بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
لا أخفيكم انني ترددت في كتابة هذا الموضوع لأنه موضوع شائك وقد يكون حقل من الألغام لمن لا يعرفون دروبه
ولكن الذي شجعني على الكتابة أنه على رغم كثرة الكتابات التي وجدتها حول الموضوع فان الغالبية العظمى منها تنقل الينا ما جاء في التراث والنادر منها ما يفسر كيف ولماذا يحصل القران
فاستعنت بالله في كتابة ما أعرفه من معلوماتي القاصرة في تفسير ظاهرة القران لعل من يعرف أكثر يدلي بدلوه حتى تكتمل الصورة عند القارئ
القران في التراث
نقل الينا الرواة العديد من المأثورات الشعبية عن القران ومن ذلك قولهم:
( قران حادي برد بادي ) وهو الحادي عشر وهو بداية الشتاء
( قران تاسع برد لاسع ) وهو وسط الشتاء
( قران سابع مجيع وشابع ) وهو نهاية الشتاء وبداية الربيع واول البهايم يلحق عليه واللي بعده ما يلحق الأول شابع والتالي جايع
( قران خامس ربيع غامس ) وهو منصف وأفضل الربيع وتنغمس البهايم في العشب
( قران ثالث شديد ولابث ) وهو نهاية الربيع وبعض البدو يشدّون وبعضهم يلبث في مرابعه
( قران حادي على الماء ترادي ) وهو ليلة الاول من الشهر وهو بداية الصيف وانتقال البدو الى موارد الماء
ومن ذلك أيضاً أن قران 19 و 17 و 15 اشهر الصفري (الخريف) وهي اول صفر و اوسط صفر و اخر صفر
وقران 13 و 11 و 9 في الشتاء
وقران 7 و 5 و3 في الربيع
وقران 25 و 23 و 21 القيض (الصيف) وتسمى اول قيض واوسط قيض واخر قيض
ومن ذلك توقيت الخلاوي لكنة الثريا بقران الأول من الشهر
وإلى قـارن القمـر الثريـا بحـادي *** بعد أحد عشر عقب القران تغيب
وسبع وسبع عـد لـه بعـد غيبتـه *** هذيك هي الكنًـة تكـون مصيـب
وغير ذلك مما نقله لنا الرواة ولن استطرد كثيراً هنا لوفرة الكتابات في هذا الموضوع
ولكن لدي ملاحظة لم أجد لها تفسير
وهي أن أغلب ما قرأت عن القرانات هو عن قرانات الليالي الفردية ولا أذكر شيئاً مما أطلعت عليه من المنقول من التراث عن قرانات الليالي الزوجية مثل قران رابع وسادس وثامن وغيرها مع أن دلالات هذه القرانات قريبة من دلالات قرانات الليالي الفردية ولا أعلم السبب في ذلك وقد يكونون يلحقون الليالي الزوجية بما قبلها أو بعدها. ولعل من له خبرة بذلك أن يفيدنا
ما هو القران:
مدار القمر في دورته حول الأرض غير ثابت فتراه أحيانا الى الشمال من دائرة الكسوف وأحياناً الى جنوبها وأحياناً عليها بالضبط أما الثريا فهي الى الشمال قليلاً من دائرة الكسوف
ولو قلنا أن القران لا يحصل الا اذا تطابق القمر مع الثريا في نفس الموقع فسيكون حصول ذلك نادر
أما اذا قلنا أن ميلان القمر الى الشمال والجنوب لا يهم وأن المهم هو المحاذاة من الشرق الى الغرب فهذا هو الصواب
ويبقى السؤال: ما هو مقدار المحاذاة ؟ وهل يجب أن تكون تامة ؟
نحن نعلم أن القمر يتحرك بمعدل 13.18 درجة في اليوم وبهذا يكون بين كل قران والذي يليه إما 27 ليلة أو 28 ليلة
ولو قلنا أن المحاذاة يجب أن تكون تامة فهذا يعني أن بعض القرانات ستكون في وقت النهار وقد قرأت عن ما يسمى قران نهار ولكني لا أعرف الى أين ينسب هذا القران
هل ينسب القران الى الليلة التي تسبقه أم التي تتبعه أم يكون عندنا قرانات ليل وقرانات نهار أم يجب توقيت وقت قرانه اذا كان في النهار هل يحصل صباحاً أو مساءً وبناءً عليه نحدد الليلة التي ينسب اليها
وكما سنرى بعد قليل فان الاستدلال بقران القمر هو أمر تقريبي وليس دقيق فهو قد يدل هل نحن في أول الشتاء أو وسطه أو آخره ولكنه لا يحدد في أي طالع بالضبط أو عدد الأيام التي مضت من طالع معين بل انه قد يتقدم او يتأخر لمدد طويلة قد تصل الى اسبوعين قبل أو بعد موعده والسبب في ذلك هو ان حركة القمر تختلف اختلافات كبيرة من شهر لآخر
ولذلك فقد يكفي معرفة الليلة التي يكون القمر فيها أقرب ما يكون للثريا وهذا يكفي للإستدلال على الوقت
متى يكون القران:
دورة القمر بالنسبة للنجوم تستغرق 27.322 يوماً وبذلك تكون الفترة بين كل إقتران والذي يليه اما 27 أو 28 ليلة وبمقارنة ذلك مع طول الشهر الهجري نستنتج أنه اذا حصل قران في ليلة معينة (ولتكن 13 مثلا) فان تاريخ القران التالي سيسبق هذا التاريخ بليلة أو ليلتين أو ثلاث (اي يكون بتاريخ 10 أو 11 أو 12) من الشهر التالي
أغلب الأشهر الهجرية سيكون فيها قران واحد فقط ما عدا شهر واحد في السنة يكون فيه قرانان يكون الأول في أول الشهر والثاني في آخره
وبهذا تكون الغالبية العظمى من السنوات فيها 13 قراناً ويندر وجود سنة لا تحوي الا 12 قراناً (بمعدل مرة كل 33 سنة) وقد يستحيل وجود سنة تحوي 14 قراناً
ولكي نعرف بالتحديد مواقيت هذه القرانات سننظر الى حركة الثريا وحركة القمر كل على حدة ثم نجمع بينهما
حركة الثريا:
حركة الثريا في السماء ثابتة بشكل كبير ودقيقة مثلها مثل باقي النجوم والاختلاف الذي نراه في موقع النجم في وقت معين لا يتعدى ثلاث ارباع الدرجة والسبب فيه اننا نجمع ارباع الايام في السنوات الميلادية ونضيفها الى السنة الكبيسة
باستثناء ذلك فإننا نستطيع تحديد موقع الثريا بالضبط في أي ليلة في السنة الميلادية وهذا الموقع ثابت تقريباً ولا يتغير
وبالمقابل فاننا اذا عرفنا موقع الثريا في وقت معين فسوف نستطيع معرفة الطالع الذي نحن فيه بل ومعرفة كم مضى من الطالع بدقة كبيرة
الشكل يوضح موقع الثريا في الساعة السابعة مساءً في أوقات السنة المختلفة ومن السهل معرفة مكانها في أي ساعة أخرى لاننا نعرف أن النجوم تتحرك باتجاه الغرب 15 درجة كل ساعة
ولهذا فنحن في الواقع لا نحتاج القمر لمعرفة الوقت من السنة ولكن أجدادنا إستخدموا قران القمر لسهولة الحفظ والإستدلال
وكذلك من الممكن معرفة مكان الثريا بتاريخ معين في أي ساعة من ساعات الليل والنهار
ولأن حركة النجوم ثابتة تقريباً كان من الممكن استخدام قران القمر مع اي نجم قريب لدائرة الكسوف وقد يكون إختيار الثريا بالذات يرجع لكون قراناتها في أيام الشهر الاولى (وهي الأسهل رؤية ومتابعة) توافق أيام الشتاء والربيع وهم كانوا يهتمون بها أكثر من أيام الصيف
وقد يكون السبب حب العرب للثريا ولكي يقوم القمر بتذكير الثريا أن الدبران يريد الزواج منها وانه قد جمع القلاص مهراً لها
حركة القمر:
لكي نعرف مكان القمر في ليلة معينة من الشهر الهجري يجب علينا معرفة مكانه في أول ليلة من الشهر ومقدار حركته كل ليلة
هلال أول الشهر:
يختلف هلال أول الشهر اختلافاً كبيرا من شهر الى آخر فقد يكون مرتفعاً عن الأفق وقت غياب الشمس وقد يكون منخفضاً
ويوجد دراسات كثيرة حول موضوع مشاهدة الهلال ولكن الأغلب منها يحوي قدراً كبيراً من الظنية لصعوبة قياس القدرة على رؤية الهلال والكلام هنا ليس عن الأحوال الجوية وحالة الطقس ولكن متى يمكن رؤية الهلال في ظروف مثالية
بعض هذه الدراسات تربط إمكانية الرؤية بعمر الهلال وتختلف في أصغر عمر للهلال من 12 ساعة الى 15 ساعة الى 22 ساعة
وبعضها تربطها في ارتفاع الهلال عن الأفق وتتراوح الدراسات في تحديد أقل إرتفاع للهلال عن الأفق بين 5 درجات الى 12 درجة
وبعضها الآخر تربطها بمدة مكوث الهلال بعد غياب الشمس وتتراوح التقديرات بين 30 دقيقة الى 60 دقيقة
أغلب هذه الدراسات تحدد الحد الأدنى ولا تحدد الحد الأعلى
مقدار حركة القمر
يدور القمر حول الأرض في مدار بيضاوي (وليس دائري تماماً) ولذلك فحركته تتسارع اذا اقترب من الارض وتتباطأ اذا ابتعد عنها
بسبب ذلك فإن المسافة التي يقطعها القمر بالنسبة للنجوم في الليلة تتغير من ليلة لأخرى في الشهر وتتراوح بين 10 درجات و 16 درجة (بمعدل 13.18 درجة)
ولهذا السبب سيكون مكان القمر متغيراً من شهر لآخر في نفس الليلة بغض النظر عن المعيار الذي نستخدمه لرؤية الهلال
فمثلاً لو قررنا أن أقل ارتفاع للهلال في أول ليلة في الشهر هو 6 درجات مثلاً فهذا يعني أن مكان الهلال في الليلة الأولى من الشهر يتراوح بين 6 درجات و 22 درجة (لانه اذا كان في الليلة التي تسبقها أقل بقليل من 6 درجات وتحرك 16 درجة فسيكون ارتفاعه قريب من 22)
أما ليلة الثاني من الشهر فسوف يتراوح مكان الهلال من اكبر من 16 درجة بقليل (اذا تحرك 10 درجات فقط) الى أقل بقليل من 38 درجة
وكما نرى هناك تداخل في مكان الهلال بين الليالي المتعاقبة
ولو رأينا الهلال على ارتفاع 20 درجة فوق الأفق وقت الغروب في ليلة ما فلن نستطيع معرفة هل هو هلال ليلة الأول من الشهر (مرتفعاً عن العادة) أم هلال ليلة الثاني من الشهر (منخفضاً عن العادة) لأن كلاهما ممكن
ولهذا فإن قران القمر لا يعطي قياساً دقيقاً للطوالع ولكن تقريبي لسهولة الحفظ والفهم
والشكل يوضح مكان القمر (التقريبي) في ليالي الشهر المختلفة وقت غياب الشمس
وأحب أن انبه هنا ان بعضاً ممن يستخدمون برامج الحاسب لمعرفة القران يقعون في خطأين شائعين. الأول في استخدام برامج او مواقع التحويل من التاريخ الهجري للميلادي وأغلبها ان لم يكن كلها (بما فيها تقويم ام القرى) فيها نسبة خطأ بزيادة او نقص يوم. لذلك فالتعويل يكون بمعرفة مكان الهلال في أول ليلة من الشهر وتقدير اذا كان من الممكن مشاهدة الهلال أم لا ثم حساب عدد الأيام. أما الخطأ الثاني فهو بسبب ان الحاسب يتغير تاريخه الساعة 12 ليلاً ويخطئ المستخدم في تحديد تاريخ القران خصوصاً قرانات آخر الشهر التي تكون بعد الساعة 12 ليلاً
تطبيق حركة القمر مع الثريا:
لعمل مقارنة مكان القمر في ليلة معينة من الشهر القمري مع مكان الثريا في تاريخ ميلادي معين كان لا بد من تحديد قيمة متوسطية لمكان القمر في كل ليلة من ليالي الشهر الهجري مع معرفتنا أن هذا الوقت تقريبي ثم وضع فترة قد يقع فيها القمر في الشهور المختلفة وذلك للتقريب وهذا لا يعني أن قران ليلة معينة سيكون محدداً بهذا الطالع بالذات ولكنها تقريبية لأغلب قرانات تلك الليلة
والقران في أول 15 ليلة من الشهر يكون بعد مغيب الشمس مباشرة. أما الليالي الأخيرة فتكون حسب ظهور القمر في الأفق من جهة الشرق وهو يتأخر في كل ليلة عن سابقتها ويتحرك القمر خلالها بسرعة أبطأ من النجوم وقد حسبت ذلك بمقدار نصف درجة كل ساعة
لذلك فجدول القرانات هو للقرانات التي ترى بالعين وقت ظهور القمر سواءً أول الليل أو آخره ولذلك فهي لا تحوي قرانات آخر الشهر لانه تصعب رؤية القمر وتوافق كنة الثريا
خاتمة:
وبعد، فهذا ما لدي من دراهم في مقابل دنانير علمكم وأحد أسباب كتابتي لهذا الموضوع هو إقتناعي أن النقاش (الخالي من التعصب لوجهة نظر معينة الا ما يدعمه الحجة والبرهان) ومشاركة جهابذة علم الهيئة في النقاش والإضافة هي مما لا نستغني عنه وستزيد الموضوع إثراءً وفائدة وما طرحته هنا مجرد رأي وإجتهاد يحتمل الصواب والخطأ وأرجو ممن لديه فائدة في هذا الباب الا يبخل بها
والله من وراء القصد
ابو مشاري