المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النهر العذب الزلال في مسألة رؤية الهلال



طالب الحور
08/10/2007, 10:36 PM
بسم الله الرحمن الرحيم


في كل عام وبالتحديد في عند حلول شهر رمضان المبارك يكثر الحديث عن مسألة




رؤية الهلال ويطول الحديث فيها بين مشرق ومغرب






لكن ما يحز في النفس أن الكثرة الكاثرة منهم ليس لهم حض في كلا العلمين





الشرعي والفلكي




بل يخوضون فيما لايعلمون




والطامة الكبرى حينما نجد من يتهم النوايا





ويقدح في كبار العلماء ويصفهم بالرجعين




وماعلم المسكين أنه بقوله هذا يكون جنديا من جنود أبليس




يخدم أعداء هذا الدين وماأكثرهم في هذا الزمن




وأحببت في هذه العجالة أن أضع بين يدي القارئ الكريم




بحوثا علمية في هذه المسألة




راجيا من الله جل وعلا التوفيق والسداد





أخوكم في الله





طالب الحور




***


دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي





إعداد :


فهد بن علي الحسونm




بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله القائل : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} (36) سورة التوبة ، الحمد لله القائل : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (3) سورة المائدة ، الحمد لله الذي أنزل هذا الدين الكامل الصالح لكل زمان ومكان ، الحمد لله الذي أنعم علينا بكوننا منتسبين إلى هذا الدين العظيم ، والصلاة والسلام على النبي الصادق الأمين ، الذي بيّن ما أنزل إليه غاية التبيين عملاً بقول الله الحكيم العليم : {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (44) سورة النحل ، وقوله جل جلاله : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} (67) سورة المائدة ، فبيّن – عليه الصلاة والسلام – للأمة جميع أمور دينها ، وتركهم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، ومن جملة ما بيّنه لهم أن بيّن لهم كيف يحسبون الشهور والأعوام ، وكيف يعرفون أن هذا الشهر خرج ، وذاك دخل ، حتى عرف المسلمون ذلك عـلى أكمل وجه ، حتى استغـنى المسلمون بما بـينـه لهم نـبيـهم – صلى الله عـليه وسلم – عن غيره ؛ لأنه لم يترك موضع نقـص ولا خـلل ، بل بيّن لهـم أمور ديـنهـم عـلى أكـمـل وجه ، بحيث لا يحـتاجـون بعـد ذلـك إلى اخـتـراع في أمور دينهم ؛ لذلك قال الفـقـهـاء : [الأصل في العـبادات الحضر] ، وضل المؤمنون الصادقون ما يزيد على أربعة عشر قرناً آخذين بتلك التعليمات ، ولم يشعروا في يوم من الأيام أنها عاجزة عن الإيفاء بالغرض ، فصلاة الله وسلامه على أشرف الأنبياء والمرسلين ، النبي المصطفى الأمين ، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمـعـين.

وبعد :

فقد استعنت بالله سبحانه وتعالى على كتابة هذا البحث ، ولله الحمد على أن أعانني ووفقني لإتمام هذا البحث ، والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وعنوان البحث هو " دخول الشهر القمري بين رؤية الهلال والحساب الفلكي".

ولا تخفى الأهمية الكبيرة لهذا الموضوع ، حيث يتوقف على إثبات دخول الشهر القمري جميع العبادات المؤقتة ، وعليه فلو أخطأ المسلم في تحديد دخول الشهر القمري فإنه يترتب على ذلك إيقاع العبادة في غير موضعها (1)، يُضاف إلى ذلك كثرة الشوشرة في هذا الموضوع ، وكثرة من خاض فيه من العالم والجاهل ، فلذلك كله اخترت هذا الموضوع.

ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم بالشكر لكل من ساهم معي في إخراج هذا البحث , وأسأل الله لهم الأجر والمثوبة.

خطة البحث :
قد قسمت البحث إلى : مقدمة ، وتمهيد ، وفصلين ، وخاتمة ، وفهارس:
· التمهيد ويتضمن أربعة مباحث :
1- تعريف الشهر القمري.
2- تعريف رؤية الهلال.
3- تعريف الحساب الفلكي.
4- ما يترتب على دخول الشهر القمري.
_______________
(1) لمزيد من الإيضاح عن أهمية هذا الموضوع انظر (صـ 10- 11).






***************




· الفصل الأول بعنوان " بمَ يثبت دخول الشهر القمري" ويتضمن ثلاثة مباحث :
1- دخول الشهر بثبوت رؤية الهلال..
2- دخول الشهر بإتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً.
3- دخول الشهر بالحساب الفلكي.

· الفصل الثاني بعنوان "ثبوت دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي" ، وذكرت فيه الخلاف في هذه المسألة ، وذكرت فيه المطالب التالية :
1- منشأ الخلاف.
2- الأقوال في المسألة.
3- القول الأول.
4- أدلة القول الأول.
5- القول الثاني.
6- أدلة القول الثاني.
7- القول الثالث.
8- أدلة القول الثالث.
9- تفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة.
10- الحساب الفلكي في إثباته للشهور القمرية ظني.
11- الترجيح.

· الخاتمة ، وتشتمل على :
1- النتائج.
2- التوصيات.
· الفهارس وهي :
1- فهرس المصادر والمراجع.
2- فهرس الآيات.
3- فهرس الأحاديث.
4- فهرس الأعلام.
5- فهرس الموضوعات.

منهج البحث :
المنهج الذي سرت عليه في هذا البحث هو كما يلي :
1- أوثق الأقوال التي أنقلها من كتب القائلين بها أنفسهم ما استطعت ، وإلا ذكرت الكتب التي ذكرت ذلك النقل.
2- في المذاهب الفقهية الأربعة ، أوثق قول كل مذهب من كتب المذهب نفسه.
3- اذكر الآية القرآنية بين القوسين التاليين : { ... } ، وألتزم ذكر رقم الآية ، والسورة التي وردت فيها تلك الآية.
4- اذكر الحديث النبوي بين القوسين التاليين : « ... »، وألتزم تخريجه من الكتب السبعة : صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، سنن أبي داود ، سنن الترمذي ، سنن النسائي ، سنن ابن ماجه ، مسند الإمام أحمد ، وإن لم يكن الحديث في الصحيحين بيّنت درجة ذلك الحديث بأقوال الأئمة.
5- إذا نقلت قولا من أقوال العلماء أو غيرهم ، فإن وضعت الإشارتين التاليتين : "..." فمعنى ذلك أني ألتزم بنقل القول حرفياً ، وأما إن نقلت قولا بدون تلك الإشارتين ، فمعنى ذلك أني سوف أنقله بالمعنى.
6- ما استفدته من عالم أو كاتب أو كتاب فإني أوثق ذلك بذكر الشخص الذي استفدت منه ذلك المعنى ، وما لم اذكر فيه توثيقاً فإني لم استفده من أحد.


هذا هو مضمون البحث ، فما كان فيه من إصابة فهي من الله ، وما كان فيه من خطأ فهو من نفسي والشيطان ، والله ورسوله منه بريئان.

وفي الختام أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يرزقنا السداد والإعانة ، وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال ، وأن يجعل هذا العمل في موازين حسناتنا.



وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين






كتبه
فهد بن علي الحسون
في يوم الأربعاء 5\10\1425هـ
fahd088@hotmail.com











تـمـهـيـد


ويتضمن أربعة مباحث :
· تعريف الشهر القمري.
· تعريف رؤية الهلال.
· تعريف الحساب الفلكي.
· ما يترتب على دخول الشهر القمري.


المبحث الأول


تعريف الشهر


الشهر في اللغة : وضوح في الأمر وإضاءة ، قال ابن فارس : " الشين والهاء والراء أصل صحيح يدل على وضوح في الأمر وإضاءة ، من ذلك الشهر ، وهو في كلام العرب الهلال ، ثم سُمي كل ثلاثين يوماً باسم الهلال ، فقيل شهر"(1).

وفي الشرع : يراد بالشهر عند الإطلاق : الشهر الهلالي ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة(2).











_______________
(1) [معجم مقاييس اللغة] لابن فارس (3\222).
(2) [الموسوعة الفقهية الكويتية] (26\261).



********************


المبحث الثاني


تعريف رؤية الهلال


الرؤية هي : النظر والإبصار ، بعين أو بصيرة(1).

والهلال هو : غرة القمر ، قال ابن منظور : والهلال غرة القمر حين يُهله الناس في غرة الشهر ، وقيل : يسمى هلالاً لليلتين من الشهر ، ثم لا يسمى به إلى أن يعود في الشهر الثاني ، وقيل : يسمى به ثلاث ليال ٍ ثم يسمى قمراً ، قال أبو إسحاق : الذي عندي وما عليه الأكثر أن يسمى هلالاً ابن ليلتين ، فإنه في الثالثة يتبين ضوءه. والجمع أهلة ، وأهللنا شهر كذا رأينا هلاله ، وأهل الشهر واستهل ظهر هلاله وتبين ، قال أبو العباس : وسمي الهلال هلالاً لأن الناس يرفعون أصواتهم بالإخبار عنه(2).

والمراد برؤية الهلال في الشرع : مشاهدته بالعين بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من الشهر السابق ممن يعتمد خبر وتقبل شهادته ، فيثبت دخول الشهر برؤيته(3).







_______________
(1) [معجم مقاييس اللغة] لابن فارس (2\472).
(2) [لسان العرب] لابن منظور (11\703).
(3) [الموسوعة الفقهية الكويتية] (22\23).




*****************


المبحث الثالث


تعريف الحساب الفلكي


الحساب هو : العد ، ومنه قوله تعالى : {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (5) سورة الرحمن(1).

والفلك في اللغة هو : مدار النجوم ، قال ابن منظور :الفلك : مدار النجوم ، والجمع أفلاك ، والفلك واحد أفلاك النجوم ، ويجوز أن يجمع على [فـُعْـل] ، مثل : أَسـد وأُسْد ، وخَـشَب وخـُشْب(2).
واصطلاحاً هو : العلم الذي يبحث عن أحوال الأجرام السماوية ، أو هو العلم الذي يدرس ما في السماء من نجوم وكواكب(3).

وينبغي التنبه إلى أن [علم الفلك] كان يطلق عليه قديماً [علم الهيئة] ، ولا فرق بين الاثنين(4).

وبناءاً على ما سبق ، يكون الحساب الفلكي هو : معرفة مسارات النجوم والكواكب ، وعد أيام سيرها ، ومعرفة مواقيت سيرها ، وغيابها وظهورها.





_______________
(1) [معجم مقاييس اللغة] لابن فارس (2\59).
(2) [لسان العرب] لابن منظور (10\478).
(3) [علم الفلك] ، للدكتور يحيى شامي (صـ 46).
(4) [علم الفلك] ، للدكتور يحيى شامي (صـ 46).




********************


المبحث الرابع


ما يترتب على دخول الشهر القمري


يترتب على دخول الشهر الهجري أحكام كثيرة من أحكام الإسلام ، وكذلك مهمة جداً ، ومنها على سبيل المثال :
1- صيام شهر رمضان ، قال تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة.
2- الزكاة ، وذلك أن الزكاة تجب في المال الذي قد بلغ النصاب إذا حال عليه الحول ، والمسلم إنما يعرف مُضي الحول على ماله بمضي اثنا عشر شهراً قمرياً.
3- الحج ، قال تعالى : {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (197) سورة البقرة ، وأشهر الحج هي : شوال ، ذي القعدة ، ذي الحجة.
4- مدة الإيلاء ، قال تعالى : {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} (226) سورة البقرة.
5- صوم الكفارة ، قال تعالى : {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} (92) سورة النساء.
6- عدة المتوفى عنها زوجها ، قال تعالى : {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (234) سورة البقرة.
7- عدة اليائسة من الحيض ، وكذلك التي لم تحض ، قال تعالى : {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ} (4) سورة الطلاق.
8- الأشهر الحرم التي يحرم القتال فيها ، وهي : رجب ، ذي القعدة ، ذي الحجة ، محرم ، قال تعالى : {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} (36) سورة التوبة.
بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " فما ثبت من المؤقتات بشرع أو شرط ، فالهلال ميقات له"(1).
_______________
(1) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\134).



*******************
بل إن الشرائع السابقة كذلك كانت أحكامها معلقة بالأهلة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وقد بلغني أن الشرائع قبلنا أيضاً إنما علقت الأحكام بالأهلة ، وإنما بدل من بدل من أتباعهم"(2).

فمما مضى تتضح الأهمية الكبيرة للشهر القمري ، خصوصاً أنه تتوقف عليه أحكام ثلاثة أركان من أركان الإسلام هي : (الصيام ، الزكاة ، الحج) وغيرها من الأحكام المهمة في حياة المسلم ، وإذا اتضحت تلك الأهمية اتضحت أيضاً أهمية بحث هذا الموضوع ، وتنقيحه وتوضيحه.



















_______________
(1) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\134).


**********


الفصل الأول


بمَ يثبت دخول الشهر القمري ؟



ويتضمن ثلاثة مباحث :
· دخول الشهر بثبوت رؤية الهلال.
· دخول الشهر بإتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً.
· دخول الشهر بالحساب الفلكي.


المبحث الأول


دخول الشهر برؤية الهلال


يثبت دخول الشهر إذا رُؤي هلاله ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – : «صُوموا لِرُؤْيتهِ وأفطِروا لرُؤيته»(1)، ولقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : «إذا رَأيتُموهُ فصوموا، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا. فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»(2) ، ولقـوله – صلى الله عليه وسلم – في حذيفة – رضي الله عنه – : «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»(3).


الرؤية التي يثبت بها دخول الشهر :
المطلوب في رؤية الهلال هو رؤيته بالعين المجردة ، أما رؤيته بالآلات الحديثة - كالمكبرات- فظاهر كلام الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - أن الاستعانة بها جائزة ، ولكن العـمدة عـلى
________________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : «إذا رأيتمُ الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا» (1888) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2468) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / باب ما جاء لا تقدموا الشهر (678) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب إكمال شعبان ثلاثين إذا كان غيم (2118) ، وأحمد في مسنده (9696).
(2) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب هل يُقالُ رَمضانُ أو شهرُ رمضانَ، ومَن رأَى كلَّهُ وَاسِعاً (1879) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال ، وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2457) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على الزهري في هذا الحديث (2121) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»/ (1704) ، وأحمد في مسنده (6307)
(3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب إذا أغمي الشهر (2327) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على منصور في حديث ربعي فيه (2127) ، قال الألباني : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\50) رقم الحديث (2326)].


****************
رؤية العين حيث قال حين سئل عن استخدام الدربيل في رؤية الهلال : " إن استعان به فلا بأس ، ولكن العمدة على رؤية العين"(1) ، وقال في موضع آخر : " أمـــا الآلات فظاهر الأدلة الشرعية عدم تكليف الناس بالتماس الهلال بها ، بل تكفي رؤية العين ، ولكن من طالع الهلال بها ، وجزم بأنه رآه بواسطتها بعد غروب الشمس وهو مسلم عدل فلا أعلم مانعاً من العمل برؤيته الهلال ؛ لأنها من رؤية العين لا من الحساب"(2).


العدد المطلوب لرؤية الهلال :
تنقسم الشهور بالنسبة لهذه المسألة إلى قسمين :
1- شهر رمضان : ويكفي في ثبوته شهادة شخص واحد.
ويدل لذلك حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : «تَرَاءى النَّاسُ الهِلاَلَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وسلم – أنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ»(3) ، ويدل له كذلك حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : «جَاءَ أعْرَابِيٌّ إلَى النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقالَ : إنِّي رَأَيْتُ الهِلاَلَ ، فَقالَ : أتَشْهَدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : أتَشْهَدُ أنَّ مُحمَّداً رَسُولُ الله؟ ، قال : نَعَمْ ، قالَ : يَا بِلاَلُ أذِّنْ في النَّاسِ فَلْيَصُوموا غَداً»(4).
وهذا هو قول الحنابلة(5) والشافعية(6).
وعـلى مـذهـب الحـنابلة لا يـُشترط كـون الشاهـد هنا ذكـراً ولا حـراً ، ولا أن تكـون بلـفـظ
_______________
(1) [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] (15\70).
(2) [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] (15\69).
(3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (2343) ، قـال الألــبـانـي : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\55) رقم الحديث (2342)] ، وقال ابن حجر : صححه ابن حزم [تلخيص الحبير لابن حجر (2\187) رقم الحديث (879)].
(4) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب في شهادة الواحد على رؤية هلال رمضان (2341) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / بابُ ما جَاء في الصَّوْمِ بالشَّهَادَة (685) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه على سفيان في حديث سماك (2113) ، وابن مـاجـه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في الشهادة على رؤية الهلال (1702) ، قال عنه الألباني : ضعيف [ضعيف سنن أبي داود للإمام الألباني (صـ 182) رقم الحديث (2340)].
(5) [الإنصاف] للمرداوي (3\194).
(6) [المجموع] للنووي (6\184).


****************
الشهادة(1).
وأما مذهب الشافعية فلا يقبلون هنا شهادة المرأة ولا العبد(2).
وأما مذهب المالكية فلا يقبلون هنا إلا أن يشهد عدلان بذلك(3).
وأما مذهب الحنفية ففيه تفصيل : إن كان بالسماء علة – أي غيم أو قتر أو نحوهما – فشهادة الواحد على هلال رمضان مقبولة ، وفي هذه الحالة لا يشترطون كـونه ذكراً ولا حـراً ، وإن لم يكن بالسماء علة فلا تقبل إلا شهادة جع كثير يقع العلم بخبرهم ، وتقدير ذلك الجمع مفوّض إلى الإمام(4).

2- الشهور الباقية غير رمضان : لا تثبت إلا بشهادة ذكرين.
ويدل لذلك ما رواه النسائي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ : «أَنَّهُ خَطَبَ النَّاسَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي يـُشَـكُّ فـِيـهِ ، فَـقَالَ : أَلاَّ إنِّي جَالَـسـْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عـليه وسـلـم – وَسَاءَلْتُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : صُومُوا لِرُؤيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لـِرُؤيـَـتـِهِ وَانـْسُكُوا لَهَا فَإنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا ثَلاَثِينَ فَإنْ شَـهِـدَ شَـاهِـدَانِ فَـصُـومـُوا وَأَفْطِرُوا»(5) ، ولما رواه أبو داود عن حُسَيْنُ بنُ الحارثِ الْجَدَلِيُّ : «أنَّ أمِيرَ مَكَّةَ خَطَبَ ثُمَّ قال: عَهِدَ إلَيْنا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أنْ نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ، فإنْ لم نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا»(6) ، ولما رواه أبو داود كذلك عن رِبْعِيِّ بنِ حِرَاشٍ عن رَجُلٍ من أصْحَابِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم – قال : «اخْتَلَفَ النَّاسُ في آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَـقَـدِمَ أعرَابِيَّانِ فَشَهِـدَا عِنْدَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلـم - بِاللَّهِ لأَهَلاَّ الهِـلاَلَ أمْـسِ
_______________
(1) [الإنصاف] للمرداوي (3\194- 195).
(2) [المجموع] للنووي (6\184).
(3) [المدونة الكبرى] للإمام مالك (1\193).
(4) [الفتاوى الهندية] للهمام مولانا الشيخ نظام (1\217- 218).
(5) أخرجه النسائي في سننه في كتاب الصيام / باب قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان وذكر الاختلاف فيه على سفيان في حديث سماك (2117) وأحمد في مسنده (18540) ، قال الألباني : صحيح [أرواء الغليل للإمام الألباني (4\16) رقم الحديث (909)].
(6) أخـرجـه أبـو داود في سننه في كـتاب الصيام / باب شهادة رجـلين عـلى رؤية هلال شـوال (2339) ، وقـال الألـبانــي : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\54) رقم الحديث (2338)] ، وقال الدارقطني : هذا إسناد متصل صحيح [سنن الدارقطني (2\267)]


**************
عَشِيَّةً، فأمَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - النَّاسَ أن يُفْطرُوا»(1) ، وقد أجمع المسلمون على أن شهور السنة غير رمضان لا تقبل بأقل من شهادة عدلين(2).


الشروط المشترطة فيمن يرى الهلال :
1- أن يكون عدلاً(3)، والعدالة هي : القيام بالوجبات واجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر(4).
ويرى الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – أن الصحيح أن الشهادة تقبل في هذا الموضع إذا ترجح أنها حق وصدق ، حيث قال : " ولو قلنا بقول الفقهاء لم نجد عدلاً ، فمن يسلم من الغيبة والسخرية بالناس والتهاون بالواجبات وأكل المحرم وغير ذلك ، ولهذا كان الصحيح بالنسبة للشهادة أنه يقبل منها ما يترجح أنه حق وصدق ؛ لقوله تعالى : {مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء} (282) سورة البقرة ، ولأن الله لم يأمرنا برد شهادة الفاسق ، بل أمرنا بالتبين فقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} (6) سورة الحجرات"(5).
2- أن يكون مكلفاً ، والمكلف هو : البالغ العاقل(6).
3- أن يكون قوي البصر ، بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه ، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته ، حتى وإن كان عدلاً ؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل فإننا نعلم أنه متوهم ، وممن قال بذلك الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – وقال : " والدليل على ذلك أن القوة والأمانة شرطان أساسيان في العمل ، ففي قصة موسى مع صاحب مدين ، قالت إحدى ابنتيه:{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ }(26) سورة القصص ،
_______________
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كـتاب الصيام / باب شهادة رجـلين عـلى رؤية هلال شـوال (2340) ، وقـال الألـبانــي : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\54) رقم الحديث (2339)].
(2) حكى هذا الإجماع ابن رشد ، حيث قال : " وأجمعوا على أنه لا يقبل في الفطر إلا اثنان ، إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر" [بداية المجتهد] لابن رشد (2\559) وقول ابن رشد : " إلا أبا ثور فإنه لم يفرق في ذلك بين الصوم والفطر" ، يقصد به : أن أبا ثور لم يشترط في الفطر إلا واحداً كما أن الصوم يثبت بواحد كذلك.
(3) [الإنصاف] للمرداوي (3\194).
(4) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\313).
(5) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\314-315).
(6) [الإنصاف] للمرداوي (3\195).
*************


وقال العفريت من الجن الذي التزم أن يأتي بعرش ملكة سبأ : {وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} (39) سورة النمل ، ومن ذلك الشهادة ، ولابد فيها من الأمانة التي تقتضيها العدالة ، ولابد فيها من القوة التي يحصل بها إدراك المشهود به"(1).



مسألة : إذا غم على الهلال ليلة الثلاثين من شعبان فما الحكم ؟

تحرير محل النزاع :
اتفقوا على أنه إذا رُؤي الهلال ليلة الثلاثين وجب الصوم ، وعلى أنه إذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين وكان صحواً لم يجب الصوم ، وإذا لم يُرى الهلال ليلة الثلاثين مع وجود غيم أو قتر فهذا هو موضع الخلاف ، وقد اختلف العلماء على أقوال أشهرها :

القول الأول :
أن صوم يوم الثلاثين هنا منهي عنه ، وقد اختلف أصحاب هذا القول ، فمنهم من قال منهي عنه نهي تحريم ، ومنهم من قال منهي عنه نهي تنزيه ، وهذا هو قول المالكية(2) والشافعية(3) ، ورواية عن أحمد(4) اختارها بعض أصحابه(5).

أدلة القول الأول :
1- عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : «لا يَتقدَّمنَّ أحدُكم رمضانَ بصومِ يومٍ أو يومَينِ إلاّ أن يكونَ رجُـلٌ كان يـصومُ صومَـهُ فـلـيَصُمْ ذلك
_______________
(1) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\315).
(2) [حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل] للخرشي (3\11).
(3) [الحاوي الكبير] للماوردي (3\109).
(4) [الإنصاف] للمرداوي (3\192).
(5) نقل شيخ الإسلام ابن تيمية في [مجموع الفتاوى] (25\98-99) هذا القول عن أبي الخطاب ، وابن عقيل ، وأبي القاسم بن منده الاصفهاني ، وقال به من المعاصرين الحنابلة الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – [الشرح الممتع للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\307)].



**********
اليومَ»(1).
وجه الدلالة : أنه إن لم يكن يصوم صوماً ، فصام هذا اليوم الذي فيه شك ، فقد تقدم رمضان بيوم(2).
2- عن عمار بن ياسر – رضي الله عنهما – قال : «من صامَ يومَ الشَّك فقد عَصىٰ أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -»(3).
وجه الدلالة : أن هذا اليوم هو اليوم الذي يشك فيه ؛ لوجود الغيم والقتر(4).
3- عن عبدِ اللّهِ بنِ عمرَ – رضيَ الله عنهما – أن رسولَ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم – قال : «الشهرُ تِسعٌ وعشرونَ ليلةً، فلا تصومُوا حتّى تَرَوهُ، فإِنْ غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين»(5).
وجه الدلالة : أن قوله : «فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين»أمـر ، والأصـل في الأمـر الـوجوب ، فإذا وجب إكمال شعبان ثلاثين يوماً حرم صوم يوم الشك(6).
_______________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب لا يُتَقدَّمَنَّ رمضانَ بصومِ يومٍ ولا يومين (1893) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين (2471) ، وأبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب في من يصل شعبان برمضان (2336) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / بابُ ما جاءَ لا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمٍ (678) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب التقدم قبل شهر رمضان (2173) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في النهي أن يتقدم رمضان بـصـومٍ، إلا مـن صام صوماً فوافقه (1700) ، وأحمد في مسنده (7740).
(2) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\305).
(3) رواه البخاري في صحيحه معلقاً بصيغة الجزم في كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: «إذا رأيتمُ الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا» ، ووصله أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب كراهية صوم يوم الشك (2335) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / بابُ ما جاءَ في كَرَاهَيةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (680) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب صيام يوم الشك (2189) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في صيام يوم الشك (1695).
(4) انظر [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\305).
(5) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – : «إذا رأيتمُ الهلالَ فصوموا، وإذا رأيتُموهُ فأفطِروا» (1886) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، والفطر لرؤية الهلال وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2455) ، وأبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب الشهر يكون تسعاً وعشرين (2321) ، والنسائي في سننه في كـتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على عبـــيد الله بن عمر في هذا الحديث (2123)، وأحمد مسنده (4483).
(6) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\306)


********



4- عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – : «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ»(1).
وجه الدلالة : أن إيجاب صوم هذا اليوم هو من باب التنطع في العبادة ، والاحتياط لها في غير محله(2).

القول الثاني :
وجوب صوم ذلك اليوم ، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة(3) ، وهو قول جمع من الصحابة والتابعين(4).
وهذا القول يقال أنه أشهر الروايات عن أحمد ، ولكن شيخ الإسلام ابن تيمية حقق أن الإمام أحمد كان يرى استحباب صوم هذا اليوم لا الوجوب ، حيث قال : وهذا (5) يقال أنه أشهر الروايات عن أحمد ، لكن الثابت عن أحمد لمن عرف نصوصه ، وألفاظه أنه كان يستحب صيام يوم الغيم ، وأما إيجاب صومه فلا أصل له في كلام أحمد ، ولا كلام أحد من أصحابه ، لكن كثير من أصحابه اعتقدوا أن مذهبه إيجاب صومه ، ونصروا ذلك القول(6).

أدلة القول الثاني :
1- عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : «إِنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلاَ تَصُومُوا حَتَّىٰ تَرَوْهُ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّىٰ تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ»(7).
قال نافع : فَكَانَ ابنُ عُمَرَ إذَا كان شَعْبَانُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ نُظِرَ لَهُ فَإن رُئِيَ فَذَاكَ وَإن يُرَ وَلَمْ
_______________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب العلم / باب هلك المتنطعون (6735) ، وأبو داود في سننه في كتاب السنة / باب في لزوم السنة (4600) ، وأحمد في مسنده (3656).
(2) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\306).
(3) [الإنصاف] للمرداوي (3\191).
(4) نقله ابن قدامة عن عمر وابنه ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وأنس ، ومعاوية ، وعائشة وأسماء ابنتي أبي بكر ، وبكر بن عبد الله ، وأبو عثمان النهدي ، وابن أبي مريم ، ومطرف ، وميمون بن مهران ، وطاووس ، ومجاهد – رحم الله الجميع ورضي عنهم – [المغني لابن قدامة (4\330)]
(5) الإشارة إلى القول بالوجوب.
(6) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\99).
(7) سبق تخريجه في (صـ 18)


*********


يَحُلْ دُون مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلاَ قَتَرَةٌ أصْبَحَ مُفْطِراً، فَإنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أوْ قَتَرَةٌ أصـْبَحَ
صَائِماً(1).
وجه الدلالة : من وجهين :
أ – أن معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – : «فَاقْدِرُوا لَهُ» أي : ضيقوا له العدد من قوله تعالى : {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (7) سورة الطلاق ، أي ضُيق عليه ، وقوله : {يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ} (26) سورة الرعد ، والتضييق له أن يُجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً.
ب – أن ابن عمر – رضي الله عنهما – قد فسر الحديث بفعله ، وهو راويه وأعلم بمعناه فيجب الرجوع إلى تفسيره(2).
والجواب عن استدلالهم بهذا الحديث ما يأتي :
أولاً : الجواب عن الوجه الأول من وجهي استدلالهم : والجواب عنه من وجهين :
أ‌- لا نسلم لكم أن معنى قوله – صلى الله عليه وسلم – : «فَاقْدِرُوا لَهُ» ضيقوا له : بل المراد بالقدر هنا ما فسرته الأحاديث الأخرى ، وهو إكمال شعبان ثلاثين يوماً إن كان الهلال لرمضان وإكمال رمضان ثلاثين يوماً إن كان الهلال لشوال.
ب‌- وإن سلمنا لكم ما قلتم فلماذا لا نقول القدر أن يجعل رمضان تسعة وعشرين فتجعل التضييق على رمضان لأنه لم يهل هلاله إلى الآن ، فليس له حق في الوجود فيبقى مُضيقاً عليه.
ثانياً : الجواب عن الوجه الثاني من وجهي استدلالهم : أن أثر ابن عمر – رضي الله عنهما – لا دليل فيه على الوجوب ؛ لأن ابن عمر – رضي الله عنهما – قد فعله على سبيل الاستحباب ، أو الاحتياط ؛ لأنه لو كان على سبيل الوجوب لأمر الناس به ، ولو أهله على الأقل(3).

2- عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُما - أَنَّ رَسُولَ اللّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ لَهُ
_______________
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب الشهر يكون تسعاً وعشرين (2321) ، وأحمد في مسنده (4483) ، قال الألباني عن حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : صحيح دون قوله (فكان ابن عمر) [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\49) رقم الحديث (2320)].
(2) [المغني] لابن قدامة (4\331-332).
(3) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\304-305).


********


أَوْ لآِخَرَ : «أَصُمْتَ مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ؟» ، قَالَ : لاَ ، قَالَ : «فَإِذَا أَفْطَرْتَ، فَصُمْ يَوْمَيْنِ»(1).
وجه الدلالة : أن سرر الشهر آخره ، ليالي يستسر الهلال فلا يظهر(2).
والجواب عن استدلالهم بالحديث : قيل : أن المراد بسرر الشهر أوله ، وقيل : أن المراد بسرر الشهر آخره ؛ لأن السرر جمع سرة ، وسرة الشيء وسطه ، وهذان القولان فيهما ضعف ؛ لأن الراجح أن المراد بسرر الشهر آخر ، وهذا ما عليه الجمهور والحامل لمن حمل سرر الشهر على غير ظاهره وهو آخر الشهر الفرار من المعارضة لنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن تقدم رمضان بيوم أو يومين ، والجمع بين الحديثين ممكن ، وذلك بحمل النهي على من ليست له عادة بذلك وحمل الأمر على من له عادة بذلك(3).

3- الاحتياط ، وذلك لأن هذا اليوم شك في أحد طرفي الشهر لم يظهر أنه من غير رمضان ، فوجب الصوم ، قالت عائشة : لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان(4) ، وذلك لأن الصوم يحتاط له ؛ ولذلك وجب الصوم بخبر واحد ، ولم يفطر إلا بشهادة اثنين(5).
الجواب عن هذا الدليل : قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – : " ما كان سبيله الاحتياط فقد ذكر الإمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم ، وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب ؛ وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط من حيث تأثيم الناس بالترك ، والاحتياط هو : ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى"(6).

_______________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب الصومِ من آخِرِ الشَّهر (1960) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب صوم سرر شعبان (2704) ، وأبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب في التقدم (2329) ، وأحمد في مسنده (19612)
(2) [المغني] لابن قدامة (4\332).
(3) [فتح الباري] لابن حجر (4\294).
(4) أخرجه أحمد في مسنده (24552) : عن عبد الله بن أبي موسى قال : أرسلني مُدْرِك أو ابن مدرك إلى عائشة أسألها عن أشياء ... وسألتها عن اليوم الذي يختلف فيه من رمضان ؟ ، فقالت : لأن أصوم يوماً من شعبان أحب إليَّ من أن أفطر يوماً من رمضان، قال : فخرجت ، فسألت ابن عمر وأبا هريرة ، فكل واحد منهما قال : أزواج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أعلم بذاك منا.
(5) [المغني] لابن قدامة (4\332-333).
(6) [الشرح الممتع] للشيخ محمد العثيمين – رحمه الله – (6\304-305).

طالب الحور
08/10/2007, 10:38 PM
القول الثالث :
أنه يجوز صومه ، ويجوز فطره ، وهذا هو مذهب الحنفية(1) ، وهو رواية عن أحمد(2) وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال : " وهو مذهب أحمد المنصوص الصريخ عنه ، وهو مذهب كثير من الصحابة والتابعين أو أكثرهم"(3).

دليل القول الثالث :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر أن هذا اليوم يجوز صومه وفطره : " وهذا كما أن الإمساك عند الحائل عن رؤية الفجر جائز ، فإن شاء أمسك ، وإن شاء أكل حتى يتقن طلوع الفجر ، وكذلك إذا شك هل أحدث أم لا ، إن شاء توضأ وإن شاء لم يتوضأ ، وكذلك إذا شك هل حال حول الزكاة أو لم يحل ، وإذا شك هل الزكاة الواجبة عليه مائة أو مائة وعشرون فأدى الزيادة ، وأصول الشريعة كلها مستقرة على أن الاحتياط ليس بواجب ولا محرم"(4).

القول الرابع :
أن الناس تبع للإمام ، فإن صام صاموا ، وإن أفطر أفطروا ، وهذا القول رواية عن أحمد(5) ، وهو قول الحسن وابن سيرين(6).

دليل القول الرابع :
عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : «َفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَأضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ»(7).

_______________
(1) [البحر الرائق] لابن نجيم (2\462) و[الهداية شرح بداية المبتدئ] لبرهان الدين المرغيناني (2\531-532).
(2) [الإنصاف] للمرداوي (3\191).
(3) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\99-100).
(4) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\100).
(5) [المغني] لابن قدامة (4\330).
(6) نقل هذا القول عن الحسن وابن سيرين ابن قدامة في [المغني] (4\330).
(7) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصوم / باب إذا أخطأ القوم الهلال (2325) ، وابن ماجه في سننه في كتاب الصيام / باب ما جاء في شهري العيد (1710) ، وقال عنه الألباني : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\50) رقم الحديث (2324)].


*******************


الترجيح :
بعد استعراض الأقوال والأدلة بدا لي أن الراجح يدور بين القول بالإباحة ، والقول بالتحريم ، أما القول بالوجوب فبعيد ؛ لعدم الدليل الذي ينتهض على تأثيم من لا يصوم ذلك اليوم ، وفي ظني
أن ما جعلهم يقولون بذلك هو احتياطهم للعبادة ، وتقدم معنا أن الاحتياط إنما يفيد الورع والاستحباب ، ولا يقوى على الإيجاب ، الذي يأثم بموجبه من ترك ذلك الفعل ، ففي رأيي أن صيام هذا اليوم إما أنه محرم أو مكروه ؛ لأنه هو يوم الشك ، أو أنه مباح كمن شك في طلوع الفجر مع وجود الحائل ، فله أن يمسك ، وله أن يأكل حتى يتيقن طلوع والفجر ، والله أعلم.



المبحث الثاني

دخول الشهر بإتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً


إذا لم يرَ الهلال ليلة الثلاثين ، فإن الشهر الحالي يكون تاماً ثلاثين يوماً ثم بعد ذلك يدخل الشهر الذي بعده ؛ لأن الشهر القمري لا يمكن أن يزود في حال من الأحوال عن ثلاثين يوماً ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – : «الشهرُ تِسعٌ وعشرونَ ليلةً، فلا تصومُوا حتّى تَرَوهُ، فإِنْ غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين»(1) ، فيفهم منه أنه لا يزاد في الشهر عن ثلاثين يوماً ، فإما أنهم يروا الهلال ليلة الثلاثين ، فيدخل الشهر في ذلك اليوم ، ويصبح الشهر السابق ناقصاً – أي تسعة وعشرون يوماً – أو ألا يروا الهلال فيكمل الشهر السابق – أي ثلاثين يوماً – ويدخل الشهر بعد يوم الثلاثين ، ويدل على ذلك صراحة ما رواه الحاكم بسنده عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول – صلى الله عليه وسلم – قال : «إن الله قد جعل الأهلة مواقيت فإذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فافطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ، واعلموا أن الشهر لا يزيد على ثلاثين»(2) ، وقد أجمع العلماء عـلى ذلك ، حيث قال ابن رشد : " فأما ظرف الزمان فإن العلماء أجمعوا على أن الشهر العربي يكون تسعاً وعشرين ، ويكون ثلاثين"(3).




_______________
(1) سبق تخريجه في (صـ 18).
(2) أخرجه الحاكم – واللفظ له – في المستدرك كتاب الصوم \ باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر (1579) وقال عن الحديث : " هذا حديث صحيح الإسناد ، على شرطهما ، ولم يخرجها" ، وأخرجه كذلك البيهقي في السنن الكبرى في كتاب الصيام \ باب الصوم لرؤية الهلال أو استكمال العدد ثلاثين (7931).
(3) [بداية المجتهد] لابن رشد (2\557).



***********************



المبحث الثالث

دخول الشهر بالحساب الفلكي


هناك من يقول أن الحساب الفلكي طريقاً من طرق ثبوت دخول الشهر القمري ، على اختلاف بينهم هل الأخذ به واجب ، أم جائز ، أم يجوز في حال دون حال ، وهذا كله إنما قال به المتأخرون ، أما المتقدمين والسلف فلم ينقل عن أحد منهم القول بهذا القول ، إلا ما سنبينه في الفصل القادم.
وتحقيق هذه المسألة ، والأقوال فيها ، وقائليها ، وتحقيق نسبة الأقوال إليهم ، وأدلة كل قول هو موضوع الفصل الثاني من هذا البحث ، فالكلام عن هذا كله موجود في الفصل الثاني.



الفصل الثاني

ثبوت دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي


قد اختلف العلماء وغيرهم – من الفلكيين – في هذه المسألة على أقوال سوف يتضح لك أصل الخلاف ووضعه ، ومدى قوة كل قول من خلال النقاط التالية :

منشأ الخلاف :
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – عن هذه المسألة : " ولا يُعرف فيه خلاف قديم أصلاً ، ولا خلاف حديث ، إلا بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب ، فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا ، وهذا القول وإن كان مقيداً بالإغمام ومختصاً بالحاسب فهو شاذ ، مسبوق بالإجماع على خلافه ، فأما إتباع ذلك في الصحو ، أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم"(1).

الأقوال في المسألة :
قـُيل في هذه المسألة أقوال أهمها :

القول الأول :
لا يجوز الاعتماد على الحساب الفلكي في ثبوت دخول الشهر إطلاقاً ، وهذا قول السلف قاطبة – إلا ما حـكي عن عـدد قـليل منهم ، سـوف نبين مدى صحة نسبة القول إليهم فيما يأتي(2) – وقـد
_______________
(1) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\132-133).
(2) انظر (صـ 41-42).

**************


حكى الإجماع على هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية(1) وابن المنذر(2) وابن عابدين(3) ، وابن رشد(4) ، وغيرهم ، وهو قول جمهور المعاصرين.

أدلة القول الأول :
الدليل الأول : قول تعالى : {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة.
وجه الدلالة : قال الشيخ صالح اللحيدان - حفظه الله - : " والمراد بالشهود رؤية الهلال كما هو المتبادر ، وبه فسره أهل العلم العارفون بمدلول لغة القرآن وهم القدوة في ذلك لا من خالف إجماع السلف"(5).
جواب من قال بالحساب عن الاستدلال بهذه الآية : أن (شهد) في اللغة لها أربعة معان ٍ :
1- بمعنى (أخبر) ، مثل : شهد عند الحاكم.
2- بمعنى (اطلع على الأمر وعاينه) ، مثل : شهدت فلاناً يصلي في المصلى.
3- بمعنى (حضر) ، مثل : شهدنا العيد.
4- بمعنى (علم) ، ومنه قوله تعالى {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ} (18) سورة آل عمران.
وعليه فصوم رمضان وشهوده يصح بهذه المعاني الأربعة مجتمعة ، كما يصح بواحد منها(6).
مناقشة هذا الجواب : حين رجعت إلى كتب التفسير وجدت أن الآية لا تدل على قول من الأقوال المذكورة في المسألة ، وأن الآية لا يمكن أن يستدل بها على شيء مما قيل في المسألة ؛ لأن مـوضوعهـا خارج عـن محل النزاع أصلاً ، قـال إمام المفسرين ابن جرير الطبري – رحمه الله – ما ملخصه : " اختلف أهل التأويل في معنى [شهود الشهر] فقال بعضهم هو مقام المقيم في داره ، قالوا : فمن دخل عليه شهر رمضان وهو مقيم في داره فعليه صوم الشهر كله ، غاب بعد فسافر أو أقام فلم يبرح" ، ثم ذكر أن هذا القول قول ابن عباس وجماعة من التابعين وغيرهم ، ثم قال : " وقال آخرون : معنى ذلك : فمن شهد منكم الشهر فليصمه ما شهد منه" ، ثم ذكر أن هذا قول جماعة من التابعين وغيرهم ، ثم قال : " وقال آخرون : {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة ، يعـني : فـمـن شهـده عاقلاً بالغاً مكـلفاً فـليصمه ، ومـمـن قـال بذلك أبـو حـنـيـفـة
_______________
(1) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\132).
(2) نقله عنه الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\158).
(3) [حاشية ابن عابدين] (3\408).
(4) [بداية المجتهد] لابن رشد (2\557).
(5) [مجلة البحوث العلمية] (صـ 95) ، عدد (27).
(6) انظر ما كتبه الدكتور أمير حسين حسن في [مجلة الأزهر] (صـ 1315) عدد شعبان 1418هـ.



**********************

وأصحابه" ، ثم رجح أن المعنى الصحيح هو : فليصم جميع ما شهد منه مقيماً(1).
فمن خلال العرض السابق يتضح أن العلماء والمفسرين لم يذكروا أن الآية لها علاقة برؤية الهلال ، وحتى سياق الآية لا يشعر بذلك : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (185) سورة البقرة ، وبهذا – حسب ما أرى – يسقط الاستدلال بالآية في هذه المسألة ؛ لأنها كما أسلفت موضوعها مغاير لموضوع مسألتنا.
وبناءاً على ذلك لا نناقش الدليل ، ولا الاستدلال به ، ولا الجواب عن الاستدلال به.

الدليل الثاني : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلـم – : «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْماً»(2).
وجه الدلالة : أن الشرع جعل علامة أول الشهر : الهلال لا غير ، وأنه ليس لأول الشهر حد عام سواه(3).

الدليل الثالث : عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا رَأيتُموهُ فصوموا ، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا ، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»(4).
وجه الدلالة : أن الشرع حصر طرق ثبوت دخول الشهر بأحد طريقين لا ثالث لهما : رؤية الهلال أو إكمال الشهر ، وإضافة طريقة ثالثة لثبوت دخول الشهر هو استدراك على الشارع الحكيم العليم ، وقد قال تعالى {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا} (115) سورة النساء.


_______________
(1) [تفسير ابن جرير الطبري] (2\ 193- 198).
(2) سبق تخريجه في (صـ 13).
(3) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\820).
(4) سبق تخريجه في (صـ 13).




******************


الدليل الرابع : عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذكر رمضان فقال : «لا تَصُومُوا قَبْلَ رَمَضَانَ ، صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ ، فإنْ حَالَتْ دُونَهُ غَيَابَةٌ فأكْمِلُوا ثلاثين يَوْماً»(1).
وجه الدلالة : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمرنا أن نصوم لرؤية الهلال ، وأن نفطر لرؤيته ، وأمرنا فيما إذا غم علينا أن نكمل الشهر ثلاثين ، ولم يدع لنا خياراً آخر ، ولم يأمرنا بالرجوع إلى علماء الفلك والنجوم ، ولو كان قولهم هو الأصل وحده أو أصلاً آخر مع الرؤية في إثبات الشهر لبين ذلك(2).

الدليل الخامس : عن عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قال : «كَانَ رَسُولُ الله – صلى الله عليه وسلم – يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مالاَ يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ ، ثُمَّ يَصُومُ لرُؤْيَةِ رَمَضَانَ ، فَإِنْ غُمَّ علَيْهِ عَـدَّ ثَلاَثِينَ يَوْماً ثُمَّ صام»(3).
وجه الدلالة : نفس وجه الدلالة السابق.
جواب من قال بالحساب عن الاستدلال بهذه الأحاديث السابقة : أن كلمة [الرؤية] في القرآن لها ستة معان ٍ أساسية هي :
1- بمعنى العلم بالشيء، كما في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}(1) سورة الفيل.
2- بمعنى التقدير والحساب ، كما في قوله تعالى : {فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} (102) سورة الصافات.
3- بمعنى الحسابات العلمية البحتة والتجارب المعملية ، كما في قوله تعالى : {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} (6) سورة سبأ.
4- بـمعـنى البصر ، كما في قـوله تعـالى : {فـَلَمَّـا رَآهَا تَهـْتَـزُّ كَـأَنَّهَـا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} (31) سورة القصص.
5- بـمعـنى الـتذكـير ، كما في قـوله تعـالى : {أَرَأَيْـتَ إِذ أَوَيْـنَـا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} (63) سورة الكهف.
_______________
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب من قال فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين (2328) ، والترمذي في سننه في كتاب الصوم / بابُ ما جَاء أنَّ الصَّوْمَ لِرُؤْيَةِ الهلاَلِ والإفْطَارَ لَهُ (682) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على عمرو بن دينار في حديث ابن عباس فيه (2125) ، وأحمد في مسنده (1994) ، قال الألباني : صحيح [صحيح سنن أبي داود للإمام الألباني (2\51) رقم الحديث (2327)].
(2) [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] (15\111).
(3) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب إذا أغمي الشهر (2326) ، وأحمد في مسنده (24764) ، قال الألباني : صحيح [صحيح أبي داود للإمام الألباني (2\50) رقم الحديث (2325)].



**********************

6- بمعنى الرؤيا المنامية، كما في قوله تعالى:{إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}(102) سورة الصافات.
قالوا : والمعاني الأربعة الأولى تجمعها وتساويها كلمة [شهد] في قوله تعالى : {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (185) سورة البقرة ، وعليه فلا تختص كلمة [رأى] الواردة في الحديث بمعنى الرؤية البصرية ، بل تشمل كل المعاني الأربعة ، فمتى حصل واحد منها دخل الشهر(1).
مناقشة هذا الجواب : عند الرجوع إلى أصل كلمة [رأى] في اللغة نرى أنها تطلق على احد معنيين : الرؤية البصرية ، والرؤية العلمية فقط ، قال ابن فارس : " الراء والهمزة والياء أصل يدل على نظر وإبصار بعين وبصيرة"(2) ، وعند تأمل المعاني الستة السابقة نجد أنها ترجع إلى هذين المعنيين – الرؤية البصرية والرؤية العلمية – وأنها تفريعات على هذين المعنيين ، مع أن بعضها لا دليل عليه – كالمعنى الثاني والثالث – كما أن حصر المعاني الأربعة الأولى في اختصاصها بمعنى [رأى] الواردة في الحديث لا دليل عليه أيضاً.
فإذا علمنا أن كلمة [رأى] على الصحيح تنحصر في المعنيين السابقين لزمنا الدليل على تعيين أحدهما دون الآخر.
ونحن نقول أن [رأى] الواردة في الحديث تختص بمعنى الرؤية البصرية والدليل على ذلك ما يلي :
1- أن هذا هو ما دل عليه فعله الرسول – صلى الله عليه وسلم - ، فقد كان يتراءى الهلال فإن رآه ليلة الثلاثين وإلا أكمل الشهر ثلاثين يوماً (3) ، وترائيه يدل على أن مقصوده – صلى الله عليه وسلــم – بقوله «َصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»(4) أي : صوموا لرؤيته الرؤية البصرية ، وهو من قال الحديث ، وهو أعلم بمراده.
وهذا ما فعله الصحابة – رضي الله عنهم – من بعده حيث كانوا يتراءونه(5) ، مما يدل على أنهم فهموا من قول الرسول – صلى الله عليه وسلم – السابق الرؤية البصـرية لا العلمية ، وهم أعلم باللغة ومقاصد الشريعة من غيرهم.
2- أن كلمة [رأى] في اللغة العربية إذا كانت متعدية إلى مفعول واحد فهي بصرية ، وإذا كانت مـتـعـديـة إلى مـفـعـولـيـن فهي عـلمـيـة(6) ، وكـلـمـة [رأى] مـتعـدية إلى مفعـول واحـد كـمـا
_______________
(1) الدكتور أمير حسين حسن في [مجلة الأزهر] (صـ 1315- 1316) عدد شعبان 1418هـ.
(2) [معجم مقاييس اللغة] لابن فارس (2\472).
(3) كما سبق معنا في حديث – عائشة – رضي الله عنها – وقد سبق تخريجه في (صـ 29).
(4) سبق تخرجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في (صـ 13).
(5) كما سبق معنا من فعل ابن عمر – رضي الله عنهما – وقد سبق تخرجه في (صـ 19).
(6) انظر [ضياء السالك إلى أوضح المسالك] لمحمد النجار (1\359-373).



**************************

في الحديث «إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلاَلَ فَصُومُوا ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلاَثِينَ يَوْماً»(1) ، فكلمة [رأيتم] قد نصبت مفعولاً واحداً وهو [الهلال] ، ولم تنصب غيره فدل على أن المراد بها الرؤية البصرية(2).
3- قوله – صلى الله عليه وسلم – : «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ»(3) يدل على أن المراد بالرؤية هنا الرؤية البصرية ، ولا يدع مجالاً لأن يكون المراد بالرؤية الرؤية العلمية ، لأنه – صلى الله عليه وسلم – لو أراد الرؤية العلمية لما قال «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ» ، فإن الإغمام إنما يحجب الرؤية البصرية ، وهذا ظاهر.

الدليل السادس : إجماع المسلمين على موجب هذه النصوص ، وأنه لا الاعتماد في دخول الشهر على الحساب الفلكي ، وقد حكى الإجماع – كما سبق – شيخ الإسلام ابن تيمية(4) وابن المنذر(5) وابن عابدين(6) ، وابن رشد(7) ، وغيرهم.
فكل من قال بغير هذا القول فهو مسبوق بإجماع المسلمين الذي لا تجوز مخالفته.

الدليل السابع :أن الشرع علـّـق الأحكام التعبدية الشهرية على الأهلة بطريقي اليقين : الرؤية أو الإكمال وذلك لما يلي :
1- لسهولته ، ويسر يقينيته.
2- لأنه لا يدخله الخطأ.
3- لأن كل نظام سواه الأصل فيه الخطأ ، كالحساب فإنه مع عسره وندرة العارف به يدخله الخطأ كثيراً(8) كما سيأتي(9).
_______________
(1) سبق تخرجه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في (صـ 13).
(2) ممن ذكر أن المراد بالرؤية في الحديث الرؤية البصرية الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – حيث قال بعد ذكر أن دعوى أن الرؤية في الحديث هي الرؤية العلمية دعوى مردودة : "لأن الرؤية في الحديث متعدية إلى مفعول واحد فكانت بصرية لا علمية" [انظر مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – (15\111).
(3) سبق تخرجه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في (صـ 13).
(4) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\132).
(5) نقله عن الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\158).
(6) [حاشية ابن عابدين] (3\408).
(7) [بداية المجتهد] لابن رشد (2\ 557).
(8) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\821).
(9) انظر (صـ 43- 45).


********************

الدليل الثامن : أن اليقين في دخول الشهر يتحقق بأمر محـسـوس حـقـيـقـة أو حـكماً ، حـقـيـقـة محسوسة بالإهلال ، وفي حكم المحسوسة بالإكمال ، وأنه بأمر لا مدخل للعباد فيه ، بل هو سنة كونية ثابتة ، وصاحب الشرع أشعر بحصر السبب فيهما ولم ينصب سبباً سواهما
ووجه التيقن بالإكمال : أنه استصحاب الأصل ، إذ الأصل بقاء الشهر وكماله ، فلا يترك هذا الأصل إلا ليقين ، بناءاً على أن ما ثبت بيقين لا يزول إلا بمثله(1).


القول الثاني :
يجب الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر مطلقاً ، ومعنى ذلك أن الشهادة إذا خالفت الحساب الفلكي رُدت ، وهذا لم يقل به أحد من المتقدمين إطلاقاً ، بل قال شيخ الإسلام ابن تيمية أن هذا القول ما قاله مسلم(2) ، وإنما نطق به كثير من الفلكيين ، وتبعهم عدد قليل من الفقهاء المعاصرين(3).

أدلة القول الثاني :
الدليل الأول : عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا رَأيتُموهُ فصوموا ، وإِذا رأَيتُموهُ فأفطِروا ، فإن غُمَّ عليكم فاقْدُرُوا له»(4).
وجه الدلالة : أن الحديث يشير صراحة إلى التقدير والحساب وإعمال الذهن والعقل «فاقْدُرُوا له» ، وهي الحالة العامة ، فهو يحض صراحة على الأخذ بالحساب والعلم متى توافرت أسبابهما من أدوات رياضية وأجهزة علمية وحاسبين يؤمن بينهم الخطأ(5).
وهذا أقوى ما استدلوا به.
الجواب عن هذا الدليل : أن الأحاديث التي ورد فـيها لـفـظ «فاقْدُرُوا له» جـاءت عـلى روايات
_______________
(1) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\821 - 822).
(2) حيث قال في [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\133) : " فأما إتباع ذلك في الصحو ، أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم" ، والإشارة في قوله " فأما إتباع ذلك" تعود إلى الحساب الفلكي
(3) من الفقهاء المعاصرين الذين قالوا بذلك اطلعت على قول الشيخ طنطاوي جوهري فـقط ، وقـد نقـل قـوله هذا عبد الكريم محمد نصر في كتابه [الفلك العلمي] (صـ 131).
(4) سبق تخريجه في (صـ 13).
(5) انظر ما كاتبه الدكتور أمير حسين حسن في [مجلة الأزهر] (صـ 1318) عدد شعبان 1418هـ.



*******************



عدة في لفظ «فاقْدُرُوا له» هي :
1- فأتموا العدة ثلاثين.
2- فأتموا شعبان ثلاثين.
3- فأكملوا ثلاثين.
4- حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة.
5- فصوموا ثلاثين.
6- أحصوا عدة شعبان لرمضان.
7- فأكملوا العدة ثلاثين . من حديث ابن عمر.
8- فأكملوا العدة ثلاثين فإنها ليست تغمى عليكم . أبو هريرة.
9- فعدوا ثلاثين . أبو هريرة ، وابن عمر.
10- فاكلموا العدة . أبو هريرة.
11- فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً . أبو هريرة.
12- فصوموا ثلاثين يوماً . أبو هريرة.
13- فعدوا له ثلاثين يوماً. ابن عمر.
14- فاقدروا له ثلاثين . أبو هريرة ، وابن عمر.
15- فاقدروا له . أبو هريرة ، وابن عمر(1).
فإذا نظرنا إلى رواية «فاقْدُرُوا له» وجدناها رواية واحدة مُفسرة بأربع عشرة رواية ، وليس من الفقه إفراد تلك الرواية وبترها عن الروايات الواردة في نفس الحديث.
ومن المتقرر في علم أصول الفقه أن المجمل يحمل على المبين ، وعليه فتكون رواية «فاقْدُرُوا له» رواية مجملة قد بيّـنتها الروايات الأخرى الكثيرة ، وعليه فإن جميع مورد الروايات واحد ، وإن اختلفت ألفاظها.
وهذا المعنى الذي ذكرناه هو الذي فهمه الكثرة الغالبة من المحدثين والفقهاء والشرّاح.
"وقد تنبه لذلك الحذاق من المحدثين إلى صنيع الإمام مالك في موطئه ، وصنيع البخاري في الجامع الصحيح ، حيث أورد كل منهما حديث ابن عمر الذي فيه رواية «فاقْدُرُوا له» ، ثم أتبعاه بحديث ابن عمر الآخر والذي نصه : «الشهرُ تِسعٌ وعشرونَ ليلةً ، فلا تصومُوا حتّى تَرَوهُ ، فإِنْ
_______________
(1) حصر هذه الروايات وذكرها الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\830).


**********************


غُمَّ عليكم فأكمِلوا العِدَّةَ ثلاثين»(1)"(2).
حتى إن من قال بالحساب الفلكي من علماء المسلمين فسّر رواية «فاقْدُرُوا له» بالمعنى الذي ذكرناه ، ومنهم ابن السبكي – وهو من قال بالحساب الفلكي بشروط على وجه الجواز لا الوجوب كما سيأتي – حيث قال : " قوله : «فاقْدُرُوا له» قال بعض من يقول باعتماد الحساب : احسبوا له ، وقالت الحنابلة : ضيقوا ، ولأجل ذلك رأوا جواز صوم يوم الشك ، والصحيح خلاف القولين ، وأن معناه ما رواه البخاري صريحاً : فأكملوا عدة شعبان ثلاثين"(3).
ثم بعد ذلك كله قد روى البيهقي بسنده عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : «إن الله تعالى جعل الأهلة مواقيت ، فإذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له ، أتموه ثلاثين»(4) ، فهذه الرواية الصحيحة صريحة في تفسير المرفوع بالمرفوع(5).

الدليل الثاني : قوله تعالى : {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (5) سورة الرحمن ، فالله أوجد هذه الأجرام السماوية بعلم وحساب وحكمة ، فهي لا تسير عشوائياً ، بل إن الله طلب منا صراحة أن نتعلم كيف تسير هذه الأجرام فقال تعالى : {وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (12) سورة الإسراء ، وقال : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (5) سورة يونس(6).
الجواب عن هذا الدليل : بعد الرجوع إلى كتب التفسير وُجد ما يلي :
1- أما قوله تعالى : {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (5) سورة الرحمن ، فقد قال القرطبي – رحمه الله – فيها : " أي يجريان بحساب معـلـوم ، فأضمر الخبر ، وقال ابن عباس وقتادة وأبو مالك : أي
_______________
(1) سبق تخريجه من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – في (صـ 18).
(2) [مسائل في الفقه المقارن] (صـ 161).
(3) [العلم المنشور في إثبات الشهور] لابن السبكي (صـ 11).
(4) أخرجه البيهقي – واللفظ له – في السنن الكبرى في كتاب الصيام \ باب الصوم لرؤية الهلال أو استكمال العدد ثلاثين (7931) ، وأخرجه الحاكم في المستدرك كتاب الصوم \ باب الطاعم الشاكر مثل الصائم الصابر (1579) وقال عن الحديث : " هذا حديث صحيح الإسناد ، على شرطهما ، ولم يخرجها".
(5) أشار إلى هذه الرواية الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\832) ، وقال : " ولم أرَ من أشار إليها في النقض ، فالحمد لله على التيسير".
(6) الدكتور أمير حسين حسن في [مجلة الأزهر] (صـ 1318) عدد شعبان 1418هـ.



************************

يجريان بحساب معلوم في منازل لايعدوانها ولا يحيدان عنها ، وقال ابن زيد وكيسان يعني : أن بهما تحسب الأوقات والآجال والأعمار ، ولولا الليل والنهار والشمس والقمر لم يدر أحد كيف يحسب شيئاً لو كان الدهر كله ليلاً أو نهاراً ، وقال السدي : بحسبان تقدير آجالهما ، أي تجري بآجال كآجال الناس ، فإذا جاء أجلهما هلكا ، نظيره : {كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى} (2) سورة الرعد ، وقال : الضحاك ، بقدر ، مجاهد : بحسبان كحسبان الرحى ، يعني قطبها يدوران في مثل القطب"(1).
فحتى على قول من قال أن المعنى : أن الشمس والقمر يجريان بحساب معلوم في منازل لايعدوانها ولا يحيدان عنها ، حتى على هذا القول ، ما علاقة ذلك برؤية الهلال وإثبات الشهر ؟ هل كون الشمس والقمر يجريان بحساب معـلوم فيه دلالة على جواز – فـضلاً عن وجوب – الأخذ بالحساب في إثبات الشهر القمر ؟
نحن نعلم علم اليقين أن كل ما في هذا الكون لا يسير ولا يتحرك ولا يسكن إلا بتقدير من الله الحكيم العليم ، فالله أخبرنا أن كل أمر يحصل إنما يحصل بتقديره ، والله الذي أخبرنا عن ذلك هو الذي أمرنا أن نطيع رسوله – صلى الله عليه وسلم – الذي قال : «َصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»(2).
2- وأما قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} (5) سورة يونس ، وقوله : {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } (12) سورة الإسراء ، فقد قال القرطبي فيها : " أي لو لم يفعل ذلك لما عُرف الليل من النهار"(3) ، فواضح أن الآيتين الكريمتين لا تدلان على ما ذهب إليه من استدل بهما.

الدليل الثالث : عن ابنَ عمرَ – رضيَ اللّهُ عنهما – عن النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنهُ قال: «إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ ، الشهرُ هكذا وهكذا. يَعني مرَّةً تسعةً وعشرينَ ومرَّةً ثلاثين»(4).
_______________
(1) [الجامع لأحكام القرآن] للقرطبي (7\134).
(2) سبق تخرجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في (صـ 17).
(3) [الجامع لأحكام القرآن] للقرطبي (10\200).
(4) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم / باب قولِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم – : «لا نَكتُبُ ولا نَحسُب» (1892) ، ومسلم في صحيحه في كتاب الصيام / باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال ، والفطر لرؤية الهلال =



*******************


وجه الاستدلال : أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بالاعتماد على الرؤية وذلك لعلة عدم معرفة الحساب ، فإذا انتفت هذه العلة ، واستطاعت الأمة معرفة الحساب وأمكن أن يثقوا به ثقتهم بالرؤية أو أقوى صار لهم الأخذ بالحساب في إثبات أوائل الشهور القمرية(1).
الجواب عن هذا الدليل : قدعُلم في اللسان أن بساط المقال كبساط الحال له تأثيرفي الأحكام ، كما عُلم في مسائل من الإيمان والنذور والطلاق، فقوله–صلى الله عليه وسلم– :«إنّا أُمَّةٌ أُمِّيةٌلا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ» قرنه بقوله«الشهرُ هكذا...» أي مرة[30] ومرة[29]، فهو خبر من النبي–صلى الله عليه وسلم –لأمته أنها لا تحتاج في أمر الهلال إلى كتاب ولاحساب،إذ هو إما[30] يوماً أو[29] يوماً ومرد معرفته بالرؤية للهلال أو بالإكمال ، كما في الأحاديث المتقدمة المشعرة بالحصر في هذين السبيلين لا بكتاب ولا بحساب ، وهذا الظاهر في خبرية النص هو الذي يتفق مع الحقائق الشرعية والدلائل النصية من الأحاديث السابقة ، إذن فيتعين إبقاء النص على ظاهره في الخبرية ولا يصرف عنها إلى العلية إلا بدليل ، وصرفه يؤدي إلى تعارض النصوص كما هو بين(2).
ثم إنه قد سبق في علم الله أن علم الفلك سوف يتطور ، وسوف يصل إلى ما وصل إليه الآن ، فإن الله يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، ومع ذلك لم يأمر نبيه – صلى الله عليه وسلم – أن يخبر أمته أنهم إذا وصلوا إلى درجة من علم الفلك عالية أنه بإمكانهم أن يُـثبتوا دخول الشهر بالحساب ، بل إن النبي – صلى الله عليه وسلم – لم يدع مجالاً لذلك ، وحصر الأسباب التي يثبت بها الشهر في الرؤية والإكمال فقط ، وقد أوتي – عليه الصلاة والسلام – جوامع الكلم.

الدليل الرابع : أن الرؤية البصرية والحساب الفلكي وسيلتان لشيء واحد وسيلتان لدخول الشهر القمري ، وكل منهما يقوم مقام الآخر ، فمتى وُجد أحدهما ثبت دخول الشهر ، ولسنا متعبدين برؤية الهلال ، بل إنما جُعل الهلال وسيلة لدخول الشهر(3).
الجواب عن هذا الدليل : أن الرسـول – صلى الله عـليه وسلـم – حـصر ثبـوت دخـول الـشهـر
_______________
= وأنه إذا غم في أوله أو آخره أكملت عدة الشهر ثلاثين يوما (2464) ، وأبو داود في سننه في كتاب الصيام / باب الشهر يكون تسعاً وعشرين (2320) ، والنسائي في سننه في كتاب الصيام / باب ذكر الاختلاف على يحيـــــى بن أبـــــي كثير في خبر أبـــــي سلمة فيه (2142) ، وأحمد في مسنده (6113).
(1) الدكتور أمير حسين حسن في [مجلة الأزهر] (صـ 1318) عدد شعبان 1418هـ.
(2) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\833).
(3) انظر [الفلك العلمي] لعبد الكريم محمد نصر (صـ 133).



**************************

بالرؤية كما في قوله – صلى الله عليه وسلم – : «لاَ تُقَدِّمُوا الشَّهْرَ حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حتى تَرَوْا الهِلاَلَ أوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ»(1) ، وحصر دخول الشهر برؤية الهلال لا يعني أن الرؤية مجـرد وسيلة ، بل يـفـيـد مـنع أي طـريـقـة أخـرى غير الـرؤية لـثبوت الـشهـر ، والرسول – صلى الله عليه وسلم – قد أوتي جوامع الكلم ، فلو أراد أن الرؤية مجرد وسيلة لاتضح ذلك من كلامه جلياً ، كأن يقول : إذا دخل الشهر فصوموا ، أو إذا ثبت عندكم دخول الشهر فصوموا ، كما بُين ذلك في أوقات الصلوات ، فقد بُين أن وقت المغرب – مثلاً – يدخل بغروب الشمس ، ولم يقل النبي – صلى الله عليه وسلم – : إذا رأيتم أن الشمس غربت فصلوا ، فكون النبي – صلى الله عليه وسلم – قد علق دخول الشهر برؤية الهلال بلفظ يفيد منع طريق آخر غيره وهو – صلى الله عليه وسلم – أوتي جوامع الكلم ، كل ذلك يرد دعوى أن رؤية الهلال مجرد وسيلة لدخول الشهر.

الدليل الخامس : قياس إثبات أوائل الشهور القمرية بالحساب على إثبات أوقات الصلوات بالحساب ، فإن الصلاة أصبحت الآن في جميع بقاع الأرض تعتمد على الحساب فقط ، ولم نرَ من بين علماء المسلمين من يتمسك منهم برؤية الشمس الرؤية البصرية ليرى علامات دخول أوقات الصلاة ويرفض الاعتماد على الحساب ، فإذا كانت علامات الصلاة قد تحولت الآن إلى أزمنة محسوبة وأقرها جميع علماء المسلمين دون أدنى اعتراض من أي عالم منهم ، فما الذي يمنع من تطبيق ذلك في تعيين أوائل الشهور العربية(2).
الجواب عن هذا الدليل : هذا قياس باطل من أصله ؛ لأن المقيس عليه لم يثبت بنص وهو مختلف فيه ، وليس صحيح ما ذُكر من الإجماع عليه ، فهو غير ثابت بنص ولا إجماع ، وثبوته بنص أو اتفاق الخصمين شرط للأصل المقيس عليه ، وشرط ثان ٍ أن يكون الحكم في المقيس عليه معقول المعنى كتحريم الخمر ، أما إن كان تعبدياً كأوقات الصلوات وأعداد الركعات فلا يقاس عليه ؛ لأن ما لا يعقل معناه لا يمكن تعدية حكمه إلى محل آخر(3).
وعلى التسليم ، فهو قياس فيه قادحان من قوادح القياس هما :
1- فساد الاعـتبار ؛ لمخـالـفة الـقياس لصرائح الـنصوص المـشعرة بالحـصر في نصب الـشـارع
_______________
(1) سبق تخريجه من حديث حذيفة – رضي الله عنه – في (صـ 13).
(2) [دورتا الشمس والقمر وتعيين أوائل الشهور العربية باستعمال الحساب] للدكتور حسين كمال الدين (صـ61) ، وكذلك [الفلك العلمي] للدكتور عبد الكريم محمد نصر (صـ 132).
(3) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\834).


*****************




الرؤية سبباً للحكم بأول الشهر(1).
2- وهو كذلك قياس مع الفارق ، ذلك أن المشرع أناط الصلاة بوجود العلامة لوقتها ، فنفس الوقت هو سبب الصلاة ، فمن علم السبب بأي طريق كان لزمه حكمه ، فلذلك اعتبر الحساب المفيد للقطع في أوقات الصلوات ، وأما الأهلة فلم ينصب الشرع خروجها سبباً للصوم ، بل جعل رؤية الهلال هي السبب، فإذا لم تحصل الرؤية لم يحصل السبب الشرعي فلا يثبت الحكم ، ويدل على أن الشرع لم ينصب نفس خروج الهلال سبباً للصوم قوله – صلى الله عليه وسلم – «َصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ»(2)، ولم يقل لخروجه كما قال تعالى : {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} (78) سورة الإسراء ، فإن لم تكن رؤية رُد إلى الإكمال الذي يباري الرؤية في الإهلال ، ولم يتعرض لخروج الهلال(3).

الدليل السادس : القياس على المحبوس في المطمورة ؛ وذلك لوجود الاتفاق على أن المحبوس في المطمورة إذا علم بالحساب بإكمال العدة ، أو بالاجتهاد بالأمارات أن اليوم من رمضان وجب عليه الصوم وإن لم يرَ الهلال ، ولا أخبره من راءه ، فكذلك إذا علمنا بالحساب أن اليوم من رمضان وجب علينا الصوم وإن لم نره ولا أخبرنا من راءه(4).
الجواب عن هذا الدليل : هذا قياس باطل من أصله كذلك ؛ لأن المقيس عليه هنا لم يثبت بنص ولا اتفاق ، ومن شرط القياس توفر ذلك ، وهو هنا مفقود فهو ملغي من أصله.
ثم هو على التسليم مقدوح فيه بقادحين من قوادح القياس هي :
1- فساد الاعتبار ؛ لمخالفة القياس لصرائح النصوص المشعرة بالحصر في نصب الشارع الرؤية سبباً للحكم بأول الشهر.
2- وهو كذلك قياس مع الفارق ؛ إذ المحبوس معذور ، فيجب عليه الاجتهاد في دخول الوقت فإن انكشف له غلط قضى(5).
_______________
(1) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\834).
(2) سبق تخريجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في (صـ 13).
(3) ذكر هذا القادح القرافي في [الفروق] (2\178-182) ، وقد بسط الكلام في هذه المسألة في الفرق (102) في خمس صفحات نقلت لك ملخصه ، ومن أراد الاستزادة فعليه الرجوع إلى كلامه – رحمه الله –.
(4) هذا الدليل لم أرَ أحداً ممن قال بالحساب ذكره ، ولكني وجدت الشيخ بكر أبو زيد قد ذكره في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\829) فنقلته.
(5) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\834).





***************



القول الثالث :
جواز الأخذ بالحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر القمري ، على اختلاف بين من قال بهذا القول ، فمنهم من قال بالجواز مطلقا ، ومنهم من قيده بحال دون حال ، كمن قيده في حال النفي دون الإثبات ، وكمن قيده بحال الغيم دون الصحو ، ومنهم من قيده بأن يعمل الحساب فيه لنفسه فقط.
ومن قال بهذا القول من المتقدمـيـن : ابن سـريج(1)،(2) ، ومـطـرف بن عـبد الله الشخير (3)،(4) ، وابن قتيبة (5)،(6).
ومن المتأخرين ابن السبكي(7)، (8).
وقد حكى ابن سريج هذا القول عن الشافعي ، حيث نقل ابن سريج أن الشافـعي قـال : من كـان
_______________
(1) هو أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي القاضي الشافعي ، ولد سنة بضع وأربعين ومائتين ، ولي القضاء بشيراز ، وكان يُفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى على المزني ، مات سنة 303 [سير إعلام النبلاء للذهبي (14\201-204)].
(2) نقل هذا القول عنه ابن السبكي في [العلم المنشور في إثبات الشهور] (صـ 8) ، وابن عبد البر في [الاستذكار] (10\18) ، والحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (3\157) ، وقال ابن حجر : " ونقل ابن العربي عن ابن سريج أن قوله «فاقْدُرُوا له» خطاب لمن خصه الله بهذا العلم ، وأن قوله «فأكملوا العدة» خطاب للعامة ، قال ابن العربي : فصار وجوب رمضان عنده مختلف الحال يجب على قوم بحسب الشمس والقمر ، وعلى آخرين بحساب العدد ، قال : وهذا بعيد عن النبلاء".
(3) هو مطرف بن عبد الله الشخير الحرشي العامري أبو عبد الله البصري ، توفي سنة 95 ، أول ولاية الحجاج ، قال العجلي : كان ثقة ، ولم ينج ِ بالبصرة من فتنة ابن الأشعث إلا رجلان : مطرف وابن سيرين [تهذيب الكمال للمزي (28\67-70)].
(4) نقل هذا القول عنه الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (3\157) ، وابن عبد البر في [الاستذكار] (10\18) ، وابن رشد في [بداية المجتهد] (2\558).
(5) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، وقيل المروزي ، الكاتب ، صاحب التصانيف ، نزل بغداد وصنف وبُعد صيته ، قال أبو بكر الخطيب : كان ثقة ديناً فاضلاً ، ولي قضاء الدينور ، وكان رأساً في علم الـلـسـان العـربي والأخـبـار وأيـام الناس ، توفي في رجب سنة 276هـ [سـير أعـلام النبـلاء للذهبي (13\296-302)].
(6) نقل هذا القول عنه الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\157).
(7) هو تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الكبير ، ولد بسبك في مصر عام 687هـ ، قال الحافظ ابن حجر : ولي قضاء دمشق سنة 739هـ بعد وفاة الجلال القزويني ، فباشر القضاء بهمة وصرامة وعفة وديانة ، وأضيفت إليه الخطابة بالجامع الأموي فباشره مدة ، وولي التدريس بدار الحديث الأشرفية بعد وفاة المزي ، وما حفظ عنه في التركات ولا في الوظائف ما يعاب عليه ا.هـ ، توفي في القاهرة عان 756هـ [استفدت هذه الترجمة من مقدمة فتاوى السبكي (1\ 3-5)].
(8) كما في كتابه [العلم المنشور في إثبات الشهور] (صـ 8).



**********


مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر ثم تبين له من جهة النجوم أن الهلال الليلة وغم عليه جاز له أن يعتقد الصوم ، ويبيته ويجزئه(1).
وقد أنكر علماء الشافعية نسبة هذا القول إلى إمامهم الشافعي ، فقال ابن عبد البر – بعد أن ساق النقل السابق عن ابن سريج – : " الذي عندنا في كتبه(2) أنه لا يصح اعتقاد رمضان إلا برؤية فاشية أو شهادة عادلة أو إكمال شعبان ثلاثين يوماً ؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – : «صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين»(3)" (4).
وقال الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر أن ابن سريج نقل هذا القول الشافعي : " والمعروف عن الشافعي ما عليه الجمهور"(5).
وبهذا يُعلم أن ابن سريج – رحمه الله – قد وهم في نسبة هذا القول إلى الإمام الشافعي.
وقـد قـال بـالـقـول الثالث بعـض الـفـقهاء المعاصرين ، ومنهم : الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله –(6) ، والشيخ عبد الله المنيع(7).

أدلة القول الثالث :
لم تخرج أدلة القول الثالث عن أدلة القول الثاني ، بل استدل أصحاب القول الثالث ببعض أدلة القول الثاني ، لكن يبدو أنهم لم يجسروا على القول بالوجوب كما جسر به أصحاب القول الثاني.
_______________
(1) نقل هذا النقل عن ابن سريج الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\157) ، وابن عبد البر في [الاستذكار] (10\18-19) ، وابن رشد في [بداية المجتهد] (2\558).
(2) الضمير يرجع إلى الإمام الشافعي.
(3) سبق تخرجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه –(صـ 13).
(4) [الاستذكار] لابن عبد البر (10\19).
(5) [فتح الباري] لابن حجر (4\157).
(6) وذلك في رسالته [أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي] ، مع أن الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – قال : " رأيت لدى الشيخ إسماعيل خطاباً من الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله تعالى – يعتذر فيه إلى الشيخ إسماعيل ، وأنه إنما نشر رسالته لإثارة البحث بين أهل العلم ، وإلا فليس له رأي بات في المسألة" [الشيخ بكر أبو زيد في مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد الثالث لعام 1408هـ (2\834)] ، ويقصد الشيخ بكر أبو زيد بـ[الشيخ إسماعيل] : الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري.
(7) وذلك في بحث له بعنوان [التحديد الفلكي لأوائل الشهور القمرية ( رجب ، شعبان ، رمضان ، شوال ) لعام1425هـ] ، وهذا البحث موجود في موقع [الإسلام اليوم] على العنوان التالي :
www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?catid=71&artid=4067 (http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm?catid=71&artid=4067)

طالب الحور
08/10/2007, 10:43 PM
تفنيد الخلاف الحادث في هذه المسألة :
ذكر الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله – تحقيقاً قيّماً في الخلاف الحاصل في هذه المسألة ، انقل لك خلاصته حيث قال:
كم رأينا من فرع حُكي فيه الخلاف ثم يتبين عند التحقيق عدم ثبوته عن المخالف ، وهذا كثير في مسائل فرعية ، وذلك مثل ما يروى عن جماعة كثيرين من الصحابة والتابعين أنهم خضبوا بالسواد ، وقد أبان الحفاظ ومنهم ابن القيم في [الهدي] أن في الروايات عنهم ضعفاً وانقطاعاً ، وهكذا.
وفي هذه المسألة(1) : لا يعرف فيها خلاف صحابي ، بل حُكي إجماعهم ، وقد حُكي الخلاف فيها عن :
1- الشافعي.
2- ابن سريج.
3- ابن السبكي.
4- مطرف بن عبد الله الشخير.
5- ابن قتيبة.
وسوف نبين أنه حصل الغلط في هذا الخلاف على القائل به وفي نوعه.
وذلك كما يلي :
1- ما حُكي عن الشافعي غلط(2).
2- الأصل في خلاف ابن سريج أنه رأى الأخذ بالحساب جوازاً في حق الحاسب خاصة إذا غم الشهر ولم يره الراءون.
والذي ينجلي أن ابن سريج مع – جلالته – رتب ما ذهب إليه على ما حكاه غلطاً عن الشافعي.
فكما مضى أن ابن سريج قال بالأخذ بالحساب جوازاً في حق الحاسب نفسه خاصة إذا غم
الشهر ولم يره الراءون ، وهذا القول هو عين ما حكاه هو غلطاً على الشافعي ، فإذا ثبت أن ابن سريج قد غلط في هذه الحكاية عن الشافعي ، فإن ابن سريج إنما قال ما قال تقليداً منه لإمام المـذهب عـنده ، وإذا بطلت نسبة الـقـول به إلى الشافعي ، فهذا يفرغ ما بُني عليه ، فلم
_______________
(1) يقصد – حفظه الله – مسألة ثبوت الشهر القمري بالحساب الفلكي.
(2) كما بيّنا ذلك في (صـ 40).



**********************

يبقَ ذلك قولاً لابن سريج.
3- ثم إن العلامة تقي الدين السبكي الشافعي – رحمه الله – ألف رسالته [العلم المنشور في إثبات الشهور] ، وانتصر فيها لرأي ابن سريج للجواز لا للوجوب ، مقيداً ذلك بشرطين : أن ينكشف الحساب جلياً من ماهر بالصنعة والعلم ، وأن يكون الجواز في خصوص الصوم لا الفطر.
ثم ألف بعد ذلك الشيخ أحمد شاكر – رحمه الله – رسالة باسم [أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي].
ثم تبعهما من تبعهما من الفقهاء المعاصرين.
وكل هؤلاء الأجلة : السبكي ، فأحمد شاكر ، فمن تبعهما ، ينزعون من قوس واحدة ، من قول ابن سريج ، وقد علمت مدى العمدة في رأيه مذهبياً.
4- وأما مطرف بن عبد الله ، فقد نفى ابن عبد البر صحة الأثر عنه ، فقال : " روى عن مطرف بن الشخير ، وليس بصحيح عنه ، ولو صح عنه ما وجب إتباعه عليه لشذوذه فيه ، ولمخالفة الحجة له" (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " إن هذا إن صح عنه فهي من زلات العلماء" (2).
5- وأما ابن قتيبة فقد قال ابن عبد البر متعقبا له : " وأما ابن قتيبة فليس هو ممن يعرج عليه في مثل هذا" (3).
وعليه فتبقى حكاية الإجماع إن قبلناها قائمة(4).






_______________
(1) نقله عنه الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\157).
(2) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\182).
(3) نقله عنه الحافظ ابن حجر في [فتح الباري] (4\157).
(4) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\824 – 829).




*************************

الحساب الفلكي في إثباته للشهور القمرية يفيد الظن لا القطع :
وذلك لما يلي :
1- أن قطعية الحساب لا تقبل إلا بنتائج فاشية تفيد العلم اليقيني بصدق نتيجته واطرادها ، وإخبار العدول على رسم الشرع من ذوي البصارة به بذلك ، ويبسط طريقته بمحضر من أهل العلم لمعرفة مدة سلامة مقدماته شرعاً ، هذا لو جعل الشرع المصير إليه.
والواقع أنه ليس لدينا دليل متوفر على هذا المنوال ليكسب إفادة اليقين إلا شهادة بعض الفلكيين لأنفسهم بأن حسابهم يقيني ، والأدلة المادية تقدح في مؤدى شهادتهم(1) ، ويقوى ذلك بنفي نظرائهم في الفلك من عدم إفادته اليقين(2) ، إضافة إلى أن الشرع لا يعتبر صدق الخبر والشهادة إلا من مبرز في العدالة الشرعية(3).
2- قيام دليل مادي في الساحة المعاصرة على أن الحساب أمر تقديري اجتهادي يدخله الغلط والاضطراب ، وذلك في النتائج الحسابية التي ينشرها الحاسبون في الصحف من تعذر ولادة شهر كذا ، ثم تثبت رؤية الهلال بشهادة شرعية معدلة ، أو رؤية فاشية في ذات الليلة التي قرروا استحالته فيها.
من ذلك ما ذكره الأمين محمد كعورة حيث قال : " والذي حدث في موعد بدء صيام رمضان لعام 1389هـ يستحق الذكر ، ألا وهو أن بعض الدول الإسلامية – أي الجمهورية العربية المتحدة بالذات(4) – اعتمدت على حساب الفلك والأرصاد في أن هلال رمضان لن يولد قبل منتصف ليلة الاثنين – أي لا تمكن رؤيته مساء الأحد – ، ولكن الذي حدث أن رؤية الهلال ثبتت في السعودية وبعض الدول الأخرى في مساء الأحد"(5).
ومن ذلك ما حدث أيضاً في هلال شهر شوال في عام 1406هـ ، فإن الحاسبين أعلنوا النتيجة في الصحف باستحالة رؤية هلال شوال ليلة السبت الثلاثين من رمضان ، فثبت شرعاً بعشرين شاهداً على أرض المملكة العربية السعودية في مناطق مختلفة في عاليتها
_______________
(1) كما سيأتي ذلك في الفقرة رقم (2).
(2) كما سيأتي ذلك في الفقرة رقم (5) في (صـ 46).
(3) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\835).
(4) يبدو أن الكاتب يقصد دولتا مصر وسوريا حين اتحدتا في عهد الهالك جمال عبد الناصر.
(5) [مبادئ الكونيات] للأمين محمد كعورة (صـ97).



**************************

وشمالها وشرقها ، ورؤي في أقطار أخرى من البلاد الإسلامية(1).
ومن ذلك أيضاً ما حصل في عام 1407هـ حيث أفاد الدكتور علي عبندة – مدير الأرصادات العامة وعضو لجنة المواقيت في وزارة الأوقاف الأردنية – بأن الحقائق العلمية تؤكد عدم إمكانية رؤية هلال رمضان مساء الاثنين مطلقاً ، حيث أفاد أن الهلال يغيب قبل غروب الشمس بحوالي 20 دقيقة ، ومع ذلك فقد ثبتت الرؤية لهلال رمضان في ليلة الثلاثاء لدى مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية(2).
وآخر ما حصل في هذا الشأن – حسب وقت كتابة البحث – ما حصل في ثبوت شهر شوال لعام 1425هـ ، حيث أن الفلكيين نـُشرت أقوالهم في الأسبوعيّن الأخيرين من رمضان ، ويفيدون أن هلال شوال لا يمكن أن يُرى مساء الجمعة ، وأن شهر رمضان سوف يكمل ، وأن أول أيام العيد هو يوم الأحد ، ومن ذلك ما ذكرته صحيفة الجزيرة السعودية يوم الثلاثاء 19\9\1425هـ عدد [11723] ، تحت عنوان [السبت 30 رمضان متمم لشهر رمضان والعيد الأحد لتعذر رؤية الهلال مساء الجمعة] ، حيث ذكرت الصحيفة أن الدكتور زكي بن عبد الرحمن المصطفى – مساعد المشرف على معهد بحوث الفلك والجيوفيزياء ، ورئيس قسم الفلك بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية – أوضح أن رؤية الهلال مساء يوم الجمعة 29 رمضان 1425هـ متعذرة وغير ممكنة في جميع مناطق المملكة ؛ وذلك لكون القمر يغرب قبل غروب الشمس مساء ذلك اليوم ، وقال الدكتور زكي المصطفى : إن الشمس تغرب عن مكة المكرمة يوم الجمعة [ليلة السبت] الساعة الخامسة وأربعين دقيقة ، ويغرب القمر الساعة الخامسة وإحدى وثلاثين دقيقة ، وعليه فإن يوم السبت 13 نوفمبر 2004م سيكون – بإذن الله تعالى – المتمم لشهر رمضان [ثلاثون يوما] وأن يوم الأحد الموافق 14 نوفمبر 2004م أول أيام عيد الفطر المبارك ا.هـ
وبعد أسبوع من هذا الخبر نشرت نفس الصحيفة– أي في يوم الثلاثاء 26\9\1425هـ عدد [11730] – مقالاً تحت عنوان [الأحد المقبل أول أيام العيد فلكياً] ، نقلت فيه عن المهندس محمد شوكت عودة – نائب رئيس لجنة الأهلة والتقويم والمواقيت في الاتحاد العـربي لعـلوم الفـضاء والـفـلك – أن الأحـد الموافق 14 تشرين الثاني هو أول أيام عـيد
_______________
(1) ذكر هذه الحادثة الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\836).
(2) ذكر هذه الحادثة الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] (15\127- 134).





********************

الفطر ، وقال : إن الاقتران المركزي لشهر شوال لهذا العام سيكون يوم الجمعة الموافق 12 تشرين الثاني في الساعة 27 : 14 بالتوقيت العالمي ومن المستحيل رؤية الهلال في ذلك اليوم من جميع دول العالم الإسلامي لغروب القمر قبل غروب الشمس ا.هـ
هذا ما اطلعت عليه من أقوال الفلكيين حول دخول شهر شوال ، ويحتمل أنهم قالوا أكثر من ذلك ، وما نقلته لك يفيد أن الفلكيين متفقين على أن هلال شهر شوال لا يمكن أن يُرى مساء يوم الجمعة – حسب حساباتهم الدقيقة كما يذكرون – ، ومع هذا كله فقد رُؤي هلال شهر شوال مساء يوم الجمعة في المملكة العربية السعودية ، وشوهد في أكثر من منطقة ، وشهد برؤية هلال شوال مساء يوم الجمعة أكثر من عشرين شاهداً ، منهم اثنان أتيا إلى نفس مكتب مجلس القضاء الأعلى في الرياض – كما أوضح لي ذلك المسؤول في مجلس القضاء الأعلى في المملكة العربية السعودية – وبذلك يكون شهر رمضان ناقص غير تام ، ويكون يوم السبت هو أول أيام العيد ، وليس كما قالوا ، وبذلك يتبين أن حساباتهم ليست دقيقة إطلاقاُ ، وإنما هي ظنية.
ومن الشواهد المعاصرة أيضاً على ذلك أنا رأينا بعض البلدان الإسلامية تعلن الصوم والفطر بموجب الحساب الفلكي ، والفارق بينها وبين البلدان التي تثبته بالرؤية يومان أو ثلاثة ، فهل يكون في الدنيا فارق في الشهور القمرية الشرعية كهذه المدة.
ومما يدل على اضطرابهم هو التضارب الحاصل بالنتائج والتقاويم المنتشرة بحساب المعاصرين ، فإنها متفاوتة مختلفة في إثبات أوائل الشهور ، وما زال اختلافها حتى في الولاية الواحد ، وهذا يدل على دفع يقينيته أو ظنيته الغالبة(1) ، وعلى اضطرابه ، فكيف نعلق أمورنا التعبدية بحساب مضطرب ؟
وهذا كله دليل مادي واضح على أن النتائج الفلكية المعاصرة في هذا ظنية وضعيفة.
3- أن الطب – مثلاً – بلغ في العصر الحاضر من الدقة والترقي ما هو مشاهد لعموم الناس ، ومع هذا فيقع لذوي البصارة فيه ومن دونهم من الخطأ والغلط ما يكون ضحيته نفس معصومة أو منفعة أو عضو محترم ، هذا مع أن لوازمه مدركة بالحواس العاملة فيه من سمع وبصر ولمس ، فكيف بحال الحساب الفلكي الذي ما زال عملة نادرة ولم تكن نتيجته فاشية باليقين ، ولوازمه غير محسوسة ، إذن فكيف يسوغ التحـول من المـقـطـوع
_______________
(1) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\836- 837).





**************************

بدلاته بحكم الشارع إلى المظنون ، ومن المتيقن إلى المشكوك في نتيجته(1).
4- أن الحساب الفلكي المعاصر قائم على الرصد بالمراصد الصناعية الحديثة ، والمرصد كغيره من الآلات التي يؤثر على صلاحية نتائجها أي خلل فني فيها قد لا يشعر به الراصد ، وهذا فيه ظنية من جهة أخرى غير الراصد وهي جهة الآلة(2).
5- مما يدل على ظنية الحساب أنه قد شهد بذلك حتى بعض أرباب هذا الفن – أعني الحساب الفلكي – ، وممن شهد بذلك الأمين محمد كعورة ، حيث قال ما ملخصه :
كثيراً ما اختلفت الدول الإسلامية في بداية ونهاية شهر رمضان ، بل إن رؤية هلال شهر رمضان أصبحت من المشاكل المزمنة التي لم يجد لها العالم الإسلامي حلا بعد ، والسبب الأساسي في ذلك هو ما سبق أن ذكرت من أن حركة القمر معقدة للغاية ، ويكاد يكون في حـكم المستحيل وضع تـقـويـم مـضبوط للشهـور العربيـة ؛ لأن مـواقع الأرض والقمر والشمس لا تتكرر في فترات منتظمة ، إن الحل في رأيي لهذه المشكلة التي أساء الخلاف فيها إلى سمعة العالم الإسلامي هو أن يعتمد المسلمون على الرؤية ، وذلك يتمشى مع الدين كما جاء في الحديث الشريف «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين»(3)، (4).
6- فإذا علمنا الاضطراب الحاصل لمن يعتمد على الحساب في دخول الشهر وخروجه ، وعلمنا أن هذا الحساب إنما يفيد الظن بدليل الوقائع المادية ، وبشهادة بعض أهل الفن نفسه ، إذا علمنا ذلك كله ، علمنا أن هذا هو عين دخول الخلل في مواسم التعبد للمسلمين ، مما يقطع كل عاقل بفساده ، وقد بسط شيخ الإسلام ابن تيمية(5) – رحمه الله – ما يدخل على المسلمين من التلاعب في شعائرهم من جنس ما حصل ويحصل من أهل الكتابين وغيرهم ، وقد كانت العرب على ملة إبراهيم ، ثم غيّرت هذه الملة بأمور منها : النسيء الذي ابتدعته ، فزادت به في السنة شهراً جعلتها كبيساً لأغراض لهم ، وغيروا به ميقات
_______________
(1) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\837).
(2) الشيخ بكر أبو زيد في [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] العدد الثالث لعام 1408هـ (2\837).
(3) سبق تخرجه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في (صـ 13).
(4) [مبادئ الكونيات] للأمين محمد كعورة (صـ 96- 97) ، وقد ذكر بعد ما نقلناه عنه اقتراحاً مفاده أنه ينبغي على البلاد الإسلامية أن تستخدم في الرؤية للهلال أحدث الوسائل من منظار وغيره ، وأن يكون ذلك من قبيل الرؤية لا الحساب.
(5) وذلك في [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\140 – 141).





*************************


الحج والأشهر الحـرم ، حـتى كانوا يحـجـون تارة في المحـرم ، وتارة في صفـر ، قـال شـيخ الإسـلام : " فلهذا ذكرنا ما ذكرناه حفظاً لهذا الدين عن إدخال المفسدين"(1) ، وقد صدق – رحمه الله – فإن هذا باب إن فـُتح كان مجالاً واسعاً للتلاعب في مواسم العبادة وإيقاعها في غير الوقت الذي هي مشروعة فيه ، وهذا مما لا نعذر فيه لو حصل ؛ لأنه لم يؤذن لنا أصلاً في إثبات الشهر بالحساب ، والقاعدة : أن ما ترتب على المأذون غير مضمون ، وما ترتب على غير المأذون مضمون ، وكيف نعذر أمام الله في اعتمادنا في أمورنا التعبدية التي كلفنا الله بها على أمر مضطرب ، وثقنا لك اضطرابه خلال ست وثلاثين سنة أربع مرات ، هـذا ما وثـقناه ، وما فاتـنا – بالتأكيد – أكثر ، فلو فـُرض أننا اعتمدنا في حادثة من تلك الحوادث على الحساب الفلكي ، فكيف نعذر أمام الله في تركنا لصوم يوم من رمضان ، أو في صوم يوم العيد الذي يحرم صيامه ، أو في إيقاع يوم عرفة وأمور الحج الأخرى في غير أيامها المشروعة لها أصلاً ، كيف نعذر حين نترك ما شرعه الله لنا من تراءي الهلال ونركن إلى الحساب الفلكي ، ثم نخطئ في إيقاع العبادة في وقتها.














_______________
(1) [مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية] (25\140).






*********************

الترجيح :
يظهر مما سبق قوة وصراحة وصحة أدلة القول الأول القائلين بتحريم استخدام الحساب الفلكي في إثبات الشهور القمرية ، وأما من قال بالوجوب أو الجواز ، فـقـولهم مخـالف للنص ، وكـل ما استدلوا به من النصوص الشرعية إنما استدلوا بمفهومها ، وبعض الأدلة لووا أعناقها لكي تدل على ما قالوا ، وأما التعليلات التي ذكروها فهي في مقابل النصوص فتـسقط ، ولما نترك الصريح الواضح المنطوق ، ونذهب إلى المفهوم والمبهم أحياناً ؟
يظهر لنا من كل ما سبق صحة القول الأول.
وديننا دين واضح لا إبهام فيه ، وشرعنا الواضح لا يمكن أن يحيلنا إلى أمر مضطرب غير منضبط.
وقد ردنا شرعنا إلى أمر واضح منضبط بإمكان علماء المسلمين وجهالهم معرفته بيسر ، ألا وهو الخروج ليلة الثلاثين من كل شهر لتراءي الهلال ، فإن راءوه فقد ثبت دخول الشهر ، وإلا أتموا شهرهم ثلاثين يوماً ثم يثبت بعد ذلك دخول الشهر الذي بعده ، فلماذا نترك هذا الوضوح والبيان والانضباط ونركن إلى أمر قد شهد بعض علماءه أنه لا يمكن ضبطه ؛ لأن مواقع الشمس والقمر لا تتكرر في فترات منتظمة.
قال تعالى : {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153) سورة الأنعام.
وحتى على فرض وقوعـنا في الخـطأ بسبب اعـتمادنا على رؤية الهلال فنحـن غـير مـؤاخـذين – إن شاء الله – ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : " ولو فرضنا أن المسلمين أخطأوا في إثبات الهلال دخولاً أو خـروجاً وهم معـتمدون في إثباته عـلى ما صحت بـه السنة عن نبيهم – صلى الله عليه وسلم – لم يكن عليهم في ذلك بأس ، بل كانوا مأجورين ومشكورين من أجل اعتمادهم على ما شرعه الله لهم وصحت به الأخبار عن نبيهم – صلى الله عليه وسلم - ، ولو تركوا ذلك لأجل قول الحاسبين مع قيام البينة الشرعية برؤية الهلال دخولاً أو خروجاً لكانوا آثمين ، وعلى خطر عظيم من عقوبة الله – عز وجل – ؛ لمخالفتهم ما رسمه لهم نبيهم وإمامهم محمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم – التي حذر الله مـنها في قوله – عز وجـل – : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) سورة النــور ، وفي قوله – عز وجـل – : {وَمَـا آتَاكُمُ الـرَّسُولُ فَخُـذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) سورة الحشر ، وقوله سبحانه وتعالى : {وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} (14) سورة النساء"(1).
وإذا ثبت لـنا أن القـول بـتحـريم استخـدام الحـساب الفـلـكي لإثبات الشهـر الـقـمـري هـو القول الصحيح فإننا نقول كما الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – : " أما الحسابون فلا يلـتفت إليهم ، ولا يعول على حسابهم ، ولا ينبغي لهم أن ينشروا حسابهم ، وينبغي منعهم من نشر حساباتهم ؛ لأنهم بذلك يشوشون على الناس ، لا في مسألة رؤية الهلال ، ولا في مسألة الكسوفات"(2).
والله أعلم.

















_______________
(1) [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -] (15\ 133).
(2) [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] (15\135-136).




*************************



الـخـاتـمـة

أولاً : النتائج :
1- أن الشهر القمري لا يمكن أن يدخل إلا بأحد طريقين :
أ×- رؤية الهلال ليلة الثلاثين من الشهر الذي قبله.
ب×- إتمام الشهر السابق ثلاثين يوماً ثم يدخل الشهر الذي بعده.

2- أن الرؤية الشرعية المطلوبة للهلال هي الرؤية بالعين المجردة ، ولا مانع من الاستعانة بالمكبرات ، لكن العمدة على رؤية العين.

3- أن شهر رمضان يثبت بشهادة شخص واحد ، وأما غير رمضان فلا يدخل إلا بشهادة عدلين.

4- أن من يرى الهلال يُشترط فيه أن يكون عدلا - وعلى الراجح للحاكم أن يقبل الشهادة إذا ترجح لديه أنها حق وصدق - ، وأن يكون الشاهد مكلفا ، وأن يكون قوي البصر.

5- إذا كان في السماء ليلة الثلاثين من شعبان غيم أو قتر فالراجح أن يوم الثلاثين لا يجب وجوبه ، وأن الراجح يدور بين إباحة صوم ذلك اليوم ، أو النهي عنه.

6- في مسألة ثبوت دخول الشهر القمري بالحساب الفلكي تبين لنا ما يلي :
· أن الخلاف في المسألة حادث ومسبوق بالإجماع.
· القول بتحريم الاعتماد على الحساب الفلكي هو القول الذي يدل عليه الشرع والعقل والحس.
· من قال بوجوب الحساب الفلكي أو جوازه اعتمد في قوله عـلى تعـليلات هي مـردودة ؛ لأنها في مقابل النصوص الشرعية ، وما ذكروه من نصوص شرعية إنما دلت على قولهم بطريق التأويل الفاسد.
· الحساب الفلكي لا يفيد القطع في إثبات دخول الشهر القمري ، وإنما يفيد الظن.
· وختاماً ، القول الصحيح في هذا المسألة هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري.


ثانياً : التوصيات :
1- بما أن القول الصحيح هو : تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات دخول الشهر القمري ، فإني أرى أن يُمنع الفلكيون من الكلام في هذه المسألة ؛ لما يسببونه من شوشرة وبلبلة عند العامة ؛ فإن الغالب أن الفلكيين يثيرون هذا الموضوع عند اقتراب شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ؛ لأن معرفة وقت دخول تلك الأشهر يتوقف عليه عبادات عظيمة ، ومن آخر من نـُشر في هذا الموضوع – بالنسبة للوقت الذي كتب فيه هذا البحث – ما سبق أن أشرنا إليه في المقالين اللذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة (1).
فإذا أثاروا ذلك الموضوع عند اقتراب تلك الأشهر وقالوا أن الهلال لا يمكن أن يُرى في تلك الليلة ، أو تمكن رؤيته ، فإنهم يحدثون بذلك بلبلة عند العامة ، وقد يصل الأمر إلى أكبر من ذلك ، خصوصاً إذا جاء الأمر على عكس ما قالوا ، وربما وصل الأمر إلى أكبر من ذلك أيضاً ، وذلك أنه إذا قرأ المسلمون أن الهلال لن يخرج في ليلة الثلاثين ، وأن الشهر سوف يكون كاملاً – كما في المقالين الذيّن نشرتهما صحيفة الجزيرة – فربما أدى ذلك إلى ألا يتراءى المسلمون الهلال في تلك الليلة ، ولا يخفى ما في ذلك من مفاسد العظيمة ، وتعطيل لشعيرة من شعائر الإسلام ، فأرى أن يُمنعوا من إثارة البلبلة في هذا الموضوع ، وأن يصرفوا اهتماماتهم في أمور أخرى تكون مصلحة المسلمين فيها بدل كثرة القيل والقال في هذه المسألة ، والله يزع بالسلطان ما لا بزع بالقرآن.
2- اقترح أن تكون هناك حملات ونشرات هدفها توعية المسلمين بأهمية تراءي هلال الشهور القمرية ؛ وخصوصاً هلال شهور : رمضان وشوال وذي الحجة ، والإدلاء بشهادتهم لدى الـمـحـاكم ، وبيان أن هـذا الأمر يزداد أهـمية ومشروعية في حق من رزقه الله البصر القوي.

_______________
(1) انظر (صـ 44-45).


**************


3- لابد من التفريق بين علم الفلك الحالي ، وبين علم التنجيم المنهي عنه شرعاً ، ففرق عظيم بينهما ، ونحن إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، وإلا فنفس علم الفلك علم مهم وتتوقف عليه كثير من الأمور التي تهم الناس ، مثل أوقات دخول الفصول السنوية من شتاء وصيف وربيع وغيرها ، وما يترتب على ذلك من أوقات الزراعة وغيرها.
ونحن كما سبق إنما ذكرنا تحريم الاعتماد على الحساب الفلكي في إثبات الشهر القمري ، فأرى أنه لا مانع من الاستعانة بحساباتهم ، وما يفيدوننا فيه من وقت خروج القمر ، وأين تمكن رؤيته في الشمال أو الجنوب ، وضابط ذلك أن يكون الاعتماد في دخول الشهر على رؤية الهلال لا على حساباتهم ، فإن رؤي الهلال دخل الشهر ، وإن قالوا بضد ذلك ، وإن لم يرَ الهلال لم يدخل الشهر وإن قالوا بضد ذلك.
والله أعلم.




والحمد لله الذي هدانا لهذا ، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.





وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.







B








الفهارس




وتشتمل على :
· فهرس المصادر والمراجع
· فهرس الآيات القرآنية.
· فهرس الأحاديث والآثار.
· فهرس الأعلام.
· فهرس الموضوعات.



فهرس المصادر والمراجع

أولاً الكتب :
1- [الاستذكار] لابن عبد البر ، تحقيق : الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي ، مطبعة مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1414هـ.

2- [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل] لعلاء الدين أبي الحسن على بن سليمان المرداوي ، تحقيق : محمد عبد الرحمن المرعشلي ، مطبعة دار إحياء التراث العربي في لبنان ، الطبعة الأولى 1419هـ.

3- [أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعاً إثباتها بالحساب الفلكي] للشيخ أحـمـد شـاكـر – رحمه الله – ، مطبعة ابن تيمية في القاهرة ، الطبعة الثانية 1407هـ

4- [البحر الرائق شرح كنز الدقائق] لزين الدين بن إبراهيم بن محمد المعروف بابن نجيم المصري الحنفي ، تحقيق : زكريا عميرات ، مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، الطبعة الأولى 1418هـ.

5- [بداية المجتهد ونهاية المقتصد] لأبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ، تحقيق : ماجد الحموي ، مطبعة دار ابن حزم ، الطبعة الأولى 1416هـ.

6- [تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير] للحافظ ابن حجر ، تحقيق : السيد عبد الله هاشم اليماني المدني ، مطبعة دار المعرفة في لبنان ، الطبعة الأولى 1406هـ.

7- [تهذيب الكمال في أسماء الرجال] لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي ، تحقيق : الدكتور بشار عواد معروف ، مطبعة مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1422هـ.

8- [جامع البيان عن تأويل آي القرآن] للإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ، مطبعة دار الأعلام في الأردن ، ومطبعة دار ابن حزم في لبنان ، الطبعة الأولى 1423هـ.

9- [الجامع لأحكام القرآن] لأبي عبد الله محمد بن أحمـد الأنصاري القـرطبي ، تحـقـيق : عبد الرزاق المهدي ، مطبعة دار الكتاب العربي في لبنان ، الطبعة الرابعة 1422هـ.

10- [حاشية الخرشي على مختصر سيدي خليل] لمحمد بن عبد الله الخرشي ، تحقيق : زكريا عميرات ، مطبعة دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى 1417هـ.

11- [الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي] لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري ، تحقيق : علي محمد معوض ، وعادل أحمد عبد الموجود ، مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، طبعة عام 1419هـ.

12- [دورتا الشمس والقمر وتعيين أوائل الشهور العربية باستعمال الحساب] للدكتور حسين كمال الدين ، مطبعة دار الفكر العربية في مصر ، طبعة عام 1416هـ.

13- [رد المختار على الدر المختار] ، [حاشية ابن عابدين على الشيخ علاء الدين محمد عـلي المصكـفي لمتن تنوير الإبصار] للـشيخ شـمـس الدين النمـرتاشي ، تحـقـيـق : عـبـد المجيد طعمه حلبي ، مطبعة دار المعرفة في لبنان ، الطبعة الأولى 1420هـ.

14- [روضة الطالبين] ليحيى بن شرف النووي ، تحقيق : عادل أحمد عبد الموجود ، وعلي محمد معوض ، مطبعة دار عالم الكتب ، طبعة عام 1423هـ.

15- [سنن ابن ماجه] لأبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني الشهير بابن ماجه ، مطبعة دار إحياء التراث العربي في لبنان.

16- [سنن أبي داود] لأبي داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير الأزدي السجستاني ، مطبعة دار أحياء التراث العربي في لبنان.

17- [سنن الترمذي] للأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي البوغي الترمذي ، مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، طبعة عام 1994م.

18- [سنن الدار قطني] لعلي بن عمر الدار قطني ، مع [التعليق المغني على الدار قطني] لأبي الطيب محمد آبادي ، مطبعة عالم الكتب ، الطبعة الثالثة 1413هـ.

19- [السنن الكبرى] لأبي بكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي ، تحقيق : محمد عبد القادر عطا ، مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، الطبعة الثالثة 1424هأ.

20- [سنن النسائي – المجتبى –] لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الشهير بالنسائي ، مطبعة دار الفكر.

21- [سير أعلام النبلاء] للإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي ، تحقيق : شعيب الأرنؤوط ، مطبعة مؤسسة الرسالة ، الطبعة الحادية عشرة 1422هـ.

22- [الشرح الممتع على زاد المستقنع] لفضيلة الشيخ العلامة : محمد بن صالح العـثيـمين – رحمه الله – ، مطبعة دار ابن الجوزي ، الطبعة الأولى 1424هـ.

23- [صحيح أبي داود] للإمام محمد ناصر الدين الألباني ، مطبعة مكتبة المعارف للنشر والتوزيع في الرياض ، الطبعة الثانية 1421هـ.

24- [صحيح البخاري] لمحمد بن إسماعيل البخاري ، مطبعة دار إحياء التراث العربي في لبنان.

25- [صحيح مسلم] لأبي الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري , مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، طبعة عام 1992م.

26- [ضعيف أبي داود] للإمام محمد ناصر الدين الألباني ، مطبعة مكتبة المعارف للنشر والتوزيع في الرياض ، الطبعة الثانية 1421هـ.

27- [ضياء السالك إلى أوضح المسالك] لمحمد عبد العزيز النجار ، مـطبعـة مؤسسة الرسالة ، الطبعة الأولى 1420هـ.

28- [عـلم الفـلك] للدكتور يحيى شامي ، مـطبعة دار الفكر العـربي في لبنان ، الطـبعة الأولى 1417هـ.

29- [العلم المنشور في إثبات الشهور] لعلي بن عبد الكافي السبكي ، مطبعة مكتبة الإمام الشافعي في الرياض ، الطبعة الثانية 1410هـ.

30- [فتاوى السبكي] للإمام أبي الحسن تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ، مطبعة دار المعرفة في لبنان.

31- [الفتاوى الهندية] المعروفة بـ[الفتاوى العالمكيرية في مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان] للهمام مولانا الشيخ نِظام ، تحقيق : عبد اللطيف حسن عبد الرحمن ، مطبعة دار الكتب العلمية في لبنان ، الطبعة الأولى 1421هـ.

32- [فتح الباري شرح صحيح البخاري] للإمام الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ، مطبعة دار السلام في الرياض ، الطبعة الأولى 1421هـ.

33- [الفروق] لأبي العباس شهاب الدين أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المشهور بالقرافي ، بهامش الكتابين : [تهذيب الفروق] ، و [القواعد السنية في الأسرار الفقهية] ، مطبعة عالم الكتب في لبنان.

34- [الفلك العلمي] لعبد الكريم محمد نصر ، طبعة عام 1407هـ.

35- [لسان العرب] لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور ، مطبعة دار صادر في لبنان ، الطبعة الثالثة 1414هـ.

36- [مبادئ الكونيات] للأمين محمد أحمد كعورة ، مطبعة عالم الكتب في لبنان.

37- [المجموع شرح المهذب] للشيرازي ، للإمام أبي زكريا يحيى الدين بن شرف النووي ، تحقيق محمد نجيب المطيعي ، مطبعة دار إحياء التراث العربي في لبنان ، الطبعة الأولى 1421هـ.

38- [مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية] ، جمع وترتيب : عبد الرحمن بن قاسم العاصمي ، وساعده ابنه محمد ، طـُبع بأمر خادم الحـرمين الشـريـفـيـن الملك فهد ابن عبد العزيز ، إشراف الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين.

39- [مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله –] ، جمع وترتيب وإشراف د.محمد بن سعد الشويعر ، طـُبع تحت إشراف رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء ، الطبعة الثالثة 1423هـ.

40- [المدونة الكبرى] للإمام مالك بن أنس ، رواية سحنون ، مطبعة السعادة.

41- [مسائل في الفقه المقارن] تأليف : الدكتور عمر سليمان الأشقر ، والدكتور ماجد أبو رخية ، والدكتور محمد عثمان شبير ، والدكتور عبد الناصر أبو البصل ، مطبعة دار النفائس ، الطبعة الأولى 1416هـ.

42- [المستدرك على الصحيحين] لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم ، مطبعة دار المعرفة في لبنان ، الطبعة الأولى 1418هـ.

43- [مسند الإمام أحمد بن حنبل] للإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الوائلي ، مطبعة دار إحياء التراث العربي.

44- [معجم مقاييس اللغة] لأبي الحسين أحمد بن فارس ، تحقيق : عبد السلام محمد هارون ، مطبعة دار الجيل في لبنان ، الطبعة الثانية.

45- [المغني] لموفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ، تحقيق : الدكتور عبد الله عبد المحسن التركي ، والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو ، مطبعة دار عالم الكتب ، الطبعة الرابعة 1419هـ.

46- [الموسوعة الفقهية] ، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت ، مطبعة دار الصفوة ، الطبعة الأولى 1412هـ.

47- [الهداية شرح بداية المبتدئ] لبرهان الدين المرغيناني ، مع [نصب الراية تخريج أحاديث الهداية] لجمال الدين الزيلعي ، تحقيق : أيمن صالح شعبان ، طبعة دار الحديث في القاهرة ، الطبعة الأولى 1415هـ.



ثانياً : المجلات والصحف:
1- [صحيفة الجزيرة السعودية].

2- [مجلة الأزهر] ، الجزء الثامن ، السنة السبعون ، عدد شعبان 1418هـ.

3- [مجلة البحوث الإسلامية] عدد [27] ، عدد : ربيع الأول ، ربيع الآخر ، جمادى الأولى ، جمادى الآخر 1410هـ ، طبعة مطابع الشرق الأوسط.

4- [مجلة مجمع الفقه الإسلامي] ، الدورة الثالثة لمؤتمر الفقه الإسلامي ، العدد الثالث : 1408هـ.


ثالثاً : المواقع الإلكترونية :
1- موقع [الإسلام اليوم] ، وهو على العنوان التالي :
www.islamtoday.net (http://www.islamtoday.net)






انتهى البحث الأول


ويليه البحث الثاني

طالب الحور
08/10/2007, 10:52 PM
البحث الثاني




الحساب الفلكي بين القطعية والاضطراب




الدكتور محمد بن صبيان الجهني


قسم الهندسة النووية ـ جامعة الملك عبد العزيز







بسم الله الرحمن الرحيم


لقد طال الحديث عن الحساب الفلكي وحجة الأخذ به لدخول الأشهر القمرية خصوصا شهر رمضان المبارك وشهر ذي الحجة واختلف جماعة من أهل العلم حول هذا الأمر اختلافا كبيرا فكانوا فريقين, فريق يرى وجوب الأخذ بالحساب وذلك لدقته المتناهية الضبط وأنه سوف يرفع الحرج عن المسلمين وتكلفهم تحري الأهلة وقد انقسم هذا الفريق إلى أقسام كثيرة, وفريق آخر يرى عدم جواز الأخذ بالحساب الفلكي جملة وتفصيلا وله حججه في ذلك.

خلاصة حجج القائلين بالحساب الفلكي:
1. الرؤية ظنية والشهود ليسوا معصومين من والحساب الفلكي الحديث قطعي و نسبة احتمال الخطأ في تقديراته (1- 100000) في الثانية(1).
2. الحساب الفلكي يخرج الأمة من مشكلة إثبات الهلال والفوضى التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ الفرق كما حصل في بعض الأعوام ثلاثة أيام(2).
3. هدف الحديث "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له" وهو أن يصوموا رمضان كله، ولا يضيعوا يومًا منه، أو يصوموا يومًا من شهر غيره، كشعبان أو شوال(1).
4. الرؤية ليست عبادة في ذاتها ولكنها الوسيلة الممكنة الميسورة إذ ذاك وذلك بسبب أمية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والعرب بالحساب الفلكي (2).
5. إن السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، أمرٌ مطلوب دائما، ولكن الذي يجب تأكيده وعدم التفريط فيه بحال، هو: أننا إذا لم نصل إلى الوحدة الكلية العامة بين أقطار المسلمين في أنحاء العالم، فعلى الأقل يجب أن نحرص على الوحدة الجزئية الخاصة في القطر الواحد (2).
6. إن النص إذا ورد بعلة جاءت معه من مصدره فإنه يكون للعلة تأثيرها وارتباط الحكم بها وجودا وعدما ولو كان الموضوع من صميم العبادات. فقد علل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب(2). وحديث "إنا أمة امية" لا حجة فيه؛ لأنه يتحدث عن حال الأمة، ووصفها عند بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
7. لقد أثبت الحديث دخول الشهر بخبر واحد أو اثنين يدعيان رؤية الهلال بالعين المجردة، حيث كانت هي الوسيلة الممكنة والملائمة لمستوى الأمة، فكيف يتصور أن يرفض وسيلة لا يتطرق إليها الخطأ أو الوهم، أو الكذب، وسيلة بلغت درجة اليقين والقطع، وتزيل الخلاف الدائم والمتفاوت في الصوم والإفطار والأعياد، إلى مدى ثلاثة أيام تكون فرقا بين بلد وآخر، وهو ما لا يعقل ولا يقبل لا بمنطق العلم، ولا بمنطق الدين، ومن المقطوع به أن أحدها هو الصواب(1).
8. الأخذ على الأقل في النفي لا في الإثبات، ومعنى الأخذ بالحساب في النفي أن نظل على إثبات الهلال بالرؤية وفقا لرأي الأكثرين من أهل الفقه في عصرنا(1).
أقول بعد رجاء الله وطلبه العون والسداد إني لا أختلف مع من يقول إن الرؤية وسيلة لثبوت الدخول في شهر رمضان والخروج منه ولكن الأصل في الوسائل أن تكون متكافئة في الإيصال إلى المقصد الشرعي أو أن تكون إحداها تؤدي إلى ذلك المقصد في طريقة أكمل . وحتى أبين هذه القضية لأنها محور من محاور الخلاف بين القائلين بالحساب والمعارضين له, نحن نعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر بتحري القبلة عند الصلاة وما ناط هذا التحري برؤية هلال أو شمس ولكن العقل ناطه بالجهات الأربع قديما والجهات الست حديثا. ومما لا يشك فيه أن تحري القبلة عن طريق الجهات وسيلة للوصول إلى مقصد شرعي وهو التوجه إلى القبلة عند أداء الصلاة ومما لايشك فيه أن تحري القبلة عن طريق الجهات غير مضمون من الخطأ وانحرافه المعياري كما نقول في علم الإحصاء غير قليل. ثم جاءت بعد ذلك وسيلة ذات دقة عالية وهي البوصلة و معلوم أن انحرافها المعياري أقل بكثير من الانحراف المعياري عند تحري القبلة عن طريق الجهات. ومما لاينكر أن الوسيلتين متكافئتان من حيث الوصول إلى المقصد الشرعي ولكن البوصلة أكمل من الوسيلة الأولى فالأولى استخدامها عند تيسرها وعدم التعويل على العقل لاحتمال خطائه.

والمثال الآخر هو مواقيت الصلاة والتي ناطها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بمواقيت يعرفها الناس من شروق وغروب وشفق وغسق وظل ومما لايختلف عليه أحد أن هذه وسائل تؤدي إلى مقصد شرعي وهو الصلاة في أوقاتها فلما وجدت التقاويم المبنية على الحساب الفلكي خرجت لنا بوسيلة تؤدي إلى المقصد الشرعي ذاته وجاءت موافقة للوسيلة الأولى المعتمدة على الشروق والغروب والشفق والغسق والظل. ثم إن هذه الوسيلة الجديدة المعتمدة على الحساب رفعت عن الناس الحرج في تحري أوقات الصلاة حتى أصبح المؤذن يذهب إلى المسجد معتمدا على ساعة فلكية غير ملتفت إلى شفق وشروق وغروب وغسق وظل.
ولا خلاف بين أهل العلم أن الوسيلة الأخرى المعتمدة على الساعة الفلكية أدت إلى المقصد الشرعي في طريقة أشمل من الوسيلة الأولى من غير مشقة ورفعت الحرج عن الأمة في تحري مواقيت الصلاة.
والسؤال الذي نطرحه, هل الحساب الفلكي وسيلة تؤدي إلى ذات المقصد في طريقة أوفى من الرؤية البصرية من غير خلل واضطراب؟. إن كان الأمر كذلك قلنا إن الحساب الفلكي وسيلة تؤدي إلى المقصد الشرعي الذي تؤدي إليه الرؤية البصرية في طريقة أوفى من الرؤية البصرية والأولى استخدامه عند تيسره.
وقبل الخوض في هذه المسألة أوكد أنه لاخلاف بين علماء الفلك في أن الحساب الفلكي في غاية الضبط وأن الاقتران يحسب بدقة عالية تصل إلى جزء من الثانية وذلك يعتمد على عدد العوامل المأخوذة في برنامج الحساب. وقد تعرض لهذه المسألة وغيرها الدكتور الفاضل محمد بن بخيت المالكي(3).
وكما أسلفنا من قبل أن القائلين بالحساب الفلكي قد انقسموا إلى اقسام كثيرة نوجزها ههنا.
الفريق الأول يرى أنه متى كانت ولادة الهلال في أي وقت من بعد الفجر إلى قبل الفجر الذي يليه فإنه يجب على المسلمين صيام اليوم الذي يلي الفجر الثاني وحجتهم أن الهلال موجود في السماء بعد ولادته لأن العلم اليقيني الثابت يثبت وجوده والعبرة بالوجود الفلكي لا الرؤية الخاطئة وهذا ماتسير عليه الجماهيرية الليبية.
الفريق الثاني أراد أن يوفق بين الرؤية والحساب فاشترط أن تكون ولادة الهلال قبل الغروب ولو بوقت قصير جدا فمتى كان ذلك وجب على الناس عقد نية الصيام وحجتهم أن اليوم الإسلامي يبدأ بعد غروب الشمس.
الفريق الثالث أراد أن يكون أكثر توفيقا بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي فاشترط إمكان الرؤية لثبوت دخول الشهر وهذا يعني أن الهلال لابد أن يكون مولودا قبل الغروب بوقت اختلف فيه الفلكيون حتى تتمكن العين أو التلسكوب من رؤيته. ومن أجل بيان هذا الاختلاف نوجز بعضا من شروطهم وطرقهم:
1- أنه لايمكن أن يرى الهلال قبل 13 ساعة من ولادته وذلك أن المسافة الزاوية بين القمر والشمس من مركز الأرض لابد أن تكون أكثر من 7 درجات ومتى كانت أقل من ذلك فإنه لن يكون هنالك جزء مضيئ من القمر ولن تتمكن العين من رؤية الهلال وهذا مايسمى ب (تأثير أو حد دانجون). وهذا ماجعل مؤتمر المسلمين الفلكيين والذي أقيم في استنبول يوصي بأنه يجب أن تكون الزاوية أكثر من 8 درجات من أجل إمكان رؤية الهلال. وحتى نفسر ذلك, نحن نعلم أن مدار القمر بيضاوي ولكن دعونا نفرضه دأئريا. فمتى علمنا أن متوسط الشهور القمرية هو 29.53 يوما والقمر يدور 360 درجة في 29.53 يوماx 24 ساعة= 708.72 ساعة أي أننا سوف نحصل على 1.96 ساعة لكل درجة وبعد ضرب هذا الرقم ب 8 درجات والتي أوصى بها المؤتمر نحصل على عمر للهلال يساوي 15.75 ساعة وهذا رقم مقارب جدا لثاني رقم قياسي لعمر هلال رؤِي بالعين (15.4 ساعة).
2- حسب السجل المنشور للرؤية بالعين الباصرة, لم ير أحد الهلال قبل 15.4 ساعة من وقت ولادته مع أن محاولة الرؤية قد حدثت في 14 سبتمبر 1871 م وكان الانفصال الزاوي 9.3 درجة. كان هذا في القرن الماضي عندما كان التلوث الجوي والضوئي غير موجودين. ويقول المقال إنه لايمكن الآن رؤية مثل ذلك الهلال بالعين الباصرة. وقبل وقت قريب رؤي هلال كان انفصاله الزاوي 10.5 درجة والذي يقارب 17 إلى 21 ساعة من عمره. كما أن الدراسة تقول إن هذا لايعني أن كل هلال يمكن أن يرى إذا كان عمره بين 17 إلى 20 ساعة.
3- العلم الفلكي يستطيع أن يعطي وقتا مقاربا لإمكان رؤية الهلال بالعين والمنظار والتلسكوب ولكنه لايستطيع أن يعطي إجابة دقيقية لوجود عدد من العوامل التي تؤثر على الرؤية.
4- الزمن الذي يمر بعد ولادة الهلال الجديد يسمى عمر الهلال ولكن عمر الهلال لايعتبر معيارا لإمكان رؤيته وذلك لأن مدار القمر بيضاوي ويسير القمر بسرعة أعلى, عندما يكون قريبا من الأرض, وابطأ عندما يكون بعيدا عن الأرض. فعندما يكون الهلال سريعا يمكن أن يرى وعمره ( 17 ساعة) وعندما يكون بطيئا يرى وعمره (23 ساعة).
5- إن أصغر هلال رؤي من خلال منظار كان عمره 13.47 ساعة كما ان أصغر هلال رؤي بالعين الباصرة كان عمره 15.4 ساعة .
6- إن أوثق رؤية بالعين حدثت بعد 17.2 ساعة وبعد 15.5 ساعة بالتلسكوب من ولادة الهلال علما بأنه في بعض الفصول لا تحصل الرؤية إلا بعد 24 ساعة.
7- يقول إلياس, العالم المسلم الماليزي إنه تستحيل رؤِية الهلال إذا كان عمره أقل من 17 ساعة
8- يجب أن يكون ارتفاع القمر فوق الأفق عند الغروب, 5 درجات أو أكثر وفي حالات نادرة بين 2 إلى 5 درجات.
9- طريقة جديدة مختلفة أسسها بروين قامت على 76 رؤية في أثينا وقد اعتمد على وضوح القمر والشمس وغير ذلك.
10- خطوط الوقت مثل منحنيات الشمال الغربي والجنوب الغربي والتي اقترحها إلياس وخطوط أخرى اقترحها شيفر من ناسا وكذلك طرق أخرى مؤلفة من عناصر مختلفة.
الفريق الرابع اشترط للدخول في الشهر والخروج منه الرؤية البصرية حتى لو كانت ولادة الهلال قبل الغروب بقليل غير ملتفت إلى نزاع الفلكيين حول إمكان رؤية الهلال والتي اشترطها الفريق الثالث ولكن هذا الفريق اشترط شرطا آخر وهو أن لاتقبل شهادة من قال برؤية الهلال متى كانت ولادته بعد الغروب لاستحالة الرؤية بالعين الباصرة وحجة هذا الفريق أن قدرة الله لايمكن حصرها وربما يؤتي أحدا من خلقه قدرة بصرية نافذة تستطيع أن ترى الهلال ولو كانت ولادته قبل الغروب بقليل جدا. أما حجتهم في عدم قبول الشهادة إذا كانت الولادة بعد الغروب فهي استحالة الرؤية. والشخص الذي رأى الهلال متوهم أو كاذب.
من خلال ماسبق يظهر لي أن الفريق الثالث اختلف اختلافا كبيرا ويستحيل إجماعه على رأي واحد ووقع في تناقض كبير في محاولته للجمع بين النصوص الشرعية والحساب الفلكي وذلك لأسباب منها:
- عندما اختلفوا على وقت الولادة ومدة بقاء الهلال بعد الغروب وارتفاعه حتى تتمكن العين من رؤيته, جعلوا الحساب الفلكي اليقيني ظنيا ثم جمعوا بينه وبين الرؤية البصرية الظنية. ومما هو معروف أن جمع الظني مع الظني يزيد الظنية (على فرض ولادة الهلال). وحتى لا تلتبس هذه القضية على الفقهاء فإن جمع الظني مع الظني هنا ليس كجمع النصوص الشرعية الظنية التي يعضد بعضها بعضا لكي تكون أقرب إلى اليقين منها إلى الظن.
- ثم لو أنهم اتفقوا على وقت الولادة وغيرها حتى تتمكن العين من رؤيته لما زادوا عن جمع يقيني وظني وهذا يدل على أن وسيلة الحساب الفلكي غير كافية للوصول إلى المقصد الشرعي وحدها ولابد لها من التعويل على وسيلة الرؤية البصرية. والذي لايختلف عليه أيضا أن اليقيني مستغن عن الظني وأي محاولة للجمع بينهما تجعل الرؤية ظنية بنفس مقدار ظنينتها التي كانت عليها (على فرض ولادة الهلال).
- وهناك مطاعن أخرى أعظم خطرا مما بسطناه هنا أتركها إلى حين الحاجة إلى عرضها ذلك أنها تبين اضطراب حجج جميع القائلين بالحساب.
ويتبين لنا أن احتجاج الفريق الثالث لا يمكن الأخذ به لاضطرابه واختلاف الفلكيين حوله ولا يمكن أن تجتمع الأمة على مضطرب كما أنه لا يجوز لوسيلة يقينية أن تعول على وسيلة ظنية ولذلك أصبح الحساب قاصرا عن تحقيق المقصد الشرعي وحده فاحتاج إلى إمكان الرؤية فأصبح وسيلة يلغيها المنطق السليم.
وأعود الآن إلى الفريق الثاني والذي يرى أنه متى حصلت ولادة الهلال قبل المغرب ولو بوقت قليل فإنه تجب مباشرة الصوم بعد الفجر, ومع أن هذا الفريق أصاب من ناحية أنه لم يقع في الاضطراب الذي وقع فيه الفريق الثالث كما أن القائلين بهذا القول غير مختلفين حوله ذلك أنهم لم يشترطوا الرؤية بالعين أو غيرها وشرطهم الوحيد أن تكون ولادة الهلال قبل المغرب فقط أما وجه خطائهم فهو اصطدامهم بنصوص شرعية منها قوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" ومنها قوله –صلى الله عليه وسلم- "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وقوله "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه" وقوله "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا". فإن قالو إن الرؤية ثبتت لدينا يقينا من خلال ولادة الهلال حسابيا قبل الغروب (وهذا قولهم) ونعتبرها بمثابة الرؤية البصرية قلنا إن الرؤية قد تثبت يقينا بالحساب بعد المغرب والعبرة بثبوت الولادة الفلكية عندكم والتي اعتبرتموها وسيلة بدلا من الرؤية البصرية.
ونقول لهم أيضا إن الحساب الفلكي في غاية الضبط والبعد عن الخلل فلا يجوز أن نستخدمه وهو في غاية ضبطه وبعده عن الخلل عندما يوافق ما ندعوا إليه ونطرحه عندما يخالف ذلك. ولا نختلف معكم وقد جعلتم من ضمن أهدافكم (وهو هدف نبيل) أن نصوم رمضان ولا نفرط في شئ منه وادعيتم أن الحساب الفلكي قطعي الثبوت ويمكن حساب الاقتران بنسبة خطأ لا تتجاوز 1-100000 من الثانية. ومن أجل ذلك أردتم أن نتعبد الله سبحانه وتعالى بالثانية والدقيقة فلماذا لا تعتبرون ولادة الهلال متى حصلت بالليل بعد الغروب والعبرة عندكم بالولادة الفلكية؟. إن هذا اضطراب لا يمكن قبوله ممن ينادي بالحساب الفلكي لدقته و ضبطه ويضيع يوما من رمضان وربما صام يوما آخر من شوال يقينا عامدا متعمدا غير ملتفت إلى الدقة والضبط الذي يطالب الآخرين به.
أما الفريق الأول فكان أكثر ضبطا من الفريق الثاني من ناحية وأكثر اضطرابا من ناحية أخرى ذلك أنه يوجب الصوم حتى لو ولد الهلال بعد المغرب. ولئن كان هذا الفريق أقل تفريطا في شهر رمضان من غيره إلا أنه وقع في اصطدام أيضا مع الدليل "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". ومما لا شك فيه أن هذا الفريق والفريق الثاني أول الرؤية في النصوص من رؤية بالعين إلى رؤية بالحساب او العلم. ثم لو قلنا بصحة هذا التأويل فإن الحديث يأمر بالصيام بعد مباشرة الرؤية وناط الصيام بها فلو حصلت الرؤية العلمية (الحسابية) في الليل وجب على الناس الصيام بعد فجر تلك الليلة ولو حصلت الرؤية العلمية (الحسابية) في النهار وجب على الناس الإمساك عن الصيام حينئذ وإلا لفرط الناس بجزء من رمضان عمدا لأن الحساب يقيني.
والاضطراب عند هذين الفريقين هو أن الشهر القمري عند الفلكيين يقصر فيصل إلى 29 يوما و 6 ساعات و 35 دقيقة ويطول فيصل إلى 29 يوما و19 ساعة و 55 دقيقة ومتوسطه 29 يوما و12 ساعة و 44 دقيقة. وهذا اصطدام مع النص النبوي القائل بأن الشهر إما 29 يوما أو 30 يوما. ووجه الاصطدام أن الاقتران يمكن أن يحدث في أي لحظة عند نهاية الشهر فلو حصل الاقتران عند الساعة السابعة صباحا بعد الفجر في مدينة ما واعتبرنا لحظة الاقتران أو مابعدها بقليل بداية لشهر رمضان ولو اعتبرنا ايضا أن هذا الفريق جمع بين النصوص النبوية الآمرة بالشروع في الصيام والفطر بعد الرؤية لوجب على الناس الإمساك أو الفطر بعد الرؤية الفلكية متى حصلت في النهار. فلو كان الشهر قصيرا فلا بد أن يفطر الناس بعد 29 يوما و 6 ساعات و35 دقيقة أي في الساعة الواحدة و35 دقيقة وبهذا يكون صيام الناس 27 يوما كاملة ويومين غير كاملين وهذا مخالف لصريح قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "الشهر هكذا وهكذا..." أي 29 يوما أو 30 يوما. ومن ثم يتوضح أن هذه وسيلة لا تؤدي إلى المقصد الشرعي لاصطدامها مع النص الشرعي واضطرابها.
ثم إن الله سبحانه وتعالى تعبدنا بغالب الظن ولم يتعبدنا باليقين فإن أبينا إلا اليقين فلا بد أن نتبع اليقين في صيامنا وفطرنا فنمسك ونفطر بعد الرؤية الحسابية حتى لو حصلت في النهار.
فإن قال قائل نجبر هذا الكسر في الشهر فإن حصلت رؤية رمضان الحسابية, على سبيل التمثيل, في الساعة الثامنة صباحا نمسك من بعد فجر ذلك اليوم وإن حصلت رؤية هلال شوال الحسابية الساعة الرابعة بعد الظهر نتم ذلك اليوم قلنا له عدنا إلى الظن مرة أخرى ويجوز لنا بعد ذلك أن نختلف حول هذا الجبر متى يكون سلبا ومتى يكون إيجابا حتى يصبح مرة 29 يوما ومرة 30 يوما.
أما الفريق الرابع الذي يرى أنه إذا نفى الحساب إمكان الرؤية، وقال: إنها غير ممكنة، لأن الهلال لم يولد أصلا في أي مكان من العالم الإسلامي ـ كان الواجب ألا تقبل شهادة الشهود بحال؛ لأن الواقع ـ الذي أثبته العلم الرياضي القطعي ـ يكذبهم(1)
ونسأل هذا الفريق عن الحساب الذي ينفي هذه الشهادة هل هو الحساب المختلف اختلافا كبيرا على إمكان الرؤية واشترط لها شروطا لم يتفق عليها العلماء وأحال إمكان الرؤية من اليقين إلى الظن أم أنه الحساب الذي يدعو إليه الشيخ ابن منيع ويقبل الشهادة حتى لو كانت الولادة قبل الغروب بوقت قصير لم يحدده مع مخالفة جميع العلماء له حول إمكان الرؤية إذ تستحيل الرؤية متى ولد الهلال قبل المغرب بوقت قصير.
والسؤال الذي نسأله فضيلة الشيخ ابن منيع هو كيف تقبل شهادة الشهود والتي يردها العلم القطعي وأنت الذي تردها عندما يردها العلم القطعي؟.
الاضطراب المشترك عند جميع القائلين بالحساب
نحن نعلم أن ولادة الهلال في كل شهر قمري قطعية ولا تقبل الشك عند أحد سواء أكان عالما بالحساب أم غير عالم به وولادة الهلال تكون في وقت محدد. ومما هو معلوم أن مدينة الدمام تقع على الساحل الشرقي للملكة وتقع على خط طول 50.1 درجة وخط عرض 26.1 درجة ويقابلها من الجهة الغربية مدينة الوجه وتقع على الساحل الغربي من المملكة على خط طول 36.4 درجة وخط عرض 26.2 درجة أي على نفس خط عرض الدمام. ففي يوم 21 مارس و 21 سبتمبر يكون الاعتدال (الليل يساوي النهار) في هاتين المدينتين. ففي يوم 21 مارس لعام 1425هـ ,على سبيل التمثيل, يكون الفجر في مدينة الدمام في الساعة 4.28 والشروق في الساعة 5.49 والمغرب في الساعة 5.49 وفي مدينة الوجه يكون الفجر في الساعة 5.22 والشروق في الساعة 6.43 والمغرب في الساعة 6.43 ويكون الفرق بين المغرب في الدمام والمغرب في الوجه 54 دقيقة كما أن الفرق بين الفجرين في المدينتين 54 دقيقة أيضا. ومتى علمنا أن ولادة الهلال قطعية في كل شهر قمري فإن احتمال ولادة الهلال في المملكة على هذا الخط بين مغربي الدمام والوجه أو فجري الدمام والوجه هو 3.75%. ولا بد أن تكون مدينة بين هاتين المدينتين يولد فيها الهلال وقت المغرب أو الفجر تماما بين مغربي أو فجري الدمام والوجه.
والآن نقول للفريق الأول الذي يرى وجوب الصيام متى ولد الهلال قبل الفجر ولو بدقيقة أو ثانية واحدة, إن ذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة التى ولد بها الهلال وقت أذان الفجر ألا يصوم لأن هلاله ولد بعد فجره ويوجب على من كان غربي تلك المدينة أن يصوم لأن هلاله ولد قبل الفجر وبذلك ينقسم أهل الدولة الواحدة إلى نصفين نصف يجب عليه الصيام ونصف لا يجب عليه الصيام. بل أقول إن دقة الحساب الفلكي المتناهية سوف تجعل مدينتين لا يفصل بينهما إلا شارع صغير إحداهما تصوم والأخرى لا تصوم وربما تجاوز الأمر ذلك فيبلغ بيتين متجاورين بل بيتا واحدا فمن كان في شرقه لا يصوم ومن كان في غربه يصوم.
كما أن ما ذكرناه حيال الفريق الأول ينطبق على الفريق الثاني ذلك أن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين مغربي الدمام و الوجه هو أيضا 3.75%. ونقول للفريق الثاني أنه متى ولد الهلال على خط عرض الدمام والوجه بين وقتي مغربيهما فلابد أن تكون مدينة بينهما على خط العرض يولد فيها الهلال وقت أذان المغرب وذلك يوجب على من كان شرقي تلك المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام.
كما أن ما قلناه ينطبق على الفريق الثالث بجميع فئاته. ولو جازللفريق الثالث أن يجتمع على رأي واحد وقال حتى نستطيع ان نرى الهلال لابد أن يولد قبل المغرب ب 10 ساعات. نقول له أيضا ماقلناه للفريق الأول والثاني إن احتمال ولادة الهلال على خط عرض الدمام والوجه قبل 10 ساعات بين مغرب الدمام ومغرب الوجه هو نفسه 3.75%. ولا بد من ولادة الهلال قبل 10 ساعات من أذان المغرب تماما في مدينة تقع بين الدمام والوجه وذلك يوجب على من كان شرقي هذه المدينة الفطر ويوجب على من كان غربيها الصيام.
ثم إن ماقلناه أيضا ينطبق على الفريق الرابع والذي يقول بالنفي دون الإثبات.
واسأل فضيلة الشيخ عبدالله بن منيع لو جاءه شخص وادعى أنه راى الهلال في مكان يقع شرقي المدينة التي ولد بها الهلال وقت أذان المغرب هل يقبل شهادته علما بأن الهلال ولد في المكان الذي أدعى الشهادة فيه بعد المغرب؟.
ولو جاءه أربعة شهود, شاهدان من المدينة التي تقع شرقي المدينة التي ولد بها الهلال وقت أذان المغرب وشاهدان من المدينة التي تقع غربيها, هل يقبل شهادة هؤلاء ويرد شهادة أولئك؟ ومتى قبل شهادة من كان غرب تلك المدينة هل يقول بصوم من رد شهادتهم على أنهم جميعا من بلاد واحدة. ثم لو ولد الهلال في مدينة الوجه قبل الغروب بدقيقة, هل يصوم الأكثرون الذين لايجب عليهم الصوم ممن هم شرق الوجه مع الأقلين من أهل الوجه؟.
وما سبق من الكلام ينطبق على كل بلاد ويزداد احتمال ولادة الهلال في البلاد العريضة فلو أخذنا مدينتين إحداهما على الساحل الشرقي (مدينة سنت جونز والتي تقع على خط عرض 47.5 درجة) في كندا والأخرى على الساحل الغربي (مدينة فانكوفر والتي تقع على خط عرض49.2 درجة ) لوجدنا أن احتمال ولادة الهلال بين مغربي المدينتين هو 19% وهذا احتمال غير قليل ولن تخلو بلاد من هذا الاضطراب في كل شهر.
وحتى أبين هذه المسألة, أقول إنه لو فرضنا نسبة الخطأ في الحساب نصف ثانية ( ± نصف ثانية). فمتى علمنا أن المسافة بين الدمام والوجه هي 1396 كم والفرق بين فجريهما ومغربيهما هو 54 دقيقة (3240 ثانية). فلو قسمنا 1396 كم على 3240 ثانية فسوف نحصل على 430.9 م لكل ثانية أي أنه عندما تكون المسافة بين مدينتين 430.9 م فسوف يكون الفرق بين مغربي أو فجري المدينتين ثانية واحدة. فمتى فرضنا نسبة الخطأ بالحساب الفلكي نصف ثانية فإن المدينة التي يولد في منتصفها الهلال وقت المغرب أو الفجر سوف يقع جزء من شرقها (430.9 م عندما نقسمها إلى قسمين) ويساوي 215.45 م وجزء من غربها ويساوي 215.45 م ضمن نصف ثانية من الخطأ في الحساب الفلكي و هذه منطقة شك. وهذا يعني أن كل من كان شرقي منطقة الشك لايجب عليه الصوم ومن كان غربيها يجب عليه الصوم. أما مدينة الشك فتقع ضمن الخطأ في الحساب الفلكي ولا ندري أيجب عليها الصوم أم لايجب؟. ومن هنا ندرك أن الحساب الفلكي يقسم مدينة واحدة إلى ثلاثة أقسام, قسم يجب عليه الصوم وقسم لايجب عليه وقسم يشك في صيامه.
ثم لو قلنا إن في الحساب الفلكي 1-100000 من الثانية فإن منطقة الشك سوف تصبح 8.6 مم وهذه لاتقسم بيتا فحسب بل تقسم إنسانا فيصوم ماكان منه في الغرب ولا يصوم منه ماكان في الشرق!!.
كما أن الحساب سوف يجعل من بعضنا يصوم في بلاد والبعض يصوم بعده بيومين أو أكثر و سوف يجعلنا نفرط أحيانا بيومين أو أكثر من شهر رمضان المبارك ونضطر للدخول في يومين أو أكثر من شهر شوال وحتى أبين هذه المسالة أقول إنه لو أننا سرنا على رأي إلياس وفرضنا الشهر قصيرا, وولد الهلال في مدينة ما الساعة الثانية قبل الفجر, وغروب الشمس في تلك المدينة الساعة السادسة فسيصبح الفرق بين ولادة الهلال وغروب الشمس 16 ساعة. وسيفوت تلك البلاد 40 ساعة وتصوم 27 يوما و13 ساعة (من الليل وقليل من صباح يوم الثامن والعشرين) من رمضان. كما أن هلال شوال سوف يولد في اليوم التاسع والعشرين من ولادة هلال رمضان فلكيا في الساعة الثامنة و35 دقيقة صباحا أي قبل المغرب ب 9 ساعات و25 دقيقة تقريبا وهذا يخالف شرط إلياس ويكون الناس في ذلك اليوم الذي يولد فيه هلال شوال الساعة الثامنة و35 دقيقة قد دخلوا في اليوم ال 28 من صومهم ومما هو معلوم فلكيا أن اليوم الذي بعده يكون من شوال فإن صام الناس ذلك اليوم (على رأي إلياس) فقد صاموا يوما من شوال و9 ساعات و25 دقيقة متعمدين وتلك مخالفة لسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعصيان له وإن أفطروا فقد صاموا رمضان 28 يوما فقط متعمدين لعلمهم السابق بالحساب اليقيني. ولو كان الشهر متوسطا أي 29 يوما و12 ساعة و 55 دقيقة فسوف يفوتهم من رمضان 40 ساعة عامدين متعمدين ويولد هلال شوال في الساعة الثانية و55 دقيقة بعد الظهر ويكونون قد دخلوا في اليوم الثامن والعشرين من صيامهم فإن صاموا اليوم الذي بعده فهو أول يوم من شوال وهذه كالمخالفة الأولى. كما أن من اشترط للرؤية البصرية 24 ساعة أو أكثر فقد وقع في نفس الخلل والاضطراب وقد يفوته من رمضان 48 ساعة متعمدا وقد يصوم يومين من شوال متعمدا وبذلك سوف يؤدي الحساب الفلكي إلى فرق في الصيام بين المسلمين قد يتجاوز يومين. ومن اشترط للرؤية البصرية 10 ساعات أو أقل سوف يقع في نفس الاضطراب أيضا.
ونستطيع أن نطبق ماسبق على الفريق الذي يوجب الصيام متى ولد الهلال قبل الغروب ولو بثوان معدودة. فلو ولد الهلال في مدينة ما بعد الغروب بدقيقة واحدة وكان الغروب في تلك المدينة الساعة 6 مساء وبهذا فلن يصوم الناس يومهم التالي وسوف يفوتهم من رمضان 24 ساعة إلا دقيقة واحدة عامدين متعمدين ولو فرضنا شهر رمضان من الأشهر القمرية القصيرة فسيفوتهم 23.9833 ساعة من رمضان وسوف يصومون 702.5833-23.9833=678.6 ساعة وهذا يعني أن تلك البلاد سوف تصوم 28 يوما و 6.6 ساعة من ليلة 29. كما أن هلال شوال سوف يولد في ليلة 29 من ولادة هلال رمضان فلكيا وذلك في الساعة 12 و34 دقيقة بعد منتصف الليل ويكون الناس في تلك الليلة التي يولد فيها هلال شوال الساعة 12 و34 دقيقة قد صاموا 28 يوما و 12 ساعة و35 دقيقة من الليل ومما هو معلوم فلكيا أن ذلك اليوم من شوال فإن صام الناس ذلك اليوم فقد صاموا يوما من شوال عامدين متعمدين وتلك مخالفة لسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعصيان له وإن أفطروا فقد صاموا رمضان 28 يوما فقط عامدين متعمدين لعلمهم السابق بالحساب اليقيني.
ومن اضطراب الحساب الفلكي ايضا لدى أصحاب الفريقين الثالث والرابع, أنهم ربما أدخلوا يومين أو أكثر من شهر شعبان في رمضان ويومين أو أكثر من رمضان في شوال. فلو أننا سرنا على نظام إلياس وولد الهلال الساعة الثانية بعد الفجر فسوف يفوت الناس 40 ساعة من شهر رمضان ثم إن هلال شوال متى كان الشهر قصيرا سوف يولد في الساعة الثامنة و35 دقيقة صباحا أي قبل المغرب ب 9 ساعات و25 دقيقة تقريبا وهذا يخالف شرط إلياس ويكون الناس في ذلك اليوم الذي يولد فيه هلال شوال الساعة الثامنة و35 دقيقة قد دخلوا في اليوم ال 28 من صومهم ومما هو معلوم فلكيا أن اليوم الذي بعده يكون من شوال. ولو أنه غم عليهم في ليلة الثلاثين, فليس أمامهم إلا أن يسيروا مع النص "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغبي عليكم فأكملوا عِدَّةَ شعبان ثلاثين" أو يخالفوه. فإن ساروا مع النص وأكملوا عدة شعبان ثلاثين سوف يصومون في اليوم الرابع من رمضان ويكون قد فاتهم من رمضان 3 أيام (57 ساعة و25 دقيقة) وإن خالفوا النص فسوف يكون شعبان 28 يوما (على راي إلياس) ويكملونه بيوم من رمضان إضافة إلى مخالفة النص النبوي الكريم. ولن يقتصر الأمر على ذلك إن غم عليهم ليلة الثلاثين من رمضان فربما أدخلوا أربعة ايام من رمضان في شوال. كما أن الأمر لا يختلف كثيرا عند الفريق الرابع طال الشهر أو قصر.
واقول إن الذي يريد أن يرفع الحرج عن الأمة المسلمة بالحساب الفلكي كلفها بما لايطاق وذلك أنه يوجب على كل مسلم في البلاد المسلمة وغير المسلمة أن يكون معه جهاز قياس الإحداثيات (GPS) حتى يعرف إحداثياته على الكرة الأرضية ويوجب عليه أيضا أن يعلم متى يولد الهلال في مدينته بل في بيته. بل يوجب على كل شاهد أن يحمل هذا الجهاز معه حتى تقبل شهادته أو ترد.
وها نحن اثبتنا أن الحساب الفلكي لايمكن أن يكون وسيلة تؤدي إلى المقصد الشرعي بطريقة أوفى واكمل من الرؤية البصرية او التلسكوبية وذلك لاضطراب هذه الوسيلة اضطرابا شديدا لايمكنها من منافسة الوسيلة الظنية (الرؤية) وعندي أن الظني غير المضطرب مقدم على اليقيني المضطرب ذلك أن الظني مغتفر خطاؤه واليقيني غير مغتفر . وبعد هذا كله يجوز لنا أن نقول:
o كانت الأمة مجمعة على الرؤية البصرية لما يقرب من 14 قرنا وكان الخلاف بينها لا يتجاوز وحدة مطالع واختلاف مطالع وعدد شهود. أما اليوم فقد اختلفت الأمة على الحساب خلافا لم تختلفه من قبل فأصبحت شيعا وأحزابا لا يقبل بعضها قول بعض.
o إننا لم نحقق الوحدة المنشودة من الحساب الفلكي بل إن الحساب الفلكي زادنا تفرقا حتى أصبح لكل فلكي رأي في المسألة ولكل فقيه رأي ايضا. والحساب الفلكي يجعل من بعضنا يصوم اليوم والبعض يصوم بعده بيومين كما أن الحساب الفلكي أيضا يجعلنا نفرط أحيانا بيومين من شهر رمضان المبارك ونضطر للدخول في يوم أو أكثر من شهر شوال
o الحساب لن يخرج الأمة من مشكل إثبات الهلال والفوضى التي أصبحت مخجلة بل مذهلة حيث يبلغ الفرق كما حصل في بعض الأعوام ثلاثة أيام.
o هدف الحديث "صوموا لرؤيته ـ أي الهلال ـ وأفطروا لرؤيته، فإن غم عليكم فاقدروا له" هو أن يصوموا رمضان كله، ولا يضيعوا يومًا منه, لن يتحقق كما بينا سابقا.
o السعي إلى وحدة المسلمين في صيامهم وفطرهم، وسائر شعائرهم وشرائعهم، أمرٌ مطلوب دائما، ولكن الحسابات الفلكية لن تحقق الوحدتين الكلية والجزئية .
o الحساب الفلكي سوف يجعل فريقا من الناس يصوم اليوم على أنه من رمضان، ويفطر آخرون.
o الأخذ في النفي لا في الإثبات، يوقع الأمة في حرج كبير ولا يمكن أن يحل المشكل.
oلم يستطع الحساب الفلكي أن يخرج وسيلة واحدة أكمل من الرؤية البصرية وإنما خرج بعدة وسائل كل وسيلة تؤدي إلى مقصد مختلف. ثم إن الاختلاف المتباين بين الفقهاء والفلكيين حول الحساب الفلكي لأوضح دليل على اضطراب الحساب وعدم قدرته على أن يكون بديلا للرؤية البصرية.

إنني أرغب إلى فضيلة الشيخ القرضاوي لما له من كلمة مسموعة في بقاع العالم الإسلامي أن يراجع هذه القضية ونحن كما عهدناه أوابا إلى الحق فكم من فتوى وقول كان يقول به وعدل عنه لما رأى الصواب في غيره وهذه صفة لايهبها الله سبحانه وتعالى إلا لمن اصطفاهم من عباده.
ولي عتب شديد على الدكتور عبدالوهاب أبو سليمان والذي له عندنا مكانة عظيمة لما علمناه لديه من علم واسع واطلاع جم وخلق رفيع وتواضع غير متكلف, عندما التقته جريدة الوطن السعودية في عددها 1594 فقال إن "توفر وسائل التقنية الفلكية بين يدينا ثم إعراضنا عنها يدل على تخلفنا الفكري والعقلي" وأتعجب, كما تعجب, غيري كيف تصدر هذه الجملة من أصولي كبير درج على احترام النصوص النبوية واحترام قول المخالف؟. وأقول له حرسه الله, لو أن الله سبحانه وتعالى سأل الذي يقول بالرؤية البصرية لم أخذت بها فقال يارب تعبدتك بما فعله نبيك محمد –صلى الله عليه وسلم- غير متكلف للبحث عن علة وحساب فلكي أسوة بنبيك الذي أرسلت, أحسب أنه من المعذورين أمام الله سبحانه وتعالى. فهل يجوز لنا أن نصم جماعة من علماء الشريعة وعلماء الفلك بالتخلف الفكري والعقلي لأنهم لم يأخذوا بالحساب الفلكي؟.
وهنا سؤال أطرحه على العلماء والمجامع الفقهية وهو هل يجوز للفقيه أن يجتهد بعقل أو علم غيره؟. ومما لايخفى على أحد أن للمجتهد شروطا لا يوجد منها أنه يجوز له أن يجتهد بعقل أو علم غيره.
وأعيد السؤال حتى يكون واضحا, هل يجوز للعالم أن يستعين بعالم فيزيائي ثم يجتهد برأي ذلك العالم الفيزيائي ويصدر حكما شرعيا على ذلك الأمر الذي لم يستوعبه ولم يتصوره تصورا كاملا وصحيحا ولا يستطيع أن يدركه بالحس والتجربة وإنما يدرك بالعلم الفيزيائي وخير مثال على هذا الحساب الفلكي. أما الذي يمكن إدراكه بالحس والتجربة مثل مواقيت الصلاة واتجاه القبلة فنستثنيه من السؤال.
أحسب أن مناقشة هذا الأمر يجب أن تسبق مناقشة الحساب الفلكي وغيره من القضايا المتعلقة بالعلم المادي وإلا سوف تكون الأحكام مضطربة. وكان أحرى بأن ينتظر علماؤنا حتى يجمع الفلكيون على رأي واحد, في الأقل, من قبل الخروج على الأمة بحكم شرعي.
وخلاصة القول إن العلة الحقيقية التي منعت الحساب الفلكي من تحقيق وسيلة أكمل وأوفى من الرؤية البصرية هي أن الشهر القمري الفلكي لايمكن أن يكون 29 يوما او30 يوما كما بينا من قبل وإنما يقصر إلى 29 يوما و 6 ساعات و35 دقيقة ويطول إلى 29 يوما 19 ساعة و55 دقيقة ومهما حاول الحساب الفلكي أن يجبر أيام الشهر القصير والطويل وما بينهما سلبا أو إيجابا إلى 29 يوما أو30 يوما لموافقة قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلن يصل إلى ذلك إلا بوسيلة ظنية توقع الأمة المسلمة في خلل واضطراب وتشتت وتفريق وتجعل من أبناء البلاد الواحدة بل المدينة الواحدة يصوم بعضهم ويفطر الآخرون. ثم إن محاولة الجبر لهذه الأشهر لكي تصبح إما 29 يوما أو 30 يوما ليس لها معادلة ثابتة ذلك أن ولادة الهلال تحدث في أوقات مختلفة من كل شهر ولذلك أصبح جبر كسر الشهر القمري عند القائلين بالحساب متكلفا ومعتمدا على القياس والعقول المتفاوتة والتي خرجت بنا عن كل معقول ومنقول.
ثم إن العلة الحقيقية في ثبوت الرؤية البصرية وعدم اضطرابها تكمن في ظنيتها ذلك أنها تجبر كسر الشهر القمري جبرا ظنيا طبيعيا معتمدا على نص نبوي كريم غير متكلف فيه ولا مجال فيه لإعمال القياس والعقول. واضيف ايضا أن هذه الظنية هي التي تجعل من من أبناء البلد الواحد يصوم جميعهم ويفطر جميعهم في يوم واحد ولولاها لوجب على أهل الشرق في نفس البلد أن يفطروا وعلى أهل الغرب أن يصوموا.


مفهوم الأمة الأمية



وكما مر بنا من قبل فإن القائلين بالحساب الفلكي احتجوا بقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا..." فقالوا إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- علل "أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر ونهايته إلا رؤية الهلال الجديد، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين. وهذا ما فهمه شراح الحديث من هذا النص."2
والقائلون بهذا القول جعلوا من أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- أمتين, أمة أمية وأمة غير أمية. والسؤال الذي نطرحه الآن, هل كان الصحابة بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أميين؟ وهل ارتفعت الأمية عن المسلمين اليوم لأنهم أصبحوا يعرفون الحساب الفلكي؟. ثم نسال سؤالا آخر, هل يمكن أن يكون الخطاب في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- خاصا للأمة الأمية التي لاتعرف الحساب الفلكي؟ أما متى عرفت الحساب فيجوز لها تلغي هذا الحديث وتسقط اعتباره لأن المكلف به الأمة الأمية.
أقول وبالله التوفيق إن الأمي في معاجم اللغة كاللسان وغيره هو الذي لايكتب وتأتي بمعنى الذي على خلقة الأمة لم يتعلم الكتاب فهو على جبلته والأميون جمع أمي. ومعنى "إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب" أراد أنهم على أصل ولادة أمهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الأولى. ومعنى الحديث "بعثت إلى أمة أمية" قيل للعرب الأميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أوعديمة. وقيل لسيدنا محمد –صلى الله عليه وسلم- , الأمي لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب, وبعثه الله رسولا وهو لايكتب ولا يقرأ من كتاب.
أما معنى الأمة في معاجم اللغة فقد وردت لها معان مختلفة منها أن كل قوم في دينهم من أمتهم وتفسير الآية "إنا وجدنا أباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" والآية "إن هذه أمتكم أمة واحدة" أي دين واحد. وورد أيضا أن كل من مات على دين واحد مخالفا لسائر الأديان فهو أمة على حدة كما كان إبراهيم عليه السلام أمة. وكل قوم نسبوا إلى نبي وأضيفوا إليه فهم أمة وقد يجئ في بعض الكلام أن أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- هم المسلمون خاصة وجاء أيضا أن أمته من أرسل إليه ممن آمن به أو كفر به فهم أمته في اسم ألأمة لا الملة. وكل جيل وكل جنس من السباع والحيوان أمة كما ورد في قوله تعالى " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أُمم أمثالكم" وقوله –صلى الله عليه وسلم- "لولا أن الكلاب أمة لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم" وتأتي الأمة بمعنى الجماعة والطريقة والدين.
والأمية في كتب التفاسير كإبن كثير والقرطبي لاتختلف كثيرا عنها في كتب اللغة فالأميون في الأية الكريمة "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ"(البقرة 78) هم أهل الكتاب الذين لايعلمونه إلا تخرصا وظنونا والأمي هو الذي لايحسن الكتابة.
والأية "فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَاد"(آل عمران 20) فرقت بين الذين أوتوا الكتاب والأميين فقال بعض المفسرين أن الأميين هم العرب. وقال بعضهم إن العرب نسبت من لايكتب ولايخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتاب دون أبيه.
أما قول أهل الكتاب في الآية "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ"(آل عمران 75) ليس علينا في الأميين سبيل يعني العرب.
أما النبي الأمي في الآيتين الكريمتين "الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الأعراف 157) و "(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُم"(الأعراف 158). هو محمد رسول الله –صلى الله عليه وسلم-, ووصف الله له بالأمي لأنه لايحسن الكتابة كما قال عنه سبحانه "وَمَا كُنْت تَتْلُوا مِنْ قَبْله مِنْ كِتَاب وَلَا تَخُطّهُ بِيَمِينِك إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ "(العنكبوت 48).
أما قوله تعالى"هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (الجمعة2) يعني الذي بعث في العرب وتخصيص الأميين بالذكر لاينفي من عداهم. و قوله تعالى في الآية التي تليها "وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" (الجمعة 3) فقد روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَة الْجُمُعَة " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُول اللَّه ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُمْ حَتَّى سُئِلَ ثَلَاثًا وَفِينَا سَلْمَان الْفَارِسِي فَوَضَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَده عَلَى سَلْمَان الْفَارِسِيّ ثُمَّ قَالَ " لَوْ كَانَ الْإِيمَان عِنْد الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَال أَوْ رَجُل مِنْ هَؤُلَاءِ " وفسر ابن جَرِير قَوْله تَعَالَى " وَآخَرِينَ مِنْهُمْ " بِفَارِسَ.
وقيلَ هُمْ الْأَعَاجِم وَكُلّ مَنْ صَدَّقَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْر الْعَرَب كما أورد أيضا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قالَ " إِنَّ فِي أَصْلَاب أَصْلَاب أَصْلَاب رِجَال وَنِسَاء مِنْ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّة بِغَيْرِ حِسَاب " ثُمَّ قَرَأَ" وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ " يَعْنِي بَقِيَّة مَنْ بَقِيَ مِنْ أُمَّة مُحَمَّد –صلى الله عليه وسلم- فِي قَوْله تَعَالَى " وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم " أَيْ ذُو الْعِزَّة وَالْحِكْمَة فِي شَرْعه وَقَدَره .
والذي يظهر لي والله أعلم أن للأمية معنى خاص ومعنى عام أما المعنى العام فيعني الجهل والضلالة والظلام وأما المعنى الخاص فهو عدم معرفة الكتابة. ولا ترتفع الأمية عن أحد بمعناها الخاص إلا متى عرف الكتابة كما أنها لاترتفع عن أمة بمفهومها العام إلا متى خرجت من الجهل والضلالة والظلام إلى العلم والهدى والنور ولا يخرجها من هذا إلا نبي وكتاب. والآية الكريمة "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ" تدل على أن أهل الكتاب لما أصبحوا لايعرفونه إلا أماني وظنونا وتخرصا عادت إليهم أميتهم بمفهومها العام لا الخاص على الرغم من معرفتهم بالكتابة كما أنهم لو بقوا متمسكين بكتبهم وعلموها كما أنزلت على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام لبقيت الأمية بمفهومها العام مرتفعة عنهم.
ولذلك نجد أن الأمية بمعناها العام إرتفعت عن اليهود والنصارى ببعثة موسى وعيسى عليهما السلام بالتوراة والإنجيل وبقي اليهود والنصارى ينظرون إلى أنفسهم أنهم غير أميين وينظرون إلى أمة العرب على أنها أمة أمية حتى قالوا " ليس علينا في الأميين سبيل" لأن العرب لم يبعث فيهم نبي ولم ينزل عليهم كتاب وفي هذه الآية دليل واضح على أن الأمية نقيصة لافضيلة.
والمشترك بين معنى الأميين في الآية "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ" والأميين في الآية "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ"لا يمكن أن يكون إلا الجهل والضلال.
والدليل على أن الأمية بمعناها العام ضلال قوله تعالى "هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" فالتزكية ومعرفة الكتاب والحكمة رفعت عن الأميين الضلال المبين والذي هو الأمية بمعناها العام.
كما أن الدليل على أن الأمية ظلام قوله تعالى "الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ " (إبراهيم 1) والناس هنا هم الأميون وقوله تعالى "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ" (إبراهيم 4) وقوله تعالى "هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" (الحديد 9).
والعرب قبل البعثة النبوية كانوا أميين بالمعنى الخاص للأمية وذلك لعدم تفشي الكتابة بينهم كما أنهم كانوا أميين بالمعنى العام لعدم وجود نبي وكتاب فيهم. وكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أميا بالمعنيين أيضا ودليل ذلك قوله تعالى "وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى" (الضحى 7). ولكن الأمية بمعناها العام ارتفعت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الوحي عليه كما أن الأمية بمعناها الخاص بقيت ملازمة له لأنه لايعرف الكتابة ولكن ملازمة الأمية لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- فضيلة وكمال وفي غيره نقيصة.
وإذا كانت الأمية بمعناها العام لاترتفع عن نبي يوحى إليه من ربه الهدى والحكمة والعلم فما الذي يرفعها إذن؟. وكيف لاترتفع الأمية عن سيد الأولين والأخرين –صلى الله عليه وسلم- والذي أختصه الله بالرسالة الخالدة من بين بلايين البشر من عرب وعجم وأنبياء ورسل. وخلاصة القول أن الأمية بمفهومها العام إرتفعت عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إرتفاعا لم ترتفعه عن أحد من قبله ولا بعده ذلك أنه أعلم الناس بالله وملائكته وكتابه كما أن علمه بالله وملائكته وكتابه علم يقيني لايخالطه شك أو ريب فكيف يصبح أميا بعد ذلك.
ومما يدلل على أن ألأمية في رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فضيلة وكمال أنه استغنى عن الكتابة والقراءة بالوحي الذي يوحيه إليه ربه وإنما يحتاج إلى القراءة والكتابة من لايوحى إليه فكم كشف الله له من الحجب التي لايمكن أن تكشف لكاتب أوقارئ ومنها ماكشفه سبحانه وتعالى له في الأسراء والمعراج ومنها عندما ضرب على الصخرة فقال الله أكبرفتحت فارس، والذي نفسي بيده، إني لأرى قصور المدائن الحمراء الساعة. الله أكبر فتحت الروم، والذي نفسي بيده إني لأرى قصور بصرى البيضاء الساعة. الله أكبر فتحت اليمن، والذي نفسي بيده إني لأرى قصور صنعاء الساعة. ومنها عندما بشر سراقة رضي الله عنه بسواري كسرى وكيف يحتاج إلى الكتابة من سمع حنين الجذع ومن أشتكى له الجمل وغير ذلك كثير مما لا يتسع المقام لذكره. ومن كانت هذه صفاته فهو مستغن عن الكتابة والكتابة غير مستغنية عنه كما أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد أستغنى بالقرآن عن الشعر ذلك أن الكامل مستغن عن الناقص. وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة" فيه دلالة واضحة على أن أعلى درجات الشعر الحكمة كما أن أعلى درجات البيان السحر. كما أن الحكمة الموجودة في القرآن وسنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حكمة بالغة غير ناقصة والحكمة الموجودة في الشعر حكمة ناقصة. أما كتاب الله سبحانه وتعالى فقد بلغ منزلة بهرت أساطين البلاغة من قريش وقصة الوليد بن المغيرة مشهورة عندما ذهب ليستمع إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثم عاد وهو يقول "والله ما في قريش من رجل أعلم بالشعر أو رجزه أو قصيده مني ، ولا والله ما يشبه الذي يقول محمد شيئاً من هذا الشعر أو ذلك الرجز والله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو ولا يعلى وإنه يحطم ما تحته فأنكر عليه أبو جهل وقال له لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه ، ففكر طويلا فقال هذا سحر يؤثر"
ومما يروى عن المأمون أنه قال لرجل عنده "بلغني أنك أُمِّيّ، وأنك لا تقيم الشِّعر، وأنك تَلحن في كلامك؟ فقال: يا أميرَ المؤمنين، أمّا الَّلحن فربما سَبَقني لساني بالشيء منه، وأما الأمِّيَّة وكَسْر الشعر فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أًمّياً وكان لا يُنشد الشعر؟ قال المأمون: سألتُك عن ثلاثة عيوب فيك فزدْتني عَيباً رابعاً، وهو الجهل، ياجاهل، إنّ ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة، وفيك وفي أمثالك نَقيصة، وإنما مُنع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لنَفْي الظِّنَّة عنه، لا لِعَيب في الشِّعر والكتاب، وقد قال تبارك وتعالى: " وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذَا لارْتَابَ اْلمُبْطِلُونَ ".
والذي يفهم من قوله تعالى "وما علمناه الشعر وما ينبغي له" أي ماينبغي لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- النقص وإنما ينبغي له الكمال ذلك أن الكمال في الوحي بشقيه من قرآن وسنة والنقص في الشعر في أعلى درجات حكمته وصدقه. ومما لايخفى على أهل اللغة والأدب أن الشعر يدخله الباطل بل إن غالبه كذلك ويدخله التناقض والاضطراب والكذب وتحويل الحق إلى باطل والباطل إلى حق ولا أجد أبلغ من قول دعبل في وصف الشاعر عندما قال "من فضل الله على الشاعر أنه مامن أحد يكذب إلا إجتواه الناس إلا الشاعر فإنه كلما إزداد كذبه كلما ازداد المديح له ولا يكتفى له بذلك حتى يقال أحسنت والله فما يشهد له بشهادة زور إلا وكان معها يمين بالله" ويشهد الله لو كان هذا الموقف مع غير القرآن والسنة لانتصرت للشعر ولكني لا أستطيع الانتصار لقول مخلوق ضعيف معظمه كذب وتزويرعلى قول خالق قوله حق مبين لايأيتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ومعلوم عند أهل اللغة أنه مامن قصيدة في دواويين الشعر القديم والحديث تخلو من عيب نحوي أو صرفي أو اضطراب واختلاف أو معنى مبتذل وصدق الله القائل " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا" (النساء 82). وإذا كان الشعر الجاهلي لم يخل من ذلك فكيف يخلو منه ماهو دونه في اللغة والبيان فهذا طرفة في قوله "قد رفع الفخ فماذا تحذري " قد حذف النون وهذا الراعي النميري في قوله "تأبى قضاعة أن تعرف لكم نسبا وابنا نزار وأنتم بيضة البلد" فسكن تعرف ضرورة وهذا شاعر الجاهلية أمرؤ القيس في قوله " لها متنتان خظاتا كما أكب على ساعديه النمر" حذف النون وقول زياد الأعجم "عجبت والدهر كثير عجبه من عنزي سبني لم اضربه" فرفع اضربه وقول الفرزدق "وعض زمان يابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلف" فضم مجلفا. وهذه أمثلة قليلة جدا ذكرناها لبيان نقصان الشعر وعدم كماله عند اساطينه وسادته ولذلك لم يرد الله لرسوله –صلى الله عليه وسلم- إلا الكمال فعصمه من الشعر لنفي الظنة ولتطهير فمه وقلبه من قول ناقص وبيان غير مكتمل فوهبه الوحي الكامل وجنبه قول الشعر لما ذكرناه وليبقى مثال الفصاحة والبيان إلى قيام الساعة فلو كان شاعرا لوقع فيما وقع فيه الشعراء العظام من لحن وزلل واضطرار وإسناد وإقواء وإكفاء وإجازة وإيطاء وتفاوتات البيوت ولذلك أصبح –صلى الله عليه وسلم- مستغنيا بالكامل عن الناقص. ثم لو جاز له أن يكون شاعرا معصوما من ذلك كله لأصبح مشتركا مع الشعراء في الاسم وذلك مالم يرده له سبحانه وتعالى.
ومما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة " وقيل للنبي محمد صلى الله عليه وسلم: الأمي، لأن أُمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، بعثه الله رسولاً وهو لا يكتب من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة، لأنه صلى الله عليه وسلم تلا عليهم كتاب الله منظوماً مع أميته بآيات مفصلات، وقصص مؤتلفات، ومواعظ حكيمات، تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه، فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه. وكان الخطيبُ من العرب إذا ارْتَجَل خُطْبَةً ثم أَعادها زاد فيها ونَقَص، فحَفِظه الله عز وجل على نَبيِّه كما أَنْزلَه، وأَبانَهُ من سائر مَن بَعَثه إليهم بهذه الآية التي بايَنَ بَينه وبينهم بها، ففي ذلك أَنْزَل الله تعالى: "وما كنتَ تَتْلُو من قَبْلِه من كِتاب ولا تَخُطُّه بِيَمِينِك إذا لارْتابَ المُبْطِلون" الذين كفروا، ولَقالوا: إنه وَجَدَ هذه الأَقاصِيصَ مَكْتوبةً فَحَفِظَها من الكُتُب."
وخلاصة القول في هذه المسالة أن الأمة المسلمة قد إرتفعت عنها الأمية بمعناها العام بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكيف لاترتفع عنها وهي التي علمت العالم جميعه مكارم الأخلاق من حقوق الوالدين والأبناء والجار وإكرام الضيف وغض البصر وإغاثة الملهوف وكثيرا مما لايتسع المقام لذكره ومن نافلة القول أن أمة تتصارع حضارتها مع هذه القيم والأخلاق لفي خسران عظيم. وكيف يقال عن هذه الأمة أنها أمة أمية وقد أنجبت الصديق والفاروق وعثمان وعلي وسائر أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضوان الله عليهم أجمعين وأنجبت ربيعة الراي وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وابن حنبل والخليل وسيبويه وكثيرا ممن لايحصى. كما أن الأمية لايمكن أن تعود إلى هذه الأمة إلا متى عادت إلى جاهليتها الأولى وتركت كتاب ربها وراءها وتنكرت لدينها ونبيها ومكارم أخلاقها التي تممها رسولها عليه أفضل الصلاة والتسليم.
أما الأمية بمعناها الخاص, عدم معرفة الكتابة, فما مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلا وقد رفعها عن أمته بما يكفي لنقل هذا الدين كاملا غير منقوص من جيل الصحابة إلى جيل التابعين ودليل ذلك قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" ولا يمكن أن يكمل الدين إلا بمعرفة الكتابة والقراءة وإلا كيف تتواصل الأمة مع كتاب ربها وسنة نبيها –صلى الله عليه وسلم- من غير معرفة لقراءة وكتابة وقصة مفاداة أسرى بدر خير دليل على ذلك. وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إنما بعثت معلما" فيه دلالة واضحة على أن رسالته جاءت إلى الناس لترفع عنهم الأمية بمعناه العام والخاص.
ومن المنطق, أن ارتفاع الأمية بمعناها العام عن الأمة يرفع الأمية عنها بمعناها الخاص لأنه لايمكن للأمة التي لاتعرف الكتابة أن تتواصل مع رسالة ربها لتبلغها إلى الأمم والأجيال التي بعدها.
ومن فرض القول أنه بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إرتفعت الأمية بمعناها العام عن الأمة المسلمة وإنتقلت إلى ماعداها من الأمم التي لم ترض بدين الله فأصبحت الأمة المسلمة غير أمية وأصبحت كل أمة غيرها أمية.
ومما يدلل على ذلك قوله تعالى "مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا" وليس ذلك مقصورا على اليهود وحدهم بل إن كل أمة تحمل كتابا ثم لاتحمله هي كمثل الحمار يحمل اسفارا وهذه منزلة أدنى من منازل الأمية بمفهوميها العام والخاص حتى وإن كانت أمة كاتبة قارئة. ويدلل على ذلك قوله تعالى " أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ " وقوله جل وعلا " بِئْسَ مَثَل الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ "
أما أمية رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الأيات السابقات فإنما هي على إعتبار ماضيه –صلى الله عليه وسلم- كما أنها حجة لدحض كل تهمة عنه لأن كفار قريش يعلمون حق العلم أنه لايكتب ولا يقراء. ومما يدلل على ذلك أن القرآ ن الكريم في أسلوبه يتحدث أحيانا على إعتبار الماضي فمعلوم أن الصحبة بين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبين كفار قريش قد انفكت بعد إيمانه وتوحيده لله جل وعلا وبعد إصرارهم على الكفر والعناد وانتقل حق الصحبة إلى من آمن به ولذلك يقال عن الذين آمنوا برسول الله –صلى الله عليه وسلم- ورأوه صحابته ولا يقال ذلك عن المشركين ومع ذلك خاطب الله سبحانه وتعالى كفار قريش قائلا " ماضل صاحبكم وما غوى" وذلك على اعتبار ماكان بينهم من صحبة.
أما الأمة في كتب التفسير فقد وردت في آيات كثيرة منها قوله تعالى " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143) وتفسيرها في قوله –صلى الله عليه وسلم- "يُدْعَى نُوح يَوْم الْقِيَامَة فَيُقَال لَهُ هَلْ بَلَّغْت ؟ فَيَقُول نَعَمْ فَيُدْعَى قَوْمه فَيُقَال لَهُمْ هَلْ بَلَّغَكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِير وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَد فَيُقَال لِنُوحٍ مَنْ يَشْهَد لَك فَيَقُول مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ قَالَ : فَذَلِكَ قَوْله " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا" قَالَ وَالْوَسَط الْعَدْل فَتُدْعَوْنَ فَتَشْهَدُونَ لَهُ بِالْبَلَاغِ ثُمَّ أَشْهَد عَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيّ.
وفي هذا الحديث دلالة واضحة أن المقصود بالأمة الوسط أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جميعها وليس صحابته فحسب ودليل ذلك قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الحديث نفسه "فتدعون فتشهدون له بالبلاغ ثم أشهد عليكم" ومن المعلوم أن شهادة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على أمته جميعها وقوله فتشهدون له بالبلاغ في صيغة الجمع تقابله صيغة جمع أخرى وهي ثم أشهد عليكم. فإن قال قائل إن صيغتي الجمع خاصة بالصحابه قلنا هذا يخالف قول الله تعالى "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41) لأن شهادة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عامة على أمته جميعها كما أنه يخالف قوله تعالى "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ" (يونس 47).ويخالف قوله "وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ" (النحل 84) وقوله تعالى "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89) ويخالف قوله "وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ" (القصص75) ويخالف قوله تعالى "وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (الجاثية 28)
ومن هذه الآيات الكريمة يتبين لنا ان المقصود بالأمة الوسط أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- التي آمنت به وصدقته وسارت على هداه ونهجه وليس ذلك مقصورا على صحابته.
كما أن اسلوب القرآن الكريم في غاية الوضوح عندما يريد تخصيص الأمة بمعنى الجماعة ومن ذلك قوله سبحانه وتعالى "وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (ال عمران 104). ومما هو معلوم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على المسلمين وعدم قيام بعض المسلمين بذلك لايخرجهم من الملة ويعتبرون مقصرين في هذا الجانب مع بقائهم من أمة محمد ودليل ذلك أن الذين يأمرون بالمعروف في كل جيل من بعد بعثته –صلى الله عليه وسلم- جماعة من الأمة المسلمة وليست الأمة المسلمة كلها وهذه الجماعة (الأمة) هي المفلحة وما صنعه الفاروق رضي الله تعالى عنه عندما أنشاء نظام الحسبة خير دليل على ذلك.
كما أن تخصيص الأمة في الجماعة في الآية "لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ" (ال عمران 113) واضح ايضا. وهذه الآية نزلت فيمن آمن من أحبار أهل الكتاب الذين اسلموا وأنهم ليسوا كمن لم يسلم فوصفهم الله بأنهم أمة يعني جماعة من أهل الكتاب. ومن الآيات التي خصصت الأمة بالجماعة قوله تعالى " وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ " (المائدة 66) وقوله تعالى " وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ "( الأعراف159) وقوله تعالى " وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " (الأعراف 164) وقوله تعالى "وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ" (النمل 83)
أما قوله تعالى " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ " (آل عمران 110) فهو عام لكل أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- وليس مقصورا على عهد الصحابة اوغيرهم مادامت الأمة محققة لشرطي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع اعتقادنا بأن اصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- هم أفضل هذه الأمة وخيرها بدليل قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"
وكذلك قوله تعالى " كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ " (الرعد 30) عام لأمة محمد –صلى الله عليه وسلم- جميعها ومعنى "للتتلو الذي أوحينا إليك" أي تبلغهم رسالة الله إليهم.
وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء..." عام ايضا وليس مقصورا على صحابته. كما أن قوله –صلى الله عليه وسلم- "... وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة" دليل آخر على أن أمته ممتدة إلى قيام الساعة.
وقوله " ‏لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة"وقوله " ‏إن بعدي من أمتي أو ‏ ‏سيكون بعدي من أمتي قوم يقرءون القرآن ‏ ‏لا يجاوز ‏ ‏حلاقيمهم يخرجون من الدين كما يخرج السهم من ‏ ‏الرمية ‏ ‏ثم لا يعودون فيه هم شر الخلق ووقال السندي في حاشيته على سنن النسائي " قوله (أمية) أي منسوبة إلى الأم باعتبار البقاء على الحالة التي خرجنا عليها من بطون أمهاتنافي عدم معرفة الكتابة والحساب فلذلك ما كلفنا الله تعالى بحساب أهل النجومولا بالشهور الشمسية الخفية بل كلفنا بالشهور القمرية الجلية لكنها مختلفة كما بين بالإشارة مرتين كما في كثير من الروايات فالعبرة حينئذ للرؤية والله تعالى أعلم"
وإجابة على السؤالين اللذين طرحناهما في بداية هذا البحث نقول إن أمة محمد –صلى الله عليه وسلم- لايمكن أن تكون أمتين وإنما هي أمة واحدة ارتفعت عنها الأمية بعد بعثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من قبل معرفتها للحساب الفلكي. كما أنه لايمكن أن يكون الحديث " إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب ..." خاصا بمن لا يعرف الحساب الفلكي ولا يجوز لأحد أن يلغيه أو يسقط اعتباره والتكليف به لاينتهي مادامت السموات والأرض.
وخلاصة القول أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعث إلى جميع الأمم وأن أمته هي التي أمنت به وصدقته وسارت على نهجه القويم وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "واتفترق امتي" اي أن أمته التي كانت مومنة به سوف تنقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة وقوله أمته على اعتبار ماضيهم لاحاضرهم وكذلك الحال بالنسبة لأحاديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم-. ومن هنا يتبين لنا أن ألأمة في الحديث "إنا أمة أمية..." أي أمة محمد جميعها ولا يمكن الفصل بين جيل وجيل أو جماعة وجماعة إلا بدليل أو قرينة واضحة ولا قرينة في الحديث تقتضي التفريق.
ونعود بعد هذا الاستطراد إلى حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والذي هو سبب الاختلاف بين القائلين بعدم جواز الأخذ بالحساب الفلكي والقائلين بجوازه أو وجوبه"إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا" وكما ذكرنا من قبل إن حجة المنتصرين للحساب الفلكي هي أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد علل أمره باعتماد رؤية الهلال رؤية بصرية لبدء الصوم والإفطار بأنه من أمة أمية لا تكتب ولا تحسب، فما من سبيل لديها لمعرفة حلول الشهر ونهايته إلا رؤية الهلال الجديد، ما دام الشهر القمري يكون تارة تسعة وعشرين وتارة ثلاثين.
اقول وبالله التوفيق إن حجة القائلين بتعليل الحديث غير صحيحة من عدة وجوه:
1. لقد بينا أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لم يمت إلا بعد أن رفع الأمية بمفهومها العام والخاص عن الأمة بما يكفل نقل الدين من جيل إلى جيل كاملا غير منقوص. وبينا أيضا أن معنى "أمية" في الحديث, أي منسوبة إلى الأم باعتبار البقاء على الحالة التي خرجنا عليها من بطون أمهاتنا في عدم معرفة الكتابة والحساب
2. القول بالتعليل يقسم أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إلى قسمين أمة أمية وأمة غير أمية وتخصيص الأمة التي كانت في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بالأمية دون غيرها يحتاج إلى دليل ولقد مرت بنا الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- التي تثبت أن أمة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- واحدة ولا يمكن الفصل بين أمة وأمة.
3. ليس من المعقول أن يختص رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جماعة من أمته دون جماعة في حديث عن ركن من أركان الإسلام وكأن الجماعات الأخرى من أمته غير معنية بهذا الركن.
4. لقد بينا أيضا معنى الأمية الخاص وهو عدم معرفة الكتابة ولا علاقة للأمية من بعيد أو قريب بالحساب ذلك أنني لم أجد تعريفا للأمية فيما أطلعت عليه من كتب اللغة والتفسير يدل على أن من لايعرف الحساب أمي, إذن, لماذا ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الحساب؟. والذي أعتقده أن الإنسان يخرج من بطن أمه غير حاسب ولا كاتب ولكنه يتعلم الحساب من خلال بيئته ذلك أنه يحتاج إلى البيع والشراء وعد الأشياء وتلك مهارة يكتسبها من غير معاناة ومشقة ومن هنا ترتفع أمية الحساب عن كل إنسان بعد مدة من ولادته. أما أمية الكتابة فتبقى ملازمة للإنسان حتى يتعلم الكتابة. ومن هنا يتبين لنا أن ذكر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- للحساب, مع علمه أن الأمة حاسبة, تأكيد على أنه يجب علينا أن نبقى بخصوص دخول الأشهر القمرية على الحال التي ولدتنا عليها أمهاتنا.
5. كما أن المتأمل في الحديث يجد أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال "لانكتب ولا نحسب" بالنون وليس بالتاء ولو كان الحديث لاتحسب ولا تكتب لعاد الضمير على الأمة وفي هذا إشارة إلى نفي الأمية عن الأمة.
6. ثم إن الحديث فيه حساب وإلا كيف عرف أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- رضي الله عنهم أن الشهر 29 يوما أو 30 يوما. كما أن الأمة في عهد رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تعرف الحساب ودليل ذلك أن الناس في عهده –صلى الله عليه وسلم- كانوا يتبايعون بالدرهم والدينار ولو لم يكونوا يعرفون الحساب لما تبايعوا. والأعظم من ذلك معرفتهم بعلم الفرائض والذي هو في غاية التعقيد ويحتاج إلى معرفة السدس والربع وعلم الزكاة كربع العشر وما سواه. وقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أفرضكم زيد فيه دلالة على أنه يوجد من الصحابة من يعرف هذا العلم غير زيد وبقيت الأمة بعده صلوات الله وسلامه عليه عالمة بعلمي الفرائض والزكاة فمامن فقيه مر على هذه الأمة إلا ويعرف هذين العلمين معرفة وافية. كما أن العرب في أيام الجاهلية كانت تعرف الحساب وتعد الشاء والنوق والإبل والنجوم.
7. ثم لو فرضنا أن عدم معرفة الحساب أمية, ما الحساب الذي ترتفع به الأمية عن الأمة؟ هل هو حساب جدول الضرب أو حساب الفرائض أو حساب الفلك. والحساب أنواع كثيرة جدا فمنه الجبر والجبر ينقسم إلى خطي وغير خطي ومنه الهندسة الفراغية وحساب المثلثات و المعادلات التفاضلية الخطية وغير الخطية و الفئات والحساب المالي والاقتصادي والهندسي والإحصاء والتحليل العددي وكثير مما لانستطيع بسطه إلا في كتاب مستقل. ونسأل القائلين بالتعليل, أي حساب ترتفع به الأمية عن الأمة؟ وهل يجب على الأمة جميعها أن تكون عالمة بجميع أنواع الحساب حتى ترتفع عنها الأمية؟ أم يكفي علمها ببعض أنواعه وإذا كان لايجب على الأمة جميعها أن تكون عالمة بالحساب فما هو الحد الأدنى للعالمين به حتى ترتفع عن الأمة الأمية.
8. ثم هل الأمية محصورة بعدم معرفة الحساب والكتابة أم أنها تتعدى إلى غيرها مما لاتعرفه الأمة اليوم من صناعة سيارات وطائرات وصواريخ فمتى قسنا أمتنا اليوم بباقي الأمم سوف نحكم عليها بالجهل لا بالأمية فحسب لعدم إحاطتها بكثير مما يحيط به الغرب.
9. وإذا كانت معرفة فئة قليلة من الأمة بالحساب الفلكي ترفع عن الأمة المسلمة الأمية فإن معرفة بعض الصحابة بالكتابة والحساب ترفع عن صحابة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الأمية أيضا. ولا يخالجني شك أن نسبة الكاتبين الحاسبين من الصحابة أكثر بكثير من نسبة العارفين بالحساب الفلكي من الأمة المسلمة اليوم.
10. ثم ماذا يقول القائلون بالحساب متى علموا أن دراسة مقارنة استندت عليها الإليسكو اظهرت أن نسبة الأمية في العالم العربي ستصبح الأولى في العالم بعد أن كانت الثانية بعد افريقيا وليس هذا فحسب بل إن متوسط عدد الأميين في العالم العربي اقترب من ضعف المتوسط العالمي. وكيف لو علموا أن نسبة العاملين في البحث العلمي في العالم العربي لاتتجاوز 300 عالم لكل مليون عربي بينما هي في أمريكا تتجاوز 4000 وفي أوربا تزيد عن 2000 وكيف لو علموا أيضا أن عدد الكتب المنشورة في العالم العربي أقل من ثلث الكتب المنشورة في إسرائيل على الرغم من أن اليهود في فلسطين 7 ملايين والعالم العربي تجاوز 320 مليون. وإنه ليجوز لنا بعد هذا كله أن نسأل بعد هذه الأمية التي لاتعادلها أمية في العالم هل يعتبرنا القائلون بالحساب غير أميين وتصبح علة الأمية مرتفعة عنا.
ومن هنا يتبين لنا أن قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم- "إنا أمة أمية لانكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا" أنه يجب أن نكون على الحالة التي خرجنا عليها من بطون أمهاتنا في عدم معرفة الكتابة والحساب حيال صومنا وفطرنا.
كما أن تعليل النصوص الشرعية بهذه الطريقة يجيز لمن يريد من أهل الهوى أن يجعل من بعضها خاصا بفترة النبوة دون غيرها ليهدم ماأراد من اصول الدين وفروعه. ولن يعدم صاحب الهوى قرينة يتأولها للوصول إلى مايريد وهذا يفتح المجال لكل متلاعب وعابث يريد أن يعبث في هذا الدين والذي يقول بتعليل النصوص بهذه الطريقة كأنه ينفي شمول هذا الدين وصلاحه لكل زمان ومكان.

كيف نحسن الرؤية؟



من خلال دراسة قام بها الدكتور الفاضل أيمن كردي, أستاذ الفلك في جامعة الملك سعود, قارن فيها بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي بين عام 1400هـ وعام 1422هـ وجد أنه:
1. تطابقت الرؤية مع الحساب 14 مرة من حيث وجود الهلال.
2. تطابقت الرؤية مع الحساب 24 مرة من حيث عدم وجود الهلال.
3. لم تتطابق الرؤية مع الحساب 18 مرة حيث تم التبليع بالرؤية مع عدم ولادة الهلال فلكيا.
4. لم تتطابق الرؤية مع الحساب مرتين حيث ولد الهلال فلكيا ولم يتم التبليغ.
وخلصت الدراسة إلى أن نسبة التطابق بين الحساب الفلكي والرؤية هي 67%.
ومن خلال دراسة الدكتور أيمن كردي أرى أن التطابق بين الرؤية والحساب الفلكي كبير متى قسناه بما سخرناه وقدمناه للرؤية البصرية.
والذي أراه أنه يمكننا زيادة نسبة التطابق بين الرؤية والحساب إلى نسبة قد تصل إلى التطابق التام بينهما ومن أجل تحقيق ذلك أقترح:
1. إنشاء معهد يشرف عليه مجلس القضاء الأعلى أو إحدى جامعات المملكة لتعليم الرؤية البصرية على أصول علمية غير قابلة للجدل ولا يقبل في هذا المعهد إلا من يوثق في ديانته وعقله وبصره. ذلك أن المحتسبين الثقات في طريقهم إلى الانقراض ولا يمكن التعويل على محتسبين قد يبلغون عن الرؤية وقد لايبلغون.
2. تكوين فريق من الأساتذة المختصين في الفلك من أجل عمل دراسة ميدانية تمسح المملكة بحثا عن أفضل المواقع لرصد الأهلة.
3. إنشاء عدد كبير من المراصد في الأماكن التي يحددها الفريق يعمل فيها خريجوا المعهد الفلكي.
أظن أننا متى قمنا بذلك سوف تقترب الرؤية من اليقين وسوف نضمن بإذن الله أن صيامنا وفطرنا في غاية التثبت والدقة ذلك أنه كلما ازداد عدد الراصدين كلما قل الخطاء وسوف نضمن بعد ذلك عدم التزوير والكذب في الرؤية من أجل مصلحة دنيوية كما يقول الشيخ مصطفى الزرقا رحمه الله.
وأتمنى أن تقوم البلاد المسلمة جميعها بعمل هذا حتى نصل إلى وحدة في صيامنا وفطرنا.
وكما بينا من قبل أن السبب في تمسك القائلين بالحساب هو دقته العالية في حساب الاقتران, فمتى ما قمنا بما اقترحته سوف نصل بإذن الله إلى درجة عالية من الدقة والضبط للرؤية يرتضيها القائلون بالحساب وبذلك نبتعد عن الحساب الفلكي واضطرابه الكبير والله ولي التوفيق.


---------------------------------

طالب الحور
08/10/2007, 11:03 PM
الرجاء عدم الرد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي طالب الحور حفظه الله
أشكر لك هذا الجهد الكبير في إخراج هذا الموضوع المفيد
وأدعو الله ان ينفع به المسلمين جميعا ، وأن يجزيك خير الجزاء ..
الموضوع ضخم جدا وهناك صعوبة كبيرة بتصفحه ، يرجى إرسال البحوث بملف مضغوط كي نرفعها على موقع مكشات ونضعها كرابط في الموضوع إذا أضطرررنا لذلك ..
مع شكري وتقديري لجهودك
بارك الله فيك

طالب الحور
08/10/2007, 11:38 PM
:( نظرا لطول الموضوع وصعوبة تصفحه:(


:confused: وبقي أربعة بحوث أخرى:confused:

لعلي أذهب إلى محل حاسوب


ليخبرني عن كيفية



تحميل الملفات المكتوبة




انتظروني غدا بإذن الله:good: :good: :)

معشي الشجر
09/10/2007, 05:29 AM
طيب نرد ولا باقي كلام

طالب الحور
28/09/2008, 05:55 AM
يرفع للفائدة



ولي عودة بإذن الله ببحوث اخرى........ولعلنا نسمع كذلك وجهة النظر الأخرى


ولعل القارئ الكريم ..........إن أراد الفائدة...........يلخص الفوائد في نقاط........

نسناس الغروب
28/09/2008, 06:48 AM
جزاك الله خيرا ورزقك الفردوس الأعلى من الجنة

موضوع تحتاجه خيمة الفلك ولا يجب أن يبتعد هذا الموضوع عن الأنظار إطلاقا

نسناس الغروب
28/09/2008, 11:55 PM
صدقني ياطالب الحور الله يزوجك الحور العين

موضوعك هذا يزن ذهب ولا يجب أن يختفي عن الأنظار

northstar46
29/09/2008, 04:05 PM
الحساب بعد التجارب قطعي ولا مجال للتشكيك فيه لعاقل يتفكر ويكفي من يطلب الدليل قوله تعالى : ( الشمس والقمر بحسبان ) صدق الله العظيم وهذه الآية الكريمة تغني عن كل ما تقدم والله اعلم

نقا هشال
30/09/2008, 10:54 AM
بيض الله وجهك

وجزاك الله خير ياشيخنا

جرير الشاعر
30/09/2008, 11:41 AM
بارك الله في قلم كتب انتصارا للحق

فما بالك لدين الله وسنة رسوله ومصطفاه


لقد أسمعت لو نا ديت حيا ==== ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارا نفخت بها أضاءت ==== ولكن أنت تنفخ في رمادِ

نسناس الغروب
02/10/2008, 08:52 AM
موضوعك هذا أخي طالب الحور

أراحنا كثيرا من عناء البحث

وكل ما رجعت له أدعي لك بالتوفيق والسداد

SHiNiNg4EvEr
02/10/2008, 02:32 PM
موضوع رائع وكنت اتمنى يااخي العزيز ان تضعه في ملف وورد أو pdf حتى يسهل قرائته وفي اي وقت

هدير الموج
02/10/2008, 07:15 PM
مشكووووووووور على المعلومات القيمه

كل عام وانت بخير