تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كلام ابن تيمية رحمه الله وبيان سبب عدم الأخذ بالحساب



جرير الشاعر
25/08/2008, 02:19 AM
إذا تبين هذا فكتاب أيام الشهر وحسابه من هذا الباب كما قدمناه فان من كتب مسير الشمس والقمر بحروف ابجد ونحوها وحسب كم مضى من مسيرها ومتى يلتقيان ليلة الاستسرار ومتى يتقابلان ليلة الابدار ونحو ذلك فليس فى هذا الكتاب والحساب من الفائدة الا ضبط المواقيت التى يحتاج الناس اليها فى تحديد الحوادث والاعمال ونحو ذلك كما فعل ذلك غيرنا من الأمم فضبطوا مواقيتهم بالكتاب والحساب كما يفعلونه بالجداول او بحروف الجمل وكما يحسبون مسير الشمس والقمر ويعدلون ذلك ويقومونه بالسير الأوسط حتى يتبين لهم وقت الاستسرار والابدار وغير ذلك فبين النبى انا أيتها الأمة الأمية لا نكتب هذا الكتاب ولا نحسب هذا الحساب فعاد كلامه الى نفي الحساب والكتاب فيما يتعلق بأيام الشهر الذي يستدل به على استسرار الهلال وطلوعه
وقد قدمنا فيما تقدم ان النفي وإن كان على اطلاقه يكون عاما فاذا كان فى سياق الكلام ما يبين المقصود علم به المقصود أخاص هو أم عام فلما قرن ذلك بقوله الشهر ثلاثون و الشهر تسعة وعشرون بين أن المراد به انا لا نحتاج فى أمر الهلال الى كتاب ولا
(المجلد25/الصفحة173)

حساب اذ هو تارة كذلك وتارة كذلك والفارق بينهما هو الرؤية فقط ليس بينهما فرق آخر من كتاب ولا حساب كما سنبينه فان أرباب الكتاب والحساب لا يقدرون على ان يضبطوا الرؤية بضبط مستمر وإنما يقربوا ذلك فيصيبون تارة ويخطئون اخرى
وظهر بذلك ان الأمية المذكورة هنا صفة مدح وكمال من وجوه من جهة الاستغناء عن الكتاب والحساب بما هو أبين منه وأظهر وهو الهلال ومن جهة ان الكتاب والحساب هنا يدخلهما غلط ومن جهة أن فيهما تعبا كثيرا بلا فائدة فان ذلك شغل عن المصالح إذ هذا مقصود لغيره لا لنفسه واذا كان نفى الكتاب والحساب عنهم للاستغناء عنه بخير منه وللمفسدة التى فيه كان الكتاب والحساب فى ذلك نقصا وعيبا بل سيئة وذنبا فمن دخل فيه فقد خرج عن الأمة الأمية فيما هو من الكمال والفضل السالم عن المفسدة ودخل فى امر ناقص يؤديه الى الفساد والاضطراب
وأيضا فانه جعل هذا وصفا للامة كما جعلها وسطا فى قوله تعالى جعلناكم أمة وسطا فالخروج عن ذلك اتباع غير سبيل المؤمنين
(المجلد25/الصفحة174)

وايضا فالشىء إذا كان صفة للامة لأنه اصلح من غيره ولان غيره فيه مفسدة كان ذلك مما يجب مراعاته ولا يجوز العدول عنه الى غيره لوجهين لما فيه من المفسدة ولأن صفة الكمال التى للامة يجب حفظها عليها فان كان الواحد لا يجب عليه فى نفسه تحصيل المستحبات فان كل ما شرع للامة جميعا صار من دينها وحفظ مجموع الدين واجب على الامة فرض عين أو فرض كفاية ولهذا وجب على مجموع الأمة حفظ جميع الكتاب وجميع السنن المتعلقة بالمستحبات والرغائب وإن لم يجب ذلك على آحادها ولهذا أوجب على الأمة من تحصيل المستحبات العامة ما لا يجب على الافراد وتحصيله لنفسه مثل الذى يؤم الناس فى صلاته فانه ليس له ان يفعل دائما ما يجوز للمنفرد فعله بل يجب عليه أن لا يطول الصلاة تطويلا يضر من خلفه ولا ينقصها عن سننها الراتبة مثل قراءة السورتين الأوليين واكمال الركوع والسجود ونحو ذلك حتى أن النبى أمر الصحابة بعزل امام كان يصلى لبصاقه فى قبلة المسجد وقال يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله فان كانوا فى القراءة سواء فاعلمهم بالسنة فان كانوا فى السنة سواء والحديث وقال اذا أم الرجل القوم وفيهم من هو خير منه لم يزالوا فى سفال

(المجلد 25/الصفحة175)

ولهذا قال الفقهاء ان الامام المقيم بالناس حجهم عليه أن يأتى
(25/175)

بكمال الحج من تأخير النفر الى الثالث من منى ولا يتعجل فى النفر الاول ونحو ذلك من سنن الحج التى لو تركها الواحد لم يأثم وليس للامام تركها لأجل مصلحة عموم الحجيج من تحصيل كمال الحج وتمامه ولهذا لما اجتمع على عهد رسول الله عيدان فشهد العيد ثم رخص فى الجمعة قال انا مجمعون فقال احمد فى المشهور عنه وغيره ان على الامام ان يقيم لهم الجمعة ليحصل الكمال لمن شهدهما وان جاز للآحاد الانصراف
ونظائره كثيرة مما يوجب أن يحفظ للأمة فى أمرها العام فى الازمنة والامكنة والاعمال كمال دينها الذى قال الله فيه اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا فما افضى الى نقص كمال دينها ولو بترك مستحب يفضى الى تركه مطلقا كان تحصيله واجبا على الكفاية اما على الأئمة واما على غيرهم فالكمال والفضل الذى يحصل برؤية الهلال دون الحساب يزول بمراعاة الحساب لو لم يكن فيه مفسدة
الوجه الثانى ما دلت عليه الاحاديث ما فى قوله لا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه كما ثبت ذلك عنه من حديث ابن عمر فنهى عن الصوم قبل رؤيته وعن الفطر قبل
(25/176)

رؤيته ولا يخلو النهى اما أن يكون عاما فى الصوم فرضا ونفلا ونذرا وقضاء أو يكون المراد فلا تصوموا رمضان حتى تروه على التقديرين فقد نهى ان يصام رمضان قبل الرؤية والرؤية الاحساس والابصار به فمتى لم يره المسلمون كيف يجوز ان يقال قد اخبر مخبر انه يرى واذا رؤى كيف يجوز ان يقال اخبر مخبر أنه لا يرى وقد علم ان قوله فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه ليس المراد به انه لا يصومه أحد حتى يراه بنفسه بل لا يصومه احد حتى يراه او يراه غيره
وفى الجملة فهو من باب عموم النفى لا نفى العموم اى لا يصومه أحد حتى يرى او حتى يعلم انه قد رؤى أو ثبت أنه قد رؤى ولهذا لما اختلف االسلف ومن بعدهم فى صوم يوم الشك من رمضان فصامه بعضهم مطلقا فى الصحو والغيم احتياطا وبعضهم كره صومه مطلقا فى الصحو والغيم كراهة الزيادة فى الشهر وفرق بعضهم بين الصحو والغيم لظهور العدم فى الصحو دون الغيم كان الذى صاموه احتياطا انما صاموه لا مكان أن يكون قد رآه غيرهم فينقصونه فيما بعد وأما لو علموا انه لم يره احد لم يكن احد من الامة يستجيز أن يصومه لكون الحساب قد دل على انه يطلع ولم ير مع ذلك كما
(25/177)

ان الجمهور الذى كرهوا صومه لم يلتفتوا إلى هذا الجواب اذ الحكم ممدود الى وقوع الرؤية لا الى جوازها
وإختلف هؤلاء هل يجوز او يكره او يحرم او يستحب ان يصام بغير نية رمضان اذا لم يوافق عادة على أربعة أقوال هذا يجوزه او يستحبه حملا للنهى عن صوم رمضان ويكرهه ويحظره لنهيه عن التقدم ولخوف الزيادة ولمعان أخر
ثم اذا صامه بغير نية رمضان او بنيته المكروهة فهل يجزئه اذا تبين أو لا يجزئه بل عليه القضاء على قولين للامة واذا لم يتبين انه رؤى الا من النهار فهل يجزئه انشاء النية من النهار على قولين للامة
ولو تبين انه رؤي فى مكان أخر فهل يجب القضاء او لا يجب مطلقا ام اذا كان دون مسافة القصر ام اذا كانت الرؤية فى الاقليم ام اذا كان العمل واحدا وهل تثبت الرؤية بقول الواحد ام الاثنين مطلقا ام لابد فى الصحو من عدد كثير هذا مما تنازع فيه المسلمون فهذه المسائل التى تنازع فيها المسلمون التى تتعلق بيوم الثلاثين وتفرع بسببها مسائل أخر لعموم البلوى بهذا
(25/178)

الامر ولما فهموه من كلام الله ورسوله ورأوه من اصول شريعته ولما بلغهم عن الصدر الاول
وهى من جنس المسائل التى تنازع فيها اهل الاجتهاد بخلاف من خرج فى ذلك الى الاخذ بالحساب أو الكتاب كالجداول وحساب التقويم والتعديل المأخوذ من سيرهما وغير ذلك الذى صرح رسول الله بنفيه عن امته والنهى عنه
ولهذا ما زال العلماء يعدون من خرج الى ذلك قد ادخل فى الاسلام ما ليس منه فيقابلون هذه الاقوال بالانكار الذى يقابل به أهل البدع وهؤلاء الذين ابتدعوا فيه ما يشبه بدع اهل الكتاب والصابئة انواع قوم منتسبة الى الشيعة من الاسماعيلية وغيرهم يقولون بالعدد دون الرؤية ومبدأ خروج هذه البدعة من الكوفة
فمنهم من يعتمد على جدول يزعمون ان جعفر الصادق دفعه اليهم ولم يأت به الا عبد الله بن معاوية ولا يختلف اهل المعرفة من الشيعة وغيرهم ان هذا كذب مختلق على جعفر اختلقه عليه عبد الله هذا وقد ثبت بالنقل المرضى عن جعفر وعامة أئمة أهل البيت ما عليه المسلمون وهو قول أكثر عقلاء الشيعة
(25/179)

ومنهم من يعتمد على أن رابع رجب اول رمضان او على ان خامس رمضان الماضى اول رمضان الحاضر
ومنهم من يروى عن النبى حديثا لا يعرف فى شيء من كتب الاسلام ولا رواه عالم قط أنه قال يوم صومكم يوم نحركم وغالب هؤلاء يوجبون ان يكون رمضان تاما ويمنعون ان يكون تسعة وعشرين
ومنهم من يعتمد على رؤيته بالمشرق قبل الاستسرار فيوجبون استسراره ليلتين ويقولون اول يوم يرى فى أوله فهو من الشهر الماضى واليوم يكون اليوم الذي لا يرى فى طرفيه ثم اليوم الذى يرى فى اخره هو اول الشهر الثانى ويجعلون مبدأ الشهر قبل رؤية الهلال مع العلم بأن الهلال يستسر ليلة تارة وليلتين أخرى وقد يستسر ثلاث ليال
فأما الذين يعتمدون على حساب الشهور وتعديلها فيعتبرونه برمضان الماضى او برجب أو يضعون جدولا يعتمدون عليه فهم مع مخالفتهم لقوله لا نكتب ولا نحسب إنما عمدتهم
(25/180)

تعديل سير النيرين والتعديل ان ياخذ اعلى سيرهما وادناه فياخذ الوسط منه ويجمعه
ولما كان الغالب على شهور العام ان الاول ثلاثون والثانى تسعة وعشرون كان جميع انواع هذا الحساب والكتاب مبنية على أن الشهر الاول ثلاثون والثانى تسعة وعشرون والسنة ثلاثمائة واربعة وخمسون ويحتاجون ان يكتبوا فى كل عدة من السنين زيادة يوم تصير فيه السنة ثلاثمائة وخمسة وخمسين يوما يزيدونه فى ذى الحجة مثلا فهذا أصل عدتهم وهذا القدر موافق فى أكثر الاوقات لان الغالب على الشهور هكذا ولكنه غير مطرد فقد يتوالى شهران وثلاثة واكثر ثلاثين وقد يتوالى شهران وثلاثة وأكثر تسعة وعشرين فينتقض كتابهم وحسابهم ويفسد دينهم الذي ليس بقيم وهذا من الاسباب الموجبة لئلا يعمل بالكتاب والحساب فى الاهلة
فهذه طريقة هؤلاء المبتدعة المارقين الخارجين عن شريعة الاسلام الذين يحسبون ذلك الشهر بما قبله من الشهور أما فى جميع السنين أو بعضها ويكتبون ذلك
وأما الفريق الثانى فقوم من فقهاء البصريين ذهبوا الى ان قوله
(25/181)

فاقدروا له تقدير حساب بمنازل القمر وقد روى عن محمد بن سيرين قال خرجت فى اليوم الذى شك فيه فلم ادخل على احد يؤخذ عنه العلم الا وجدته يأكل الا رجلا كان يحسب وياخذ بالحساب ولو لم يعلمه كان خيرا له وقد قيل ان الرجل مطرف بن عبد الله ابن الشخير وهو رجل جليل القدر إلا ان هذا ان صح عنه فهى من زلات العلماء وقد حكى هذا القول عن ابى العباس بن سريج ايضا وحكاه بعض المالكية عن الشافعي ان من كان مذهبه الاستدلال بالنجوم ومنازل القمر لم يتبين له من جهة النجوم ان الهلال الليلة وغم عليه جاز له ان يعتقد الصيام ويبيته ويجزئه وهذا باطل عن الشافعى لا اصل له عنه بل المحفوظ عنه خلاف ذلك كمذهب الجماعة وانما كان قد حكى ابن سريج وهو كان من اكابر اصحاب الشافعى نسبة ذلك اليه اذ كان هو القائم بنصر مذهبه
واحتجاج هؤلاء بحديث ابن عمر فى غاية الفساد مع ان ابن عمر هو الراوى عن النبى صلى الله عليه و سلم انا امة امية لا نكتب ولا نحسب فكيف يكون موجب حديثه العمل بالحساب وهؤلاء يحسبون مسيره فى ذلك الشهر ولياليه وليس لاحد منهم طريقة منضبطة اصلا بل اية طريقة سلكوها فان الخطأ واقع فيها ايضا فان الله سبحانه لم يجعل لمطلع الهلال حسابا مستقيما بل لا يمكن ان يكون الى رؤيته
(25/182)

طريق مطرد الا الرؤية وقد سلكوا طرقا كما سلك الاولون منهم من لم يضبطوا سيره الا بالتعديل الذى يتفق الحساب على انه غير مطرد وانما هو تقريب ثل ان يقال ان رؤي صبيحة ثمان وعشرين فهو تام وان لم ير صبيحة ثمان فهو ناقص وهذا بناء على ان الاستسرار لليلتين وليس بصحيح بل قد يستسر ليلة تارة وثلاث ليالى اخرى
وهذا الذي قالوه انما هو بناء على انه كل ليلة لا يمكث في المنزلة الا ستة اسباع ساعة لا اقل ولا اكثر فيغيب ليلة السابع نصف الليل ويطلع ليلة اربعة عشر من اول الليل الى طلوع الشمس وليلة الحادي والعشرين يطلع من نصف الليل وليلة الثامن والعشرين ان استسر فيها نقص والا كمل وهذا غالب سيره والا فقد يسرع ويبطىء
وأما العقل فاعلم ان المحققين من اهل الحساب كلهم متفقون على انه لا يمكن ضبط الرؤية بحساب بحيث يحكم بانه يرى لا محالة او لا يرى البتة على وجه مطرد وانما قد يتفق ذلك او لا يمكن بعض الاوقات ولهذ 1 كان المعتنون بهذا الفن من الامم الروم والهند والفرس والعرب وغيرهم مثل بطليموس الذي هو مقدم هؤلاء ومن بعدهم قبل الاسلام وبعده لم ينسبوا اليه فى الرؤية حرفا واحدا ولا حدوه كما حدوا اجتماع القرصين وانما تكلم به قوم منهم فى ابناء الاسلام مثل
(25/183)

كوشيار الديلمي وعليه وعلى مثله يعتمد من تكلم في الرؤية منهم وقد انكر ذلك عليه حذاقهم مثل ابى علي المروذي القطان وغيره وقالوا انه تشوق بذلك عند المسلمين والا فهذا لا يمكن ضبطه
ولعل من دخل فى ذلك منهم كان مرموقا بنفاق فما النفاق من هؤلاء ببعيد او يتقرب به الى بعض الملوك الجهال ممن يحسن ظنه بالحساب مع انتسابه الى الاسلام
وبيان امتناع ضبط ذلك ان الحاسب انما يقدره على ضبط شبح الشمس والقمر وجريهما انهما يتحاذيان في الساعة الفلانية فى البرج الفلانى في السماء المحاذي للمكان الفلانى من الارض سواء كان الاجتماع من ليل او نهار وهذا الاجتماع يكون بعد الاستسرار وقبل الاستهلال فان القمر يجري فى منازله الثمانية والعشرين كما قدره الله منازل ثم يقرب من الشمس فيستسر ليلة او ليلتين لمحاذاته لها فاذا خرج من تحتها جعل الله فيه النور ثم يزداد النور كلما بعد عنها الى ان يقابلها ليلة الابدار ثم ينقص كلما قرب منها الى ان يجامعها ولهذا يقولون الاجتماع والاستقبال ولا يقدرون ان يقولوا الهلال وقت المفارقة على كذا يقولون الاجتماع وقت الاستسرار والاستقبال وقت الابدار
(25/184)

ومن معرفة الحساب الاستسرار والابدار الذي هو الاجتماع والاستقبال فالناس يعبرون عن ذلك بالامر الظاهر من الاستسرار الهلالي فى آخر الشهر وظهوره فى اوله وكمال نوره فى وسطه والحساب يعبرون بالامر الخفي من اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار ومن استقبال الشمس والقمر الذي هو وقت الابدار فان هذا يضبط بالحساب
وأما الاهلال فلا له عندهم من جهة الحساب ضبط لانه لا يضبط بحساب يعرف كما يعرف وقت الكسوف والخسوف فان الشمس لا تكسف في سنة الله التى جعل لها الا عند الاستسرار اذا وقع القمر بينها وبين ابصار الناس على محاذاة مضبوطة وكذلك القمر لا يخسف الا فى ليالي الابدار على محاذاة مضبوطة لتحول الارض بينه وبين الشمس فمعرفة الكسوف والخسوف لمن صح حسابه مثل معرفة كل أحد ان ليلة الحادي والثلاثين من الشهر لابد ان يطلع الهلال وانما يقع الشك ليلة الثلاثين فنقول الحاسب غاية ما يمكنه اذا صح حسابه ان يعرف مثلا ان القرصين اجتمعا في الساعة الفلانية وانه عند غروب الشمس يكون قد فارقها القمر اما بعشر درجات مثلا او اقل او اكثر والدرجة هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءا من الفلك
(25/185)

فانهم قسموه اثنى عشر قسما سموها الداخل كل برج اثنا عشر درجة وهذا غاية معرفته وهي بتحديدكم بينهما من البعد فى وقت معين في مكان معين هذا الذي يضبطه بالحساب اما كونه يرى او لا يرى فهذا امر حسى طبيعي ليس هو امرا حسابيا رياضيا وانما غايته ان يقول استقرأنا انه اذا كان على كذا وكذا درجة يرى قطعا او لا يرى قطعا فهذا جهل وغلط فان هذا لا يجري على قانون واحد لا يزيد ولا ينقص فى النفي والاثبات بل اذا كان بعده مثلا عشرين درجة فهذا يرى ما لم يحل حائل واذا كان على درجة واحدة فهذا لا يرى
وأما ما حول العشرة فالامر فيه يختلف باختلاف اسباب الرؤية من وجوه
أحدها انها تختلف وذلك لان الرؤية تختلف لحدة البصر وكلاله فمع دقته يراه البصر الحديد دون الكليل ومع توسطه يراه غالب الناس وليست ابصار الناس محصورة بين حاصرين ولا يمكن ان يقال يراه غالب الناس ولا يراه غالبهم لانه لو رآه اثنان علق الشارع الحكم بهما بالاجماع وان كان الجمهور لم يروه فاذا قال لا يرى بناء على ذلك كان مخطئا في حكم الشرع وان قال يرى بمعنى انه يراه البصر الحديد فقد لا يتفق فيمن يتراءى له من يكون بصره حديدا
(25/186)

فلا يلتفت الى امكان رؤية من ليس بحاضر
السبب الثانى ان يختلف بكثرة المترائين وقلتهم فانهم اذا كثروا كان اقرب ان يكون فيهم من يراه لحدة بصره وخبرته بموضع طلوعه والتحديق نحو مطلعه واذا قلوا فقد لا يتفق ذلك فاذا ظن انه يرى قد يكونون قليلا فلا يمكن ان يروه واذا قال لا يرى فقد يكون المتراؤون كثيرا فيهم من فيه قوة على ادراك ما لم يدركه غيره
السبب الثالث انه يختلف باختلاف مكان الترائى فان من كان اعلى مكانا فى منارة او سطح عال او على رأس جبل ليس بمنزلة من يكون على القاع الصفصف او فى بطن واد كذلك قد يكون امام احد المترائين بناء أو جبل او نحو ذلك يمكن معه ان يراه غالبا وان منعه احيانا وقد يكون لا شيء امامه فاذا قيل يرى مطلقا لم يره المنخفض ونحوه واذا قيل لا يرى فقد يراه المرتفع ونحوه والرؤية تختلف بهذا اختلافا ظاهرا
السبب الرابع انه يختلف باختلاف وقت الترائى وذلك ان عادة الحساب انهم يخبرون ببعده وقت غروب الشمس وفى تلك
(25/187)

الساعة يكون قريبا من الشمس فيكون نوره قليلا وتكون حمرة شعاع الشمس مانعا له بعض المنع فكلما انخفض الى الافق بعد عن الشمس فيقوى شرط الرؤية ويبقى مانعها فيكثر نوره ويبعد عن شعاع الشمس فاذا ظن انه لا يرى وقت الغروب او عقبه فانه يرى بعد ذلك ولو عند هوية في المغرب وان قال أنه يضبط حاله من حين وجوب الشمس الى حين وجوبه فانما يمكنه ان يضبط عدد تلك الدرجات لانه يبقى مرتفعا بقدر ما بينهما من البعد اما مقدار ما يحصل فيه من الضوء وما يزول من الشعاع المانع له فان بذلك تحصل الرؤية بضبطه على وجه واحد يصح مع الرؤية دائما او يمتنع دائما فهذا لا يقدر عليه ابدا وليس هو فى نفسه شيئا منضبطا خصوصا اذا كانت الشمس
السبب الخامس صفاء الجو وكدره لست اعني اذا كان هناك حائل يمنع الرؤية كالغيم والقتر الهائج من الادخنة والابخرة وانما اذا كان الجو بحيث يمكن فيه رؤيته امكن من بعض اذا كان الجو صافيا من كل كدر فى مثل ما يكون فى الشتاء عقب الامطار فى البرية الذي ليس فيه بخار بخلاف ما اذا كان فى الجو بخار بحيث لا يمكن
(25/188)

فيه رؤيته كنحو ما يحصل فى الصيف بسبب الابخرة والادخنة فانه لا يمكن رؤيته في مثل ذلك كما يمكن فى مثل صفاء الجو
وأما صحة مقابلته ومعرفة مطلعه ونحو ذلك فهذا من الامور التى يمكن المتراءى ان يتعلمها او يتحراه فقد يقال هو شرط الرؤية كالتحديق نحو المغرب خلف الشمس فلم نذكره في اسباب اختلاف الرؤية وانما ذكرنا ما ليس فى مقدور المترائين الاحاطة من صفة الابصار واعدادها ومكان الترائى وزمانه وصفاء الجو وكدره
فإذا كانت الرؤية حكما تشترك فيه هذه الاسباب التى ليس شيء منها داخلا فى حساب الحاسب فكيف يمكنه مع ذلك يخبر خبرا عاما انه لا يمكن ان يراه احد حيث رآه على سبع او ثمان درجات او تسع ام كيف يمكنه يخبر خبرا جزما انه يرى اذا كان على تسعة او عشرة مثلا
لهذا تجدهم مختلفين فى قوس الرؤية كم ارتفاعه منهم من يقول تسعة ونصف ومنهم من يقول ويحتاجون أن يفرقوا بين الصيف
(25/189)
والشتاء اذا كانت الشمس في البروج الشمالية مرتفعة او فى البروج الجنوبية منخفضة فتبين بهذا البيان ان خبرهم بالرؤية من جنس خبرهم بالاحكام واضعف
وذلك أنه هب انه قد ثبت ان الحركات العلوية سبب الحوادث الارضية فان هذا القدر لا يمكن المسلم ان يجزم بنفيه اذ الله سبحانه جعل بعض المخلوقات اعيانها وصفاتها وحركاتها سببا لبعض وليس فى هذا ما يحيله شرع ولا عقل لكن المسلمون قسمان
منهم من يقول هذا لا دليل على ثبوته فلا يجوز القول به فانه قول بلا علم
وآخر يقول بل هو ثابت فى الجملة لأنه قد عرف بعضه بالتجربة ولأن الشريعة دلت على ذلك

جرير الشاعر
25/08/2008, 02:56 AM
الكتاب مجاني

بسم الله الرحمن الرحيم




الوصف: برنامج متميز يتضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (35 مجلد). ويعرض الفتاوى بطريقة تسهل الوصول إليها حيث يتيح عملية التصفح حسب الأبواب والكتب والفتاوى إضافة إلى عملية البحث ونسخ النص. وقد تم إعداده في إصدارين، يتميز الأول بفهرسة أشمل، ويزيد الإصدار الثاني من البرنامج عن الإصدار الأول بادخال العزو حسب طبعة مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، واعداد فهرسة مختلفة، كما قد تم اعداد الاصدار الثاني بصيغة الموسوعة الشاملة.




الإصدار الثانى

:


http://www.islamspirit.com/temp/fatawaa_ibntaimia_02_pic_01.jpg



http://www.islamspirit.com/temp/fatawaa_ibntaimia_02_pic_02.jpg




التحميل


صيغة ملف تنفيذي (Exe) (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%69%73%6c%61%6d%73%70%69%72%69%74%2e%63%6f%6d%2f %63%6c%69%63%6b%2f%67%6f%2e%70%68%70%3f%69%64%3d%3 9%33&titlet=)صيغة ملف مساعدة (Chm) (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%69%73%6c%61%6d%73%70%69%72%69%74%2e%63%6f%6d%2f %63%6c%69%63%6b%2f%67%6f%2e%70%68%70%3f%69%64%3d%3 9%34&titlet=)


صيغة الموسوعة الشاملة (bok) (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%69%73%6c%61%6d%73%70%69%72%69%74%2e%63%6f%6d%2f %63%6c%69%63%6b%2f%67%6f%2e%70%68%70%3f%69%64%3d%3 9%35&titlet=)



الاصدار الاول



http://www.islamspirit.com/temp/fatawaa_ibntaimia_01_pic_01.jpg



http://www.islamspirit.com/temp/fatawaa_ibntaimia_01_pic_02.jpg



تحميل البرنامج:


صيغة ملف (Exe) تنفيذي (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%69%73%6c%61%6d%73%70%69%72%69%74%2e%63%6f%6d%2f %63%6c%69%63%6b%2f%67%6f%2e%70%68%70%3f%69%64%3d%3 3&titlet=) حجم الملف: 9 ميجا بايت.


صيغة ملف (Chm) مساعدة (http://vb.arabseyes.com/redirector.php?url=%68%74%74%70%3a%2f%2f%77%77%77% 2e%69%73%6c%61%6d%73%70%69%72%69%74%2e%63%6f%6d%2f %63%6c%69%63%6b%2f%67%6f%2e%70%68%70%3f%69%64%3d%3 6%38&titlet=)


حجم الملف: 15 ميجا بايت.





وتقبلوا فائق تقديري

اديب بن صالح
27/08/2008, 05:43 PM
لله درك ياجرير ولا فض فوك ولا عدمناك

بصراحة استوقفني هذا الجزء



ومن معرفة الحساب الاستسرار والابدار الذي هو الاجتماع والاستقبال فالناس يعبرون عن ذلك بالامر الظاهر من الاستسرار الهلالي فى آخر الشهر وظهوره فى اوله وكمال نوره فى وسطه والحساب يعبرون بالامر الخفي من اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار ومن استقبال الشمس والقمر الذي هو وقت الابدار فان هذا يضبط بالحساب
وأما الاهلال فلا له عندهم من جهة الحساب ضبط لانه لا يضبط بحساب يعرف كما يعرف وقت الكسوف والخسوف فان الشمس لا تكسف في سنة الله التى جعل لها الا عند الاستسرار اذا وقع القمر بينها وبين ابصار الناس على محاذاة مضبوطة وكذلك القمر لا يخسف الا فى ليالي الابدار على محاذاة مضبوطة لتحول الارض بينه وبين الشمس فمعرفة الكسوف والخسوف لمن صح حسابه مثل معرفة كل أحد ان ليلة الحادي والثلاثين من الشهر لابد ان يطلع الهلال وانما يقع الشك ليلة الثلاثين فنقول الحاسب غاية ما يمكنه اذا صح حسابه ان يعرف مثلا ان القرصين اجتمعا في الساعة الفلانية وانه عند غروب الشمس يكون قد فارقها القمر اما بعشر درجات مثلا او اقل او اكثر والدرجة هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءا من الفلك


ورائع حقيقة ماذكرت ياعزيزي

راعي الصطحه
27/08/2008, 10:10 PM
يعطيك العافيه على الموضووووووووووع ولاعدمناااااااااك


وتقبل تحياتي

البعد البؤري
27/08/2008, 10:22 PM
وفى الجملة فهو من باب عموم النفى لا نفى العموم اى لا يصومه أحد حتى يرى او حتى يعلم انه قد رؤى أو ثبت أنه قد رؤى ولهذا لما اختلف االسلف ومن بعدهم فى صوم يوم الشك من رمضان فصامه بعضهم مطلقا فى الصحو والغيم احتياطا وبعضهم كره صومه مطلقا فى الصحو والغيم كراهة الزيادة فى الشهر وفرق بعضهم بين الصحو والغيم لظهور العدم فى الصحو دون الغيم كان الذى صاموه احتياطا انما صاموه لا مكان أن يكون قد رآه غيرهم فينقصونه فيما بعد وأما لو علموا انه لم يره احد لم يكن احد من الامة يستجيز أن يصومه لكون الحساب قد دل على انه يطلع ولم ير

أوفقك في هذا الكلام ولله در الشيخ لو كان حاضرا لدحض حججكم ولأوردنا الورد الصحيح المنضبط.

ابوالمثنى
29/08/2008, 06:05 PM
وفى الجملة فهو من باب عموم النفى لا نفى العموم اى لا يصومه أحد حتى يرى او حتى يعلم انه قد رؤى أو ثبت أنه قد رؤى ولهذا لما اختلف االسلف ومن بعدهم فى صوم يوم الشك من رمضان فصامه بعضهم مطلقا فى الصحو والغيم احتياطا وبعضهم كره صومه مطلقا فى الصحو والغيم كراهة الزيادة فى الشهر وفرق بعضهم بين الصحو والغيم لظهور العدم فى الصحو دون الغيم كان الذى صاموه احتياطا انما صاموه لا مكان أن يكون قد رآه غيرهم فينقصونه فيما بعد وأما لو علموا انه لم يره احد لم يكن احد من الامة يستجيز أن يصومه لكون الحساب قد دل على انه يطلع ولم ير

أوفقك في هذا الكلام ولله در الشيخ لو كان حاضرا لدحض حججكم ولأوردنا الورد الصحيح المنضبط.


هذه حجج هيئة كبار العلماء حفظهم الله تعالى فمن أنت بجوارهم



رحم الله امراء عرف قدر نفسه