بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خلق الله الانسان في أحسن تقويم وحباه بقدرات هائلة نعرف بعضها ونجهل الكثير وهي تستحق موضوعاً منفصلاً أو بالاصح كتب كثيرة.
( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) [ التين : 4 ]
أحد هذه القدرات هو رؤية العالم من حولنا بشكل ثلاثي الابعاد والقدرة على معرفة الاشياء القريبة والاشياء البعيدة وهذه القدرة قد تبدو بسيطة للوهلة الاولى ولكن اذا عرفنا كيف تعمل اصابتنا الدهشة وعرفنا بعضاً من عظيم صنع الله
دعونا نبدأ بتمرين سريع
ارفع سبابتك ثم مد يدك الى الامام
انظر الى اصبعك بعينك اليمنى وقارن مكانه مع الاشياء في الخلف
الان، أغلق عينك اليمنى وانظر اليه بعينك اليسرى
ستلاحظ ان موقعه بالمقارنة مع الخلفية ستختلف
جرب ان تقرب وتبعد اصبعك من وجهك وتقارن بين موقعه في كل عين على حدة
ستلاحظ انه كلما قربته أكثر زادت المسافة التي يتغير فيها مع الخلفية وكلما ابعدته قلت المسافة
هذه الخاصية تسمى التزيح
وعقلنا يستقبل الصورتين المختلفتين من كل عين
ثم يدمج الصورتين معاً لتظهر لنا بشكل صورة واحدة ثلاثية الابعاد
وهذه عملية معقدة يقوم بها عقلنا بطريقة لا ارادية وبدون مجهود منا
في الصورة، قارن عدد النوافذ القريبة من يد الرجل اليسرى وسترى انها تختلف بين الصورتين
اكتشف المفكرون هذه الخاصية منذ زمن الاغريق
حيث حاول أبرخش أو هيبارخوس (Hipparchus) قياس المسافة بين الارض والقمر عن طريق قياس زاوية تزيح القمر في منطقتين مختلفتين اثناء كسوف الشمس
في عام 1672م قام عالم ايطالي يدعى كاسيني (cassini) وزميله ريتشر (Richer) بقياس تزيح المريخ من منطقتين مختلفتين وبالتالي قياس المسافة من الارض الى المريخ وهذه التجربة كونت فكرة أولية عن حجم المجموعة الشمسية
أما استخدام التزيح لقياس المسافات الى النجوم فلم تتم الا في عام 1838م وذلك لان زاوية تزيح النجوم من مكانين مختلفين على الارض كانت شبه مستحيلة حتى ظهرت فكرة التزيح النجمي وهي قياس تزيح النجوم في اطراف مدار الارض حول الشمس وتلك النقطتان تبعدان عن بعضهما 300 مليون كم
وحتى باستخدام هذه المساحة الكبيرة فان تزيح أقرب النجوم الينا صغير جداً وهو يماثل قياس مسافة 2سم على مسافة اكثر من 5 كم
ولا يزال التزيح هو أكثر الطرق دقة لقياس المسافة بيننا وبين النجوم ولكن يعيبها عدم امكانية قياس زوايا صغيرة جداً ويستخدم التزيح النجمي حالياً لقياس دقة الطرق الاخرى التي تعتمد على التحليل الطيفي
في عام 1989م تم اطلاق مركبة سميت Hipparcos تيمناً بالعالم الاغريقي لقياس التزيح النجمي من مسافات أكبر ولكن حتى في أفضل الحالات فهذه المركبة ستقيس مسافة تصل الى 1600 سنة ضوئية (حوالي 1% من حجم مجرة درب التبانة)
وفي عام 2013م تم اطلاق مركبة اوروبية تستطيع مع تلسكوب هابل الفضائي قياس المسافة حتى عشرات الالاف من السنوات الضوئية
سبحان الذي {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [ العلق : 5 ]
ملاحظة: مواضيعي من كتاباتي الشخصية ولا أمانع في النقل للفائدة ولكن بشرط ذكر المصدر