المسفهل
20/05/2004, 02:07 PM
خَــزاز
كانت زيارتي لخزاز يوم الخميس 20 - 1 - 1425 هـ
خَزَازْ: بفتح الخاءِ أوله ثم زاي مفتوحة فزاي ثانية جبل أحمر واقع إلى الجنوب من الرس على بعد49 كيلا . ويبعد عن بلدة دخنة بحوالي 5 أكيال .
قال البكري : جَبَلٌ لِغَنيٍّ وهو جبل أحمر ، وله هضبات حمر ، وقد ذكره عمرو بن كلثوم بقوله :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
وفي أصل "خزاز" ماء لِغَنيٍّ .يقال له : خزازة . وخزاز في ناحية منعج دون إمرَةَ وفوق عاقل على يسار طريق البصرة إلى المدينة ينظر إليه كل من سلك الطريق ، هذا قول السكوني .
وحدد أَبو عمرو خزازاً فقال : هو جبل مستفلك ، قريب من إمَّرَة عن يسار الطريق ، خلفه صحراء منعج . وصحراء منعج الشمال من دخنة تسمى الآن السهب سهب الظاهرية وعلى هذا فهي خلف خزاز لمن يكون في الحجاز .
إحداثي خزاز :
N 25 24 615
E 043 33 346
يوم خزاز :
ويوم خزاز أول يوم امتنعت فيه معد من ملوك حِمْيَرَ ، أي : أول يوم انتصر فيه النجديون على اليمانية أوقدوا ناراً على خزاز ثلاث ليلِ ودخنوا ثلاثة أَيام .
ثم قال : وقد ذكر خزازاً وعرفه : مهلهل ، ولبيد ، وزهير بن جناب وغيرهم ، قال زهير :
شهدت الوافدين على خزاز=وبِالسُّلاَّنِ جمعا ذا هواءٍ
وملخص يوم خزاز كما ذكره ابن الأثِير أَن ملكاً من ملوك اليمن كان في يديه أسارى من مُضَر وربيعة وقضاعة ، فوفد إليه وفد من وجوه بني معد ، فاحتبس الملك عنده بعض الوفد رهينة ، وقال للباقين : ائتوني برؤساء قومكم لآخذ عليهم المواثيق بالطاعة لي ، وإلا قتلت أصحابكم ، فرجعوا إلى قومهم ، فأخبروهم الخبر ، فبعث كليب وائل إلى ربيعة فجمعهم ، واجتمعت عليه معد ، فسار بهم ، وأمرهم أن يوقدوا على (خزاز) ناراً ليهتدوا بها ، وقال : إن غشيكم العدو فأوقدوا نارين .
فبلغ مذحجا اجتماع ربيعة ، ومسيرها ، فأقبلوا بجموعهم واستنفروا من يليهم من قبائل اليمن ، فساروا إليهم ، فلما سمع أَهل تهامة بمسير مذحج انضموا إلى ربيعة .
ووصلت مذحج إلى (خزاز) ليلا ، فرفع السفِّاح التغلبي وكان على مقدمة جيش ربيعة نارين ، فلما رأى كليب النارين ، أقبل إليهم بالجموع فَصَبَّحَهُمْ ، فالتقوا (بخزاز) فاقتتلو قتالا شديداً أكثروا فيه القتل ، فانهزمت مذحج ، وانفضت جموعها ، فقال السفاح في ذلك :
وليلة بتُّ أُوقدُ في خزاز=هديتُ كتائباً مٌتَحيراتِ
ضللن من السهاد وكنَّ لولا = سهاد القوم_أحسب_هاديات
ثم قال ابن الأثير : قيل إِنه لم يعلم من كان الرئيس يوم (خزاز) لإن عمرو بن كلثوم ، وهو ابن ابنة كليب يقول :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
فلو كان جده الرئيس لذكره ، ولم يفتخر بأنه رفد ، ثم جعل من شهد (خزازاً) متساندين فقال :
فكنَّا الأيْمَنينَ إِذ التقينا=وكأن الأيْسَرْينَ بنو أبينا
فصالوا صَوْلَةً فيمن يليهم =وَصُلْنَا صَوْلةً فيمن يلينا
فقالوا له : استأْثرثت على إخوتك يعني مضر _ولما ذكر جده في القصيدة قال :
ومن قبله الساعي كُلَيبٌ=فأَي المجد إلاقد ولينا
فلم يَدَّع الرياسة يوم (خزاز) وهي أشرف ماكان يفتخر له به وقد صرح ياقوت رحمه الله بذكر الرجل الذي أَبهم ابن الأثير اسمه فذكر أَنه أَبو زياد الكلابي.
فمن ذلك قول عمرو بن كلثوم حيث يقول :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
فكنَّا الأيْمَنينَ إِذ التقينا=وكأن الأيْسَرْينَ بنو أَبينا
فصالوا صَوْلَةً فيمن يليهم=وَصُلْنَا صَوْلةً فيمن يلينا
فآبوا بالنِّهاب وبالسبايا=وأبْنا بالملوك مُصفدينا
قال أَبو عمرو بن العلاء : ولو كان جده كليب بن وائل قائدهم ورئيسهم ما ادَّعى الرِّفاءَة ، وترك الرياسة ، وما رأَيت أَحداً عرف هذا اليوم ولا ذكره في شعره قبله ولا بعده .
وماء خزازة الذي ذكره البكري أَنه في أَصل خزاز يوجد أَثره الآن في غربي جبل خزاز ولكنه ماءُ رس
أي : قليل ينقطع إذا احتبس المطر وربما كانت خزازة تلك كان فيها آبار محفورة قديمة قد درست ...
وقال لغدة : وبجَنْبِ مَنّعِجٍ (خزاز) وهو جبل .
وهذا صحيح لأَن منعجا هو وادي دخنة.
وقال في موضع آخر : وتنظر إذا أَشرفت رامة إلى (خزاز) والانعمين ، ومتالع .أقول هذا صحيح فأنت ترى خزازاً ومتالعا ً والأَنعميين بسهولة .
وقال ياقوت : خزاز وخزازي : هما لغتان كلاهما بفتح أوله ، وزاءين معجمتين ، قال أبو منصور : وخزازى مشكل في النحو ، وأحسنه أن يقال : هو جمع سمي به كعراعر ولا واحد له من لفظه ، وقال الحارث بن حِلَّزة :
فَتَنَوُّرت نارها مِن بعيد =بخزازى ، هيهات منك الصِّلاء
قال ياقوت : قال أبو عبيدة : كان يوم (خزاز) بعقب السُّلاَّن ، (وخزاز) وكير ومتالع أجيال ثلاثة بطخفة مابين البصرة إلى مكة . فمتالع عن يمين الطريق للذاهب إلى مكة ، وكير عن شماله أي جهة الشمال ، وخزاز بنحر الطريق ، إِلا أنه لايمر الناس عليها تلاثتها .
ثم قال ياقوت : وغلط الجوهري فيه غلطاً عجيباً فإنه قال : خزاز جبل كانت العرب توقد عليه غداة الغارة ، فجعل الايقاد وصفاً لازماً له وهو غلط . إنما كان ذلك مرة في وقعة لهم .
ثم نقل كلاماً لأبي زياد الكلابي عن قصة يوم خزاز إِلى أن نقل عنه قوله : يوم خزاز ، أعظم يوم التقته العرب في الجاهلية .
وقال أبو زياد الكلابي : حدثنا من أدركناه ممن كنا نثق به بالبادية أن نزاراً لم تكن تستنصف من اليمن ، ولم تزل اليمن قاهرة لها في كل شيء حتى كان يوم (خزاز) حتى جاء الإسلام .
أشعار قديمة في خزاز :
قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه :
ومَصْعَدَهُمْ كي يقطعوا بطن مَنعج=قضاق بهم ذَرْعاً خزاز وعاقل
وقال آخر :
تَذَكَّرَ مني خطوبا مَضْتْ=ويومَ الإِباءِ ، ويومَ الكثيب
ويوم ( خزاز ) وقد ألجَموا=وَاشْرطْت نفسِي بأنْ لا أثُوْبْ
وقال أوس بن حجر :
وبالأنَيْعِمِ يوماً قد تَحِلُّ به=لدى خزاز ، ومنها مَنْظَرٌ كير
أي : أنت في الموضع الذي ترى منه كيراً ، والأنيعم واحد والأنعمين وهما جبيلان صغيران واقعان بقرب مدينة الرس يسميان الآن ( القشيعين ) وهذا هو الواقع بالنسبة لمن يكون لدى خزاز – أي بقربه – فإنه يرى جبل " كير " رؤية واضحة إلى الشمال منه ، ومن يكون في الأنعمين (القشيعين في الوقت الحاضر ) فإنه يرى خزاز ويرى كيراً كليهما .
وقال القَتَّال الكلابي :
وما إنْ تبِينُ الدَّارُ شيئاً لسائلٍ=ولا أناحتى جَنَّنِي الليلُ آيِس
على آلة ما ينبرى لي مساعد=فيسعدني ، إلا البلاد الأمالِسُ
تجوب على ورقٍ لهن حمامةٌ=وُمْنَثِلم تجري عليه الأداهسُ
وسُفْعٌ كذود الهاجري بجَعْجَع=تُحَفِّرُ في أعقارِهنَّ الهَجارس
مَواثِل مادامت (خَزَازٌ) مكانها=بِجَبَّانَةٍ كَانتْ إِليها المَاَلِسُ
تَمشَّى بها رُبُبْدُ النعام كَأَنَّها=رِجالُ القرى تجري ، عليها الطيالس
وقال مالك بن عامر :
عُمِّرْت حتى مَلَلْتُ الحياةَ=ومات لداتي من الأشعر
وأصبحتُ من أمَّة واحداً=أجَوِّل كَاجمل الأصْوَر
شهدت جزازي سُلاَّنها=على هَيْكَل أيِّدِ الأنْسُر ِ
وقال بعض من شهد الوقعة في خزاز من خَوَلاْن من اليمن :
كانت لنا ( بخزاز ) وقعة عَجَبٌ=لما التقينا وحادي الموت يحدوها
وقال النميري : وهو رجل من بني ظالم يقال له الدهقان :
أنْشُدُ الدار بِعَطْفيْ منعج=و(خزاز ) نِشْدَةً الباغي المُضِلّْ
قد مضى حولان مذ عهدى بها=واستهلَّتْ نصفَ حول مقتبل
فهي خرساء إذا كلَّمْتُها=ويشوق العين عرفان الطَّلَلْ
وقال المهلهل بن ربيعة :
إلى رئيس الناس والمُرْتجى=لِعقدة الشَّدِّ ، وَرَتْق الفُتُوق ْ
مَنْ عرفت يوماً (خزاز) له=عَليا مَعد عند أخذ الحُقوقْ
إذا أقبلت حِمْيرٌ في جمعها=ومذحِجٌ كالعارض المستحيق
وجمعُ همدانَ له لَجْبَةٌ=وراية تهوي ُوِىَّ الأنُوق
وأنشد ياقوت عن الهمداني لعمرو بن زيد :
كانت لنا (بخزازى) وقعة عَجَبٌ =لما التقينا وحادى الموت يحديها
مِلْنَا على وائل في وسط بلدتها=وذو الفخار كليب العز يَحميها
قد فَوّضوه وساروا تحت رايته=سارت إليه مَعَدٌ من أقاصيها
وحمير قومنا صارت مَقاولَها=وَمَذْحج الغُرُّ صارت في تعانِها
وقال الفِنْد الزمَّانِىُّ أحد شعراء الجاهلية يذكر وقعة (خزاز) ومافعلته مَعَدُّ بخصومها فيها من قصيدة طويلة :
واسألوا عنا بقايا حْمِير=وبقاياكم إذا النقع مُطَارُ
أيّ قوم ناجدوا إذ ناجدوا=وعلا بالنقع في الدار الغُوَار
لم تلومونا على ريث القُوَى=( بخزاز) يوم ضَمَّتْنَا الدِّيار
كم قتلنا (بخزازي) مِنْكُمُ=وأسرنا بعد ما حلّ الحرار
من ملوكِ أشرفت أعناقها=بوجوه نجبت فهي نضار
وظلت وقعة (خزاز) ومافعلته ربيعة هناك مذكوراً مشهوراً موضع فخر لربيعة بين الأدباء حتى القرون الوسيطة ممن ذكره ونوه به الشاعر الأحسائي ابن مقرب فقال من قصيدة :
ألا إنما فعل الأمير محمد=لإحياء ما سَنَّ الجُدودُ الأوائل
هم(بخزازى)دافعوا عنكم العدى=وذلك يوم مُمْقر الطَّعْمِ باسِلُ
فشكراً بلا كفر ، لسعي ربيعة= فما يكفر النعماء في الناس عاقِلُ
قال العبودي : وحدثني الأخ بدر بن مفضي البهيمة من أهلي دخنة التي كانت تسمى في القديم منعج ، وأبوه كان أمير دخنة حتى توفي : أنَّ راعية غنم من أهلي دخنة ، كانت ترعى غنمها في سفح جبل خزاز بعد وقعة السبَلة التي كانت عام1347هـ وجدت خبيئَةً في أسفل جبل خزاز فظنت أنها كنز وعالجتها مع رفيق لها فوجدا ما يشبه التَّنُّوْرَ من الفخار نازلا إلى الأرض بحوالي المترين ، فحفراه ووجدا في داخله جثة رجل بقي منه جمجمته وبعض فقار ظهره ويعتقد أنه كان في التابوت متخذاً جلسة القاعد فتركاه وأخبرا أهالي دخنة بذلك .
ومن الطريف أن أحدهم ويدعى جميعان بن مبرز قال لهم : لابد أن هذا رأس (أبو زيد الهلالي ) لإنه على ما وصف مصندق أي على هيئة صندوق .
أن هذه الواقعة المؤكدة تدل على أن منطقة خزاز كانت قد شهدت عمراناً قديماً ، وأن هذا الرجل الذي دفن على طريق غير الطريقة الإسلامية كان أحد الكبار من جنود اليمن الذين ذكر المؤرخون أنه كانت لهم السيادة على القبائل العدنانية في تلك المنطقة قبل الإسلام وذلك حتى انتصر العدنانيون في موقعة خزاز التي سبق ذكرها .
شعر عامي :
قال سرور بن عودة الأطرش من شعراء الرس :
جَنِّبْ (خزاز) وْما زما لك من القور=ونَوِّخ قُعُودك في "نفي" وقت الافطار
نَوِّخ قعودك ، وانْت لا تجعفْ الكُورْ= واعْرِفْ ترى صيُّورك العصر سَيَّار
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ1.jpg
جبل خزاز من بعيد ..
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ2.jpg
انظر إلى بديع صنع الله ... إني أشبهه بسنام البعير !
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ3.jpg
هذه الهضبة التي تشاهدها أمامك هي هضبة خزّة واقعة في جهته الشمالية الشرقية ، وفيها ماءَة قديمة تسمى الآن باسم الهضبة " خزة " أيضاً .وهي التي ذكرها البكري فقال: ( في أصل خزاز ماء لغني يقال له خزازة ، وخزازة في ناحية منعج ). وانظر إلى السيارات إنني ما زلت في سفح الجبل فكيف إذا وصلت قمته ؟ !
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ4.jpg
هذه الصخرة العظيمة في أعلى قمة خزاز .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ5.jpg
إنك الآن لا تستطيع أن ترى السيارات للارتفاع الهائل لهذا الجبل .. استغرق صعودي 30 دقيقة ونزولي 45 دقيقة .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ6.jpg
ذيل الجبل الممتد من الناحية الشمالية الغربية .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ7.jpg
إنه خلق من صخرة واحدة صماء .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ8.jpg
منظر الجبل من الغرب .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ9.jpg
من المشاهد التي آلمتني وصول تجار الرخام لهذا الجبل التاريخي إنه ينتظر أن تقضمه أسنان آلاتهم ثم تلتهمه بطون القصور الجشعة !
المراجع :
1 - بلاد العرب للأصفهاني
2 - الكامل لابن قتيبة
3 - العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي
4 - الحيوان للجاحظ
5 - معجم البلدان لياقوت
6 - معجم ما استعجم للبكري
7 - معجم القصيم للعبودي
8 - معجم جبال الجزيرة لابن خميس
9 - أبيات وأماكن للمسيميري
11- صفة جزيرة العرب للهمذاني
12 - مجلة العرب للجاسر
كانت زيارتي لخزاز يوم الخميس 20 - 1 - 1425 هـ
خَزَازْ: بفتح الخاءِ أوله ثم زاي مفتوحة فزاي ثانية جبل أحمر واقع إلى الجنوب من الرس على بعد49 كيلا . ويبعد عن بلدة دخنة بحوالي 5 أكيال .
قال البكري : جَبَلٌ لِغَنيٍّ وهو جبل أحمر ، وله هضبات حمر ، وقد ذكره عمرو بن كلثوم بقوله :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
وفي أصل "خزاز" ماء لِغَنيٍّ .يقال له : خزازة . وخزاز في ناحية منعج دون إمرَةَ وفوق عاقل على يسار طريق البصرة إلى المدينة ينظر إليه كل من سلك الطريق ، هذا قول السكوني .
وحدد أَبو عمرو خزازاً فقال : هو جبل مستفلك ، قريب من إمَّرَة عن يسار الطريق ، خلفه صحراء منعج . وصحراء منعج الشمال من دخنة تسمى الآن السهب سهب الظاهرية وعلى هذا فهي خلف خزاز لمن يكون في الحجاز .
إحداثي خزاز :
N 25 24 615
E 043 33 346
يوم خزاز :
ويوم خزاز أول يوم امتنعت فيه معد من ملوك حِمْيَرَ ، أي : أول يوم انتصر فيه النجديون على اليمانية أوقدوا ناراً على خزاز ثلاث ليلِ ودخنوا ثلاثة أَيام .
ثم قال : وقد ذكر خزازاً وعرفه : مهلهل ، ولبيد ، وزهير بن جناب وغيرهم ، قال زهير :
شهدت الوافدين على خزاز=وبِالسُّلاَّنِ جمعا ذا هواءٍ
وملخص يوم خزاز كما ذكره ابن الأثِير أَن ملكاً من ملوك اليمن كان في يديه أسارى من مُضَر وربيعة وقضاعة ، فوفد إليه وفد من وجوه بني معد ، فاحتبس الملك عنده بعض الوفد رهينة ، وقال للباقين : ائتوني برؤساء قومكم لآخذ عليهم المواثيق بالطاعة لي ، وإلا قتلت أصحابكم ، فرجعوا إلى قومهم ، فأخبروهم الخبر ، فبعث كليب وائل إلى ربيعة فجمعهم ، واجتمعت عليه معد ، فسار بهم ، وأمرهم أن يوقدوا على (خزاز) ناراً ليهتدوا بها ، وقال : إن غشيكم العدو فأوقدوا نارين .
فبلغ مذحجا اجتماع ربيعة ، ومسيرها ، فأقبلوا بجموعهم واستنفروا من يليهم من قبائل اليمن ، فساروا إليهم ، فلما سمع أَهل تهامة بمسير مذحج انضموا إلى ربيعة .
ووصلت مذحج إلى (خزاز) ليلا ، فرفع السفِّاح التغلبي وكان على مقدمة جيش ربيعة نارين ، فلما رأى كليب النارين ، أقبل إليهم بالجموع فَصَبَّحَهُمْ ، فالتقوا (بخزاز) فاقتتلو قتالا شديداً أكثروا فيه القتل ، فانهزمت مذحج ، وانفضت جموعها ، فقال السفاح في ذلك :
وليلة بتُّ أُوقدُ في خزاز=هديتُ كتائباً مٌتَحيراتِ
ضللن من السهاد وكنَّ لولا = سهاد القوم_أحسب_هاديات
ثم قال ابن الأثير : قيل إِنه لم يعلم من كان الرئيس يوم (خزاز) لإن عمرو بن كلثوم ، وهو ابن ابنة كليب يقول :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
فلو كان جده الرئيس لذكره ، ولم يفتخر بأنه رفد ، ثم جعل من شهد (خزازاً) متساندين فقال :
فكنَّا الأيْمَنينَ إِذ التقينا=وكأن الأيْسَرْينَ بنو أبينا
فصالوا صَوْلَةً فيمن يليهم =وَصُلْنَا صَوْلةً فيمن يلينا
فقالوا له : استأْثرثت على إخوتك يعني مضر _ولما ذكر جده في القصيدة قال :
ومن قبله الساعي كُلَيبٌ=فأَي المجد إلاقد ولينا
فلم يَدَّع الرياسة يوم (خزاز) وهي أشرف ماكان يفتخر له به وقد صرح ياقوت رحمه الله بذكر الرجل الذي أَبهم ابن الأثير اسمه فذكر أَنه أَبو زياد الكلابي.
فمن ذلك قول عمرو بن كلثوم حيث يقول :
ونحن غداة أوقد في خزاز=رَفَدنَا فوق رَفْد الرافدينا
فكنَّا الأيْمَنينَ إِذ التقينا=وكأن الأيْسَرْينَ بنو أَبينا
فصالوا صَوْلَةً فيمن يليهم=وَصُلْنَا صَوْلةً فيمن يلينا
فآبوا بالنِّهاب وبالسبايا=وأبْنا بالملوك مُصفدينا
قال أَبو عمرو بن العلاء : ولو كان جده كليب بن وائل قائدهم ورئيسهم ما ادَّعى الرِّفاءَة ، وترك الرياسة ، وما رأَيت أَحداً عرف هذا اليوم ولا ذكره في شعره قبله ولا بعده .
وماء خزازة الذي ذكره البكري أَنه في أَصل خزاز يوجد أَثره الآن في غربي جبل خزاز ولكنه ماءُ رس
أي : قليل ينقطع إذا احتبس المطر وربما كانت خزازة تلك كان فيها آبار محفورة قديمة قد درست ...
وقال لغدة : وبجَنْبِ مَنّعِجٍ (خزاز) وهو جبل .
وهذا صحيح لأَن منعجا هو وادي دخنة.
وقال في موضع آخر : وتنظر إذا أَشرفت رامة إلى (خزاز) والانعمين ، ومتالع .أقول هذا صحيح فأنت ترى خزازاً ومتالعا ً والأَنعميين بسهولة .
وقال ياقوت : خزاز وخزازي : هما لغتان كلاهما بفتح أوله ، وزاءين معجمتين ، قال أبو منصور : وخزازى مشكل في النحو ، وأحسنه أن يقال : هو جمع سمي به كعراعر ولا واحد له من لفظه ، وقال الحارث بن حِلَّزة :
فَتَنَوُّرت نارها مِن بعيد =بخزازى ، هيهات منك الصِّلاء
قال ياقوت : قال أبو عبيدة : كان يوم (خزاز) بعقب السُّلاَّن ، (وخزاز) وكير ومتالع أجيال ثلاثة بطخفة مابين البصرة إلى مكة . فمتالع عن يمين الطريق للذاهب إلى مكة ، وكير عن شماله أي جهة الشمال ، وخزاز بنحر الطريق ، إِلا أنه لايمر الناس عليها تلاثتها .
ثم قال ياقوت : وغلط الجوهري فيه غلطاً عجيباً فإنه قال : خزاز جبل كانت العرب توقد عليه غداة الغارة ، فجعل الايقاد وصفاً لازماً له وهو غلط . إنما كان ذلك مرة في وقعة لهم .
ثم نقل كلاماً لأبي زياد الكلابي عن قصة يوم خزاز إِلى أن نقل عنه قوله : يوم خزاز ، أعظم يوم التقته العرب في الجاهلية .
وقال أبو زياد الكلابي : حدثنا من أدركناه ممن كنا نثق به بالبادية أن نزاراً لم تكن تستنصف من اليمن ، ولم تزل اليمن قاهرة لها في كل شيء حتى كان يوم (خزاز) حتى جاء الإسلام .
أشعار قديمة في خزاز :
قال لبيد بن ربيعة رضي الله عنه :
ومَصْعَدَهُمْ كي يقطعوا بطن مَنعج=قضاق بهم ذَرْعاً خزاز وعاقل
وقال آخر :
تَذَكَّرَ مني خطوبا مَضْتْ=ويومَ الإِباءِ ، ويومَ الكثيب
ويوم ( خزاز ) وقد ألجَموا=وَاشْرطْت نفسِي بأنْ لا أثُوْبْ
وقال أوس بن حجر :
وبالأنَيْعِمِ يوماً قد تَحِلُّ به=لدى خزاز ، ومنها مَنْظَرٌ كير
أي : أنت في الموضع الذي ترى منه كيراً ، والأنيعم واحد والأنعمين وهما جبيلان صغيران واقعان بقرب مدينة الرس يسميان الآن ( القشيعين ) وهذا هو الواقع بالنسبة لمن يكون لدى خزاز – أي بقربه – فإنه يرى جبل " كير " رؤية واضحة إلى الشمال منه ، ومن يكون في الأنعمين (القشيعين في الوقت الحاضر ) فإنه يرى خزاز ويرى كيراً كليهما .
وقال القَتَّال الكلابي :
وما إنْ تبِينُ الدَّارُ شيئاً لسائلٍ=ولا أناحتى جَنَّنِي الليلُ آيِس
على آلة ما ينبرى لي مساعد=فيسعدني ، إلا البلاد الأمالِسُ
تجوب على ورقٍ لهن حمامةٌ=وُمْنَثِلم تجري عليه الأداهسُ
وسُفْعٌ كذود الهاجري بجَعْجَع=تُحَفِّرُ في أعقارِهنَّ الهَجارس
مَواثِل مادامت (خَزَازٌ) مكانها=بِجَبَّانَةٍ كَانتْ إِليها المَاَلِسُ
تَمشَّى بها رُبُبْدُ النعام كَأَنَّها=رِجالُ القرى تجري ، عليها الطيالس
وقال مالك بن عامر :
عُمِّرْت حتى مَلَلْتُ الحياةَ=ومات لداتي من الأشعر
وأصبحتُ من أمَّة واحداً=أجَوِّل كَاجمل الأصْوَر
شهدت جزازي سُلاَّنها=على هَيْكَل أيِّدِ الأنْسُر ِ
وقال بعض من شهد الوقعة في خزاز من خَوَلاْن من اليمن :
كانت لنا ( بخزاز ) وقعة عَجَبٌ=لما التقينا وحادي الموت يحدوها
وقال النميري : وهو رجل من بني ظالم يقال له الدهقان :
أنْشُدُ الدار بِعَطْفيْ منعج=و(خزاز ) نِشْدَةً الباغي المُضِلّْ
قد مضى حولان مذ عهدى بها=واستهلَّتْ نصفَ حول مقتبل
فهي خرساء إذا كلَّمْتُها=ويشوق العين عرفان الطَّلَلْ
وقال المهلهل بن ربيعة :
إلى رئيس الناس والمُرْتجى=لِعقدة الشَّدِّ ، وَرَتْق الفُتُوق ْ
مَنْ عرفت يوماً (خزاز) له=عَليا مَعد عند أخذ الحُقوقْ
إذا أقبلت حِمْيرٌ في جمعها=ومذحِجٌ كالعارض المستحيق
وجمعُ همدانَ له لَجْبَةٌ=وراية تهوي ُوِىَّ الأنُوق
وأنشد ياقوت عن الهمداني لعمرو بن زيد :
كانت لنا (بخزازى) وقعة عَجَبٌ =لما التقينا وحادى الموت يحديها
مِلْنَا على وائل في وسط بلدتها=وذو الفخار كليب العز يَحميها
قد فَوّضوه وساروا تحت رايته=سارت إليه مَعَدٌ من أقاصيها
وحمير قومنا صارت مَقاولَها=وَمَذْحج الغُرُّ صارت في تعانِها
وقال الفِنْد الزمَّانِىُّ أحد شعراء الجاهلية يذكر وقعة (خزاز) ومافعلته مَعَدُّ بخصومها فيها من قصيدة طويلة :
واسألوا عنا بقايا حْمِير=وبقاياكم إذا النقع مُطَارُ
أيّ قوم ناجدوا إذ ناجدوا=وعلا بالنقع في الدار الغُوَار
لم تلومونا على ريث القُوَى=( بخزاز) يوم ضَمَّتْنَا الدِّيار
كم قتلنا (بخزازي) مِنْكُمُ=وأسرنا بعد ما حلّ الحرار
من ملوكِ أشرفت أعناقها=بوجوه نجبت فهي نضار
وظلت وقعة (خزاز) ومافعلته ربيعة هناك مذكوراً مشهوراً موضع فخر لربيعة بين الأدباء حتى القرون الوسيطة ممن ذكره ونوه به الشاعر الأحسائي ابن مقرب فقال من قصيدة :
ألا إنما فعل الأمير محمد=لإحياء ما سَنَّ الجُدودُ الأوائل
هم(بخزازى)دافعوا عنكم العدى=وذلك يوم مُمْقر الطَّعْمِ باسِلُ
فشكراً بلا كفر ، لسعي ربيعة= فما يكفر النعماء في الناس عاقِلُ
قال العبودي : وحدثني الأخ بدر بن مفضي البهيمة من أهلي دخنة التي كانت تسمى في القديم منعج ، وأبوه كان أمير دخنة حتى توفي : أنَّ راعية غنم من أهلي دخنة ، كانت ترعى غنمها في سفح جبل خزاز بعد وقعة السبَلة التي كانت عام1347هـ وجدت خبيئَةً في أسفل جبل خزاز فظنت أنها كنز وعالجتها مع رفيق لها فوجدا ما يشبه التَّنُّوْرَ من الفخار نازلا إلى الأرض بحوالي المترين ، فحفراه ووجدا في داخله جثة رجل بقي منه جمجمته وبعض فقار ظهره ويعتقد أنه كان في التابوت متخذاً جلسة القاعد فتركاه وأخبرا أهالي دخنة بذلك .
ومن الطريف أن أحدهم ويدعى جميعان بن مبرز قال لهم : لابد أن هذا رأس (أبو زيد الهلالي ) لإنه على ما وصف مصندق أي على هيئة صندوق .
أن هذه الواقعة المؤكدة تدل على أن منطقة خزاز كانت قد شهدت عمراناً قديماً ، وأن هذا الرجل الذي دفن على طريق غير الطريقة الإسلامية كان أحد الكبار من جنود اليمن الذين ذكر المؤرخون أنه كانت لهم السيادة على القبائل العدنانية في تلك المنطقة قبل الإسلام وذلك حتى انتصر العدنانيون في موقعة خزاز التي سبق ذكرها .
شعر عامي :
قال سرور بن عودة الأطرش من شعراء الرس :
جَنِّبْ (خزاز) وْما زما لك من القور=ونَوِّخ قُعُودك في "نفي" وقت الافطار
نَوِّخ قعودك ، وانْت لا تجعفْ الكُورْ= واعْرِفْ ترى صيُّورك العصر سَيَّار
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ1.jpg
جبل خزاز من بعيد ..
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ2.jpg
انظر إلى بديع صنع الله ... إني أشبهه بسنام البعير !
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ3.jpg
هذه الهضبة التي تشاهدها أمامك هي هضبة خزّة واقعة في جهته الشمالية الشرقية ، وفيها ماءَة قديمة تسمى الآن باسم الهضبة " خزة " أيضاً .وهي التي ذكرها البكري فقال: ( في أصل خزاز ماء لغني يقال له خزازة ، وخزازة في ناحية منعج ). وانظر إلى السيارات إنني ما زلت في سفح الجبل فكيف إذا وصلت قمته ؟ !
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ4.jpg
هذه الصخرة العظيمة في أعلى قمة خزاز .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ5.jpg
إنك الآن لا تستطيع أن ترى السيارات للارتفاع الهائل لهذا الجبل .. استغرق صعودي 30 دقيقة ونزولي 45 دقيقة .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ6.jpg
ذيل الجبل الممتد من الناحية الشمالية الغربية .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ7.jpg
إنه خلق من صخرة واحدة صماء .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ8.jpg
منظر الجبل من الغرب .
http://www.mekshat.com/pix/upload/images5/mk863_KAZAZ9.jpg
من المشاهد التي آلمتني وصول تجار الرخام لهذا الجبل التاريخي إنه ينتظر أن تقضمه أسنان آلاتهم ثم تلتهمه بطون القصور الجشعة !
المراجع :
1 - بلاد العرب للأصفهاني
2 - الكامل لابن قتيبة
3 - العقد الفريد لابن عبد ربه الأندلسي
4 - الحيوان للجاحظ
5 - معجم البلدان لياقوت
6 - معجم ما استعجم للبكري
7 - معجم القصيم للعبودي
8 - معجم جبال الجزيرة لابن خميس
9 - أبيات وأماكن للمسيميري
11- صفة جزيرة العرب للهمذاني
12 - مجلة العرب للجاسر