عطر الحكي
25/03/2009, 05:50 AM
(http://www.taimiah.org/Display.asp?t=book12&f=twhd-0029.htm&pid=1) باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))
وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002354.htm'))رواه مسلم.
ولهما عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))
ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآيات: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#).
هذا باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء؛ والاستسقاء بالأنواء هو نسبة السقيا إلى الأنواء، والأنواء هي النجوم، يقال للنجم: نوء، والعرب والجاهليون كانوا يعتقدون أن النجوم والأنواء سبب في نزول المطر، ويجعلونها أسبابا، ومنهم وهم طائفة قليلة من يجعل النوء والنجم هو الذي يأتي بالمطر، كما ذكرت لك في حال الطائفة الأولى من المنجمين الذين يجعلون المفعولات منفعلة عن النجوم وعن حركتها، فقوله -رحمه الله-: باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء، يعني: باب ما جاء في نسبة السقيا إلى النوء، وعبر بلفظ الاستسقاء؛ لأنه جاء في الحديث والاستسقاء بالنجوم.
ومناسبة هذا الباب لما قبله من الأبواب أن الاستسقاء بالأنواء نوع من التنجيم؛ لأنه نسبة السقيا إلى النجم، وذلك أيضا من السحر؛ لأن التنجيم من السحر بمعناه العام، ونسبة ذلك أو مناسبة ذلك لكتاب التوحيد أن الذي ينسب السقيا والفضل والنعمة الذي أعطاه حينما جاءه المطر، ينسب ذلك إلى النوء وإلى النجم، هذا ملتفت قلبه عن الله -جل وعلا- إلى غيره ومتعلق قلبه بغيره، وناسب النعمة إلى غير الله -جل وعلا -، معتقد أن النجوم أسباب لهذه المسببات من نزول المطر ونحوه.
وهذا مناف لكمال التوحيد، فإن كمال التوحيد الواجب يوجب على العبد أن ينسب النعم جميعا إلى الله وحده، وألا ينسب شيء منها إلى غير الله، ولو كان ذلك الغير سببا، فينسب النعمة إلى مسديها، ولو كان من أجرى الله على يديه تلك النعم سببا من الأسباب، فإنه لا ينسبها إلى غير الله -جل وعلا- كيف، وأن النجوم ليست بسبب أصلا، ففي ذلك نوعان من التعدي أولا: أنها ليست بأسباب، والثاني: أن تجعل أسبابا لم يجعلها الله -جل وعلا- أسبابا، وتنسب النعم والفضل والسقيا إليها.
وهذا مناف لكمال التوحيد، وكفر أصغر بالله -جل وعلا- قال: وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)قال علماء التفسير: معنى هذه الآية: وتجعلون شكر رزقكم، شكر ما رزقكم الله من النعم من المطر أنكم تكذبون بأن النعمة من عند الله بنسبتها لغير الله -جل وعلا- تارة، بنسبتها إلى الأنواء أو بنسبتها إلى غير الله -جل وعلا-.
والواجب شكرا لنعم الله -جل وعلا- وشكرا لله -جل وعلا- على ما رزق وأنعم وتفضل أن تنسب النعم جميعا إلى الله، وأن ينسب الفضل إلى الرب وحده دون ما سواه.
قال: وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))قوله: من أمر الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))هذا دليل على ذمها، وأنها من شعب الجاهلية، ومن المعلوم أن شعب الجاهلية جميعا مطلوب من هذه الأمة أن تبتعد عنها؛ لأن خصال أهل الجاهلية مذمومة، كما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أبغض الرجال إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002357.htm')).
فكل شعبة من شعب أهل الجاهلية إذا أرجعت إلى أهل الإسلام بعد أن أنقذهم الله من ذلك ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- وظهور القرآن والسنة، وبيان الأحكام، فإنه مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، وهو من أبغض الرجال إلى الله -جل وعلا- .
إذن قوله: من أمر الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))هذا دليل الذم وليس الإخبار بأنها باقية دليل الإباحة، قال: لا يتركونهن الفخر بالأحساب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))يعني: على وجه التكبر والرفعة، والطعن في الأنساب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))بالطعن في نسب فلان وفلان والتكذيب بنسب فلان وفلان من غير دليل شرعي، ومن غير حاجة شرعية، فإن القاعدة التي ذكرها الإمام مالك وغيره من أهل العلم أن الناس مؤتمنون على أنسابهم، فإذا كان لا يترتب على ذكر النسب، وأن فلانا ينتسب إلى آل فلان أو إلى القبيلة الفلانية، إذا لم يترتب عليه أثر شرعي من إعطاء حق لغير أهله أو بميراث أو بعقد نسبة أو بزواج ونحو ذلك، فإن الناس مؤتمنون على أنسابهم، أما إذا كان له أثر فلا بد من الإثبات سيما إذا كان مخالفا لما هو شائع متواتر عند الناس، فالطعن بالأنساب من أمور الجاهلية.
قال: والاستسقاء بالنجوم (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))وهو نسبة السقيا إلى النجوم، ويشمل أيضا قوله: الاستسقاء بالنجوم يشمل ما هو أعظم من ذلك، وهو أن تطلب السقيا من النجم كحال الذين يعتقدون أن الحوادث العرضية تحصل بالنجوم نفسها، وأن النجوم هي التي تحدث المقدرات العرضية والمنفعلات العرضية.
قال: والنياحة، ثم قال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002354.htm'))رواه مسلم.
النياحة من الكبائر، وهي رفع الصوت عند المصيبة وشق الجيب ونحو ذلك، وهي منافية للصبر الواجب ومن خصال الجاهلية.
قال: ولهما عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))
قوله: على إثر سماء كانت من الليل (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))على إثر سماء: يعني: مطر، المطر يطلق عليه سماء؛ لأنه يأتي من جهة العلو، ويقال له: سماء كما قال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رأينـاه وإن كانوا غضابا
يعني: نزل المطر، قال: فلما انصرف - يعني: من صلاة الصبح -، أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002362.htm'))هذه من الكلمات التي تقال في حياته -عليه الصلاة والسلام-، وبعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فإذا سئل المرء عما لا يعلم، فليقل: لا أدري، أو فليقل: الله أعلم، ولا يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن ذكر علم النبي -عليه الصلاة والسلام- مقيد بحياته الشريفة -عليه الصلاة والسلام- قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002363.htm'))
هنا قسم العباد إلى قسمين: مؤمن بالله -جل وعلا- وهو الذي نسب هذه النعمة، وأضافها إلى الله -جل وعلا- وشكر الله عليها، وعرف أنها من عند الله، فشكر ذلك الرزق، وحمد الله وأثنى عليه به، والصنف الثاني: وكافر، ولفظ: كافر، اسم فاعل الكفر، أو اسم من قام به الكفر.
وهذا قد يصدق على الكفر الأصغر أو الكفر الأكبر، فهم انقسموا إلى مؤمنين وإلى كافرين، والكافرون منهم من كفر كفرا أصغر، ومنهم من كفر كفرا أكبر، فالذي كفر كفرا أصغر هو الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))يعتقد أن النوء والنجم والكوكب سبب في المطر، فهذا كفره كفر أصغر؛ لأنه ما اعتقد التشريك والاستقلال، ولكنه جعل ما ليس سببا سببا، ونسب النعمة إلى غير الله.
فقوله: من أقوال أهل الكفر، وهو كفر أصغر بالله -جل وعلا- كما قال العلماء.
والصنف الثاني: كافر الكفر الأكبر، وهو الذي اعتقد أن المطر أثر من آثار الكواكب والنجوم، وأنها هي التي تفضلت بالمطر، وهي التي تحركت بحركة لما توجه إليها عابدوها، فأنزلت المطر إجابة لدعوة عابديها، فهذا كفر أكبر بالإجماع؛ لأنه اعتقاد ربوبية وإلهية غير الله -جل وعلا-.
قال: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002365.htm'))لأنه نسب النعمة لله وحده، ونسبة النعمة لله وحده دلت على إيمانه، قال: وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))وكما ذكرت لك الباء في قوله: مطرنا بنوء كذا (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))إن كانت للسببية؛ لأن الباء تأتي للسبب، مطرنا بسبب نوء كذا وكذا، فهذا كفر أصغر.
وأما إذا كان المراد أن النوء هو الذي أتى بالمطر إجابة لدعوة عابديه أو برحمته بالناس، فهذا كفر أكبر بالله جل جلاله.
قال: ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)إلى قوله وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)وهذا ظاهر نعم.
قف هنا تنبيه في هذه المسألة، وهو ما يحصل أحيانا من بعض الناس من أنهم يقولون في الوسم -مثلا-: يأتي مطر، والوسم جاء معناه أن الرياح فيه مطر ونجم الخير طلع، فسيحصل كذا ونحو ذلك، فهذا القول بما علمت له حالات:
الحالة الأولى: أن يقول ذلك لأجل أن النجم أو البرج الذي أتى هو زمن جعل الله سنته فيه أنه يأتي فيه المطر، فإذا كان هذا القول بأن الوسم معناه، هذا وقت المطر إن شاء الله يأتي، فيه مطر ونحو ذلك، فهذا جعل للوسم زمنا، وهذا جائز، وأما إذا قال: الوسم جاء يأتي المطر، أو طلع النجم الفلاني بيأتينا كذا وكذا، بجعل هذا الفصل أو ذاك البرج أو ذلك النجم سببا، فهذا كفر ونسبة للنعمة لغير الله واعتقاد تأثير أشياء لا تأثير لها، فينبغي أن يفرق بين ما يستعمله العوام فيما فيه أن المطر والبرد والصيف ونحو ذلك في تعلقه بالنجوم تعلق زمن ووقت وظرف، وما بين نسبة أهل الشرك والضلال الأفعال للنجوم، إما استقلالا وإما على وجه التثبت. وجزاكم الله خيراً
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)
وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))
وقال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة، وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002354.htm'))رواه مسلم.
ولهما عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))
ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا فأنزل الله هذه الآيات: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#).
هذا باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء؛ والاستسقاء بالأنواء هو نسبة السقيا إلى الأنواء، والأنواء هي النجوم، يقال للنجم: نوء، والعرب والجاهليون كانوا يعتقدون أن النجوم والأنواء سبب في نزول المطر، ويجعلونها أسبابا، ومنهم وهم طائفة قليلة من يجعل النوء والنجم هو الذي يأتي بالمطر، كما ذكرت لك في حال الطائفة الأولى من المنجمين الذين يجعلون المفعولات منفعلة عن النجوم وعن حركتها، فقوله -رحمه الله-: باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء، يعني: باب ما جاء في نسبة السقيا إلى النوء، وعبر بلفظ الاستسقاء؛ لأنه جاء في الحديث والاستسقاء بالنجوم.
ومناسبة هذا الباب لما قبله من الأبواب أن الاستسقاء بالأنواء نوع من التنجيم؛ لأنه نسبة السقيا إلى النجم، وذلك أيضا من السحر؛ لأن التنجيم من السحر بمعناه العام، ونسبة ذلك أو مناسبة ذلك لكتاب التوحيد أن الذي ينسب السقيا والفضل والنعمة الذي أعطاه حينما جاءه المطر، ينسب ذلك إلى النوء وإلى النجم، هذا ملتفت قلبه عن الله -جل وعلا- إلى غيره ومتعلق قلبه بغيره، وناسب النعمة إلى غير الله -جل وعلا -، معتقد أن النجوم أسباب لهذه المسببات من نزول المطر ونحوه.
وهذا مناف لكمال التوحيد، فإن كمال التوحيد الواجب يوجب على العبد أن ينسب النعم جميعا إلى الله وحده، وألا ينسب شيء منها إلى غير الله، ولو كان ذلك الغير سببا، فينسب النعمة إلى مسديها، ولو كان من أجرى الله على يديه تلك النعم سببا من الأسباب، فإنه لا ينسبها إلى غير الله -جل وعلا- كيف، وأن النجوم ليست بسبب أصلا، ففي ذلك نوعان من التعدي أولا: أنها ليست بأسباب، والثاني: أن تجعل أسبابا لم يجعلها الله -جل وعلا- أسبابا، وتنسب النعم والفضل والسقيا إليها.
وهذا مناف لكمال التوحيد، وكفر أصغر بالله -جل وعلا- قال: وقول الله تعالى: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)قال علماء التفسير: معنى هذه الآية: وتجعلون شكر رزقكم، شكر ما رزقكم الله من النعم من المطر أنكم تكذبون بأن النعمة من عند الله بنسبتها لغير الله -جل وعلا- تارة، بنسبتها إلى الأنواء أو بنسبتها إلى غير الله -جل وعلا-.
والواجب شكرا لنعم الله -جل وعلا- وشكرا لله -جل وعلا- على ما رزق وأنعم وتفضل أن تنسب النعم جميعا إلى الله، وأن ينسب الفضل إلى الرب وحده دون ما سواه.
قال: وعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))قوله: من أمر الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))هذا دليل على ذمها، وأنها من شعب الجاهلية، ومن المعلوم أن شعب الجاهلية جميعا مطلوب من هذه الأمة أن تبتعد عنها؛ لأن خصال أهل الجاهلية مذمومة، كما جاء في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: أبغض الرجال إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002357.htm')).
فكل شعبة من شعب أهل الجاهلية إذا أرجعت إلى أهل الإسلام بعد أن أنقذهم الله من ذلك ببعثة النبي -عليه الصلاة والسلام- وظهور القرآن والسنة، وبيان الأحكام، فإنه مبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، وهو من أبغض الرجال إلى الله -جل وعلا- .
إذن قوله: من أمر الجاهلية (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))هذا دليل الذم وليس الإخبار بأنها باقية دليل الإباحة، قال: لا يتركونهن الفخر بالأحساب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))يعني: على وجه التكبر والرفعة، والطعن في الأنساب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))بالطعن في نسب فلان وفلان والتكذيب بنسب فلان وفلان من غير دليل شرعي، ومن غير حاجة شرعية، فإن القاعدة التي ذكرها الإمام مالك وغيره من أهل العلم أن الناس مؤتمنون على أنسابهم، فإذا كان لا يترتب على ذكر النسب، وأن فلانا ينتسب إلى آل فلان أو إلى القبيلة الفلانية، إذا لم يترتب عليه أثر شرعي من إعطاء حق لغير أهله أو بميراث أو بعقد نسبة أو بزواج ونحو ذلك، فإن الناس مؤتمنون على أنسابهم، أما إذا كان له أثر فلا بد من الإثبات سيما إذا كان مخالفا لما هو شائع متواتر عند الناس، فالطعن بالأنساب من أمور الجاهلية.
قال: والاستسقاء بالنجوم (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002353.htm'))وهو نسبة السقيا إلى النجوم، ويشمل أيضا قوله: الاستسقاء بالنجوم يشمل ما هو أعظم من ذلك، وهو أن تطلب السقيا من النجم كحال الذين يعتقدون أن الحوادث العرضية تحصل بالنجوم نفسها، وأن النجوم هي التي تحدث المقدرات العرضية والمنفعلات العرضية.
قال: والنياحة، ثم قال: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002354.htm'))رواه مسلم.
النياحة من الكبائر، وهي رفع الصوت عند المصيبة وشق الجيب ونحو ذلك، وهي منافية للصبر الواجب ومن خصال الجاهلية.
قال: ولهما عن زيد بن خالد -رضي الله عنه- قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي، مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))
قوله: على إثر سماء كانت من الليل (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002355.htm'))على إثر سماء: يعني: مطر، المطر يطلق عليه سماء؛ لأنه يأتي من جهة العلو، ويقال له: سماء كما قال الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم
رأينـاه وإن كانوا غضابا
يعني: نزل المطر، قال: فلما انصرف - يعني: من صلاة الصبح -، أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002362.htm'))هذه من الكلمات التي تقال في حياته -عليه الصلاة والسلام-، وبعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-، فإذا سئل المرء عما لا يعلم، فليقل: لا أدري، أو فليقل: الله أعلم، ولا يقول: الله ورسوله أعلم؛ لأن ذكر علم النبي -عليه الصلاة والسلام- مقيد بحياته الشريفة -عليه الصلاة والسلام- قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002363.htm'))
هنا قسم العباد إلى قسمين: مؤمن بالله -جل وعلا- وهو الذي نسب هذه النعمة، وأضافها إلى الله -جل وعلا- وشكر الله عليها، وعرف أنها من عند الله، فشكر ذلك الرزق، وحمد الله وأثنى عليه به، والصنف الثاني: وكافر، ولفظ: كافر، اسم فاعل الكفر، أو اسم من قام به الكفر.
وهذا قد يصدق على الكفر الأصغر أو الكفر الأكبر، فهم انقسموا إلى مؤمنين وإلى كافرين، والكافرون منهم من كفر كفرا أصغر، ومنهم من كفر كفرا أكبر، فالذي كفر كفرا أصغر هو الذي قال: مطرنا بنوء كذا وكذا (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))يعتقد أن النوء والنجم والكوكب سبب في المطر، فهذا كفره كفر أصغر؛ لأنه ما اعتقد التشريك والاستقلال، ولكنه جعل ما ليس سببا سببا، ونسب النعمة إلى غير الله.
فقوله: من أقوال أهل الكفر، وهو كفر أصغر بالله -جل وعلا- كما قال العلماء.
والصنف الثاني: كافر الكفر الأكبر، وهو الذي اعتقد أن المطر أثر من آثار الكواكب والنجوم، وأنها هي التي تفضلت بالمطر، وهي التي تحركت بحركة لما توجه إليها عابدوها، فأنزلت المطر إجابة لدعوة عابديها، فهذا كفر أكبر بالإجماع؛ لأنه اعتقاد ربوبية وإلهية غير الله -جل وعلا-.
قال: فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002365.htm'))لأنه نسب النعمة لله وحده، ونسبة النعمة لله وحده دلت على إيمانه، قال: وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))وكما ذكرت لك الباء في قوله: مطرنا بنوء كذا (http://javascript<b></b>:OpenHT('Tak/Hits24002364.htm'))إن كانت للسببية؛ لأن الباء تأتي للسبب، مطرنا بسبب نوء كذا وكذا، فهذا كفر أصغر.
وأما إذا كان المراد أن النوء هو الذي أتى بالمطر إجابة لدعوة عابديه أو برحمته بالناس، فهذا كفر أكبر بالله جل جلاله.
قال: ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه قال بعضهم: لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات: فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)إلى قوله وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (http://www.taimiah.org/Display.asp?ID=29&t=book12&pid=1&f=twhd-0028.htm#)وهذا ظاهر نعم.
قف هنا تنبيه في هذه المسألة، وهو ما يحصل أحيانا من بعض الناس من أنهم يقولون في الوسم -مثلا-: يأتي مطر، والوسم جاء معناه أن الرياح فيه مطر ونجم الخير طلع، فسيحصل كذا ونحو ذلك، فهذا القول بما علمت له حالات:
الحالة الأولى: أن يقول ذلك لأجل أن النجم أو البرج الذي أتى هو زمن جعل الله سنته فيه أنه يأتي فيه المطر، فإذا كان هذا القول بأن الوسم معناه، هذا وقت المطر إن شاء الله يأتي، فيه مطر ونحو ذلك، فهذا جعل للوسم زمنا، وهذا جائز، وأما إذا قال: الوسم جاء يأتي المطر، أو طلع النجم الفلاني بيأتينا كذا وكذا، بجعل هذا الفصل أو ذاك البرج أو ذلك النجم سببا، فهذا كفر ونسبة للنعمة لغير الله واعتقاد تأثير أشياء لا تأثير لها، فينبغي أن يفرق بين ما يستعمله العوام فيما فيه أن المطر والبرد والصيف ونحو ذلك في تعلقه بالنجوم تعلق زمن ووقت وظرف، وما بين نسبة أهل الشرك والضلال الأفعال للنجوم، إما استقلالا وإما على وجه التثبت. وجزاكم الله خيراً