السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
للقمر أطوار. يبدأ هلالا نحيلا ضعيف النور سريع الأفول ثم يزداد امتلاؤه حتى يكون بدرا، وليس بعد التمام إلا النقصان فيعود حتى يكون هزيلا آخر الشهر يرى قبيل الفجر.
وللعرب أسجاع لطيفة في أطوار القمر عن كل ليلة، حتى أنها تخيلت القمر كائنا عاقلا تسأله فيجيب، وهذه طريقة جميلة للتعليم وإضفاء الحياة والمرح على نقل المعرفة.
هذه الأسجاع وشروحها منقولة من كتاب الأنواء في مواسم العرب لابن قتيبة والأزمنة والأمكنة للمرزوقي والتذكرة الحمدونية ومروج الذهب للمسعودي ومن لسان العرب وأتممت بعض مانقص من الشروح.
العرب تسأل والقمر يجيب
سألت العرب القمر ما أنت ابن ليلة؟ قال: "رضاع سخيلةٌ، حل أهلها برميلة."
أي مقدار مكث الهلال في أول ليلة مثل رضاع السخيلة وهي الصغيرة من المعز. والمعنى أن القمر يبقى بقدر ما نزل قوم فتضع شاتهم ثم ترضعها ويرتحلون. وقوله حل أهلها برميلة يحتمل الإخبار عن قلة اللباث وسرعة الانتقال، لأن الرمل ليس بمنزل مقامٍ للقوم، لأنهم كانوا يختارون في منازلهم جلد الأرض وهضبها والأماكن التي لا تستولي عليها السيول؛ فخص الرميلة لهذا المعنى.
وقال في لسان العرب "
العرب تَقول للقَمَرِ إذا كان ابن لَيْلَةٍ: عَتَمَةُ سُخَيْلة حَلَّ أَهلُها برُمَيْلة أَي قَدْرُ احْتِباسِ القَمَرِ إذا كان ابن ليلة، ثم غُروبِه قدْر عَتَمةِ سَخْلَةٍ يَرْضَعُ أُمَّه، ثم يَحْتَبِسُ قليلاً، ثم يعودُ لرَضاعِ أُمِّه، وذلك أَن يُفَوِّقَ السِّخْلُ أمَّه فُواقاً بعدَ فُواقٍ يَقْرُبُ ولا يَطولُ"
سألت العرب القمر ما أنت ابن ليلتين؟ قال: "حديث أمتين بكذب ومين"
يريد أن مكثه من حين يطلع إلى حين يغيب قليلٌ بقدر ما تلقى الأمة الأمة فتتعجلان في الكلام والحديث، خوفاً من استبطاء أهلهما منهما، ولكثرة ما قد جمعتا فى صدورهما من حديث الكذب.
سألت العرب القمر ما أنت ابن ثلاث؟ قال: "حديث فتياتٍ، غير جد مؤتلفات. وقيل: ابن ثلاث قليل اللباث."
يريدون أن مكثه مثل حديث فتيات غير مؤتلفات، وحديثهن لايطول مثل المؤتلفات اللاتي يطلن الحديث حتى يمضي أكثر الليل.
سألت العرب القمر ما أنت ابن أربع؟ قال: "عَتَمةُ رُبَع غير جائع ولا مُرْضَع"، وقال ابن الأَعرابي: "عَتَمَةُ أُمِّ الرُّبَع"
الربع من أولاد الأبل مانتج في أول وقت النتاج. أَرادوا أَن قدرَ احتباسِ القَمَرِ طالعاً ثم غُروبه قدرُ فُواقِ هذا الرُّبَعِ أَو فُواق أُمِّه. وعتمة الرُبع عشاؤه، والفواق هو مقدار مابين الحلبتين من الوقت.
سألت العرب القمر ما أنت ابن خمس؟ قال: "حديثٌ وأنس" أو "عشاء خلفاتٍ قعس."
في قوله حديث وأنس لاتساع الوقت إلى غياب القمر. وقوله عشاء خلفاتٍ قعس: فالخلفات اللواتي قد استبان حملهن، واحدتها خلفة. وهي واحدة المخاض من لفظها، وإنما قال عشاء خلفات لأنها لا تعشى إلى أن يغيب القمر في هذه الليلة؛ والقعساء الداخلة الظهر الخارجة البطن، وقيل القعساء التي قد مال عنقها نحو ظهرها.
سألت العرب القمر ما أنت ابن ست؟ قال: "سر وبت."
يعني أن القمر يبقى قبل الغياب بما فيه متسع للسرى، ثم من غيابه إلى طلوع الفجر متسع للمبيت.
سألت العرب القمر ما أنت ابن سبع؟ قال: "دلجة الضبع"
وقيل: "حدو الأنس ذو الجمع". وفي حاشية الأنواء لابن قتيبة "هدىً لأنس ذي الجمع" وقيل "حديث جمع" نقلا عن ابن سيده في المخصص.
«الدلجة» ، المسير بالليل. يقال: أدجلنا، إذا سرنا ليلا. وإذا كان المسير قبل الصبح، قيل: ادّلجنا، بتشديد الدال. وإذا كان القمرابن سبع، غاب نصف الليل. ويقال إن الضبع تدور إلى نصف الليل.
أما قوله حدو الأنس ذو الجمع عند المرزوقي في "الأزمنة والأمكنة" ، ووردت في "المزهر في علوم اللغة وأنواعها" للسيوطي بلفظ "هدىً لأنس ذي الجمع" نقلا عن كتاب الليل والنهار للسجستاني ووردت "حديث جمع" في المخصص لابن سيده فربما كان المعنى أن القمر لايغيب إلا منتصف الليل وفي ذلك متسع للجمع من السمّار أن يتبادلوا الأحاديث والأنس والقصص.
سألت العرب القمر فما أنت لثمان؟ قال: " قمر إضحيان" أو "رغيف اقتسمه أخوان"
والمعنى أن القمر شديد البياض والنور. ورغيف اقتسمه أخوان لأن القمر يكون نصف دائرة في ليالي سبع وثمان.
سألت العرب القمر فما أنت ابن تسع؟ قال: " منقطع الشسع."
وقيل "يلتقط فيه الجزع." وقيل "ناظم جزع أو مثقب الجزع"
منقطع الشسع: أي أنه يبقى بقدر ما يبقى شسع من قدٍّ يمشى به حتى ينقطع. والشسع للنعل هوالسَيْر الذي يكون بين أصبعي القدم ويربط إلى زمامها. يعني أن المشي مدة بقاء القمر قبل غيابه طويلة وكافية لأن ينقطع شسع النعل.
وقوله يلتقط فيه الجزع: أي أنه مضيءٌ أبلج لو انقطعت مخنقة فتاةٍ فيها شذور مفصلة بجزع ما ضاع منها شيءٌ لصفائه وبقائه. المخنقة هي القلادة والشذور اللؤلؤ والجزع خرز فيه اللونان الأبيض والأسود وخص الجزع بالذكر لأنه أخفى شيء بالقمر. وناظم الجزع في هذه الليلة يرى الثقبة في الخرز فينظم الخيط فيها.
. يعني لو انقطعت القلادة وتناثر مافيها من الخرز، أمكن التقاطه في نور القمر.
وناظم الجزع في هذه الليلة يرى الثقبة في الخرز فينظم الخيط فيها.
سألت العرب القمر ما أنت ابن عشر؟ قال: "أؤديك إلى الفجر، وقيل مُخَنِّق الفجر، وقيل ثلث الشهر"
يعني أن من يتابع القمر إلى غيابه فلن يتبقى على الفجر إلا القليل وهو نفس معنى مخنق الفجر. وثلث الشهر لمضي عشر ليالٍ من الثلاثين ليلة.
سألت العرب القمر: ما أنت ابن إحدى عشرة؟ قال: أُرى عشاءً وأُرى بكرة، وقيل: وأغيب بسحرة.
القمر يطلع قبل مغيب الشمس ويغيب آخر الليل ولذلك فهو يرى عشاءً ولايغيب إلا عند السحر، وقوله بكرة لأنه يرى قريباً من الإصباح عند غيابه.
سألت العرب القمر ما أنت ابن اثنتي عشرة؟ قال فويق البشر في البدو والحضر.
ربما يقصد أنه يبقى معظم الليل لمن يطيل السرى.
سألت العرب القمر ما أنت ابن ثلاث عشرة؟ قال: قمرٌ باهر يعشى له الناظر.
القمر قريب من الاكتمال ويجهر بصر الناظر بشدة نوره.
سألت العرب القمر فما أنت لأربع عشرة؟ قال: مقتبل الشباب أضيء دُجُنَّات السحاب.
القمر في تمامه يضيء السحاب الأسود الداكن بنوره الشديد الضياء
سألت العرب القمر ما أنت ابن خمس عشرة؟ قال: تم الشباب، وانتصف الحساب وقيل تم التمام ونفدت الأيام
بلغ القمر كماله وانتصفت من الشهر أيامه، وليس بعد الكمال إلا النقصان
سألت العرب القمر ما أنت ابن ست عشرة؟ قال: ناقص الخلق في الغرب والشرق.
بعد تمام القمر بدراً، ينقص خلقه واستدارته.
سألت العرب القمر ما أنت ابن سبع عشرة؟ قال: أمكنتُ المقتفر القفرة.
المقتفر هو الذي يتتبع الأثر، والمعنى أن القمر يقول أمكنت بنوري متتبع الأثر أن يصل إلى الموضع الذي يقصده. وفي اللسان " وقَفَرَ الأَثَرَ يَقْفُره قَفْراً واقْتَفَرَه اقْتِفاراً وتَقَفَّره، كلُّه: اقْتَفاه وتَتَبَّعَه. وفي الحديث: أَنه سئل عمن يَرْمِي الصيدَ فَيَقْتَفِرُ أَثره أَي يتبعه. يقال: اقْتَفَرْتُ الأَثرَ وتَقَفَّرْته تتبعته وقَفَوْتَه. وفي حديث يحيى بن يَعْمَرَ: ظَهَر قبلنا أُناس يَتَقَفَّرُونَ العِلْم، ويروى يقتفرون أي يتطلّبونه".
سألت العرب القمر فما أنت لثماني عشرة؟ قال: قليل البقاء سريع الفناء.
المعنى أن القمر قد انقضى الأكثر من عمره وبقي الأقل.
سألت العرب القمر ما أنت ابن تسع عشرة؟ قال: بطيء الطلوع، بيِّن الخشوع.
بطيء الطلوع لأنه لايطلع إلا بعد مضي ثلث الليل وبيّن الخشوع لوضوح النقصان بعد تمامه بدراً ليلة خمس عشرة.
سألت العرب القمر ما أنت ابن عشرين؟ قال: أطلع بسحرة وأضيء بالبهرة.
يعني أنه يطلع في قطعة من الليل متأخرة ويضيء بالبهرة معناها أنه يضييء في منتصف الليل وبهرة الليل منتصفه، أو أن نوره يغلب نور النجوم، يقال قمر باهر إذا غلب ضوؤه ضوء الكواكب.
سألت العرب القمر ما أنت ابن إحدى وعشرين؟ قال: أطلع كالقبس، يرى بالغلس.
القبس الشعلة من النار والغلس آخر ظلمة الليل مع نور الفجر، والمعنى أن القمر يطلع بإضاءة كإضاءة الشعلة من النار ويبقى مرئياً إلى طلوع الفجر. والقمر في هذه الليلة يطلع قريبا من منتصف الليل ويبدو نصف قرصه مضاءً، ويرى حتى بعد طلوع الشمس.
سألت العرب القمر ما أنت ابن اثنتين وعشرين؟ قال: لا أطيل السرى إلا ريثما أرى.
لأن القمر لايطلع إلا في منتصف الليل فمسراه ليس طويلا كمثل مسراه من أول الليل.
سألت العرب القمر ما أنت ابن ثلاثٍ وعشرين؟ قال: أطلع في قتمة ولا أجلو الظلمة.
لا يجلو الظلمة لأنه يتأخر في الطلوع إلى مابعد منتصف الليل وإذا طلع فنوره قد ضعف عن نور البدر وعن نور الليالي التي تلي منتصف الشهر.
سألت العرب القمر فما أنت لأربع وعشرين. قال: أنا في تلك الليالْ لا قمر ولا هلالْ.
القمر في هذه الليلة ليس ممتلئاً كالبدر ولانحيلاً كالهلال.
سألت العرب القمر فما أنت لخمس وعشرين. قال: دنا الأجل وانقطع الأمل.
بدأت تنقضي لياليه
سألت العرب القمر فما أنت لست وعشرين؟ قال: دنا ما دنا فليس فيّ من سنا.
يعني دنت نهايته فلا يرى له نور قوي.
سألت العرب القمر فما أنت لسبع وعشرين؟ قال: أطلع بكراً ولا أُرى ظهراً.
يطلع القمر في هذه الليالي قبل الفجر ولضعف نوره فهو لايرى بعد طلوع الشمس.
سألت العرب القمر فما أنت لثمان وعشرين. قال: أسبق شعاع الشمس، ولا أطيل الجلس.
يطلع القمر قبيل الشمس ولا يمكث إلا قليلاً قبل أن يطمس نوره ضوء الشمس.
سألت العرب القمر فما أنتَ لتسع وعشرين. قال: ضئيل صغير لا يراني إلا البصير.
في هذه الصبيحة إذا رآه أحد فلا يراه إلا حاد البصر لضآلة حجمه وضعف نوره.
سألت العرب القمر ما أنت ابن ثلاثين؟ قال: هلالٌ مستقبل سريع الأفل.
تم الشهر وأصبح هلال الشهر الجديد ولايلبث قليلاً بعد الشمس حتى يغيب.
جمعه وشرح بعض ألفاظه خالد بن عبدالله العجاجي
15 نوفمبر 2015 - 16:514 نوفمبر 2015 - 21:27
 |
رد مع اقتباس
