراقبة على امتداد الحصن من قطع حجرية صلبة تستطيع الاحتفاظ بلونه االأحمرالفاتح لأزمنة طويلة من دون ان ينالها أي تغيير، والمنطقة كانت محصنة بسورمن الحجر لصد هجمات الغزاة والدخول اليها يتم عن طريق مدخليها الرئيسيين احدهما قرب الحصن في الجنوب والآخر من جانب البرج في الشمال، ولهمابابان قويان ومصاريعهما واقفالهما حديد وشدت حولهما سلاسل حديد,وبعد ظهور الاسلام كانت الغزوة الأولى لدومةالجندل التي يقال ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قادها بنفسه في السنة الخامسةللهجرة (626م) لكن سكانهافروا بعد سماعهم بتقدم المسلمين، أما الغزوةالثانية لدومة الجندل فقد كانت في السنة السادسة للهجرة (628م) وهناك رواية عن سبب هذه الهجرة تقول والظاهر ان شرهم لم ينقطع عن تجار المدينة حتى اضطرالرسول الكريم (ص) أن يرسل إليهم سرية عليها عبدالرحمن بن عوف ويشير الواقديواليعقوبي إلى أن هذه الغزوة لم تكن موجهة إلا دومة الجندل بل كانت موجهة ضدالقبائل التي كانت تعيش إلى الجنوب والجنوب الغربي منها، حتى ان اليعقوبي وهو بصددالحديث عن هذه الغزوة تجاهل دومة الجندل مشيراً إلى ان الغزوة كانت موجهةضد قبيلة كلب، وقد كان من نتائجها دخول احد فروع قبيلة كلب في الاسلام، وعلى الرغم من الغزوتين الأولى والثانية لدومة الجندل لكن يبدو أن السلام لم يستقر فيها فجاءت الغزوة الثالثة في السنة التاسعة للهجرة (630م)، ويظهر أن الأكيدرحاكم دومة الجندل وعامل الامبراطور البيزنطي هرقل واصل تعرضه للقوافل التجاريةإلى المدينة المنورة بسبب اعراض التجار عن التوقف في مدينته ووجه الرسول (ص) خالد بن الوليد على رأس غزوة إلى دومة الجندل في السنة التاسعةللهجرة يرافقه اربعمائة وعشرون فارساً، وكانت تبوك منطلقاًللغزو، ويختلف المؤرخون فيما حققته هذه الغزوة فمنهم من يقول أن خالداً قد اخضع دومة الجندل وأخذملكها أسيراً فيما تقول رواية أخرى ان خالد بن الوليد اطلق الاكيدر ليقوم باقناع اخيه حسان الذي كان لا يزال معتصماً داخل القلعة بفتح أبوابها للمسلمين اذ قيل أن أسر الأكيدر تم اثناء قيامه بمطاردة بقرة وحشية خارج القلعة، وقد عدالأكيدر من ذوي الشأن في عصره فقد قال الجاحظ:ان من القدماء في الحكمةوالرياسية والخطابة عبيد بن شربه الجرهمي واسقف نجران، وأكيدر صاحب دومة ,, إلخ وكانت توجد لدومة الجندل علاقةبالقوتين العظميين آنذاك الفرس والبيزنظيين وتوجد رواية تصف كيف ان الاكيدر أهدى الرسول صلى الله عليه وسلم جبة من صنع الساسانيين,وقد زار المنطقة العديد من الرحالة الأوربيين الذين اثروا المكتبة العالمية بتاريخ المنطقة والجزيرة العربية منهم اولريخ سيتزن 1810م، والرحالة جورج اوغستوالن 1845م الذي وصف طباع أهل الجوف بانهم مضاييف كرماء ومهذبون مع الغريب وانه لم يلتق حتى بين اكرم عرب الصحراء قبيلة تفوق أهل الجوف في افضالهم ولم يستقبله احد افضل من استقبالهم له، واهل الجوف كما يقول يشتهرون بمواهبهم الشعرية وانه كان يستمتع ليلياً بالاستماع إلى الشعر والغناء بمصاحبة آلة البلادالموسيقية الساحرة، والرحالة وليم بالجريف 1862م الذي وصف أشجار المشمش والبرقوق والتين والعنب في منطقة الجوف التي تتفوق في الطعم وفي كمية الانتاج على مثيلاتها في دمشق أو على هضاب سوريا وفلسطين والرحالة كارلو جوارماني 1846م والرحالة دوتي 1878م والرحالة الليدي انبلنت 1869م والرحالة ايوتنغ 1883موالرحالة تشارلز هيوبر 1883م اضافة إلى عددكبير من الرحالة الآخرين الذين تعاقبوا على الوصول إلى المنطقة مع بداية القرن لعشرين.