أمرؤ القيس
29/02/2004, 07:19 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أعزائي مرتادي المكشات أحببت بأن أشارككم بهذا البحث المتواضع راجيا أن ينال استحسانكم .ولقد ترددت كثيرا قبل تبدأ أناملي في نقر لوحة المفاتيح وكتابة الموضوع لخوفي الشديد من التقصير في حق هذه السيدة الفاضلة , لذا أستبيحكم العذر مقدما . فهيا تعالوا نسبر أغوار هذا البحث لعلنا نزيد ونثري معلوماتنا ...
================================================== ===========
على خطـى زبيـده
كانت مكه قبل ظهور الأسلام ومنذ عهد سيدنا أ براهيم عليه السلام مركزاً دينياً يحج اليها الناس من شتىأرجاء الجزيرة العربية وبلاد الشام، كما كانت مركزاً تجارياً تمر بها القوافل التجارية ذهاباً وإياباً مابين بلاد اليمن وبلاد الشام ومصر، ولقد أشير إلى ذلك بصراحة في القرأن الكريم برحلتي الشتاء والصيف، وبذلك أصبحت مكة المكرمة مركزاً مهما تشد إليه الرحال من جميع الأمصار. وبظهور الإسلام ازدادت أهميتها حيث أصبح المسلمون يتوافدون إليها من كل حدب وصوب لتأدية شعائر الحج ليكملوا بذلك الركن الخامس من أركان الإسلام. وحسب ماذ’كر في المصادر التاريخية بأنه يوجد على الأقل سبع طرق حج رئيسية تـنبع من أقطار شتى وتصب في مكة المكرمة ومن أشهر هذه الطرق:
1- طريق الحج كوفة - مكة ولقد أطلق عليه لاحقاً بدرب زبيده تكريماً لهذه السيدة الجليلة التي بذلت مجهودات جبارة في تحسين وإنشاء هذا الدرب.
2- طريق صنعاء - مكة ويعد واحد من أهم الطرق وذلك لسهولة معالمه وكثرت القرى الواقعة عليه وهومن الطرق المفضلة لدى الحجيج .
3- طريق الحج السوري المصري حيث يلتقي الحجاج القادمين من مصر وشمال أفريقيا و حجاج بلاد الشام عند أعلى نقطه في خليج العقبة ومن ثم ينزلوا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر إلي المدينة المنورة .
وحيث أن هذا البحث يتناول الأعمال الجليلة والمجهودات الجبارة التي أقيمت وأمرت بأنشاءها السيدة زبيدة على طريق "الكوفة – مكة" فقد أطلق المؤرخين وبجداره عليه بدرب زبيدة وذلك تكريماً وتشريفاً لها لما بذلته وقدمته من أنشاء وأعمار هذا الدرب ، ومن هذا المنطلق دعونا نتعرف على السيدة زبيدة , هي زبيده بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد. هذه السيدة الفاضلة ومنذ نعومة أظافرها أرادت بأن يسطر أسمها في كتب التاريخ الإسلامي وأن يبقى علماً وقدوة يحتذي به في البذل والعطاء . لقد كان حلم حياتها الوحيد هو السهر ورعاية حجاج بيت الله وتسهيل سفرهم وبذلك كرست جل وقتها وأفنت شبابها في هذا المشروع العملاق وهوأنشاء الدرب على أسس معمارية ولوجستيه حديثه .فبدأت بشق الطرق وإنشاء البرك وحفر الآبار وتشيد النزل والأسترحات على الدرب . كما أنشأت في منى وعرفات الأستراحات وأحواض المياه وحفرت الأبار كما أمرت المهند سين بأستجلاب المياه من الجبال المحيطه بمكه وعبر قنوات أرضية صنعت خصيصا لنقل المياه إلى بركه كبيره داخل مكه أطلق عليها بركة زبيدة . وبتحليل بسيط في مفهومنا التقني الحالي يتبين لنا بأن هذه السيدة الفاضلة قد جندت الكثير من الطاقات والخبرات والمهارات للقيام بهذه الأعمال الأنشائية العظيمة. فلقد أستعانت بالمهندسين المدنيين في شق وتجديد الدرب ورسم معالمه وأنشاء وتصميم البرك والنزل والأستراحات وقام الجيولوجيين بتقصي منابع المياه وقام البنائين بأنشاء البرك والأحواض وفطر وطوي الأبار وشق قنوات ري البرك. أمرت الفلاحين بزراعة الأرض والرعاة بجلب وإنماء الثروه الحيوانية لإمداد المسافرين بالغذاء والمؤن. كما طلبت من المخططين والأنشائيين تقييم متطلبات هذا الدرب و عمل الخطط والدراسات لتطويره وتحديثه ليوافق متطلبات الحجيج والمسافرين المستقبليه علماً بأن جميع هذه المجهودات الجباره تمت تحت أشرافها ونفقتها الخاصة.
وبعد هذه المقدمه التاريخة المبسطة عن حقيقة هذا الدرب العظيم ، دعونا ندخل في صلب الموضوع وهوتقصي خطي زبيدة , فمنذ حوالي 3 سنوات مضت وقع بين يدي كتاب ثمين بعنوان درب زبيدة من تأليف الأستاذ الدكتور القدير سعد بن عبد العزيز الراشد حفظه الله ، فبدأت في تصفحه من وقت لأخر ودهشت لوفرة المعلومات والأثارالتي ذكرت عن درب زبيدة ومن ذلك الوقت بدأت أخطط مع بعض الأصدقاء للقيام بزيارة أستطلاعية لهذا الدرب والوقوف على هذه الأثار الأسلامية العظيمة.
فبدأنا بجمع المعلومات من شتى المصادر التاريخية وعلى وجه الخصوص من كتاب درب زبيدة . قسمنا هذا الدرب الى أربعة مراحل وذلك لتسهيل أستكشافها فالمرحلة الأولى والصعبه مابين الكوفة داخل العراق ورفحا على حدود السعودية المرحله الثانية مابين رفحا وفيد ( 120كم الى جنوب شرق حائل ) المرحله الثالثة من فيد الى الربذه (الربذة تقع 190 كم إلي الشرق من المدينة المنورة ) أما المرحلة الرابعة فهي تبدأ من الربذة وتنتهي بمكة المكرمة. وبعد تمحيص وتدقيق في معالم الطريق اخترنا بأن تكون رحلتنا الأولي استكشاف المرحلة الثالثة والتي تبدأ من فيد إلى منطقة الربذة وذلك لجمال تضاريس المنطقة وكثرة الأثار على هذا الجزء من الدرب العظيم.
خارطة تقريبية للجزء المستكشف من درب زبيده (فيد-الربذه)
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/map.JPG
المرحلة الثالثة التي مسافتها تقارب 350 كم وتبدأ من فيـد وعبر الأوديه والشعاب ومروراً بالقرى والهجر ومن خلال الجبال والحرات والهضاب وتنتهي بالربذة , وتتكون هذه المرحلة من البرك والأستراحات الرئيسيه التاليه:
أستراحة فيــد بركة القرنتين (الغريبين ) بركة المخروقه (توز) بركه أرينبه (العنابه) بركة الجفاليه ( الفحيمه) أستراحة سميراء بركة حريد ( الحسنه ) بركة كتيفه (العباسيه) البعايث (الحاجز) أستراحة الجفنيه ومعدن النقره بركة وسد الماويه إستراحة الصقعاء وأخيراً الربذة المنطقه الأثرية الشهيرة. وسوف نتطرق إلى أهم أحداث الرحلة وشرح موجز عن أهم المواقع التي تم زيارتها ....
فيـد (N27, 07 - E42, 31 ( تقع إلى الجنوب الشرقي من حائل بحوالي 120 كم ولقد كانت فيد في العصر العباسي من أهم المدن الواقعة على درب زبيدة لكونها تقع تقريباً في منتصف المسافة مابين الكوفة ومكة . فكانت فيد تقدم للحجاج والمعتمرين مايحتاجون من مأكل ومشرب لهم ولدوابهم .وأيضاً كان الحجاج يودعون بعض ممتلكاتهم ودوابهم لدا أهل فيد لكي يأخذونها في طريق العوده، ولقد ورد أسم فيد في الشعر العربي حيث قال زهير بن أبي سلمى :
ثم أستمروا وقالوا أن مشربكم **** ماء بشرقي سلمى فيد أوركك
ولقد ذ’كر في المصادر التاريخيه بأن فيد مدينة صغيرة وكان بها الكثير من العيون والبرك العذبة وهي واحة غناء تزرع بها أشجار النخيل والحمضيات وبها حصن فيد الشهير وتعد من ديار طئ . ومن زيارتنا ومشاهداتنا لهذه المدينة تبين بأن هناك الكثير من المعالم الأثريه المتمثلة في حصون مهدمه ونزل خربه وأبار مهجورة وأغلبها مسيج . ومن فيد إنطلقنا جنوباً لأستطلاع البرك ولم تكن لدينا إحداثيات المواقع بل وجد الوصف الجغرافي وتقريباً أبعاد المسافات بين تلك البرك والأستراحات .أحياناً قضينا في البحث عن بعض البرك عدة ساعات دون جدوى ومن الجدير بالذكر بأن بركة الجفنيه ) (N25,32,00- E41,34,18 هي من أهم ماشاهدناه واستمتعنا بزيارته ، لقد قضينا مايقارب خمس ساعات متواصله في البحث عن هذه البركة والأستراحة الفريده ولكن لم نوفق قط ، وفي النهاية عرجنا إلى بيت شعر وسألنا أهله عن ضالتنا بعدما أقرأناهم السلام فتقدم الينا رجل طاعن في السن حوالي الستين من حرب ، فقال أنكم تبحثون عن بركة زبيدة وسررنا ودهشنا لمعرفة الرجل بحاجتنا ومبتغانا ومن ثم إنطلق بصحبتنا وبعد مضي نصف ساعة من السير المتواصل بد لنا في الأفق ومن بين الجبال والأودية المتناثرة سياج ضخم وعرفنا على الفور بأن هذه أثار أستراحة الجفنية ، وبعدحديث شيق مع دليلنا البشوش دهشنا بأنه منذ حوالى 12 سنه قد أرشد حملة اثرية أستكشافيه من جامعة الملك سعود لهذه المنطقة. أن إستراحه الجفنيه منطقه إستراتيجيه قصوى ويصعب الوصول إليها إلى بدليل جيد يعلم مداخل الأوديه والشعاب فوجدنا بها بركتها العظيمة وبها الكثير من النزل والبيوت المهدمة. كما تبين لنا أنه يوجد بها بقايا تنور يبدوا أنه في الماضي كان يستخدم لأذابة المعادن من ذهب وفضه ونحاس المستخرجه من معدن النقره الواقع 20 كم إلى الغرب من الجفنية ومن هنا أنطلقنا جنوباً قاصدين منطقة الربذة بعد المرور على بعض البرك والسدود الأثرية.
بركة الجفاليه وتبدو بحاله مندثره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/P00L1.JPG
بركة الجفنيه الكبيره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL8.JPG
الربذه ) 24,37 – ( E41,17 كانت النقطة الاخيرة في المرحلة الثالثه من درب زبيده كما أشير مسبقاً وعندما وصلنا إليها بأن في الأفق بركتها العظيمه التي تكني ببركة أبوسليم أذ يبلغ قطرها حوالي 65 متراً و بأقصى عمق 5 أمتار وحول البركه مئات الأمتار من الأراضي المسيجه وهي المنطقه الأثرية من الربذة.
والربذه كان لها دور كبير في العصر الأسلامي أذ كانت تعد’ من أهم مناطق الرعي لأبل الصدقه وخيل المسلمين منذ عهد الخلافاء الراشدين إلى العصر العباسي ومن أشهر الصحابه الذين أستوطنوا الربذه الصحابي أبي ذر الغفاري رحمه الله .
ومن مشاهداتنا بدت لنا منطقة الربذه على أنها أرضٌ خصبه تعج بالكثير من الأشجار والغطاء النباتي الكثيف على الرغم من قلة الامطار في السنوات الماضيه.
وتعد’ الربذه من أهم محطات الحج على درب زبيده وذلك لقربها من المدينه المنوره , ولوفرة المياه وخصوبة الأرض وقربها من المناجم المعدنيه المعروفه آنا ذاك مثل معدن النقره ومعدن بني سليم.
الأرض الأثريه المسيجة في الربذة تحتوي على منازل وقصور ومساجد حسبما أشارت إليه الحفريات الاثرية ولمزيد من المعلومات الدقيقه والموثـقة يمكن الرجوع لكتاب الربذة للأستاذ الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد.
وبعد أستراحة لا بأس بها في منطقة الربذة الخلابة وإستمتاعنا بجوها العليل وبعد مشاهداتنا وزياراتنا المتكرره للمواقع الأثرية المتناثره هناك , قررنا شد الرحال قاصدين الجبيل حاملين في مخيلاتنا وذاكرتنا الكثير من المواقف الشيقه والصور الجماليه.
بركة أبو سليم بالربذه ويبلغ قطرها حوالي 65م وقد تم بناءها من حوالي 1200سنه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL2.JPG
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL3.JPG
مدخل البركه عبر المصفاه في أعلى الصوره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL41.JPG
وفي سنة 216 للهجره وارت السيدة زبيده رحمها الله الثرى عن عمر يناهز المائه والتسع عشر عاماً ولم تخلف ورائها قصور فارهه ولم تكن تركتها من الأغلال المذهبه والصفائح الفضيه بل كان أسمى وأعظم من ذلك بكثير أنه هذا الأرث الحضاري المعماري العريق الذي تعجز الألسن في وصفه وتشقى الأقلام في حصره ولم تخل كتب التاريخ والأدب من ذكر وأشاده أعمال ومنجزات السيدة زبيدة في شتى المجالات السياسية والأجتماعية والأدبية.
لكمْ نتمنى بأن يطلق أسم السيده زبيدة على أحد المشاريع العملاقة وذلك مجرد أشارة بسيطه وتخليد لذكرى إحدى مشاهير نساء الأسلام , لعل و عسى بناتنا وإخواتنا وأمهاتنا يجعلون من السيدة زبيدة مثلاً ونبراساً يحتذى به في البذل والعطاء.
سقف مسجد الربذه بعد الحفريات الأثريه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/MOUSQ1.JPG
البركه المربعه بالربذه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL6.JPG
صوره تبين مهارة البنائين في طوي الأبار
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL7.JPG
أعزائي مرتادي المكشات أحببت بأن أشارككم بهذا البحث المتواضع راجيا أن ينال استحسانكم .ولقد ترددت كثيرا قبل تبدأ أناملي في نقر لوحة المفاتيح وكتابة الموضوع لخوفي الشديد من التقصير في حق هذه السيدة الفاضلة , لذا أستبيحكم العذر مقدما . فهيا تعالوا نسبر أغوار هذا البحث لعلنا نزيد ونثري معلوماتنا ...
================================================== ===========
على خطـى زبيـده
كانت مكه قبل ظهور الأسلام ومنذ عهد سيدنا أ براهيم عليه السلام مركزاً دينياً يحج اليها الناس من شتىأرجاء الجزيرة العربية وبلاد الشام، كما كانت مركزاً تجارياً تمر بها القوافل التجارية ذهاباً وإياباً مابين بلاد اليمن وبلاد الشام ومصر، ولقد أشير إلى ذلك بصراحة في القرأن الكريم برحلتي الشتاء والصيف، وبذلك أصبحت مكة المكرمة مركزاً مهما تشد إليه الرحال من جميع الأمصار. وبظهور الإسلام ازدادت أهميتها حيث أصبح المسلمون يتوافدون إليها من كل حدب وصوب لتأدية شعائر الحج ليكملوا بذلك الركن الخامس من أركان الإسلام. وحسب ماذ’كر في المصادر التاريخية بأنه يوجد على الأقل سبع طرق حج رئيسية تـنبع من أقطار شتى وتصب في مكة المكرمة ومن أشهر هذه الطرق:
1- طريق الحج كوفة - مكة ولقد أطلق عليه لاحقاً بدرب زبيده تكريماً لهذه السيدة الجليلة التي بذلت مجهودات جبارة في تحسين وإنشاء هذا الدرب.
2- طريق صنعاء - مكة ويعد واحد من أهم الطرق وذلك لسهولة معالمه وكثرت القرى الواقعة عليه وهومن الطرق المفضلة لدى الحجيج .
3- طريق الحج السوري المصري حيث يلتقي الحجاج القادمين من مصر وشمال أفريقيا و حجاج بلاد الشام عند أعلى نقطه في خليج العقبة ومن ثم ينزلوا بمحاذاة ساحل البحر الأحمر إلي المدينة المنورة .
وحيث أن هذا البحث يتناول الأعمال الجليلة والمجهودات الجبارة التي أقيمت وأمرت بأنشاءها السيدة زبيدة على طريق "الكوفة – مكة" فقد أطلق المؤرخين وبجداره عليه بدرب زبيدة وذلك تكريماً وتشريفاً لها لما بذلته وقدمته من أنشاء وأعمار هذا الدرب ، ومن هذا المنطلق دعونا نتعرف على السيدة زبيدة , هي زبيده بنت جعفر الأكبر بن أبي جعفر المنصور زوجة هارون الرشيد. هذه السيدة الفاضلة ومنذ نعومة أظافرها أرادت بأن يسطر أسمها في كتب التاريخ الإسلامي وأن يبقى علماً وقدوة يحتذي به في البذل والعطاء . لقد كان حلم حياتها الوحيد هو السهر ورعاية حجاج بيت الله وتسهيل سفرهم وبذلك كرست جل وقتها وأفنت شبابها في هذا المشروع العملاق وهوأنشاء الدرب على أسس معمارية ولوجستيه حديثه .فبدأت بشق الطرق وإنشاء البرك وحفر الآبار وتشيد النزل والأسترحات على الدرب . كما أنشأت في منى وعرفات الأستراحات وأحواض المياه وحفرت الأبار كما أمرت المهند سين بأستجلاب المياه من الجبال المحيطه بمكه وعبر قنوات أرضية صنعت خصيصا لنقل المياه إلى بركه كبيره داخل مكه أطلق عليها بركة زبيدة . وبتحليل بسيط في مفهومنا التقني الحالي يتبين لنا بأن هذه السيدة الفاضلة قد جندت الكثير من الطاقات والخبرات والمهارات للقيام بهذه الأعمال الأنشائية العظيمة. فلقد أستعانت بالمهندسين المدنيين في شق وتجديد الدرب ورسم معالمه وأنشاء وتصميم البرك والنزل والأستراحات وقام الجيولوجيين بتقصي منابع المياه وقام البنائين بأنشاء البرك والأحواض وفطر وطوي الأبار وشق قنوات ري البرك. أمرت الفلاحين بزراعة الأرض والرعاة بجلب وإنماء الثروه الحيوانية لإمداد المسافرين بالغذاء والمؤن. كما طلبت من المخططين والأنشائيين تقييم متطلبات هذا الدرب و عمل الخطط والدراسات لتطويره وتحديثه ليوافق متطلبات الحجيج والمسافرين المستقبليه علماً بأن جميع هذه المجهودات الجباره تمت تحت أشرافها ونفقتها الخاصة.
وبعد هذه المقدمه التاريخة المبسطة عن حقيقة هذا الدرب العظيم ، دعونا ندخل في صلب الموضوع وهوتقصي خطي زبيدة , فمنذ حوالي 3 سنوات مضت وقع بين يدي كتاب ثمين بعنوان درب زبيدة من تأليف الأستاذ الدكتور القدير سعد بن عبد العزيز الراشد حفظه الله ، فبدأت في تصفحه من وقت لأخر ودهشت لوفرة المعلومات والأثارالتي ذكرت عن درب زبيدة ومن ذلك الوقت بدأت أخطط مع بعض الأصدقاء للقيام بزيارة أستطلاعية لهذا الدرب والوقوف على هذه الأثار الأسلامية العظيمة.
فبدأنا بجمع المعلومات من شتى المصادر التاريخية وعلى وجه الخصوص من كتاب درب زبيدة . قسمنا هذا الدرب الى أربعة مراحل وذلك لتسهيل أستكشافها فالمرحلة الأولى والصعبه مابين الكوفة داخل العراق ورفحا على حدود السعودية المرحله الثانية مابين رفحا وفيد ( 120كم الى جنوب شرق حائل ) المرحله الثالثة من فيد الى الربذه (الربذة تقع 190 كم إلي الشرق من المدينة المنورة ) أما المرحلة الرابعة فهي تبدأ من الربذة وتنتهي بمكة المكرمة. وبعد تمحيص وتدقيق في معالم الطريق اخترنا بأن تكون رحلتنا الأولي استكشاف المرحلة الثالثة والتي تبدأ من فيد إلى منطقة الربذة وذلك لجمال تضاريس المنطقة وكثرة الأثار على هذا الجزء من الدرب العظيم.
خارطة تقريبية للجزء المستكشف من درب زبيده (فيد-الربذه)
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/map.JPG
المرحلة الثالثة التي مسافتها تقارب 350 كم وتبدأ من فيـد وعبر الأوديه والشعاب ومروراً بالقرى والهجر ومن خلال الجبال والحرات والهضاب وتنتهي بالربذة , وتتكون هذه المرحلة من البرك والأستراحات الرئيسيه التاليه:
أستراحة فيــد بركة القرنتين (الغريبين ) بركة المخروقه (توز) بركه أرينبه (العنابه) بركة الجفاليه ( الفحيمه) أستراحة سميراء بركة حريد ( الحسنه ) بركة كتيفه (العباسيه) البعايث (الحاجز) أستراحة الجفنيه ومعدن النقره بركة وسد الماويه إستراحة الصقعاء وأخيراً الربذة المنطقه الأثرية الشهيرة. وسوف نتطرق إلى أهم أحداث الرحلة وشرح موجز عن أهم المواقع التي تم زيارتها ....
فيـد (N27, 07 - E42, 31 ( تقع إلى الجنوب الشرقي من حائل بحوالي 120 كم ولقد كانت فيد في العصر العباسي من أهم المدن الواقعة على درب زبيدة لكونها تقع تقريباً في منتصف المسافة مابين الكوفة ومكة . فكانت فيد تقدم للحجاج والمعتمرين مايحتاجون من مأكل ومشرب لهم ولدوابهم .وأيضاً كان الحجاج يودعون بعض ممتلكاتهم ودوابهم لدا أهل فيد لكي يأخذونها في طريق العوده، ولقد ورد أسم فيد في الشعر العربي حيث قال زهير بن أبي سلمى :
ثم أستمروا وقالوا أن مشربكم **** ماء بشرقي سلمى فيد أوركك
ولقد ذ’كر في المصادر التاريخيه بأن فيد مدينة صغيرة وكان بها الكثير من العيون والبرك العذبة وهي واحة غناء تزرع بها أشجار النخيل والحمضيات وبها حصن فيد الشهير وتعد من ديار طئ . ومن زيارتنا ومشاهداتنا لهذه المدينة تبين بأن هناك الكثير من المعالم الأثريه المتمثلة في حصون مهدمه ونزل خربه وأبار مهجورة وأغلبها مسيج . ومن فيد إنطلقنا جنوباً لأستطلاع البرك ولم تكن لدينا إحداثيات المواقع بل وجد الوصف الجغرافي وتقريباً أبعاد المسافات بين تلك البرك والأستراحات .أحياناً قضينا في البحث عن بعض البرك عدة ساعات دون جدوى ومن الجدير بالذكر بأن بركة الجفنيه ) (N25,32,00- E41,34,18 هي من أهم ماشاهدناه واستمتعنا بزيارته ، لقد قضينا مايقارب خمس ساعات متواصله في البحث عن هذه البركة والأستراحة الفريده ولكن لم نوفق قط ، وفي النهاية عرجنا إلى بيت شعر وسألنا أهله عن ضالتنا بعدما أقرأناهم السلام فتقدم الينا رجل طاعن في السن حوالي الستين من حرب ، فقال أنكم تبحثون عن بركة زبيدة وسررنا ودهشنا لمعرفة الرجل بحاجتنا ومبتغانا ومن ثم إنطلق بصحبتنا وبعد مضي نصف ساعة من السير المتواصل بد لنا في الأفق ومن بين الجبال والأودية المتناثرة سياج ضخم وعرفنا على الفور بأن هذه أثار أستراحة الجفنية ، وبعدحديث شيق مع دليلنا البشوش دهشنا بأنه منذ حوالى 12 سنه قد أرشد حملة اثرية أستكشافيه من جامعة الملك سعود لهذه المنطقة. أن إستراحه الجفنيه منطقه إستراتيجيه قصوى ويصعب الوصول إليها إلى بدليل جيد يعلم مداخل الأوديه والشعاب فوجدنا بها بركتها العظيمة وبها الكثير من النزل والبيوت المهدمة. كما تبين لنا أنه يوجد بها بقايا تنور يبدوا أنه في الماضي كان يستخدم لأذابة المعادن من ذهب وفضه ونحاس المستخرجه من معدن النقره الواقع 20 كم إلى الغرب من الجفنية ومن هنا أنطلقنا جنوباً قاصدين منطقة الربذة بعد المرور على بعض البرك والسدود الأثرية.
بركة الجفاليه وتبدو بحاله مندثره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/P00L1.JPG
بركة الجفنيه الكبيره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL8.JPG
الربذه ) 24,37 – ( E41,17 كانت النقطة الاخيرة في المرحلة الثالثه من درب زبيده كما أشير مسبقاً وعندما وصلنا إليها بأن في الأفق بركتها العظيمه التي تكني ببركة أبوسليم أذ يبلغ قطرها حوالي 65 متراً و بأقصى عمق 5 أمتار وحول البركه مئات الأمتار من الأراضي المسيجه وهي المنطقه الأثرية من الربذة.
والربذه كان لها دور كبير في العصر الأسلامي أذ كانت تعد’ من أهم مناطق الرعي لأبل الصدقه وخيل المسلمين منذ عهد الخلافاء الراشدين إلى العصر العباسي ومن أشهر الصحابه الذين أستوطنوا الربذه الصحابي أبي ذر الغفاري رحمه الله .
ومن مشاهداتنا بدت لنا منطقة الربذه على أنها أرضٌ خصبه تعج بالكثير من الأشجار والغطاء النباتي الكثيف على الرغم من قلة الامطار في السنوات الماضيه.
وتعد’ الربذه من أهم محطات الحج على درب زبيده وذلك لقربها من المدينه المنوره , ولوفرة المياه وخصوبة الأرض وقربها من المناجم المعدنيه المعروفه آنا ذاك مثل معدن النقره ومعدن بني سليم.
الأرض الأثريه المسيجة في الربذة تحتوي على منازل وقصور ومساجد حسبما أشارت إليه الحفريات الاثرية ولمزيد من المعلومات الدقيقه والموثـقة يمكن الرجوع لكتاب الربذة للأستاذ الدكتور سعد بن عبدالعزيز الراشد.
وبعد أستراحة لا بأس بها في منطقة الربذة الخلابة وإستمتاعنا بجوها العليل وبعد مشاهداتنا وزياراتنا المتكرره للمواقع الأثرية المتناثره هناك , قررنا شد الرحال قاصدين الجبيل حاملين في مخيلاتنا وذاكرتنا الكثير من المواقف الشيقه والصور الجماليه.
بركة أبو سليم بالربذه ويبلغ قطرها حوالي 65م وقد تم بناءها من حوالي 1200سنه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL2.JPG
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL3.JPG
مدخل البركه عبر المصفاه في أعلى الصوره
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL41.JPG
وفي سنة 216 للهجره وارت السيدة زبيده رحمها الله الثرى عن عمر يناهز المائه والتسع عشر عاماً ولم تخلف ورائها قصور فارهه ولم تكن تركتها من الأغلال المذهبه والصفائح الفضيه بل كان أسمى وأعظم من ذلك بكثير أنه هذا الأرث الحضاري المعماري العريق الذي تعجز الألسن في وصفه وتشقى الأقلام في حصره ولم تخل كتب التاريخ والأدب من ذكر وأشاده أعمال ومنجزات السيدة زبيدة في شتى المجالات السياسية والأجتماعية والأدبية.
لكمْ نتمنى بأن يطلق أسم السيده زبيدة على أحد المشاريع العملاقة وذلك مجرد أشارة بسيطه وتخليد لذكرى إحدى مشاهير نساء الأسلام , لعل و عسى بناتنا وإخواتنا وأمهاتنا يجعلون من السيدة زبيدة مثلاً ونبراساً يحتذى به في البذل والعطاء.
سقف مسجد الربذه بعد الحفريات الأثريه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/MOUSQ1.JPG
البركه المربعه بالربذه
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL6.JPG
صوره تبين مهارة البنائين في طوي الأبار
http://www.mekshat.com/pix/upload/images4/POOL7.JPG