محب البر
02/07/2004, 05:51 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ختام الجزء السادس رحلة عبر الرمال ذكرت أنني سوف أفرد موضوع مستقل لرحلة جون فيلبي عبر الربع الخالي الجزء الخاص بنيزك الحديدة (ما يطلق عليه مجازاً نيزك وبار) أو البحث عن أرم ذات العماد
في مقدمة كتابه الربع الخالي يقول الحاج عبد الله فيلبي " فقد سيطرت على خلال خمسة عشر عاماً من حياتي فكرة واحدة، وطموح واحد، أو بالأحرى هاجس واحد، سعيت إلى تحقيقه دون هودة وبكل إخلاص وعناد وتفان"
يقصد هاجس عبور الربع الخالي والبحث عن مدينة وبار الأسطورية أو أرم ذات العماد
سمع عبد الله فيلبي الناس يتحدثون عن صحراء الربع الخالي وأساطيرها الغريبة وتتحدث الأقاويل التي وصلته عن خرائب تكتنفها الأسرار الغامضة في قلب الصحراء وعن كتلة ضخمة من الحديد بحجم بعير موجودة هناك
ألهبت هذه القصص خياله وأحدثت في نفسه توقاً شديداً لا يقاوم لاستكشاف آثار تلك المدينة المنسية القديمة في الصحراء التي ربما تحكي قصة ماضي الجزيرة العربية البعيد الذي لم يتعرف عليه أحد بعد وكان المؤرخون القدامى مثل ياقوت الحموي والهمداني قد ذكروا قصصاً عديدة غريبة وأساطير عن تلك المدينة
وكان لديه طموح جارف بأن يكون أول معاصر يعبر صحراء الربع الخالي
حيث كان يطلب من الملك عبد العزيز رحمه الله الإذن له بعبور الربع الخالي، لكن الملك لم يوافق على ذلك حتى عام 1931 حيث رأى الملك في ذلك طريقة مفيدة لرسم خريطة لمملكة واستكشاف الأنحاء غير المعروفة منها
لم يكن لفرح عبد الله حدود بموافقة الملك على رغبته
ولكن تعرض لأكبر احباط حيث بلغه أن المستشرق البريطاني بيرترام توماس قد نجح في عبور الربع الخالي بدأ من ظفار بعمان جنوباُ حتى ساحل أبو ظبي شمالاً 1931 لكن الأمل لم يفارقه, إذ أن توماس لم يعبر قلب الصحراء
لكن عبد الله فيلبي عرف أن عبور الصحراء لن يحدث بين ليلة وضحاها, بل يحتاج إلى دراسة متعمقة وتخطيط طويل قبل الشروع به لذلك ظل سنوات وهو يعد العدة لذلك
وبعد سماعه الموافقة الملكية لم يضيع وقتاً فسرعان ما توجه للهفوف للقيام بالاستعدادات النهائية لرحلته، التي أستغرقت أسبوعين كان خلالها يرسم خريطة الأحساء ويسجل ملاحظاته في دفتر يومياته, فيما سرت الأخبار في كل مكان لاستدعاء الرجال اللازمين لمرافقة عبد الله في الرحلة
وسرعان ما دقت ساعة الصفر, وكانت معنويات عبد الله مرتفعة جداً وهو يمضي قدماً نحو هدفه الذي طالما تاق إليه وهو عبور الربع الخالي والعثور على مدينة وبار، كان معه 15 من المرشدين والأدلاء (بعضهم عرضوا عليه أن يرشدوه إلى المكان الذي عاقب الله فيه قوم عاد في وسط الربع الخالي) حين انطلق من الدليقية, كما كان أربعة ينتظرونه للانضمام إلى ركبه في الجنوب, مما رفع عددهم إلى 19 رجلاً معهم 32 بعيراً يحملون مؤونة من الزاد والماء تكفيهم ثلاثة شهور، طعامهم الرئيسي في رحلتهم كان التمر والرز كما حملوا معهم بين أشياء أخرى الملح والشاي والفلفل والقرفة والزبدة والشاي والسكر والهال والبصل
كانت بداية الرحلة في شهر يناير الشديد البرودة في تلك الصحراء ولقد سجل ميزان الحرارة الذي مع عبد الله برودة وصلت 5 درجات تحت الصفر حيث أن قِرِب الماء الجلدية التي معهم تجمدت حتى الصلابة وكان عليهم وضعها بجانب نارهم لإذابتها وتحضير قهوتهم والرمال كانت من البرودة لدرجة جعلتهم يشعرون بثقوب حارقة في أقدامهم وكأنها تكوى بإبر محماة حتى الاحمرار غير أن الجو في غضون أيام قليلة أصبح حاراً بشكل لا يطاق، كان الوقت حينها بداية شهر رمضان المبارك واتفق الركب جميعاً على صومه غير أن خمسة منهم فقط صاموا أيام الشهر الثلاثين كلها منهم عبد الله، أما البقية فكانوا يفطرون منتصف النهار بين الحين والآخر
كانوا يتوغلون في الصحراء أكثر مع مرور كل يوم ويعبرون السهول الملحية المنخفضة باحثين عن الواحات ويسجلون كل الآثار التي يمرون بها إلى أن وصلوا قرية يبرين وعند الحد الأقصى للقرية جنوباً في تلك الرمال استقبلهم بدوي يعيش مع عائلته، رحب بهم البدوي وذبح لطعامهم حواراً, كما أهداهم أيضاً كلباً رافقهم طوال رحلتهم وساعدهم في صيد أرنب بري بين الحين والآخر في تلك الصحراء القاسية ومن هذا المكان كان العبور الحقيقي للربع الخالي قد بدأ
طوال أيام سفرهم كانوا يحصلون على الماء من الآبار وكان كثير منها مطمورة بالرمال مخفياً عن العيون إلا عيون الأدلاء وقصاصي الأثر من أل مره الذين رافقوه
ولم يضيع عبد الله في رحلته فرصة لجمع الأحافير والعينات صخرية لإرسالها إلى لندن للدراسة
كان عبد الله فيلبي في بحث دائم عن مدينة وبر الغامضة الضائعة فيما كان يتقدم جنوباً وليس لديه سوى أدلة مبهمة عن وجود المدينة وبالاعتماد على ما توفر لديه من معلومات, حدد موقعين محتملين على الخريطة لوجود المدينة أحدهما علمه على الخريطة قبل أربع عشرة سنة إعتماداً على الإتجاهات والمسافات التي أخبرها به دليله في رحلة وادي الدواسر
وعندما وصلوا على بعد ميل أو ميلين من أحد الموقعين المتوقع أن يكون وجود مدينة وبر القديمة فيه، نصبوا خيامهم بعيداً قليلاً عنه
في اليوم التالي تقدموا أكثر في إتجاه المدينة الخربة، وفي تلك اللحظة كان عبد الله ينظر ليس إلى خرائب مدينة قديمة بل إلى فوهة بركان، وكانت هناك فوهتان تحيط بهما الخبث واللابة
كان هذا ما تصوره في البداية ويقول " لم أدر ماذا أفعل : هل أبكي أم أضحك، مع أن المنظر نفسه كان قد شدني وأسرني تماماً ... المنظر الذي بدد أحلام السنين! إذاً هذه هي وبار! مجرد بركان في الصحراء! ... وعلى أن أقر بأن الفوهتين الممتلئتين بالرمال وما يحيط بهما من حيطان الخبث المرتفعة، تشبهان إلى حد كبير بقايا قلاع محطمة"
وبتمعن أكثر وقع عبد الله على شظية معدنية كبيرة, كان واضحاً أنها جزء من نيزك ضخم وهذا ما قاده لاستخلاص أن فوهات وبر لم تكن بركانية وإنما قد يكون سببها ارتطام نيزك ضخم بالأرض ويطلق البدو على هذه المنطقة حديدة والبئر المحفور بقربها بئر أم الحديد
نيزك الحديدة
الموقع في الربع الخالي قرب بئر أم الحديد
الإحداثيات
N 21 29 59
E050 28 20
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar2.jpg
خريطة تبين موقع النيزك بقرب بئر أم الحديد الواقع في منتصف الخريطة
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar3.jpg
رسم تفصيلي لموقع نيزك الحديدة مبين الفوهات النيزكية الثلاثة التي غطيت بالرمال المتحركة
الفوهة B قطرها 116 متر، بينما الفوهة A قطرها 64 متر، والفوهة الثالثة بقطر 11 متر
كذلك مبين موقع نوعان غير عاديان من الصخور هما صخر الزجاج الأسود وصخر ارتطامي (مكون من إختلاط مكونات النيزك مع الرمل المصهور) تكونا نتيجة سقوط النيزك
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar8.jpg
صورة في طرف الفوهة A تبين قطع صخر الزجاج الأسود وصخر ارتطامي ألتقطت عام 1994 خلال رحلة عبور الربع الخالي من قبل فريق الزاهد -همر
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar7.jpg
صورة الفوهة ذات القطر 11 متر
يتبع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في ختام الجزء السادس رحلة عبر الرمال ذكرت أنني سوف أفرد موضوع مستقل لرحلة جون فيلبي عبر الربع الخالي الجزء الخاص بنيزك الحديدة (ما يطلق عليه مجازاً نيزك وبار) أو البحث عن أرم ذات العماد
في مقدمة كتابه الربع الخالي يقول الحاج عبد الله فيلبي " فقد سيطرت على خلال خمسة عشر عاماً من حياتي فكرة واحدة، وطموح واحد، أو بالأحرى هاجس واحد، سعيت إلى تحقيقه دون هودة وبكل إخلاص وعناد وتفان"
يقصد هاجس عبور الربع الخالي والبحث عن مدينة وبار الأسطورية أو أرم ذات العماد
سمع عبد الله فيلبي الناس يتحدثون عن صحراء الربع الخالي وأساطيرها الغريبة وتتحدث الأقاويل التي وصلته عن خرائب تكتنفها الأسرار الغامضة في قلب الصحراء وعن كتلة ضخمة من الحديد بحجم بعير موجودة هناك
ألهبت هذه القصص خياله وأحدثت في نفسه توقاً شديداً لا يقاوم لاستكشاف آثار تلك المدينة المنسية القديمة في الصحراء التي ربما تحكي قصة ماضي الجزيرة العربية البعيد الذي لم يتعرف عليه أحد بعد وكان المؤرخون القدامى مثل ياقوت الحموي والهمداني قد ذكروا قصصاً عديدة غريبة وأساطير عن تلك المدينة
وكان لديه طموح جارف بأن يكون أول معاصر يعبر صحراء الربع الخالي
حيث كان يطلب من الملك عبد العزيز رحمه الله الإذن له بعبور الربع الخالي، لكن الملك لم يوافق على ذلك حتى عام 1931 حيث رأى الملك في ذلك طريقة مفيدة لرسم خريطة لمملكة واستكشاف الأنحاء غير المعروفة منها
لم يكن لفرح عبد الله حدود بموافقة الملك على رغبته
ولكن تعرض لأكبر احباط حيث بلغه أن المستشرق البريطاني بيرترام توماس قد نجح في عبور الربع الخالي بدأ من ظفار بعمان جنوباُ حتى ساحل أبو ظبي شمالاً 1931 لكن الأمل لم يفارقه, إذ أن توماس لم يعبر قلب الصحراء
لكن عبد الله فيلبي عرف أن عبور الصحراء لن يحدث بين ليلة وضحاها, بل يحتاج إلى دراسة متعمقة وتخطيط طويل قبل الشروع به لذلك ظل سنوات وهو يعد العدة لذلك
وبعد سماعه الموافقة الملكية لم يضيع وقتاً فسرعان ما توجه للهفوف للقيام بالاستعدادات النهائية لرحلته، التي أستغرقت أسبوعين كان خلالها يرسم خريطة الأحساء ويسجل ملاحظاته في دفتر يومياته, فيما سرت الأخبار في كل مكان لاستدعاء الرجال اللازمين لمرافقة عبد الله في الرحلة
وسرعان ما دقت ساعة الصفر, وكانت معنويات عبد الله مرتفعة جداً وهو يمضي قدماً نحو هدفه الذي طالما تاق إليه وهو عبور الربع الخالي والعثور على مدينة وبار، كان معه 15 من المرشدين والأدلاء (بعضهم عرضوا عليه أن يرشدوه إلى المكان الذي عاقب الله فيه قوم عاد في وسط الربع الخالي) حين انطلق من الدليقية, كما كان أربعة ينتظرونه للانضمام إلى ركبه في الجنوب, مما رفع عددهم إلى 19 رجلاً معهم 32 بعيراً يحملون مؤونة من الزاد والماء تكفيهم ثلاثة شهور، طعامهم الرئيسي في رحلتهم كان التمر والرز كما حملوا معهم بين أشياء أخرى الملح والشاي والفلفل والقرفة والزبدة والشاي والسكر والهال والبصل
كانت بداية الرحلة في شهر يناير الشديد البرودة في تلك الصحراء ولقد سجل ميزان الحرارة الذي مع عبد الله برودة وصلت 5 درجات تحت الصفر حيث أن قِرِب الماء الجلدية التي معهم تجمدت حتى الصلابة وكان عليهم وضعها بجانب نارهم لإذابتها وتحضير قهوتهم والرمال كانت من البرودة لدرجة جعلتهم يشعرون بثقوب حارقة في أقدامهم وكأنها تكوى بإبر محماة حتى الاحمرار غير أن الجو في غضون أيام قليلة أصبح حاراً بشكل لا يطاق، كان الوقت حينها بداية شهر رمضان المبارك واتفق الركب جميعاً على صومه غير أن خمسة منهم فقط صاموا أيام الشهر الثلاثين كلها منهم عبد الله، أما البقية فكانوا يفطرون منتصف النهار بين الحين والآخر
كانوا يتوغلون في الصحراء أكثر مع مرور كل يوم ويعبرون السهول الملحية المنخفضة باحثين عن الواحات ويسجلون كل الآثار التي يمرون بها إلى أن وصلوا قرية يبرين وعند الحد الأقصى للقرية جنوباً في تلك الرمال استقبلهم بدوي يعيش مع عائلته، رحب بهم البدوي وذبح لطعامهم حواراً, كما أهداهم أيضاً كلباً رافقهم طوال رحلتهم وساعدهم في صيد أرنب بري بين الحين والآخر في تلك الصحراء القاسية ومن هذا المكان كان العبور الحقيقي للربع الخالي قد بدأ
طوال أيام سفرهم كانوا يحصلون على الماء من الآبار وكان كثير منها مطمورة بالرمال مخفياً عن العيون إلا عيون الأدلاء وقصاصي الأثر من أل مره الذين رافقوه
ولم يضيع عبد الله في رحلته فرصة لجمع الأحافير والعينات صخرية لإرسالها إلى لندن للدراسة
كان عبد الله فيلبي في بحث دائم عن مدينة وبر الغامضة الضائعة فيما كان يتقدم جنوباً وليس لديه سوى أدلة مبهمة عن وجود المدينة وبالاعتماد على ما توفر لديه من معلومات, حدد موقعين محتملين على الخريطة لوجود المدينة أحدهما علمه على الخريطة قبل أربع عشرة سنة إعتماداً على الإتجاهات والمسافات التي أخبرها به دليله في رحلة وادي الدواسر
وعندما وصلوا على بعد ميل أو ميلين من أحد الموقعين المتوقع أن يكون وجود مدينة وبر القديمة فيه، نصبوا خيامهم بعيداً قليلاً عنه
في اليوم التالي تقدموا أكثر في إتجاه المدينة الخربة، وفي تلك اللحظة كان عبد الله ينظر ليس إلى خرائب مدينة قديمة بل إلى فوهة بركان، وكانت هناك فوهتان تحيط بهما الخبث واللابة
كان هذا ما تصوره في البداية ويقول " لم أدر ماذا أفعل : هل أبكي أم أضحك، مع أن المنظر نفسه كان قد شدني وأسرني تماماً ... المنظر الذي بدد أحلام السنين! إذاً هذه هي وبار! مجرد بركان في الصحراء! ... وعلى أن أقر بأن الفوهتين الممتلئتين بالرمال وما يحيط بهما من حيطان الخبث المرتفعة، تشبهان إلى حد كبير بقايا قلاع محطمة"
وبتمعن أكثر وقع عبد الله على شظية معدنية كبيرة, كان واضحاً أنها جزء من نيزك ضخم وهذا ما قاده لاستخلاص أن فوهات وبر لم تكن بركانية وإنما قد يكون سببها ارتطام نيزك ضخم بالأرض ويطلق البدو على هذه المنطقة حديدة والبئر المحفور بقربها بئر أم الحديد
نيزك الحديدة
الموقع في الربع الخالي قرب بئر أم الحديد
الإحداثيات
N 21 29 59
E050 28 20
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar2.jpg
خريطة تبين موقع النيزك بقرب بئر أم الحديد الواقع في منتصف الخريطة
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar3.jpg
رسم تفصيلي لموقع نيزك الحديدة مبين الفوهات النيزكية الثلاثة التي غطيت بالرمال المتحركة
الفوهة B قطرها 116 متر، بينما الفوهة A قطرها 64 متر، والفوهة الثالثة بقطر 11 متر
كذلك مبين موقع نوعان غير عاديان من الصخور هما صخر الزجاج الأسود وصخر ارتطامي (مكون من إختلاط مكونات النيزك مع الرمل المصهور) تكونا نتيجة سقوط النيزك
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar8.jpg
صورة في طرف الفوهة A تبين قطع صخر الزجاج الأسود وصخر ارتطامي ألتقطت عام 1994 خلال رحلة عبور الربع الخالي من قبل فريق الزاهد -همر
http://www.athagafy.com/images/montada/wabar7.jpg
صورة الفوهة ذات القطر 11 متر
يتبع