عاشق الصفاري
10/12/2003, 10:11 PM
في الطريق إلى (ضريّة) تتراءى لك صور التاريخ منذ عهد أدم ـ عليه السلام ـ إلى عهدنا هذا.. في (ضريّة) التاريخ المدفون تحت أنقاضها القديمة في أمواج عالية نجد توحي لك بحضارات سادت ثم بادت.. وفي الطريق إليها تتقاذفك الذكريات، وتتراءى لك صور قوافل الحجيج وهي تمر في طريق (الحج البصري) فكأنك تسير معها في لواهب الصيف أو زمهرير الشتاء.
الموقع
تقع في مكان متميز في (عالية نجد) الذي يتميز بطيب هوائه وعذوبة مائه، وتتبع لمنطقة القصيم إدارياً، إذ تبعد عن بريدة «200 كيلومتر» جنوب غرب، ويقع على مقربة منها جبل (طخفة) الضخم الذي يُعدُّ متنزه أهالي غرب القصيم، نظراً لوجود شلالات المياه فيه، ولشهرته التاريخية، حيث جرى فيه يوم (طخفة) المشهور.
التسمية
سميت ضرية بهذا الاسم نسبة إلى ضريّة بنت ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ونقل عن الأصمعي قوله: إنما سميت ضرية ببئرها «كتاب المناسك». وضرية قديمة قدم التاريخ، وهي أشهر قرية على طريق حجاج البصرة قديماً حيث إنها تقع بملتقى طرق تجارة وحج.
حمى ضريّة
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن تكون مراعي ضرية حمى لإبل الصدقة ترعى فيه، وضرية هي مركز هذا الحمى، نظراً لطيب مراعيها ومرابعها خلال فصل الربيع، حيث تجود بأعشاب نادرة وأزهار متفتحة وجميلة.
ويقال: إنه استعمل على الحمى مولى يدعى هنياً فقال له: يا هني اضمم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، أدخل رب الصَّريمة، ورب الغنيمة، وإياك وإبل ابن عفان ونعم ابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يـرجعا إلـى زرع ونـخـل، وأن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ما شيته يأتيني فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم ـ لا أبا لك ـ الماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
وقد ورد ذكر (ضرية) في غزوة أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المدينة المنورة ذكرها الإمام محمد بن سعد فقال: ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد ناحية (ضرية) في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ضرية .. مركز طريق الحجاج
لأهمية موقع ضرية وقدم عمرانها وكونها مركزاً للتجارة، فقد كانت من أهم مراكز طريق حاج البصرة، حيث لا تزال آثار هذا المركز باقية إلى يومنا هذا، وقبلها منزل (طخفة). وذكر الحربي أن من طخفة إلى ضرية ثمانية عشر ميلاً، كما أنها ملتقى طريق اليمامة ودرب زبيدة، وضرية هي المنزل السادس عشر على طريق حاج البصرة وقبلها منزل اشتهر منزل النباج (الأسياح حالياً) نظراً لغزارة مائه، ومنزل القريتين (شمال عنيزة) حالياً، ومنزل (رامة) جنوب البدائع حالياً.
وفي منزل ضرية وجدت آثار من كسر الزجاج الإسلامي الملون ومن الزخرف الذي يكثر في القرى الإسلامية القديمة، كما عثر حديثاً على مجاري للمياه (قنوات) تحت الأرض تتصل بآبار تظهر فوهاتها المطوية على سطح الأرض، وقد كان في ضرية عين جارية تسمى (ضروى). وقد ذكرها المؤرخون القدماء. قال السمهودي: وأما عين ضرية وسيحها فيقال: إنه كان لعثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فهو الذي حفرها واغترس النخل، وضفر بها ضفيرة بالضجر لينحبس الماء، وهو سد بالوادي فيقطع ماؤه وينحبس زمانا ليكون أغزر للعين، (لا يزال هذا السد موجوداً حتى وقتنا الحاضر يراه من يزور الموقع).
وقال الشيخ محمد العبودي في معجم بلاد القصيم (عين ضرية لا تزال معروفة الموقع عند أهل ضرية ويسمونها (ضروى) وهي تقع إلى الجهة الشرقية من بلدة ضرية على بعد حوالي 800 متراً، وقد اكتشف مسارها قريباً عندما سارت إحدى سيارات الشحن الكبيرة علي إحدى خرائقها فانخسفت تحتها لثقل السيارة، فنزل فيها الناس فرأوا أنها تفضي إلى ممر تحت الأرض منحوت تخرج منه كوى إلى ظهر الأرض بعد مسافة معينة، وعين ضرية الآن خراب لا يعرف الأهالي عنها إلا أنها كانت موجودة هنا، ولكنهم لا يعرفون متى خرجت. أما الضفيرة (السد) التي ذكرت في النص فإن آثارها لا تزال باقية تشاهد وهي على هيئة صف من الصخر العظام ويقدر بمسافة 55 متراً.
أشعار في ضريّة
قال مالك بن نويرة:
عصيت ولو طوعت يوم (ضرية)
أمرتهم أمراً يذبح المواليا
وقال جرير:
أتنسى دارتي هضبات غرلٍ
وإذا وادي (ضرية) خير وادي
وقال نهار بن سنان الضبابي:
لعلي أرى برقاً وإن كان دونه
ذرى المشرفات الشم من حرتي بهل
يضيء سناه الهضب هضبة ضرية
يكشف عن أركانها غبرة المحل
وقال آخر:
يا حبذا ضوء يرق كان موقعه
جواً (ضرية) فاللعباء فالنير
وقال آخر:
ألا يا حبذا لبن الخلايا
بماء (ضرية) العذب الزلال
ومن اللمحات التاريخية حول ضرية من سنة 1205هـ وقبل 1204 خرج الشريف غالب بن مساعد أمير مكة إلى نجد، فلما وصل ضرية نهبها وهدمها.
ونقل ياقوت عن الأهوازي قوله: في سنة 319هـ خربت الربذة باتصال الحروب بينها وبين ضرية، ثم استأمن أهل (ضرية) إلى القرامطة فاستنجد وهم عليهم.
ضرية حاضراً
ضرية حالياً بلدة حالمة جميلة تتيه حسناً وبهاءً في عالية نجد ومرابعها الجميلة والأخاذة بهذا الموقع المحاط بالهضبات الحمراء التي تزيدها رونقاً وجمالاً، وتتوسد التاريخ الذي مر عليه عصور وقرون، وانتشر فيها العمران الحديث والحدائق الجميلة الظليلة والشوارع المضاءة، التي تحليها ليلاً إلى لؤلؤة زاهية في وسط الصحراء والمرابع والمراعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- معجم بلاد القصيم للشيخ محمد العبودي.
2- الاستيطان والآثار الإسلامية في منطقة القصيم لعبد العزيز الجار الله.
3- نظرات في معاجم البلدان لعبدالله محمد الشايع.
الموقع
تقع في مكان متميز في (عالية نجد) الذي يتميز بطيب هوائه وعذوبة مائه، وتتبع لمنطقة القصيم إدارياً، إذ تبعد عن بريدة «200 كيلومتر» جنوب غرب، ويقع على مقربة منها جبل (طخفة) الضخم الذي يُعدُّ متنزه أهالي غرب القصيم، نظراً لوجود شلالات المياه فيه، ولشهرته التاريخية، حيث جرى فيه يوم (طخفة) المشهور.
التسمية
سميت ضرية بهذا الاسم نسبة إلى ضريّة بنت ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، ونقل عن الأصمعي قوله: إنما سميت ضرية ببئرها «كتاب المناسك». وضرية قديمة قدم التاريخ، وهي أشهر قرية على طريق حجاج البصرة قديماً حيث إنها تقع بملتقى طرق تجارة وحج.
حمى ضريّة
أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأن تكون مراعي ضرية حمى لإبل الصدقة ترعى فيه، وضرية هي مركز هذا الحمى، نظراً لطيب مراعيها ومرابعها خلال فصل الربيع، حيث تجود بأعشاب نادرة وأزهار متفتحة وجميلة.
ويقال: إنه استعمل على الحمى مولى يدعى هنياً فقال له: يا هني اضمم جناحك للناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، أدخل رب الصَّريمة، ورب الغنيمة، وإياك وإبل ابن عفان ونعم ابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يـرجعا إلـى زرع ونـخـل، وأن رب الصريمة ورب الغنيمة إن تهلك ما شيته يأتيني فيقول: يا أمير المؤمنين أفتاركهم ـ لا أبا لك ـ الماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبراً.
وقد ورد ذكر (ضرية) في غزوة أرسلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسها أبو بكر الصديق رضي الله عنه من المدينة المنورة ذكرها الإمام محمد بن سعد فقال: ثم سرية أبي بكر الصديق إلى بني كلاب بنجد ناحية (ضرية) في شعبان سنة سبع من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ضرية .. مركز طريق الحجاج
لأهمية موقع ضرية وقدم عمرانها وكونها مركزاً للتجارة، فقد كانت من أهم مراكز طريق حاج البصرة، حيث لا تزال آثار هذا المركز باقية إلى يومنا هذا، وقبلها منزل (طخفة). وذكر الحربي أن من طخفة إلى ضرية ثمانية عشر ميلاً، كما أنها ملتقى طريق اليمامة ودرب زبيدة، وضرية هي المنزل السادس عشر على طريق حاج البصرة وقبلها منزل اشتهر منزل النباج (الأسياح حالياً) نظراً لغزارة مائه، ومنزل القريتين (شمال عنيزة) حالياً، ومنزل (رامة) جنوب البدائع حالياً.
وفي منزل ضرية وجدت آثار من كسر الزجاج الإسلامي الملون ومن الزخرف الذي يكثر في القرى الإسلامية القديمة، كما عثر حديثاً على مجاري للمياه (قنوات) تحت الأرض تتصل بآبار تظهر فوهاتها المطوية على سطح الأرض، وقد كان في ضرية عين جارية تسمى (ضروى). وقد ذكرها المؤرخون القدماء. قال السمهودي: وأما عين ضرية وسيحها فيقال: إنه كان لعثمان بن عنبسة بن أبي سفيان، فهو الذي حفرها واغترس النخل، وضفر بها ضفيرة بالضجر لينحبس الماء، وهو سد بالوادي فيقطع ماؤه وينحبس زمانا ليكون أغزر للعين، (لا يزال هذا السد موجوداً حتى وقتنا الحاضر يراه من يزور الموقع).
وقال الشيخ محمد العبودي في معجم بلاد القصيم (عين ضرية لا تزال معروفة الموقع عند أهل ضرية ويسمونها (ضروى) وهي تقع إلى الجهة الشرقية من بلدة ضرية على بعد حوالي 800 متراً، وقد اكتشف مسارها قريباً عندما سارت إحدى سيارات الشحن الكبيرة علي إحدى خرائقها فانخسفت تحتها لثقل السيارة، فنزل فيها الناس فرأوا أنها تفضي إلى ممر تحت الأرض منحوت تخرج منه كوى إلى ظهر الأرض بعد مسافة معينة، وعين ضرية الآن خراب لا يعرف الأهالي عنها إلا أنها كانت موجودة هنا، ولكنهم لا يعرفون متى خرجت. أما الضفيرة (السد) التي ذكرت في النص فإن آثارها لا تزال باقية تشاهد وهي على هيئة صف من الصخر العظام ويقدر بمسافة 55 متراً.
أشعار في ضريّة
قال مالك بن نويرة:
عصيت ولو طوعت يوم (ضرية)
أمرتهم أمراً يذبح المواليا
وقال جرير:
أتنسى دارتي هضبات غرلٍ
وإذا وادي (ضرية) خير وادي
وقال نهار بن سنان الضبابي:
لعلي أرى برقاً وإن كان دونه
ذرى المشرفات الشم من حرتي بهل
يضيء سناه الهضب هضبة ضرية
يكشف عن أركانها غبرة المحل
وقال آخر:
يا حبذا ضوء يرق كان موقعه
جواً (ضرية) فاللعباء فالنير
وقال آخر:
ألا يا حبذا لبن الخلايا
بماء (ضرية) العذب الزلال
ومن اللمحات التاريخية حول ضرية من سنة 1205هـ وقبل 1204 خرج الشريف غالب بن مساعد أمير مكة إلى نجد، فلما وصل ضرية نهبها وهدمها.
ونقل ياقوت عن الأهوازي قوله: في سنة 319هـ خربت الربذة باتصال الحروب بينها وبين ضرية، ثم استأمن أهل (ضرية) إلى القرامطة فاستنجد وهم عليهم.
ضرية حاضراً
ضرية حالياً بلدة حالمة جميلة تتيه حسناً وبهاءً في عالية نجد ومرابعها الجميلة والأخاذة بهذا الموقع المحاط بالهضبات الحمراء التي تزيدها رونقاً وجمالاً، وتتوسد التاريخ الذي مر عليه عصور وقرون، وانتشر فيها العمران الحديث والحدائق الجميلة الظليلة والشوارع المضاءة، التي تحليها ليلاً إلى لؤلؤة زاهية في وسط الصحراء والمرابع والمراعي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1- معجم بلاد القصيم للشيخ محمد العبودي.
2- الاستيطان والآثار الإسلامية في منطقة القصيم لعبد العزيز الجار الله.
3- نظرات في معاجم البلدان لعبدالله محمد الشايع.