أخي الكريم ثاير .. الأمر ليس بهذه السهولة كما هو ظاهر من سؤالك
فلم يختلف الجغرافيون وعلماء المنازل والديار في شيء اختلافهم في تحديد نجد
وخصوصا من جهاتها الثلاث الشرقية والشمالية والجنوبية والشرقية اختلفت أقوالهم فيها أكثر من غيرها وسأنقل لك هنا تلخيصا مما ذكره ابن جنيدل رحمه الله في معجمه
: ( نجد في كتب المتقدمين : قال ياقوت : النجد بالفتح والتحريك وهو البأس والشهرة ، يقال : رجل نجد، بين النجدة، وهو صقع واسع من وراء عمان عن ابن موسى0نجد :- يفتح أوله وسكون ثانيه - قال النضر : النجد قفاف الأرض وصلابها وما غلظ منها وأشرف، والجماعة النجاد، ولا يكون إلا قفا أو صلابة من الأرض في ارتفاع من الجبل، معترضاً بين يديك يرد طرفك عما وراءه، يقال : اعل هاتيك النجاد وهذاك النجاد بوجه ، وقال : ليس بالشديد الإرتفاع0
وقال الأصمعي : هي نجود عدة منها : نجد برق واد باليمامة ونجد خال ونجد عفر ونجد كبكب ونجد مريع، ويقال : فلان من أهل نجد، وفي لغة هذيل والحجاز من أهل النجد، قال أبو ذؤيب :
في عانة بجنوب السي مشربــها غور ومصدرها عن مائها نجد
قال : وكل ما ارتفع عن تهامة فهو نجد ، فهي ترعى بنجد وتشرب بتهامة، وقال الأصمعي : سمعت الأعراب تقول : إذا خلفت عجلزاً مصعداً فقد أنجدت، وعجلز فوق القريتين، قال : وما ارتفع عن بطن الرمة، والرمة واد معلوم فهو في نجد، إلى أن تميل إلى لحرة، فإذا وصلت اليها فأنت بالحجاز0
وقيل : نجد اذا جاوزت عذيبا إلى أن تجاور فيد وما يليها0
وقيل : نجد هو اسم للأرض العريضة التي أعلاها تهامة واليمن وأسفلها الشام والعراق ، وقال السكري : حد نجد ذات عرق من ناحية الحجاز كما تدور الجبال معها إلى جبال المدينة ، وما وراء ذات عرق من الجبال إلى تهامة فهو حجاز كله0
فإذا انقطعت الجبال من نحو تهامة فما وراءها إلى البحر فهو الغور0 والغور وتهامة واحد0
ويقال : إن نجداً كلها من عمل اليمامة0
وقال عمارة بن عقيل : ما سال من ذات عرق مقبلاً فهو نجد ، إلى أن يقطعه العراق0 وحد نجد أسافل الحجاز وهودج (3) وغيره، وما سال من ذات عرق مولياً إلى المغرب فهو الحجاز إلى أن يقطعه تهامة0 وحجاز يحجز أي يقطع بين تهامة ونجد0
وقال العتيبي : حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال : العرب تقول إّا خلفت عجلزاً مصعدا حتى تنحدر إلى ثنايا ذات عرق فإّا فعلت ذلك فقد اتهمت إلى البحر، واذا عرضت لك ةالحرار وأنت تنجد فتلك الحجاز0 تقول : احتجزنا الحجاز، فاذا تصوبت من ثنايا العرج فقد استقبلت الأراك والمرخ وشجر تهامة ، فاذا تجاوزت بلاد فزارة فأنت بالجناب إلى أرض كلب، ولم يذكر الشعراء موضعاً اكثر مما ذكروا نجداً وتشوقوا اليها0
وفيما تقدم نجد الأصمعي قال : هي نجود عدة ، وذكرها بأسمائها 0
وهذه النجود التي ذكرها مواضع معينة، منها ماهو في نجد ومنها ماهو في الحجاز ومنها ما هو في اليمن، ويتضح مماذ كر من أقوالهم أنهم يتوسعون في حدود نجد مما يلي الحجاز إلى ذات عرق، وذات عرق هو المكان الذي يحرم منه حاج شمال نجد وأهل النمشرق كأهل العراق ومن أتى على طريقهم، ويتوسعون في تحديده مما يلي الشرق إلى حدود العراق، وشمالاً إلى حدود الشام0
وقد أورد ياقوت قولاً : إن نجداً كلها من عمل اليمامة، والصحيح أنها مقسمة إلى قسمين، القسم الغربي تابع للمدينة المنورة والقسم الشرقي تابع لليمامة0 وقد ذكر المؤرخون أن عامل المدينة يصدق على مذعا والمصلوق، وهذان الماءان تابعان لإمارة الدوادمي في هذا العهد واقعان فيما بينها وبين عفيف 0
قال ياقوت عن أبي زياد : إذا خرج عامل بني كلاب مصدقاً من المدينة فأول منزل ينزله يصدق عليه أريكة ثم العناقة ثم يرد مدعاً لبني جعفر ثم يرد المصلوق ، وعلى مذعا عظم بني جعفر وكعب بن مالك وغاضرة بن صعصعة0
ومن هذه العبارة يتضح أن بني كلاب لهم عامل خاص يخرج من المدينة، وبلادهم واقعة في عالية نجد، تابعة في هذا العهد لإمارة عفيف وإمارة الدوادمي0
وقال الأًفهاني : معدن الأحسن معدن ذهب ، معدن لبني كلاب ، بينه وبين العيصان مسيرة ليلتين أو ثلاث، وبينه وبيةن ضرية ليلتان، وهي من عمل المدينة، أدنى عمل المدينة إلى اليمامة تخالط لعمل اليمامة0
وهذا المعدن قد تغير اسمه ، وهو في بلاد كلاب، واقع على طريق أهل ضرية إلى حجر، غرب الدوادمي (العيصان) فتبين بذلك مدى توغل المدينة في نجد0 وقال سعيد بن عمرو الزبيري وكان ساعياً على بني عمرو بن كلاب وذكر بعض أعلام بلادهم :
إن يك ليلي كال بالنير أو سجا فقد كان بالجماء غير طويــل
ألا ليتني بدلت سلعاً وأهلــه بدمخ وأصراماً بهضب دخول
أما سجا فإنه ماء له شهرة ، ويقع غرب مدينة عفيف على بعد أربعة وأربعين كيلاً0 والدخول هضب وفيه ماء مازال معروفاً باسمه، يقع جنوب بلدة عفيف على بعد مائتي كيل تقريباً تابع لغمارتها، وهو من بلاد بني كلاب قديماً0
وقال لغدة الأصفهاني : قال الأصمعي : إذا جزت ذات عرق إلى البحر فأنت في تهامة، وإذا جزت وجرة وغمرة فأنت في نجد إلى ان تبلغ العذيب، وغمرة في طريق الكوفة، ووجرة في طريق البصرة0
وقال : ويقول بعض الناس : إذا بلغت العذيب من ناحية الكوفة، وهي من الكوفة على مرحلة - فأنت في نجد إلى ان تبلغ حد تهامة0
وقال الأصمعي : إذا جاوزت عجلز من ناحجية البصرة فقد أنجدت، وإذا بلغت من ناحية الكوفة سيمراء أو دونها فقد أنجدت إلى أن تبلغ ذات عرق، فإذا تصوبت في ثنايا ذات عرق فقد أتهمت 0
ففي ما ذكره لغدة الأصفهاني مزيد من الإيضاح والتفصيل، ولا خلاف بينه وبين ما ذكره ياقوت في الحدود0
وقال الأصفهاني أيضاً : فإذا ارتفعت فخرجت من فلج فأنت في الرمل فإذا جاوزت النباج والقريتين فقد أنجدت، وقال بعضهم: إذا جاوزت الحفر، حفر أبي موسى الأشعري، وهو حفر بني العنبر كان أبو موسى احتفر فيه ركية ، فأنت في نجد0
وهذه المواضع التي حدد بها بداية حدود نجد من الناحية الشرقية قد تغيرت أسماؤها، ففلج هو الوادي الذي يخترق شرقي نجد من الدهناء إلى قرب البصرة ، ويعرف في هذا العهد باسم (الباطن) وفيه الحفر ماء يضاف اليه، يقال له حفر الباطن، وأصبح الآن بلدة أما النباج فإنه يعرف في هذا العهد باسم (الأسياح) واقع شرق شمال القصيم0
وقال البكري : نجد ما بين جرش إلى سواد الكوفة، وآخره حدوده مما يلي المغرب الحجازان : حجاز الأسود وحجاز المدينة، والحجاز الأسود سراة شنوءة، ومن قبل المشرق بحر فارس، مابين عمان إلى بطيحة البصرة، ومن قبل يمين القبلة الشامي : الحزن، حزن الكوفة، ومن العذيب إلى الثعلبة إلى قلة بني يربوع بن مالك، عن يسار طريق المصعد إلى مكة، ومن يسار القبلة اليمنى مابين عمل اليمن إلى بطيحة البصرة0
وقال عمارة بن عقيل : ما سال من الحرة : حرة بني سليم وحرة ليلى فهو الغور، وماسال من ذات عرق مقبلا فهو نجد، وحذاء نجد أسافل الحجاز، وهي وجرة والغمرة ، وما سال من ذات عرق مولياً إلى المغرب فهو الحجاز0
قال عمارة : وسمعت الباهلي يقول : كل ماوراء الخندق خندق كسرى الذي خندقه كسرى الذي خندقه على سواد العراق هو نجد إلى أن تميل إلى الحرة ، فإّا ملت إلى الحرة فأنت في الحجاز، حتى تغور، والغور : كل ما انحدر سيله مغرباً فبذلك سمي الغور، وكل ما أسهل مشرقاً فهو نجد0
والشرف : كبد نجد، وكانت منازل الملوك من بني آكل المرار وفيه اليوم حمى ضرية، وضرية اسم بئر، قال الشاعر :
فأسقاني ضــــرية خير بئر تمج الماء والحب التـــؤاما
وفي الشرف الربذة ، وهي الحمى الأيمن ، والشريف إلى جنبه ، يفرق بين الشرف والشريف وادٍ يقال له التسرير ، فما كان مشرقاً فهو الشريف وما كان مغرباً فهو الشرف ، والكود الجبل المشرف على عرفة ، ينقاد إلى صنعاء ويقال له السراة ، أوله سراة ثقيف ، وسراة فهم وعدوان ، ثم سراة الأزد ، ثم الجر آخر ذلك كله ، وما كان منه إلى الشرق فهو نجد0
وقال أبو الفداء : قال المدائني : جزيرة العرب خمسة أقسام ، تهامة ونجد وحجاز وعروض ويمن ، فأما تهامة فهي الناحية الجنوبية من الحجاز ، وأما نجد فهي الناحية التي بين الحجاز والعراق ، وأما الحجاز فهو جبل يقبل من اليمن حتى يتصل بالشام وفيه المدينة وعمان ن وأما العروض فهي اليمامة إلى البحرين ، وإنما سمي الحجاز حجازاً لأنه يحجز بين نجد وتهامة0
وقال ابن الأعرابي : ةما كان بين العراق وبين وجرة وغمرة والطائف فهو نجد ، وما كان وراء وجرة إلى البحر فهو تهامة ، وما كان بين تهامة ونجد فهو حجاز0
وقال الواقدي : الحجاز من المدينة إلى تبوك وأيضاً من المدينة إلى طريق الكوفة ، وما وراء ذلك إلى أن يشارف أ{ض البصرة فهو نجد ، ومن المدينة إلى طريق مكة إلى أن يبلغ مهبط العرج حجاز أيضاً ، وما وراء ذلك إلى مكة وجدة فهو تهامة ، قال : والعذيب - بضم العين المهملة وفتح الذال المعجمة - ماء لبني تميم هو أول ماء يلقاه الإنسان بالبادية إذا سار من قادسية الكوفة يريد مكة ، والعذيب اسم لعدة مواضع بالبرية ، والعرج :- بفتح العين وسكون الراء المهملتين وفي آخرها جيم - قرية جامعة من نواحي الطائف ، وإليها ينسب العرجي الشاعر (4) ، وفي نجد المشهورة خلاف ، والأكثر على أنها اسم للأرض المرتفعة الفاصلة بين اليمن وتهامة وبين العراق والشام ، فاليمن وتهامة أعلاها والعراق والشام أسفلها وأولها من ناحية الحجاز ذات عرق 0
قلت لا خلاف بين ما ذكره المتقدمون في تحديد نجد مما يلي الحجاز واليمن ، أما مما يلي المشرق فإن مايراه الأكثرون يفيد أن حدوده تمتد شرقاً إلى ماء العذيب القريب من الكوفة ، وما ذكره أبو الفداء فيه مزيد من الإيضاح والتفصيل ، وذلك بالنسبة لحدود نجد ، وكذلك في تحديد المواضع التي حدد بها0