هذا بحث عن نوء الثريّا من منظور التراث الشعبي، وربطه بالتراث العربي القديم.
قال الخلاوي رحمه الله:
ولا شربت من منقع السيل ناقتي ،،،، بنو الثريا فبشر العربان بالسفرا
البيت ورد بهذه الرواية عند الشيخ عبدالله ابن خميس في رائية الخلاوي الفلكية. المنقع هو مكان اجتماع ماء المطر في مطمن من الأرض، وبشر العربان بالسفرا يعني بشر العرب بالخير والعلوم السفرة.
يقول الخلاوي أنه إذا شربت ناقته من منقع السيل في نوء الثريا وذلك كناية عن ارتواء الأرض بالماء وغزارة المطر، فإن هذا بشارة للعرب بالخصب القادم، وهذا تنويه من الخلاوي بنوء الثريّا وأن مطره بإذن الله من أكثر الأمطار نفعاً.
نوء الثريّا من أوائل مواسم المطر ووقته في الوسمي، وسُمِّي بنوء الثريّا لأن العرب من عادتها أن تطلق النوء منسوبًا للنجم الساقط في الغداة أي في الفجر. والثريّا تسقط فجرًا في الوسم.
سقوط الثريا فجرًا في الوسمي في الأفق الغربي
يقول ابن قتيبة الدينوري عن نوء الثريا: فأما نوءها فنوءٌ محمود غزير مذكور. يقال إنه خمس ليال، ويقال سبع ليال. فهو خير نجوم الوسمىّ، لأن مطره فى زمن تريد الارض فيه الماء. فهو يمسك ثرى سنته. وفى الثريا إذا جادتهم خلفٌ مما قبلها ولا خلف منها. وعن وقت نوء الثريّا روى ابن قتيبة عن ابن كناسة، قال: «خمسة أنواء من أنواء الخريف: الفرغ المؤخر، والحوت، والشرطان، والبطين، والثريا. وليس بعد الثريا وسمي.» والمطر الذي ياتي بعد نوء الثريا كانوا يعدونه من الولي الذي ياتي بعد مطر الوسمي.
ولكن بعض البادية في الزمن الحاضر، وخاصة في شمال الجزيرة العربية، لها في الوسم نوءان: الثروي والجوزاوي، ولكل منهما حوالي ستة وعشرين يوماً. والثروي يبدأ في قران سبعة عشر، الذي يسمونه قران الوسم وقران الثروي؛ لأنه يصادف في العادة بداية الوسم، والجوزاوي يبدأ في قران خمسة عشر. والمقصود بقران سبعة عشر أو خمسة عشر هو مقارنة القمر للثريّا ليلة سبعة عشر أو ليلة خمسة عشر من الشهر القمري. والثروي نسبة للثريا والجوزاوي نسبة للجوزاء. ونوء الثريّا له ذكر زاخر في الأدب العربي القديم والشعبي.
منظر لقران 17 الذي يوافق أول الوسم سنة 1441 هـ ، والقران في يوم 17 صفر من تلك السنة وسيوافق 16 أكتوبر 2019. ويجب ملاحظة أن قران 17 لايوافق نفس التاريخ الشمسي كل سنة، ولكن ربما يتقدم
أو يتأخر عنه بما يقارب الأسبوعين.
قال ذو الرمة:
مجلجل الرعد عرّاصا إذا ارتجست ،،،، نوء الثريا به أو نثرة الاسد
ذو الرمّة يدعو بالسقيا لمرابع مي حبيبته بسحابٍ رعده صاخب وبرقه لاينقطع عندما تختلط أصوات الرعد والمطر والريح في نوء الثريا أو نوء نثرة الأسد، ويقصد بذلك أن يجتمع المطر من أول مواسم المطر في نوء الثريا إلى أنواء الأسد، وهذه الأنواء هي التي قال عنها العرب: إنه ما اجتمع مطر الثريا فى الوسمي ومطر الجبهة فى الربيع إلّا كان ذلك العام تامّ الخصب كثير الكلأ.
سقوط النثرة فجرًا يحدث تقريبًا في وقت الشبط، بين يناير وفبراير، وسميت نثرة الأسد لأنها عند العرب على أنف الأسد
وقال أيضا:
أمنزِلَتَيْ مَـــــيّ سلامٌ عليكمــــا ،،،، على النَّأيِ والنَّائي يودُ وينصحُ
ولازال من نوء السماك عليكما ،،،، ونوء الثريا وابـــلٌ متبطـــــــح
يسلِّم على منزلتي مي وهو بعيد عنها ويقول أنه على بعده لازال محباً ومخلصاً، ويدعو الله لهما بالغيث الذي يكون مطره وابلاً يقلب حصى البطحاء وترابها بعضه على بعض وذلك في نوء السماك وهو من آخر الأنواء ونوء الثريا وهو من أول الأنواء، ويقصد بذلك أن يكون المطر والغيث مستمراً طيلة مواسمه النافعة من أولها لآخرها.
سقوط السماك الأعزل ووقته تقريبا بين أواخر مارس وأول إبريل
وقال حميد بن ثور الهلالي:
يُطِفْنَ به يحْلُون حَول غَبيطِها ،،،، رباب الثريّا صاب نجداً فأوسما
يقول أن النساء يَُزيِنَّ جوانب الهودج بالوشي الملوّن كأنَّه نبات الربيع وزهوره إثر سحب نوء الثريا في الوسمي.
وقال جرير:
رَعَتْ مَنْبِتَ الضَّمَرَانِ من سَبَلِ المِعَى ،،،، إلى صُلبِ أعيارٍ تُرِنُّ مساحله
سَقَتها الثريّـــا ديمـــةً واستقــت بهــا ،،،، غُرُوبَ سِماكيٍّ تهلَّــــلَ وابِلُــه
يقول جرير أن الإبل ترعى في المنابت البعيدة وأطراف الرمل إلى مكان يسمّى صلب أعيار تسمع فيه صياح الحمر الوحشية؛ حيث سقت هذه المواقع سحب دائمة المطر في نوء الثريّا في أول موسم المطر وحباها الله في نوء السماك، آخر المواسم، وابلاً من المطر، أبقى للربيع نضارته وزاد في أمد عمر شجره ونبته.
آثار مطر السماك على روضة خريم في إبريل 1988 م
واستمر هذا التغنِّي بنوء الثريّا عند العرب إلى عصور الأدب الشعبي. قال مريبد العدواني العنزي متمنياً:
وشقح تدوِّج بالفياض النعيمة ،،،، وسمية وبل الثريا يعلّه
يتمنّى مريبد إبلاً شقحاً، والشقح لون في الإبل بين البياض والحمرة، ترعى كيف شاءت في الرياض الخصيبة التي علّها مطر نوء الثريّا في الوسمي.
روضة التنهاة بعد أن أنعم الله بأمطار غزيرة في نوء الثريا سنة 1997م ، الصورة في 17 نوفمبر بعد شهر من دخول الوسم
وقال مشعان الهتيمي:
حلو الحليب اللي ولدها يتدرَّج ،،،، لا خمخمت عشب الشعيب العذاوي
في وادي ماسوم فيه النفل عج ،،،، وعليه من نـــو الثريـــا مهـــــاوي
حلو الحليب يقصد الناقة، التي ترعى العشب الطيب في وادٍ عذي طيب التربة كريم المنبت مريء الكلأ أصابه مطر الوسمي وكثر فيه النفل، وجرت عليه في نوء الثريا مزون ممطرة، والنفل عشب من نبات الوسم رعوي زكي الرائحة.
اللي ولدها يتدرَّج لا خمخمت عشب الشعيب العذاوي
وقال مرشد البذال:
ياما خذينا باول العمر شوشه ،،،، وياما مشينا مع مظاهير وادبـــــاش
في خايعٍ وبل الثريّا رشوشه ،،،، نجني زبيدي في صحاصيح ودشاش
الشاعر قال هذه الأبيات في مرضه، رحمه الله، يتذكر أيامه الخوالي وتجوله في الصحراء ولقطه للزبيدي في الأراضي سهلة النبات التي نزل عليها الغيث في نوء الثريا في الوسم، والزبيدي من الكمأة التي لاتخرج إلا إذا كانت الأرض موسومة، أي أصابها المطر في الوسمي، ونوء الثريا من أنفع أمطار الوسم الذي ينبت الكمأة. والخايع هو بطن من الأرض سهل منبات قد تم عشبه ونباته ولم يصبه الحلال بالرعي. يقول أبو محمد السردي من بادية حوران بالشام شمال الجزيرة العربية عن قرانات الوسم والكمأة: «يعتبر البدو قران 19 أول قران يهتمون له ويسمونه الوسم البدري وقران الهريف، ويصادف أول صفر عند البدو وسمي الوسم لأنه ياسم الارض بالعشب، وتشاهد الثريا عند العشاء. وقران 17 يصادف أوسط صفر وهو قران الثروي أو قران الوسم. وقران 15 هو آخر صفر بحساب البدو ويسمى القران الجوزاوي أو آخر الوسم. ويقول البدو عن قرانات الوسم الثلاث التالي : إذا أمطرت في نوء قران 19 أخرجت الارض كل أنواع الفقع والعشب، وإذا أمطرت في قران 17 أخرجت الأرض بعض أنواع الفقع ونصف أنواع أعشابها، وإذا أمطرت في نوء قران 15 أخرجت الأرض نوع واحد من الفقع وبعض أنواع الأعشاب.»، ومعنى كلامه أن وقت قران القمر للثريّا ليلة التاسع عشر من الشهر القمري هو أول صفر، وصفر يقصد به مايسمى بالصفري، ووقت هذا القران بالعادة في أواخر سهيل وأول الوسم، وإذا أراد الله ونزل الغيث في هذا الوقت وأعقبته أمطار كافية، كان هذا سبباً في نبات كل أنواع العشب والفقع مثل الزبيدي والخلاسي وغيرها. وإذا تأخر المطر إلى قران سبعة عشر الذي يوافق أول الوسم ونوء الثريا، فإن الأرض تنبت بعض أنواع الفقع والعشب. وإن فات نوء الثريّا، وجاءت الأمطار في قران خمسة عشر الذي يوافق آخر الوسم ونوء الجوزاء، فإن أنواع العشب التي تنبت تكون أقل ولايخرج إلا نوع واحد من الفقع.
وخلال قران تسعة عشر، يكون نو القلايد أو مايعرف بقلايد الوسم؛ وهو المطر الذي يأتي في الوقت بين الخريف وبداية الوسمي، وحسب فهمي مما سمعت من الشيخ غايب بن نواف الرمالي أن وقتها يكون قبل الوسم بحوالي عشرة أيام إلى أسبوعين، إذا ارتوت الأرض فيها فإنها تنبت الكمأة بإذن الله، وكأنه ألمح أنها أيضاً تدخل من ضمن الثروي. والوسمي عند البادية نوءان ثروي وجوزاوي. وفي نو القلايد قال بريك بن محمد بن حرب الساعدي، أمير بقعا:
عساك يادار تلم آل مرشـــــد ،،،، تحن عليك المرزمات الرعايد
سقى دارهم من مزنة مدلهمه ،،،، نشت بالثريّا أو بنو القلايـــــد
بريك يدعو الله أن يسوق السحب التي لها رزيم ورعد إلى ديار آل مرشد، وهم السويط من الظفير، وأن يسقيهم من المزون الثقال التي تنشأ بنوء الثريا ونوء القلايد وهي أوائل مواسم المطر.
وذكر ابن قتيبة أن العرب قالت: بمطر الوسمي تخصب الأرض وبه تنبت الكمأة، ولاينفع الوسمي إلا بالولي لأن الوسمي يقع وللحر سلطان، فيعجل النبات، فإن لم يأت الولي جفَّ. وقالت العرب عن مطر الوسمي: شهر ثرى، وشهر ترى، وشهر مرعى، وشهر استوى.في الشهر الأول بعد مطر الوسمي يكون الثرى وهو الندى والرطوبة في الأرض، ثم في الشهر الثاني يرى النبات قد خرج ولم يرتفع، وفي الشهر الثالث يرعاه الحلال، ويبلغ تمامه واكتهاله في الشهر الرابع. وهذا القول للعرب مشابه لقول الخلاوي، رحمه الله، في رائيته:
ولا شربت من مربض الظبي ناقتي ،،،، بنو الثريا قلت انا الله اكبـــرا
ولا ظهر شهــــر مستردف شهــــر ،،،، وخمسة عشر يوم مع الشهرا
تخالط النبت بالريضان واطـــردت ،،،، على مطارقها غيافة الزهـــرا
جعل بين نوء الثريا واكتهال النبات وتمامة ثلاثة أشهر وخمسة عشر يوماً. ولكن هذا الكلام ليس على إطلاقه كما ذكر المرزوقي فإن البلاد تختلف في ذلك فمنها الأنيث الممراح فلا يبطيء نباته ومنه المصلاد النكد الجحد الإنبات. ويختلف أيضاً من قبل الزمان، فإن الأرض إذا جيدت والزمان ليِّن كزمان الصفري والدفئي والخريف لم تلبث الأرض أن تعشب. وإذا جيدت والزمان قسيء بارد منعها البرد من الإعشاب فأبطأتْ به. وقال ابن الأعرابي: قيل لابنة الخنسي: كم يعقد المطر في الأرض ولايخرج؟ فقالت: عشر ثرى وعشر ترى وعشر مرعى ثم تشبع المعزى. أرادت أن الماشية تشبع في ثلاثين. وهذا محمول على أن النبات يبدأ ظهوره على وجه الأرض ويمكن للمعزى أن ترعاه، وذكر نواف الجابري أن من اقوال البادية: سبع ثرى وسبع ترى وسبع تشبع فيه الجفرا، والجفرة هي العناق الصغيرة من المعزى، وهذا القول مشابه لسابقه ويدل على أن النبات في أوله.
وفي إثر أمطار نوء الثريا والوسمي يصف العرب ظهور النبات ومراحل نموه فيقولون: أوشمت الأرض وطرّ النبات كما يطرّ شارب الفتى وذلك حين تبصر أول النبات، ويقولون إذا تطررت الخضرة: وَدَسَت الأرض من الودس، ويقولون اذا اتصل النبت: وصت الأرض، فإذا بلغ من اتصاله أن يغطي الأرض قيل: استحلست الأرض، وحينئذ ترى الأرض مدهانة يعني يغطيها طبقة من الخضرة ويسمى هذا الوراق، فإذا نهض البقل قليلاً وهو غض وناعم فذلك اللعاع، وإذا ارتفع عن ذلك حتى يشتد، قيل عَرَدَ يعرُد عروداً، فإذا نهض حتى يملأ أفواه المال فهو جميم، فإذا ارتفع عن ذلك فهو عميم، فإذا طال وارتفع والتف ولم ير له فرجة لطوله وانتشاره قيل: اغلولب، ويقال: أغنت الأرض، إذا سُمِع لها غنة لالتفاف النبات وكثافته، وقد يكون ذلك من أصوات الذبان، فإذا ظهرت أكمامه وهي غلف النَور فذلك البراعيم والكعابر والواحدة برعومة وكعبرة، فإذا تفتَّح وانشق عن النَّور فذلك التفقيح والنَّور حينئذٍ فقاح، ويقال حينئذٍ جَنَّ النبت جنوناً، وأخذ زخرفه وزخاريه وألفى بهجته، فإذا انتهى وبلغ فهو مكتهل، وهو في جميع هذه الأحوال خلًا وعشب.
ومن آثار نوء الثريّا ومطر الوسمي التي يستبشر بها الناس ويترقبونها ظهور الكمأة، الذي يسميه الناس الفقع، وهو نبات فطري ينبت تحت الأرض، ولاينبت إلا إذا اصاب الأرض مطر الوسمي. والعرب قديماً وحديثاً تعتقد أنه لاتنبت الكمأة إلا إذا صاحب السحب الممطرة في الوسمي رعد، وحكى الجاحظ أنَّ أبا الوجيه العكلي قال: أحب السحابة الخرساء ولا أحبها! قيل وكيف ذلك؟ قال: لأنها لاتخرس حتى تمتليء ماءً وتصب صبًا كثيرًا، ويكون غيثًا طبقًا، وفي ذلك الحيا؛ إلا أن الكمأة لاتكون على قدر الغيث. يقصد أن الكمأة لاتنبت من مطر السحابة الخرساء التي لارعد فيها ولو كان غيثًا عميمًا. ويقول الدكتور عبدالله بن ناصر الرحمة أن ظهور الفقع يحتاج لارتواء الأرض في أنواء الوسمي ويكون متبوعاً بعدة زخات من المطر على فترات متناسبة، ويبدأ ظهوره بعد سبعين يومًا من أول الأمطار. قال الشاعر:
فيها الزبيدي بعد سبعين يوم ان جاه مدرار ،،،، يشقق الارض بامر الله ثم يلقطونه
وإذا أنزلت المزون ماءها في أنواء الوسمي وكانت مصحوبة بالبرق والرعد، تفاءل الناس بوفرة الكمأة. يقول الشاعر:
المزن يجذب خياله برق ورعود ،،،، يطلع مصاليع الكما في مساقه
وأورد الدكتور عبدالله في كتابه تحليلًا علمياً لتأثير البرق والرعد على ظهور الفقع.
وتمام الكلام عن نوء الثريا ومايتبعه من الأمطار الوسمية هو اكتساء الصحراء أبهى حلة، حيث تأخذ الأرض زينتها وتتزخرف بخروج انواع العشب والأزهار في الوقت الذي يسمّى صياح النبات، وذلك بعد انقضاء المربعانية والشبط. هذا الحيا والخصب الذي تسبتشر به البادية والحاضرة يزيده بهاءً جمال منظره الذي يتغنى به الشعراء والأدباء. يقول الخلاوي عن هذا الوقت بعد مضي ثلاثة أشهر ونصف على نوء الثريّا:
تخالط النبت بالريضان واطردت ،،،، على مطارقها غيافة الزهرا
ويقول محسن الهزاني رحمه الله:
والفياض اخصبت والرياض اعشبــــت ،،،، والركايا ارجعت والمقـلّ اسفهــل
والحزوم اربعت والجـوازي سعـــــــت ،،،، والطيور سجعت فوق زهر النفـل
كن وصف اختلاف الزهر في الرياض ،،،، بالتلاون فروش الزوالـي تفــــــل
والحزوم اربعت والجـوازي سعـــــــت ،،،، والطيور سجعت فوق زهر النفـل
وهذه شاعرة بدوية سكنت الحواضر مع زوجها واشتاقت لربيع الصحراء تقول:
شفّي على وضحا حباله تهيفــي ،،،، اسبق من اللي علقوف دقلها
ولقط الزبيدي من تراب نظيفي ،،،، في قفرة يعجبك ريحة نفـلها
وقال الشيخ تركي بن حميد رحمه الله:
يبون برّاق صدوق العشايا ،،،، تشبع رعاياهم بعرفج ورقروق
والعرفج من الأشجار الرعوية والرقروق نبات يتطفل عليه الفقع ويكون دليلاً على وجوده.
وقال مشعان الهتيمي في قصيدة غزلية، يمدح شعره:
يقول مشعان الهتيمـــي تفلهَـــــمْ ،،،، قافٍ رجس بين الضلوع المغاليق
قافٍ حلى من دَرِّ خلــجٍ تـــرزم ،،،، الى ابهلت لعيالها بالتفاهيــــــــــق
لا روحت من حاجر فيه خمخم ،،،، غير الشقارا والنفل والزماليـــــــق
يصف القوافي بإنها أحلى من لبن النياق التى رعت من الخمخم والشقارا والنفل والزماليق، وهذه من النباتات التي تنمو بعد مطر الوسمي.
وقال ساكر الخمشي يدعو بغيث وسمي يدوم تسعين ليلة، ترى بعدها زهور ا البختري البنفسجية والحمراء كطرابيش الحجاج:
كريم يابرق مخيله على الغدف علّه ،،،، على الوديان ينثـــر وسايمــــه
جعله على دار ربا فيك صاحبــــي ،،،، تسعين ليلة بس ديــم مدايمــــه
تصبح زماليق البختري منـــــــورة ،،،، طرابيش حجاج تطوي عمايمه
البختري
وقال عبدالرحمن بن عبدالله أبو بكر:
في مجلس داروا عليه المسايير ،،،، في ليلة قمرا على الضو جلّاس
في مقدم الربعة وريح النواوير ،،،، متخالط ريح الخزامى ببسبـــاس
ومن الشعر العربي القديم قال النابغة الشيباني بعدما وصف السحاب والبرق والمطر:
كسا العِراصَ رياضًا حين فارقها ،،،، كالعبقري رواءً كلُّهـــا خضِــــلُ
من حَنْوَةٍ يعجب الروّادَ بهجتُهــــا ،،،، ومن خزامى وكْرْشٍ زانَها النَّفَل
يقول أن هذا الغيث كسا البقاع الواسعة رياضًا نديّةً ذات ألوان مختلفة، كالثياب العبقرية الملونة، من زهور الحنوة والخزامى والكرش والنفل. وقال أيضاً في معنى مشابه:
فأعقَبَ بقلُهُ نَوْرًا تؤامًــــا ،،،، كلون الرقم حُطَّ به الفلاء
ونَوْرُ البَخْتَريّةِ والخُزَامَى ،،،، وحَنْوَتُه لبهجتهـــا بهـــاء
والرقم هو الثوب المخطط من الوشي، والنَّور هو الزهور، والبختري والخزامى والحنوة نباتات لها زهور جميلة ورائحتها زكية.
وكثيراً مايقارن الشعراء جمال الرياض وطيب ريحها بريح اللاتي يتغزلون بهن. يقارن الأسود بن يعفر لون الأقاحي بابتسامة معشوقته، وحسنها بجمال روضة أصابها الوسمي:
وتبسم عن غرِّ الثنايا مفلــجٍ كَنَوْرِ ،،،، الأقاحي في دمـــاث الشقائـــق
وما روضة وسميَّة رجبيّة ولتهــا ،،،، غيوث المدجنــات البــــــوارِق
حمتها رماح الحرب حتى تهولت ،،،، بزاهر نَوْرٍ مثل وَشْيِ النمارق
بأحسن من سلمى غــداة لقيتهــــا ،،،، بمندفع الميثاء من روض مأذِق
ونختم الكلام عن نوء الثريّا بهذه القصة الطريفة عن نبات السمح الذي ينبت من مطر الوسمي، وله حب صغير يجمع ويؤكل: كانت ظاهرة الشرارية تعيش في الجوف في فترة ولاية عبيد بن علي بن رشيد، وكانت معروفة بموهبتها الشعرية وذكائها وسرعة بديهتها. فأراد الأمير عبيد الرشيد أن يختبر ذلك فأنشدها:
قلبي كما سَمْحٍ تنثّر بضاحي ،،،، يامن يلم السمح والرمل غاشيه
فأجابته من فورها:
يجيه من نَوَّ الثريّا طيــــاحِ ،،،، وينبت وحنَّا داير الحول نجنيه
السمح من النباتات الصحراوية التي تكثر في البسيطا بالقرب من الجوف، ولايخرج بإذن الله إلا على أمطار نوء الثريّا إذا كان متبوعًا بأمطار كافية. ولهذا النبات قيمة كبيرة عند أهالي تلك المنطقة، ولهم طرق معروفة منذ القدم في حصاده ودراسته وتخليص الكعبر الذي يحتوي على الحبوب من سيقانه، ثم استخراج الحبوب من الكعبر. وحصاده يكون عند يبسه في أواخر القيظ وأول الصفري عند دخول سهيل. يقول الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن زيارة له في 15 إبريل 1970 م، نهاية الحميمين: «لما قاربنا الجوف شاهدنا أرضًا مكسوة بنوع من النبات، قريب الشبه بما نسميه عندنا في نجد الصمعاء ، وهو نوع من النَّصي إلا أن ال،َّي يكون شجيرة ملتفة الأغصان ، وهذا ينبت أغصانه متفرقة ، كالقمح ، ولكنه لايطول أكثر من الشبر ، وغصنه دقيق جدًا ، وفي رأسه حُبيبات صغيرة جدًا ، سوداء اللون بحمرة قليلة ، أصغر من حب السمسم ، وقالوا لنا: أنه عندما يستوي تحفر في الأمكنة التي هو فيها حُفَرٌ ، ثم يجمع فيها هذا النبات الذي يسمّى السَّمح حتى ييبس ، فإذا يبس تساقطت منه الحبيبات منه في جوف الحفر، فتنقَّى من العيدان، وتجمع وتستعمل أكلًا، وطريقة صنعها أن تلك الحبيبات تحمص ثم تطحن، وبعد ذلك تلُبَّك بالسمن والدبس، ويسمون هذا النوع من الأكل (بَكيلة)، وهي تسمية عربية فصيحة وردت في كتب اللغة. والسمح ينبت من المطر بدون زرع.» وللأديب سليمان الأفنس الشراري رحمه الله كتاب عن السمح.
كتبه خالد بن عبدالله العجاجي يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة من سنة 1436 هـ
15 نوفمبر 2015 - 16:514 نوفمبر 2015 - 21:27
 |
رد مع اقتباس
