المسفهل
11/01/2004, 10:07 PM
هذا جزء من اللقاء الذي أجراه الأستاذ : إبراهيم عبدالرحمن التركي في
جريدة الجزيرة يوم الأحد 13 ,شوال 1424 هـ العدد : ( 11392 ) في
حلقتين اذهب إلى الحلقة الأولى من هنا (http://search.suhuf.net.sa/cgi-bin/search/open_doc.cgi?dt=2003-12-07&action=view&doit=1&split=true&pics=1&svalue=100&page=d:\archive\2003jaz\dec\7\wj1.htm&keyword=محمد%20بن%20ناصر%20العبودي%20لـ%20«%20واجه ة%20ومواجهة%20&dt=2003-12-07&action=view&doit=1&split=true&pics=1&svalue=100)
وإلى الثانية من هنا (http://www.al-jazirah.com.sa/178841/wj1d.htm)
وقد دلني عليها وخصني بها أخي أبو سليمان ( حفر لوجيا ) فالفضل في ذلك يعود إليه
جزاه الله عني خيرا =============
http://www.mekshat.com/pix/upload/images3/abody.jpg
إعداد وحوار: إبراهيم عبدالرحمن التركي -
** أما الواجهة
فعلماءُ في «عَلَم».. سافر في «الزمان»
وارتحل في «المكان»..
وتخصص في حكايات «الإنسان».. و«الأوطان»..
***
** وأما المواجهة..
فترحالٌ مع «رحّالة»..
مبتدؤُه «مثل»، وسياحتُه «عمل»..
وسعيُه «أمل»..!
***
** رجل بسيطٌ في «مظهره»..
عميق في «جوهره»..
تألفُه حين تراه..
وتغادره.. ولا تنساه..
يعرّفك «بنفسك» و«ناسك»..
و«أصلك» و«فصلك»..
و«تاريخك» الذي يتصل بك..
وربما تكون قد انفصلتَ عنه..!
***
** جغرافيٌ / مؤرخ..
رحالة/ نسّابة..
رجل علم / ودولة..
طوّف في الآفاق..
وغاص في الأعماق..
واخترق الأنفاق..
واجهتْه مصاعب.. فما كلّ..
وامتدتْ به السبل.. وما ملّ..
***
** جاز «القفار» و«البحار»..
وواصل الليل بالنهار..
أعدّ نفسه مبكراً
فقرأ.. وكتب..
وبحث.. وتعب..
وأمدّ المكتبة العربية..
بعشرات الكتب..!
***
معالي الشيخ:
محمد بن ناصر العبودي
الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي
وشخصية العام الثقافية بمهرجان الجنادرية
كتب كتابات كثيرة وأصدرت كتباً عديدة بلغت «مائة وسبعة وستين «167» كتاباً حتى الآن.
سبق
** ما شاء الله.. وإذن.. فشخصية الشيخ محمد بن ناصر العبودي من الصعب حصرها في توصيفٍ محدد.. فهو صاحب المعجم الجغرافي والأمثال العامية والرحلات العالميّة وخبير الأنساب القبلية وكاتب القصص السردية هذا عدا العمل الدعوي والعمل التعليمي منذ أن كنت مديراً لمعهد «بريدة» العلمي
** هناك كتب كثيرة لك، لكن ما يستوقفنا مشاركتك في «المعجم الجغرافي»، غير أنا نلاحظ اختلافاً في المنهج والدراسة بينك وبين نظيرك الشيخ حمد الجاسر رحمه الله..؟
- أولاً مثلما تفضلتم فإن معجم «بلاد القصيم» هو معجم جغرافي تاريخي، وهو لم يلِ كتاب «الأمثال العامية في نجد» بل إن بينهما كتباً، ولكن ما دام أنكم رأيتم الحديث عنه فأنا أقول: إنه من الأساس لم يكن بيننا اتفاق مع الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- على أن نكون نسخةً واحدة، فكلُ واحد يؤلف ويكتب على حدة، والشيخ حمد الجاسر لا يدري ماذا صنعت بالمعجم إلا أن يسألني عن أحوالي مع التأليف ولكنني أختلف معه اختلافاً كثيراً، خصوصاً مع كتابه الذي صدر متزامناً مع معجمي وهو «معجم شمال المملكة» -في ثلاثة مجلدات- بخلاف كتابي «المعجم الجغرافي لبلاد القصيم» الذي صدر في ستة مجلدات، ثمّ بعد ذلك نشرالشيخ الجاسر «معجم شرق الجزيرة» ولكن حسبما فهمت من سؤالكم فإن المقارنة تمت بسبب أن تلك المعاجم قد صدرت متزامنة، وفي الحقيقة أنا اخترت طريقة ولم أقل للشيخ حمد أنا اخترت هذه الطريقة وأحتاج إلى أن توافق عليها.. لأن المجال ليس مجال الموافقة، وكل واحد منا يعمل مستقلاً في معجمه، وأنا اخترت أن يكون المعجم معجماً حيَّاً، ومعناه أن نذكر المسمى الحالي الذي يسمى به الموضع الذي نتكلم عنه..
خطة
** إذن لم تضعوا « أنت والجاسر والجنيدل وابن خميس والعقيلي..» خطة موحدة لعمل المعاجم..؟- هذا صحيح.. فالشيخ حمد الجاسر «رحمه الله» -في بعض مواد معجمه «في شمال المملكة» وربما يكون في أكثر معاجمه- يعوّل على الاسم التاريخي فيبدأ به أولاً، ثم بعد ذلك يأتي بالمعلومات الحديثة، وفي هذا اختلاف بيننا كما تفضلتم أنتم وقلتم..
منهج
** دعنا نأخذ نبذةً عن منهجك..؟
- بالنسبة لمعجمي فإنني أتحدث عن منطقة «القصيم» وهي في الحقيقة أصغر مساحة من الرقعة التي يتحدث عنها الشيخ حمد الجاسر ولكنّها حافلةٌ بل أكثر ازدحاماً بالمواضع والأماكن التاريخية التي وردت في الأشعار «الجاهلية - صدر الإسلام»، حيث وردت أخبارها في كتب التاريخ والأدب..
سبب
** ما هو السبب في تحليلك..؟
- السبب في ذلك أن بلاد القصيم يمرّ بها «طريق حاج البصرة» وهذا من الأسباب التي دعتني إلى تأليف المعجم، فطريق حاج البصرة وجد قبل أن تبنى مدينة بغداد، حيث كانت هناك طريقان: طريق للحجاج البغداديين وطريق للحجاج البصريين..
طريق
** لكن طريق حاج البصرة ليس مقصوراً على أهل البصرة..؟
- نعم.. فطريق حاج البصرة بدأ سلوكه وترتيبه والعمل فيه قبل أن تبنى بغداد، وسُميّ طريق حاج البصرة مع أنه ليس مقتصراً على أهل البصرة، بل ماكان عنها إلى الشرق فالقادمون من خراسان وما يسمى -الآن- إيران وحتى بخارى كلهم يأتون عن طريق حاج البصرة ثم أهملت هذه الطريق ولكنها خُلّدت في الأشعار والكتب وهي التي حفظت لنا أماكن كثيرة في القصيم..
عمر
** هل هذا هو الأمر الوحيد الذي جعل للقصيم شهرة..؟
- لا.. فالشيء الثاني المهم هو «الحمى» الذي هو «حمى ضريّة» وقد حماه «عمر بن الخطاب رضي الله عنه»، فهو أول من حمى ضريّة ولكن هناك حمىً حماه قبله النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة وهو «حمى الرَبَذَة»..
حمى
** ما الذي يعنيه «الحمى» لنا وللباحثين غير أنه أماكن لرعي الإبل..؟
- لابد أن نعرف فلسفة هذا الحمى وعلاقته بإبل الصدقة التي هي الإبل التي يأخذها الحاكم من أموال الناس، فإذا كان عندك مئة بعير وحال عليها الحول، تجبُ عليك حينئذ زكاةٌ من نوعية «الأباعر» تأخذها الحكومة، هذه الأباعر تحتاج إلى مراع، وتحتاج إلى عناية، و«المدينة المنورة» ليست مثل بلاد نجد بها مراتع، وليست فيها الأعشاب الموجودة في نجد، وليست فيها الأراضي المنسبطة التي تنبت الكلأ والعشب الذي يستر طويلاً عقب نزول المطر، وكانت الفكرة بعد ذلك على زمن «عمر» توسعة الحمى بحيث يكون في أحسن منطقة في الجزيرة العربية من ناحية الرعي المناسب للإبل، ويقول المؤرخون عن «جزيرة العرب» «إنها أكرم بلاد الله نباتاً»، فهم لم يعرفوا بعد ما جاورها من البلدان كالقارات الأوربية والأميركية ويقصدون بذلك من قولهم: مواضع الرعي في الجزيرة العربية..
تجميع
** لماذا تجمع إبل الصدقة في حمىً محدد..؟
- لأن إبل الصدقة كانت حينذاك بمثابة الدبابات والطائرات والسيارات في عصرنا هذا، وكانت الإبل هي الوسيلة التي ينتقل عليها المجاهدون، «فحمى ضريّة» صارت تزداد فيه أعداد الماشية حتى وصلت في عهد «عثمان بن عفان رضي الله عنه» إلى ثمانين ألف «80» بعير، وهذه بطبيعة الحال تحتاج إلى رعاة، ولكن القصد من ذلك ليس مجرد استثمارها بمعني أن تشتري وتباع بل توفيرها للمسلمين للجهاد في سبيل الله لأنهم لا يستطيعون أن يذهبوا إلا على «الإبل» حيث لا يوجد مركوب آخر في ذلك الوقت، فكون «القصيم» وبالذات «حمى ضَِرِيّة» الذي هو في «غرب القصيم» الآن يجتمع فيه هذا العدد الضخم من إبل الصدقة ويكون مكاناً مختاراً لرعي إبل الصدقة، جعل الناس يمسحونه مسحاً، وكل موضع صغير فيه هو غالباً اسم مذكور في شعر أو تاريخ..
أهمية
** إذن «الحمى» إضافة إلى «طريق الحاج» عاملان فاعلان في تكوين أهمية القصيم..؟
- نعم.. وأيضاً من جهة ثالثة نجد أن معظم شعراء المعلقات ذكروا في معلقاتهم أماكن في القصيم حتى لو لم يكونوا من أهلها، ونحن نعرف أن عنترة بن شداد «الشاعر الجاهلي المعروف» من أهل القصيم، لأن مساكن «بني عبس» كانت في القصيم، والأماكن التي أشار إليها في قصائده: مثل «الجواء» لا تزال معروفة، وهناك الشاعر الجاهلي «زهير بن أبي سُلمى» صاحب المعلقة وهو من أعلى بلاد «القصيم» شمال غرب عن «أبان» وغرب عن «الفوّاره» وبالتحديد في الشمال الغربي من القصيم، ثم إن هناك أصحاب المعلقات ممن هم ليسوا من «بلاد القصيم» لكنهم ذكروا أماكن كثيرة فيها مثل «الشاعر إمرئ القيس» وأنا حدّدت المكان الذي اجتمع فيه «امرؤ القيس» مع صحبه وهو موقع «مطار القصيم المركزي» في الوقت الحاضر..
إشارات
** يعني في «المليداء».. لكن ما هي الإشارات التي اعتمدت عليها في هذا التحديد الدقيق..؟- تأمل من شعر «امرئ القيس» قوله:
أصاحِ ترى برقاً أُريك وميضه=كلمع اليدين في حَبي مكلل
قعدت له وصحبتي بين «ضارج»=وبين «العُذيب» بُعْدَ ما متأمل
ضارج
- «ضارج» هو المكان الموجود الآن في الشِقة ويسمى «ضاري».. وسُميّ بذلك لأنه سكنه قومٌ من بني تميم وهم يقلبون في كلامهم «الجيم» إلى «الياء»، مثل ما يعمل الآن أهالي حوطة بني تميم في قلب «الجيم» «ياء»
قعدت له وصحبتي بين «ضارج».
- وبين «العُذيب»، و«العذيب» ماءٌ عذب في أعلى الخبوب وهو الآن يقع في الجنوب الشرقي من «مطار القصيم المركزي» ويسمونه الآن «المعذب» وهو مكان «الاستعذاب»، أي المكان الذي يكون ماؤه عذباً..
قعدت له وصحبتي بين «ضارج»
وبين «العذيب» بُعْدَ ما متأمل
الشيم
علا قطناً بالشِّيمْ أيمن صوبه=وأيسره على الستار فيذبل
يعني في مكان بعيد ولذلك قال: علا قطناً بالشِّيمْ أيمن صوبه و«الشيم» يعني رؤية السحاب، من شام السحاب:أي نظر أين يقع مطره.
المكاكي
إلى أن قال بعد ذلك:
كأن مكاكي الجِواء عُديّةً =صُبحن سُلافاً من رحيق مفلفلٍ
يعني أن الشاعر مشى من «أبان» متجهاً شرقاً حتى وصل «عيون الجواء»..
أم سالم
** وما هي المكاكي..؟
- المكاكي جمع «مكاء» وهو أم سالم الطائر المشهور، وأنا حددت هذه الأماكن التي وردت في قصيدة إمرئ القيس، علماً أن الشاعر إمرأ القيس ذكر أماكن كثيرة في القصيم وهو ليس من أهل القصيم، هو أساساً يماني ولكنه مولود في بلاد القصيم..
لبيد
** ومن غير هؤلاء من الشعراء..؟
- الشاعر لبيد بني ربيعة رضي الله عنه صاحب المعلقة، فقد ذكر أماكن كثيرة في القصيم، وقمنا بتحديدها وبعضها لم يتغير اسمه.
تاريخ
** إذن «القصيم» منطقة مهمة تاريخياً..؟
- نعم.. منطقة القصيم حافلةٌ بالأماكن التاريخية، وحافلة بالمواضع التي يجب أن يحققها الباحث..
مصطلح
** لكن هل المعنى الجغرافي للقصيم هو المعنى الإداري له..؟
- لا.. فالقصيم في الحقيقة قصيمان إن صح التعبير...
قصيمان
** كيف..؟
- ورد في المعجم الجغرافي : «القصيم» جمع قصيمة وهي الرملة التي تنبت «الغضى»، وهذا القصيم الجغرافي: منطقة بريدة، منطقة عنيزة، منطقة البكيرية التي فيها الرمال التي تنبت الغضى، لكن ألحق بمنطقة القصيم أماكن أخرى..
فرق
** هل اقتصر بحثك في المعجم على القصيم الجغرافي..؟
- لا.. فقد واصلت البحث عن جميع القصيم سواء الجغرافي أو الإداري، وهذا فرقٌ آخر بين ما كتبته وبين ما كتبه الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن «شمال الجزيرة» فهو عالم وباحث ومطلع دون شك، ولكن لأنني من القصيم فإن لدي الكثير من الأمور غير المسجلة من الحكايات الشعبية والأمثال التي استفدت منها..
مثل
** مثل ماذا..؟
- هناك مثلٌ له دلالة مكانية حيث يقول:«كل جبلِ تمسّيه المطيّة.. إلا ساق وطميّة» ومعناه أن كل جبل تراه وأنت في الصباح فإنك في المساء سوف تصل إليه إلا جبليْ ساق وطميّة فإنك لا تستطيع أن تصل إليهما..
زيارات
** زرت كثيراً من الدول في هذا الإطار..؟
- لقد يسّر الله سبحانه وتعالى أن أذهب إلى كل مكان في العالم حتى إني زرت أماكن عجيبة جداً حول العالم ونحن نقوم بتسجيل ما تم رصده من سوانح وذكريات عن تلك الرحلات في برنامج إذاعي يبث من إذاعة القرآن الكريم وقد وصلت حلقاته إلى 172 حلقة..
فريق
** علاقتك بالشيخ سعد الجنيدل تبدو مختلفة.. أعني متميزة لمن يعرفكما.. كيف..؟
- بيني وبين الشيخ سعد الجنيدل علاقة وثيقة، وأذكر أن الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله- طلب من الملك فيصل أن يوجه وزارة الإعلام لتنظيم رحلة علمية نجول خلالها على بعض الأماكن التي نكتب عنها وفعلاً قمنا بالرحلة نحن الثلاثة.. أنا والشيخ حمد الجاسر والشيخ سعد الجنيدل، وكانت وزارة الإعلام قد موّلت تلك الرحلة فأرسلت معنا سيارتين من نوع «جيب» وسيارتين أخريين من نوع «وانيت» و«لوري» وكان معنا في تلك الرحلة فريق عمل متكامل مزودٌ بما نحتاج إليه من مؤونة ومال، وكان مقرراً لنا أن نأكل في كل يوم ذبيحة، نأكل نصفها في وجبة الغداء ونصفها الآخر في وجبة العشاء..
ضب
** إذن.. فقد كانت رحلة ثريّة لثلاثتكم..؟
- كانت الرحلة لا تخلو من طرائف، وأذكر أن المرافقين صادوا لهم «ضباً» فقاموا بإمساكه بعد كر وفرّ وكانوا فرحين بإمساكهم إياه وكانوا يصرخون قائلين: «ضب.. ضب» أمسكوا به، والعجيب في الأمر أنه مقرّر لنا كل يوم ذبيحة «خروف» من أجود أنواع الطعام، فأخبرتهم بعدم رغبتي في أكل ذلك الضب، لكن الشيخين حمد الجاسر وسعد الجنيدل يحبان أكله، فقمت بإعلامهم وأنا أحلف بالله قائلاً: «والله لو دخل الضب مع الطعام لا أذوقه» فطبخوا لهما في قدر مستقل، وعندما حان موعد الطعام عاتبتهما وقلت لهما: لا بأس بأكل «الضب» في الماضي عندما كان الناس جوعى وكانت تنقصهم اللحوم، أما اليوم ولله الحمد فالخيرات موجودة وعندنا خروف وهو بري رعوي..
مكان
** أين كنتم حينها..؟
- كنا في طريق الرحلة بين مدينتي الرياض والدوادمي، وعندما وصلنا إلى الأخيرة استقبلنا أميرها..
تخويص
** كان ذلك في عام 1395هـ.. أليس كذلك..؟
- بلى.. وأذكر أننا في تلك الرحلة سمعنا باغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- وأنه بويع في تلك الليلة الملك خالد بن عبد العزيز ملكاً على البلاد فاطمأنت قلوبنا واستكملنا الرحلة وفوجئنا من بعد بمسلحين يصوبون علينا ويأمروننا بالوقوف وكانوا يقولون: «وقفوا.. وقفوا.. وش عندكم، أيش وراكم».. فخاطبناهم برفق، وبينّا لهم هوياتنا وأخبرناهم أننا نقوم برحلة علمية، لدراسة الأماكن من الناحية التاريخية، إلا أن هؤلاء المسلحين رجال من البادية لا يفقهون شيئاً عن ذلك ولا يعلمون ما هي الأماكن التاريخية، فقالوا لنا غاضبين: «.... أنتم.. أنتم تُخّوصون» والخوص يعني الذي يتجول في مكان ما ويظل يدور فيه غير قاصد مكاناً معيناً، وأكملوا: نأخذكم إلى الأمير، فقلنا لهم: سمعاً وطاعة، ذهبنا لأمير القرية تلك، فأحسن وفادتنا، واعتذر إلينا عن تصرف الجنود وقال: إن وزارة الداخلية قامت بالتأكيد على جميع المدن والقرى والمحافظات بوجوب استتباب الأمن وملاحظة أي تصرف غريب، فأخذ ذلك الأمير يلاطفنا بالحديث ويلزم علينا بالغداء فقلنا له مداعبين «غدانا أن تطلقنا»..
استقلال
** كم استغرقت الرحلة..؟
- استغرقت حوالي ستة عشر يوماً، وكانت تلك الرحلة مفيدة بالنسبة إلينا نحن الثلاثة، وكان كل واحد فينا يكتب باستقلال عن الآخر..
جريدة الجزيرة يوم الأحد 13 ,شوال 1424 هـ العدد : ( 11392 ) في
حلقتين اذهب إلى الحلقة الأولى من هنا (http://search.suhuf.net.sa/cgi-bin/search/open_doc.cgi?dt=2003-12-07&action=view&doit=1&split=true&pics=1&svalue=100&page=d:\archive\2003jaz\dec\7\wj1.htm&keyword=محمد%20بن%20ناصر%20العبودي%20لـ%20«%20واجه ة%20ومواجهة%20&dt=2003-12-07&action=view&doit=1&split=true&pics=1&svalue=100)
وإلى الثانية من هنا (http://www.al-jazirah.com.sa/178841/wj1d.htm)
وقد دلني عليها وخصني بها أخي أبو سليمان ( حفر لوجيا ) فالفضل في ذلك يعود إليه
جزاه الله عني خيرا =============
http://www.mekshat.com/pix/upload/images3/abody.jpg
إعداد وحوار: إبراهيم عبدالرحمن التركي -
** أما الواجهة
فعلماءُ في «عَلَم».. سافر في «الزمان»
وارتحل في «المكان»..
وتخصص في حكايات «الإنسان».. و«الأوطان»..
***
** وأما المواجهة..
فترحالٌ مع «رحّالة»..
مبتدؤُه «مثل»، وسياحتُه «عمل»..
وسعيُه «أمل»..!
***
** رجل بسيطٌ في «مظهره»..
عميق في «جوهره»..
تألفُه حين تراه..
وتغادره.. ولا تنساه..
يعرّفك «بنفسك» و«ناسك»..
و«أصلك» و«فصلك»..
و«تاريخك» الذي يتصل بك..
وربما تكون قد انفصلتَ عنه..!
***
** جغرافيٌ / مؤرخ..
رحالة/ نسّابة..
رجل علم / ودولة..
طوّف في الآفاق..
وغاص في الأعماق..
واخترق الأنفاق..
واجهتْه مصاعب.. فما كلّ..
وامتدتْ به السبل.. وما ملّ..
***
** جاز «القفار» و«البحار»..
وواصل الليل بالنهار..
أعدّ نفسه مبكراً
فقرأ.. وكتب..
وبحث.. وتعب..
وأمدّ المكتبة العربية..
بعشرات الكتب..!
***
معالي الشيخ:
محمد بن ناصر العبودي
الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي
وشخصية العام الثقافية بمهرجان الجنادرية
كتب كتابات كثيرة وأصدرت كتباً عديدة بلغت «مائة وسبعة وستين «167» كتاباً حتى الآن.
سبق
** ما شاء الله.. وإذن.. فشخصية الشيخ محمد بن ناصر العبودي من الصعب حصرها في توصيفٍ محدد.. فهو صاحب المعجم الجغرافي والأمثال العامية والرحلات العالميّة وخبير الأنساب القبلية وكاتب القصص السردية هذا عدا العمل الدعوي والعمل التعليمي منذ أن كنت مديراً لمعهد «بريدة» العلمي
** هناك كتب كثيرة لك، لكن ما يستوقفنا مشاركتك في «المعجم الجغرافي»، غير أنا نلاحظ اختلافاً في المنهج والدراسة بينك وبين نظيرك الشيخ حمد الجاسر رحمه الله..؟
- أولاً مثلما تفضلتم فإن معجم «بلاد القصيم» هو معجم جغرافي تاريخي، وهو لم يلِ كتاب «الأمثال العامية في نجد» بل إن بينهما كتباً، ولكن ما دام أنكم رأيتم الحديث عنه فأنا أقول: إنه من الأساس لم يكن بيننا اتفاق مع الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- على أن نكون نسخةً واحدة، فكلُ واحد يؤلف ويكتب على حدة، والشيخ حمد الجاسر لا يدري ماذا صنعت بالمعجم إلا أن يسألني عن أحوالي مع التأليف ولكنني أختلف معه اختلافاً كثيراً، خصوصاً مع كتابه الذي صدر متزامناً مع معجمي وهو «معجم شمال المملكة» -في ثلاثة مجلدات- بخلاف كتابي «المعجم الجغرافي لبلاد القصيم» الذي صدر في ستة مجلدات، ثمّ بعد ذلك نشرالشيخ الجاسر «معجم شرق الجزيرة» ولكن حسبما فهمت من سؤالكم فإن المقارنة تمت بسبب أن تلك المعاجم قد صدرت متزامنة، وفي الحقيقة أنا اخترت طريقة ولم أقل للشيخ حمد أنا اخترت هذه الطريقة وأحتاج إلى أن توافق عليها.. لأن المجال ليس مجال الموافقة، وكل واحد منا يعمل مستقلاً في معجمه، وأنا اخترت أن يكون المعجم معجماً حيَّاً، ومعناه أن نذكر المسمى الحالي الذي يسمى به الموضع الذي نتكلم عنه..
خطة
** إذن لم تضعوا « أنت والجاسر والجنيدل وابن خميس والعقيلي..» خطة موحدة لعمل المعاجم..؟- هذا صحيح.. فالشيخ حمد الجاسر «رحمه الله» -في بعض مواد معجمه «في شمال المملكة» وربما يكون في أكثر معاجمه- يعوّل على الاسم التاريخي فيبدأ به أولاً، ثم بعد ذلك يأتي بالمعلومات الحديثة، وفي هذا اختلاف بيننا كما تفضلتم أنتم وقلتم..
منهج
** دعنا نأخذ نبذةً عن منهجك..؟
- بالنسبة لمعجمي فإنني أتحدث عن منطقة «القصيم» وهي في الحقيقة أصغر مساحة من الرقعة التي يتحدث عنها الشيخ حمد الجاسر ولكنّها حافلةٌ بل أكثر ازدحاماً بالمواضع والأماكن التاريخية التي وردت في الأشعار «الجاهلية - صدر الإسلام»، حيث وردت أخبارها في كتب التاريخ والأدب..
سبب
** ما هو السبب في تحليلك..؟
- السبب في ذلك أن بلاد القصيم يمرّ بها «طريق حاج البصرة» وهذا من الأسباب التي دعتني إلى تأليف المعجم، فطريق حاج البصرة وجد قبل أن تبنى مدينة بغداد، حيث كانت هناك طريقان: طريق للحجاج البغداديين وطريق للحجاج البصريين..
طريق
** لكن طريق حاج البصرة ليس مقصوراً على أهل البصرة..؟
- نعم.. فطريق حاج البصرة بدأ سلوكه وترتيبه والعمل فيه قبل أن تبنى بغداد، وسُميّ طريق حاج البصرة مع أنه ليس مقتصراً على أهل البصرة، بل ماكان عنها إلى الشرق فالقادمون من خراسان وما يسمى -الآن- إيران وحتى بخارى كلهم يأتون عن طريق حاج البصرة ثم أهملت هذه الطريق ولكنها خُلّدت في الأشعار والكتب وهي التي حفظت لنا أماكن كثيرة في القصيم..
عمر
** هل هذا هو الأمر الوحيد الذي جعل للقصيم شهرة..؟
- لا.. فالشيء الثاني المهم هو «الحمى» الذي هو «حمى ضريّة» وقد حماه «عمر بن الخطاب رضي الله عنه»، فهو أول من حمى ضريّة ولكن هناك حمىً حماه قبله النبي صلى الله عليه وسلم لإبل الصدقة وهو «حمى الرَبَذَة»..
حمى
** ما الذي يعنيه «الحمى» لنا وللباحثين غير أنه أماكن لرعي الإبل..؟
- لابد أن نعرف فلسفة هذا الحمى وعلاقته بإبل الصدقة التي هي الإبل التي يأخذها الحاكم من أموال الناس، فإذا كان عندك مئة بعير وحال عليها الحول، تجبُ عليك حينئذ زكاةٌ من نوعية «الأباعر» تأخذها الحكومة، هذه الأباعر تحتاج إلى مراع، وتحتاج إلى عناية، و«المدينة المنورة» ليست مثل بلاد نجد بها مراتع، وليست فيها الأعشاب الموجودة في نجد، وليست فيها الأراضي المنسبطة التي تنبت الكلأ والعشب الذي يستر طويلاً عقب نزول المطر، وكانت الفكرة بعد ذلك على زمن «عمر» توسعة الحمى بحيث يكون في أحسن منطقة في الجزيرة العربية من ناحية الرعي المناسب للإبل، ويقول المؤرخون عن «جزيرة العرب» «إنها أكرم بلاد الله نباتاً»، فهم لم يعرفوا بعد ما جاورها من البلدان كالقارات الأوربية والأميركية ويقصدون بذلك من قولهم: مواضع الرعي في الجزيرة العربية..
تجميع
** لماذا تجمع إبل الصدقة في حمىً محدد..؟
- لأن إبل الصدقة كانت حينذاك بمثابة الدبابات والطائرات والسيارات في عصرنا هذا، وكانت الإبل هي الوسيلة التي ينتقل عليها المجاهدون، «فحمى ضريّة» صارت تزداد فيه أعداد الماشية حتى وصلت في عهد «عثمان بن عفان رضي الله عنه» إلى ثمانين ألف «80» بعير، وهذه بطبيعة الحال تحتاج إلى رعاة، ولكن القصد من ذلك ليس مجرد استثمارها بمعني أن تشتري وتباع بل توفيرها للمسلمين للجهاد في سبيل الله لأنهم لا يستطيعون أن يذهبوا إلا على «الإبل» حيث لا يوجد مركوب آخر في ذلك الوقت، فكون «القصيم» وبالذات «حمى ضَِرِيّة» الذي هو في «غرب القصيم» الآن يجتمع فيه هذا العدد الضخم من إبل الصدقة ويكون مكاناً مختاراً لرعي إبل الصدقة، جعل الناس يمسحونه مسحاً، وكل موضع صغير فيه هو غالباً اسم مذكور في شعر أو تاريخ..
أهمية
** إذن «الحمى» إضافة إلى «طريق الحاج» عاملان فاعلان في تكوين أهمية القصيم..؟
- نعم.. وأيضاً من جهة ثالثة نجد أن معظم شعراء المعلقات ذكروا في معلقاتهم أماكن في القصيم حتى لو لم يكونوا من أهلها، ونحن نعرف أن عنترة بن شداد «الشاعر الجاهلي المعروف» من أهل القصيم، لأن مساكن «بني عبس» كانت في القصيم، والأماكن التي أشار إليها في قصائده: مثل «الجواء» لا تزال معروفة، وهناك الشاعر الجاهلي «زهير بن أبي سُلمى» صاحب المعلقة وهو من أعلى بلاد «القصيم» شمال غرب عن «أبان» وغرب عن «الفوّاره» وبالتحديد في الشمال الغربي من القصيم، ثم إن هناك أصحاب المعلقات ممن هم ليسوا من «بلاد القصيم» لكنهم ذكروا أماكن كثيرة فيها مثل «الشاعر إمرئ القيس» وأنا حدّدت المكان الذي اجتمع فيه «امرؤ القيس» مع صحبه وهو موقع «مطار القصيم المركزي» في الوقت الحاضر..
إشارات
** يعني في «المليداء».. لكن ما هي الإشارات التي اعتمدت عليها في هذا التحديد الدقيق..؟- تأمل من شعر «امرئ القيس» قوله:
أصاحِ ترى برقاً أُريك وميضه=كلمع اليدين في حَبي مكلل
قعدت له وصحبتي بين «ضارج»=وبين «العُذيب» بُعْدَ ما متأمل
ضارج
- «ضارج» هو المكان الموجود الآن في الشِقة ويسمى «ضاري».. وسُميّ بذلك لأنه سكنه قومٌ من بني تميم وهم يقلبون في كلامهم «الجيم» إلى «الياء»، مثل ما يعمل الآن أهالي حوطة بني تميم في قلب «الجيم» «ياء»
قعدت له وصحبتي بين «ضارج».
- وبين «العُذيب»، و«العذيب» ماءٌ عذب في أعلى الخبوب وهو الآن يقع في الجنوب الشرقي من «مطار القصيم المركزي» ويسمونه الآن «المعذب» وهو مكان «الاستعذاب»، أي المكان الذي يكون ماؤه عذباً..
قعدت له وصحبتي بين «ضارج»
وبين «العذيب» بُعْدَ ما متأمل
الشيم
علا قطناً بالشِّيمْ أيمن صوبه=وأيسره على الستار فيذبل
يعني في مكان بعيد ولذلك قال: علا قطناً بالشِّيمْ أيمن صوبه و«الشيم» يعني رؤية السحاب، من شام السحاب:أي نظر أين يقع مطره.
المكاكي
إلى أن قال بعد ذلك:
كأن مكاكي الجِواء عُديّةً =صُبحن سُلافاً من رحيق مفلفلٍ
يعني أن الشاعر مشى من «أبان» متجهاً شرقاً حتى وصل «عيون الجواء»..
أم سالم
** وما هي المكاكي..؟
- المكاكي جمع «مكاء» وهو أم سالم الطائر المشهور، وأنا حددت هذه الأماكن التي وردت في قصيدة إمرئ القيس، علماً أن الشاعر إمرأ القيس ذكر أماكن كثيرة في القصيم وهو ليس من أهل القصيم، هو أساساً يماني ولكنه مولود في بلاد القصيم..
لبيد
** ومن غير هؤلاء من الشعراء..؟
- الشاعر لبيد بني ربيعة رضي الله عنه صاحب المعلقة، فقد ذكر أماكن كثيرة في القصيم، وقمنا بتحديدها وبعضها لم يتغير اسمه.
تاريخ
** إذن «القصيم» منطقة مهمة تاريخياً..؟
- نعم.. منطقة القصيم حافلةٌ بالأماكن التاريخية، وحافلة بالمواضع التي يجب أن يحققها الباحث..
مصطلح
** لكن هل المعنى الجغرافي للقصيم هو المعنى الإداري له..؟
- لا.. فالقصيم في الحقيقة قصيمان إن صح التعبير...
قصيمان
** كيف..؟
- ورد في المعجم الجغرافي : «القصيم» جمع قصيمة وهي الرملة التي تنبت «الغضى»، وهذا القصيم الجغرافي: منطقة بريدة، منطقة عنيزة، منطقة البكيرية التي فيها الرمال التي تنبت الغضى، لكن ألحق بمنطقة القصيم أماكن أخرى..
فرق
** هل اقتصر بحثك في المعجم على القصيم الجغرافي..؟
- لا.. فقد واصلت البحث عن جميع القصيم سواء الجغرافي أو الإداري، وهذا فرقٌ آخر بين ما كتبته وبين ما كتبه الشيخ حمد الجاسر رحمه الله عن «شمال الجزيرة» فهو عالم وباحث ومطلع دون شك، ولكن لأنني من القصيم فإن لدي الكثير من الأمور غير المسجلة من الحكايات الشعبية والأمثال التي استفدت منها..
مثل
** مثل ماذا..؟
- هناك مثلٌ له دلالة مكانية حيث يقول:«كل جبلِ تمسّيه المطيّة.. إلا ساق وطميّة» ومعناه أن كل جبل تراه وأنت في الصباح فإنك في المساء سوف تصل إليه إلا جبليْ ساق وطميّة فإنك لا تستطيع أن تصل إليهما..
زيارات
** زرت كثيراً من الدول في هذا الإطار..؟
- لقد يسّر الله سبحانه وتعالى أن أذهب إلى كل مكان في العالم حتى إني زرت أماكن عجيبة جداً حول العالم ونحن نقوم بتسجيل ما تم رصده من سوانح وذكريات عن تلك الرحلات في برنامج إذاعي يبث من إذاعة القرآن الكريم وقد وصلت حلقاته إلى 172 حلقة..
فريق
** علاقتك بالشيخ سعد الجنيدل تبدو مختلفة.. أعني متميزة لمن يعرفكما.. كيف..؟
- بيني وبين الشيخ سعد الجنيدل علاقة وثيقة، وأذكر أن الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله- طلب من الملك فيصل أن يوجه وزارة الإعلام لتنظيم رحلة علمية نجول خلالها على بعض الأماكن التي نكتب عنها وفعلاً قمنا بالرحلة نحن الثلاثة.. أنا والشيخ حمد الجاسر والشيخ سعد الجنيدل، وكانت وزارة الإعلام قد موّلت تلك الرحلة فأرسلت معنا سيارتين من نوع «جيب» وسيارتين أخريين من نوع «وانيت» و«لوري» وكان معنا في تلك الرحلة فريق عمل متكامل مزودٌ بما نحتاج إليه من مؤونة ومال، وكان مقرراً لنا أن نأكل في كل يوم ذبيحة، نأكل نصفها في وجبة الغداء ونصفها الآخر في وجبة العشاء..
ضب
** إذن.. فقد كانت رحلة ثريّة لثلاثتكم..؟
- كانت الرحلة لا تخلو من طرائف، وأذكر أن المرافقين صادوا لهم «ضباً» فقاموا بإمساكه بعد كر وفرّ وكانوا فرحين بإمساكهم إياه وكانوا يصرخون قائلين: «ضب.. ضب» أمسكوا به، والعجيب في الأمر أنه مقرّر لنا كل يوم ذبيحة «خروف» من أجود أنواع الطعام، فأخبرتهم بعدم رغبتي في أكل ذلك الضب، لكن الشيخين حمد الجاسر وسعد الجنيدل يحبان أكله، فقمت بإعلامهم وأنا أحلف بالله قائلاً: «والله لو دخل الضب مع الطعام لا أذوقه» فطبخوا لهما في قدر مستقل، وعندما حان موعد الطعام عاتبتهما وقلت لهما: لا بأس بأكل «الضب» في الماضي عندما كان الناس جوعى وكانت تنقصهم اللحوم، أما اليوم ولله الحمد فالخيرات موجودة وعندنا خروف وهو بري رعوي..
مكان
** أين كنتم حينها..؟
- كنا في طريق الرحلة بين مدينتي الرياض والدوادمي، وعندما وصلنا إلى الأخيرة استقبلنا أميرها..
تخويص
** كان ذلك في عام 1395هـ.. أليس كذلك..؟
- بلى.. وأذكر أننا في تلك الرحلة سمعنا باغتيال الملك فيصل بن عبد العزيز -رحمه الله- وأنه بويع في تلك الليلة الملك خالد بن عبد العزيز ملكاً على البلاد فاطمأنت قلوبنا واستكملنا الرحلة وفوجئنا من بعد بمسلحين يصوبون علينا ويأمروننا بالوقوف وكانوا يقولون: «وقفوا.. وقفوا.. وش عندكم، أيش وراكم».. فخاطبناهم برفق، وبينّا لهم هوياتنا وأخبرناهم أننا نقوم برحلة علمية، لدراسة الأماكن من الناحية التاريخية، إلا أن هؤلاء المسلحين رجال من البادية لا يفقهون شيئاً عن ذلك ولا يعلمون ما هي الأماكن التاريخية، فقالوا لنا غاضبين: «.... أنتم.. أنتم تُخّوصون» والخوص يعني الذي يتجول في مكان ما ويظل يدور فيه غير قاصد مكاناً معيناً، وأكملوا: نأخذكم إلى الأمير، فقلنا لهم: سمعاً وطاعة، ذهبنا لأمير القرية تلك، فأحسن وفادتنا، واعتذر إلينا عن تصرف الجنود وقال: إن وزارة الداخلية قامت بالتأكيد على جميع المدن والقرى والمحافظات بوجوب استتباب الأمن وملاحظة أي تصرف غريب، فأخذ ذلك الأمير يلاطفنا بالحديث ويلزم علينا بالغداء فقلنا له مداعبين «غدانا أن تطلقنا»..
استقلال
** كم استغرقت الرحلة..؟
- استغرقت حوالي ستة عشر يوماً، وكانت تلك الرحلة مفيدة بالنسبة إلينا نحن الثلاثة، وكان كل واحد فينا يكتب باستقلال عن الآخر..