واليكم ماكتبه ابو عبدالله على فراق ابنه الوحيد ~~
يا قرة العين ,, استودعتك الله ..
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
لا أعلم كيف أرتب كلماتي ولا كيف سأستطيع أن أسطر بعضا مما يجول في خاطري ,لكني أبدأ بقول الله عزوجل ( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ ) فإنا لله و إنا إليه راجعون .
إن أصعب المصائب التي تمر على بني أدم .. مصيبة الموت فكيف إن كان الميت قلبك النابض و ريحانة فؤادك و بسمتك في هذه الحياة .نعم إنه أبني و قرة عيني حبيبي عبدالله ..
دعوني أحدثكم قليلا عن ولدي الغالي عبدالله ,,رزقني الله إياه بعد طول إنتظار . ولدي الوحيد من بين 6 فتيات حفظهن الله و رعاهن ..بار بي منذ صغره ما أن أناديه عبدالله إلا و أجاب النداء ( لبيه يا أبوي ) . كان طليق اللسان . رجل في أفعاله ..
الكرم من صفاته يحبه البعيد قبل القريب .الكل يتحدث عنه فقد كان ببراءة الطفولة يحمل أجمل و أسمى معاني الأخلاق السامية .شديد الغيرة على والدته و أخواته . حتى أني أعجب أحيانا منه .كنت أبتسم كثيرا لغيرته و أقول في نفسي الحمد لله أن رزقني بالولد الصالح حتى إذا جائني الموت أعرف أن لدي بنياتي رجل يهتم بهن ,, لكن هيهات هيهات . مات ولدي قبلي . و توفي بحادث سيارة في فجر الجمعة ................. ,,
و إني لأحتسب أجر مصيبتي في حديث الحبيب عليه السلام حينما قال( ...من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقي فتنة القبر ..) ....جائني الخبر كالصاعقة التي هزت كياني . كل خليه في جسدي تنادي عبدالله عبدالله عبدالله ..أهتزت مشاعر البيت بأكمله . ولدنا الوحيد و الحبيب .. نور البيت ,, رحل عن هذه الدنيا ,,
يا ألله أربط على قلوبنا فالمصيبة عظيمة ,,أنتشر خبر وفاته بسرعة عجيبة فمنذ صباح الجمعة و الأهل و الأحباب في منزلنا مصبرين و معزين ..و كلنا نحاول أن نصدق الخبر ..يا سبحان الله قبل وفاته بساعة أتصل بي و بوالدته خبرنا بأخباره و أنه طيب و بخير و أشتري لوالدته هدية و قال بكرة العصر إن شاء الله بجيكم . فقد كان في رحلة برية استأذنني بها مع رفاقه ,,
و أذكر أنه قال أنا يا أبوي و دي أطلع مع أصحابي هالأسبوع علشان الأسبوع الجاي أنت تحج و أنا أجلس عند أخواتي . لكنه قضاء الله و قدره .. فالحمد لله رب العالمين ..
ذهبت لمغسلة الأموات لأرى حبيبي في أخر لحظات تجمعنا في هذه الدنيا الفانية , أقسم علي أخوتي أن لا أشاركهم التغسيل و كان قلبي يتمزق من شدة الألم و لا أملك إلا قول ..(اللهم أني أحتسب أجر مصيبتي عندك فأجرني عليها و عوضني خير منها )كنت أتمنى أن أكون في حلم . فكل الدنيا أراها عبدالله ..كشف لي وجه حبيبي فكان كالنائم ,
قبلت جبينه و قلت اللهم أني راضي عنه فأرضا عنه , اللهم أستودعتك ولدي يا من لا تضيع ودائعك فأغفر له و تجاوز عنه و أرحمه برحمتك ..
آه يا ولدي لو رأيت كيف امتلأت المقبرة بالمصلين و المودعين لك .أهلك أقربائك , أصحابك جيرانك .. بل و الله أني رأيت أناس لا أعرفهم , آه لو تعلم كيف هي مشاعري في هذه اللحظات ..كنت أتمنى لو تعود اللحظات لدقائق لأضمك لصدري و أقبل جبينك الطاهر ..لكنها الأماني و قضاء الله ماضي ,, فالحمد لله رب العالمين ,,
آه يا عبد الله كنت لي ابتسامه الأمل . ملأ قلبي بحبك منذ يوم ولادتك . لا تقر عيني بمنام حتى آراك . كنت أتمنى لو أهديك الدنيا ..
نسيت أن أخبركم أن عبدالله حبيبي أصابه داء السكري منذ أن كان عمره 3 سنوات ,,15 سنة لم تفارق أبرتين الأنسولين جسده يوميا .. و كانت والدته حريصة عليه جدا و متابعة لنظامه دوما , سنوات وعبدالله يفوز بالمركز الأول في مسابقة أفضل طفل محافظ لأطفال السكر .. كانت تمر عليه أيام يتعب كثيرا و كنت أتضايق و أتألم لألمه ,,
كان دائما يعاتبني و ( لا تزعل يا بابوي أنا صابر و محتسب الأجر من ربي ) ,,و أني لأتذكر دوما حديث الحبيب عليه (ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.... ) فرحمة الله عليك بإذنه واسعه فمنذ صغرك أحبك و أبتلاك و لا أزكيك على الله ,, و أسأل الله أن يكفر عنك خطاياك .
بنياتي الغاليات .. أسال الله أن يحفظهن لي و أن يستر عليهن في الدنيا و الأخره و أن يكن لي حجابا من النار مصداقا لحديث الحبيب عليه السلام .. (من كانت له ثلاث بنات فصبر عليهن فأطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار ) ..فيارب بارك في عمري على طاعتك و ثبت قلبي على دينك حتى أحفظ بنياتي بإذنك ..
ألم فراق ولدي يا أحبتي في الله لن أستطيع أبدا أن أعبر عنه لكن بشاراتي بإنه بإذن الله في خير كثير و عند رب كريم رحيم.
و يشهد الله ما كتبت هذه الكلمات إلا موعظة وذكرى لكل من يقرأ مقالتي كي يراجع نفسه و يتقي ربه و يبر بوالديه فالموت لا يعرف صغيرا ولا كبيرا ..
أحبتي دعائكم و عزائكم ووقفاتكم معنا جميل لن ننساه , فجزا الله كل من وقف معنا في مصيبتنا , و كل من حضر و كل من أرسل و كل من كتب على صفحات الإنترنت ,,
شكرا لكل أخواني الدعاة على تصبيركم لي و شكرا لوالدي الغاليين و أخواني الأعزاء على وقفتهم معي ,,و رجائي بعد ربي أن دعائكم لن ينقطع عن ولدي الحبيب , و من كان له حق فليسامحه و يحلله و من كان يطلبه شئ فليراسلني و ليتصل بي وليبشر بالخير إن شاء الله ..