أبو فالح
24/11/2004, 04:15 PM
أخي الضيف على مكشات :
أخي العضو في مكشات :
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .
حللت أهلآ ووطئت سهلآ في هذا الموضوع الحواري الصريح مع الباحث الفلكي الأستاذ خالد الزعاق .. وقبل أن تواصل العمق وتبحث في الحوار ، أتمنى أن تقف مليآ عند ( التوطئة ).. وهذا رجائي قبل أن يصبح هدفي .
توطئة :
في عيدنا الفارط ، اكتسى الفلكيون وأهل الحساب مرارة الدهشة والتعجب ، وأصبحو في عيدهم يتجرعون خيبة العيد ، وخذلان التسارع ، فكان مولد الهلال في توثيق الرؤية البصرية ، مغاير تمامآ لما ذهبو إليه في حساباتهم الفلكية ، عبر أطروحاتهم الصحفية والمهنيّة ، فهم يرون ليلة العيد ليلة الصلاة والقيام ، وطعام العيد هو إطعام في نهار رمضان.
ومن روافد الدهشة أن أهل الفلك يتفقون في هذا دون ريب أو تردد ، وبين تلك الأسماء الفلكية يبرز في سماء البحث العلمي ، الباحث الفلكي الأستاذ : خالد الزعاق .. وهذا الباحث الشاب لم يكن ليخرج عن سربه ، فقد اكتوى في مساء ذلك العيد بنار التسفيه والتهكم .. وهذا حدث ويحدث في نوادي الأنس والسمر دون تمحيص أو سؤال ..
وفي ذلك المساء، بحثت جاهدآ عن رقم هذا الشاب .. وحين عثرت عليه ،اقتربت ( جوالي ) وأنا أختزل في مفكرتي مخزون شرعي وثغرات عقديّة ، سأنفذ من خلالها إلى طمسه وإفحامه.
وفي الدقائق الأولى من ذلك الإتصال ، كانت دهشتي الأولى حين لمست تلك البساطة في حديثة والرغبة في المناقشة والحرص على إنكار الذات ... وبعد مضي أكثر من ثلاثين دقيقة أغلقت الهاتف وأنا أضيف دهشة التأصيل الشرعي في حديث هذا الشاب.
ولست بحاجة إلى أن أخبركم أنّ ذلك الاتصال هو نواة هذا الحوار .
أخي القارئ :
في هذا الطرح الحواري ..أنا لست وصيآ على قناعاتك أو سليطآ على أفكارك ، ولكن أتمنى قبل أن تواصل القراءة وترى الكلمات الأولى من هذا الحوار ، أن تمارس معي تجربة التجرّد الذهني ، وأن لا تستدعي في قراءتك مجالس النقد لذات النقد ، ولكن اجعل من ذاتك حكمآ لذاتك ، تبحث في الجواب وتستعرض الدليل .. وحين تفعل هذا المفهوم الراقي في قراءتك ثم تصل إلى قناعة .. فأنا أبارك لك هذه القناعة وهذا التفكير الموضوعي .. وفحوى أو توجّه هذه القناعة لايهمني في قليل أوكثير .. فحسبي في ذلك أنّك توافق أو تعترض عن دراية وفهم .
ضيفنا.. في سطور
- خالد بن صالح الزعاق
من مواليد الصباخ أحد ضواحي مدينة بريدة في منتصف شهر صفر عام 1391هـ
- حاصل على الشهادة الجامعية في الهندسة الاليكترونية
- حاصل على الشهادة الجامعية في الشريعة وأصول الدين
- حاصل على أول إجازة فلكية بالعالم العربي من مرصد العجيري بالكويت
- صاحب أول مرصد فلكي بالقصيم
الحوار :
قبل البدء .. في فتح هذه النافذة المطلة ، يطيب لي أن أرحب بك ضيفآ أثيرآ على موقع مكشات .
وأنا بدوري أشكر القائمين على هذا المنتدي الرائد ، حين استضافني في رحابه وفتح أمامي قنوات التواصل مع أعضائه وضيوفه .. .
أخي خالد :
لم نزل نسمع ونرى اختلافا بين المسلمين في بدء دخول الأشهر القمرية المتعلقة بعباداتهم حتى أصبحت ظاهرة مألوفة ما هي الأسباب بنظرك؟
هذا صحيح وقبل البدء أود الإفادة أن الشهاد شهدوا بما شاهدوه والأصل بالمؤمن البراءة وأنهم اجتهدوا ويثابون على ذلك لكن يجب علينا أن نمحص الشهادة من عوالق الشبهة لأن نوع الخطأ الذي يكثر وقوعه ويسبب هذا الاضطراب هو قبول قول الشاهد برؤية الهلال في الليلة السابقة على وجود الهلال ومعلومة بالحساب القطعي قبل وقوعها كغروب القمر قبل الشمس .
نفهم من كلامك أن الذين شهدوا برؤية هلال شوال واهمون علما بأنهم كثر ومن مناطق متعددة؟
لم أقل ذلك ولكن الذي حصل أن الذين شهدوا قالوا أننا شاهدنا الهلال بعد مغيب الشمس في يوم الجمعة 29 رمضان وعلما الفلك أجمعوا على أن القمر قد غرب قبل الشمس في مساء ذلك اليوم فو الذي نفسي بيده ما أعرف فلكيا مسلما أو كافرا أو مرصدا قال أن القمر غاب بعد الشمس في مساء يوم الجمعة 29 رمضان وقد ذكر العلماء من الفقهاء وأهل الفلك والميقات أنه من لوازم الرؤية أن يتأخر غروب القمر عن غروب الشمس فلا رؤية لقمر قد غرب قبل الشمس أو غاب معها كما أن القمر حينئذ يكون نصفه المواجه للأرض نصفه معتما محاقا لا نور فيه والقمر لا يسمى هلالا قبل ظهور قوس النور فيه فلا هلال إلا بنور ولا نور إلا بعد نهاية الاقتران
والحساب الفلكي قطعي الدلالة قال ابن تيمية(ج5ص184)والحساب يعبرون بالأمر الخفي من اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار ومن استقبال الشمس والقمر الذي هو وقت الابدار فان هذا يضبط بالحساب)
ويقول أيضا في ج35ص176(ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل إذ كل ذلك بحسبان قال تعالى(الشمس ولقمر بحسبان)
وقد ذكر المراكشي في العذب الزلال صفحة 464(كون حساب الأهلة والخسوف والكسوف والأوقات قطعيا هو أمر ضروري كالقطع بأن الواحد نصف الاثنين والعلم نور والجهل ظلمات فمقدماته قطعية لا يمكن إنكارها أبدا حتى أن من أنكرها يعد مكابرا)
وقال الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية سابقا(والحسابات كلها أمور قطعية برهانية ولا سبيل إلى مجاحدتها فإنكارها مكابرة)
وعلم الفلك قطعي الدلالة والنظر ظني الدلالة فإذا تعارض القطع مع الظن نأخذ بالقطع ونطرح الظن وقد أكد الشاطبي في الموافقات(أن مجاري العادات في الوجود أمر معلوم لا مظنون)
وهذا العلم هو نتيجة وتصديق لقوله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) وقوله سبحانه (الشمس والقمر بحسبان) بعد قوله (وخلق الإنسان علمه البيان) فكما علمه البيان علمه شيئا من حسبان الشمس والقمر ومنازلها ليعلم البشر عدد السنين والحساب ويدركوا دقة حركة هذه الأجرام وانضباط خلقها فيعلموا أن الذي خلقها عليم حكيم قادر ومن أنكر مثل هذه العلوم لجهله بها فقد أنكر مدلول الآيات السابقة من حيث لا يشعر لا سيما في هذا العصر الذي أصبح المحسوب فيه محسوسا بفضل ما من الله به على عباده من وسائل علمية كان التفكير بها في السابق معجزة
ولو لم تكن الحسابات الفلكية دقيقة دقة متناهية لما اعتمدنا عليها في مواقيت الصلاة ومعلوم أن الصلاة هي الركن الثاني من الإسلام وهي أهم من الصيام إذ أنها لا تسقط عن المكلف بأي حال من الأحوال بينما الصيام يسقط عن العاجز وغيره
فهل يعقل أن يشاهده 12 شخصا ولم تشاهده مراصد الأهلة المنتشرة على مساحة المملكة وعددها عشرة مراصد مابين ثابت ومتنقل ومن المسلمات أن الهلال إذ شوهد في مكان فيشاهد في الأماكن الواقعة غربه ...فهلال شوال لم يشاهد بعد مغيب شمس يوم الجمعة 29 رمضان في مصر والأردن والجزائر والمغرب وليبيا وتونس وسوريا وهي بلاد جلها يقع غربنا كذلك لم يشاهد في جميع مراصد الكرة الأرضية في يوم 29 رمضان . والعلم بغروب القمر كالعلم بغروب الشمس فطريقهما واحد وإذا صح في أحدهما صح في الثاني
فهل من المعقول أن نطالب القاضي برد شهادة المسلم إذا خالفت حساباتكم؟
أنا أقول أنه يجب علينا التبين في قبول خبر الشاهد حتى نعلم حقيقته أولا ولا شك أن من يشهد بالهلال قد لا يراه ويشتبه عليه أو يرى ما يضنه هلال وليس بهلال خاصة في زماننا هذا تبعا لما استجد في الآفاق من دخان عوادم الطائرات فإن كميه العوادم تتقطع على أشكال مختلفة وبعضها على شكل أهله فتنعكس أشعة الشمس عليه بعد الغروب وعلى قدر ارتفاع تلك العوادم تستمر الشمس مشرقة عليه . وكذلك فإن بعض الكواكب كالزهرة مثلا ترى عند المغيب في بعض الأوقات على شكل الهلال تماما فيظنها الرائي الذي لا علم له بتشكلها هلالا
وقد قال شيخ الإسلام(ج1ص288)ليس معنا نص على قبول الشهادة مطلقا وإنما النص في الرؤية وهي أمر محسوس)
ويقول أيضا(ليست كل شهادة تقبل ويعمل بها إذا الشهادة التي قامت عليها شواهد الريبة ترد ولا تقبل من شاهديها بالإجماع)
وقال المراكشي في العذب ص384(أن الشهادة لا تقبل إذا قام دليل على استحالتها ولو كان الشاهد ثقة وحاسته سليمة والسماء خالية من موانع الرؤية)
والذي عنده أدنى تبصر في الفلك يدرك أن الشهود لم يدركوا القمر في مساء يوم الجمعة 29 رمضان ومعلوم أن الشرع لم يأمر بقبول الشهادة مطلقا ولو كذبها الواقع وقامت سنة الله الجارية على بطلانها ولذلك قال ابن حزم في كتابه الفصل ج2ص238(ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بما يبطله عيان أو برهان)
ماذا نفعل بحديث النبي { صلى الله عليه وسلم } الذي يقول فيه :{صوموا لرؤيته وأفطرو لرؤيته } ؟
الأصل في دخول الأشهر هي الرؤية العيانية للقمر وهذا لا خلاف فيه لكن الخلاف في ذات الرؤية هل هي صحيحة أم باطلة فلا بد أن نجمع بين الرؤية والحساب بحيث نستأنس بالحساب الفلكي في شكل الهلال وموضعه من الشمس وبعده وإذا لم يوجد الهلال بالأفق نرد الشهادة لأنها باطلة من أصلها ...فكيف نقبل بشهادة الشاهد والقمر غير موجود
لكن ظهر الهلال في يوم السبت واضحا جليا ...وقد عده البعض تكريسا لرؤيته في اليوم الأول ....ما تقول في ذلك؟
عزيزي أنا من المتابعين لذات الهلال فلم يرى في مساء يوم السبت إلا بصعوبة بالغة جدا . أما في يوم الأحد فكل الناس شاهدوه
وعموما ارتفاع الهلال عن الأفق وتخلق النور في جرمه يعتمد أساسا على عمر القمر الوليد . فكلما كبر عمره كبر حجمه وتضخم نوره.والقمر الوليد لا يتخلق النور في جرمه إلا إذا كان عمره لا يقل عن أربعة عشرة ساعة على الأقل منذ فترة ولادته (اقترانه) وكانت ولادة هلال شهر رمضان المبارك في مساء يوم الجمعة بعيد مغيب الشمس على المنطقة الشرقية والوسطى.فيكون عمر هلال يوم الأحد من شوال كبيرا وهي كافية لأن يكون القمر رفيعا وتضخم قوس النور فيه . ومما تجدر الإشارة إليه أن الشمس والقمر كلما اقتربا من الأفق تكون حركتهما كبيرة ظاهريا وبطيئة كلما كانت قريبة من كبد السماء الأمر الذي يجعل نمو النور في الهلال وارتفاعه في الأيام الأولى يكون سريعا. فقد روي في الأثر عن أبي البختري قال خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة قال تراءينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث وقال بعض القوم هو ابن ليلتين قال فلقينا ابن عباس فقال أي ليلة رأيتموه قال فقلنا ليلة كذا وكذا فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه).
ومن المعلوم أن القمر يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق في مدار أهليجي الشكل وكل يوم يتأخر القمر عن الشمس بمدة متوسطها 52 دقيقة وهي المدة التي تسمح برؤية قوس نوره الدقيق بعد ابتعاده عن دائرة شعاع الشمس ومن الممكن رؤية الهلال إذا كان بعيدا عن مكان غروب الشمس تحت الأفق بمقدار يساوي أكثر من 5 درجات لأن العين المجردة تقف عاجزا في أغلب الأحيان عن رؤية الهلال فيما لو كان بعد القمر الزاوي عن الشمس أقل من 5 درجات وذلك لأن شفق الشمس القريب من الأفق وقت الغياب يكون قويا بحيث لا تستطيع رؤية الهلال الدقيق من خلاله. ولا تبدأ رؤية الهلال بوضوح جلي إلا بعد 24 ساعة من زمن ولادته فالشمس تعطيه من ضوئها في كل ليلة ابتداء من أول الشهر 1:14 من قرصه حتى يكتمل بدرا في الليلة الرابعة عشرة. ثم تسلب ما أعطته إياه من ضوئها في كل ليلة 1:14 من قرصه ابتداء من الليلة الخامسة عشرة من الشهر القمري إلى أن يذهب نوره بانغماسه في أشعة الشمس
لو أخذنا بقول الرائين وطرحنا الحساب ..أعتقد أننا سنعيش بهدوء كما في زمن الصحابة ولن يحدث أي تشويش كما هو حاصل الآن؟
- هذا غير صحيح والوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك . إذ أن نكران الحساب وعدم اعتباره لم يزل يوقع الأمة في الاضطراب والاختلاف والنزاع حتى في البلد الواحد بل وفي المحلة الواحدة خاصة في ظل الانفتاح الكوني والقدري لوسائل الاتصال والانتقال ألمعلوماتي وعصر الفضاء والتقدم التكنولوجي في أوجه الحياة قاطبة وما هذه البلبلة التي نعيشها الآن عنا ببعيد
ففي القرن الأول الهجري أخطأ الناس رغم اعتمادهم على العدول في إثبات شهر رمضان بيوم فأفطروا يوما فلما صاموا ثمانية وعشرين يوما رؤي هلال شوال فتبين لهم الخطأ واضطر الناس إلى جبره من الغد ثم قضاء اليوم الأول فقد روي في الأثر أن علي رضي الله تعالى عنه (صام بالكوفة 28 يوما في شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر مناديا أن ينادي أقضوا يوما فإن الشهر تسعة وعشرون يوما)
قال ابن مفلح بالفروع (إن صاموا 28 ثم رأوا هلال شوال قضوا يوما فقط نقله ابن حنبل واحتج بقول علي(رض)ولبعد الغلط بيومين)
وحكى ابن عابدين في رسائله أنه وقع في سنة 955هـ أن أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر ...حتى أن بعض مشائخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة ....لاحظ هذا التفرق فما بالك في هذا الزمن ألذي أصبح علم الفلك لصيق الناس
في عام 1404هـ كنت صبيا في الصف الأول متوسط وكنت أسمع الناس من حولي أن هلال رمضان شاهدوه بكل منطقة وأن عددهم كثيرا جدا وبعد مغيب شمس 28 رمضان وإذا بالهلال يلوح لنا من الجهة الغربية ...فأعلن مجلس القضاء أن علينا غرة .؟
وفي محرم المنصرم وقع خلاف شديد حول يوم عاشورا منهم من قال أنه في يوم الاثنين وآخرين قالوا يوم الثلاثاء فحصل لنا بلبلتين في هذه السنة حتى هذا التاريخ....
وهذا قليل من كثير ولا أريد الإطالة خشية الملل
فهل كل هذه البلبلة تليق بأمة .. التي ما خرج الفلك إلا من رحمها...
بالمناسبة اتصل علي أحد البحاثه الروس ممتعضا من الرؤية التي حصلت وقال كيف يحصل هذا في جزيرة العرب صاحبة علم الفلك.....؟
........................
في ختام هذه الإطلالة ، لايسعني إلا أن أكرر لك الترحيب ، شاكرآ منك هذا اللقاء .. وأتمنى أن نعاود معك الطرح والفائدة .. ولكن ليس ضيفآ بل عضوآ فلكيآ عالمآ نسعد بوجوده في مكشات .
أخي العضو في مكشات :
السلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته .
حللت أهلآ ووطئت سهلآ في هذا الموضوع الحواري الصريح مع الباحث الفلكي الأستاذ خالد الزعاق .. وقبل أن تواصل العمق وتبحث في الحوار ، أتمنى أن تقف مليآ عند ( التوطئة ).. وهذا رجائي قبل أن يصبح هدفي .
توطئة :
في عيدنا الفارط ، اكتسى الفلكيون وأهل الحساب مرارة الدهشة والتعجب ، وأصبحو في عيدهم يتجرعون خيبة العيد ، وخذلان التسارع ، فكان مولد الهلال في توثيق الرؤية البصرية ، مغاير تمامآ لما ذهبو إليه في حساباتهم الفلكية ، عبر أطروحاتهم الصحفية والمهنيّة ، فهم يرون ليلة العيد ليلة الصلاة والقيام ، وطعام العيد هو إطعام في نهار رمضان.
ومن روافد الدهشة أن أهل الفلك يتفقون في هذا دون ريب أو تردد ، وبين تلك الأسماء الفلكية يبرز في سماء البحث العلمي ، الباحث الفلكي الأستاذ : خالد الزعاق .. وهذا الباحث الشاب لم يكن ليخرج عن سربه ، فقد اكتوى في مساء ذلك العيد بنار التسفيه والتهكم .. وهذا حدث ويحدث في نوادي الأنس والسمر دون تمحيص أو سؤال ..
وفي ذلك المساء، بحثت جاهدآ عن رقم هذا الشاب .. وحين عثرت عليه ،اقتربت ( جوالي ) وأنا أختزل في مفكرتي مخزون شرعي وثغرات عقديّة ، سأنفذ من خلالها إلى طمسه وإفحامه.
وفي الدقائق الأولى من ذلك الإتصال ، كانت دهشتي الأولى حين لمست تلك البساطة في حديثة والرغبة في المناقشة والحرص على إنكار الذات ... وبعد مضي أكثر من ثلاثين دقيقة أغلقت الهاتف وأنا أضيف دهشة التأصيل الشرعي في حديث هذا الشاب.
ولست بحاجة إلى أن أخبركم أنّ ذلك الاتصال هو نواة هذا الحوار .
أخي القارئ :
في هذا الطرح الحواري ..أنا لست وصيآ على قناعاتك أو سليطآ على أفكارك ، ولكن أتمنى قبل أن تواصل القراءة وترى الكلمات الأولى من هذا الحوار ، أن تمارس معي تجربة التجرّد الذهني ، وأن لا تستدعي في قراءتك مجالس النقد لذات النقد ، ولكن اجعل من ذاتك حكمآ لذاتك ، تبحث في الجواب وتستعرض الدليل .. وحين تفعل هذا المفهوم الراقي في قراءتك ثم تصل إلى قناعة .. فأنا أبارك لك هذه القناعة وهذا التفكير الموضوعي .. وفحوى أو توجّه هذه القناعة لايهمني في قليل أوكثير .. فحسبي في ذلك أنّك توافق أو تعترض عن دراية وفهم .
ضيفنا.. في سطور
- خالد بن صالح الزعاق
من مواليد الصباخ أحد ضواحي مدينة بريدة في منتصف شهر صفر عام 1391هـ
- حاصل على الشهادة الجامعية في الهندسة الاليكترونية
- حاصل على الشهادة الجامعية في الشريعة وأصول الدين
- حاصل على أول إجازة فلكية بالعالم العربي من مرصد العجيري بالكويت
- صاحب أول مرصد فلكي بالقصيم
الحوار :
قبل البدء .. في فتح هذه النافذة المطلة ، يطيب لي أن أرحب بك ضيفآ أثيرآ على موقع مكشات .
وأنا بدوري أشكر القائمين على هذا المنتدي الرائد ، حين استضافني في رحابه وفتح أمامي قنوات التواصل مع أعضائه وضيوفه .. .
أخي خالد :
لم نزل نسمع ونرى اختلافا بين المسلمين في بدء دخول الأشهر القمرية المتعلقة بعباداتهم حتى أصبحت ظاهرة مألوفة ما هي الأسباب بنظرك؟
هذا صحيح وقبل البدء أود الإفادة أن الشهاد شهدوا بما شاهدوه والأصل بالمؤمن البراءة وأنهم اجتهدوا ويثابون على ذلك لكن يجب علينا أن نمحص الشهادة من عوالق الشبهة لأن نوع الخطأ الذي يكثر وقوعه ويسبب هذا الاضطراب هو قبول قول الشاهد برؤية الهلال في الليلة السابقة على وجود الهلال ومعلومة بالحساب القطعي قبل وقوعها كغروب القمر قبل الشمس .
نفهم من كلامك أن الذين شهدوا برؤية هلال شوال واهمون علما بأنهم كثر ومن مناطق متعددة؟
لم أقل ذلك ولكن الذي حصل أن الذين شهدوا قالوا أننا شاهدنا الهلال بعد مغيب الشمس في يوم الجمعة 29 رمضان وعلما الفلك أجمعوا على أن القمر قد غرب قبل الشمس في مساء ذلك اليوم فو الذي نفسي بيده ما أعرف فلكيا مسلما أو كافرا أو مرصدا قال أن القمر غاب بعد الشمس في مساء يوم الجمعة 29 رمضان وقد ذكر العلماء من الفقهاء وأهل الفلك والميقات أنه من لوازم الرؤية أن يتأخر غروب القمر عن غروب الشمس فلا رؤية لقمر قد غرب قبل الشمس أو غاب معها كما أن القمر حينئذ يكون نصفه المواجه للأرض نصفه معتما محاقا لا نور فيه والقمر لا يسمى هلالا قبل ظهور قوس النور فيه فلا هلال إلا بنور ولا نور إلا بعد نهاية الاقتران
والحساب الفلكي قطعي الدلالة قال ابن تيمية(ج5ص184)والحساب يعبرون بالأمر الخفي من اجتماع القرصين الذي هو وقت الاستسرار ومن استقبال الشمس والقمر الذي هو وقت الابدار فان هذا يضبط بالحساب)
ويقول أيضا في ج35ص176(ولهذا يمكن المعرفة بما مضى من الكسوف وما يستقبل كما يمكن المعرفة بما مضى من الأهلة وما يستقبل إذ كل ذلك بحسبان قال تعالى(الشمس ولقمر بحسبان)
وقد ذكر المراكشي في العذب الزلال صفحة 464(كون حساب الأهلة والخسوف والكسوف والأوقات قطعيا هو أمر ضروري كالقطع بأن الواحد نصف الاثنين والعلم نور والجهل ظلمات فمقدماته قطعية لا يمكن إنكارها أبدا حتى أن من أنكرها يعد مكابرا)
وقال الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية سابقا(والحسابات كلها أمور قطعية برهانية ولا سبيل إلى مجاحدتها فإنكارها مكابرة)
وعلم الفلك قطعي الدلالة والنظر ظني الدلالة فإذا تعارض القطع مع الظن نأخذ بالقطع ونطرح الظن وقد أكد الشاطبي في الموافقات(أن مجاري العادات في الوجود أمر معلوم لا مظنون)
وهذا العلم هو نتيجة وتصديق لقوله تعالى (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك الا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) وقوله سبحانه (الشمس والقمر بحسبان) بعد قوله (وخلق الإنسان علمه البيان) فكما علمه البيان علمه شيئا من حسبان الشمس والقمر ومنازلها ليعلم البشر عدد السنين والحساب ويدركوا دقة حركة هذه الأجرام وانضباط خلقها فيعلموا أن الذي خلقها عليم حكيم قادر ومن أنكر مثل هذه العلوم لجهله بها فقد أنكر مدلول الآيات السابقة من حيث لا يشعر لا سيما في هذا العصر الذي أصبح المحسوب فيه محسوسا بفضل ما من الله به على عباده من وسائل علمية كان التفكير بها في السابق معجزة
ولو لم تكن الحسابات الفلكية دقيقة دقة متناهية لما اعتمدنا عليها في مواقيت الصلاة ومعلوم أن الصلاة هي الركن الثاني من الإسلام وهي أهم من الصيام إذ أنها لا تسقط عن المكلف بأي حال من الأحوال بينما الصيام يسقط عن العاجز وغيره
فهل يعقل أن يشاهده 12 شخصا ولم تشاهده مراصد الأهلة المنتشرة على مساحة المملكة وعددها عشرة مراصد مابين ثابت ومتنقل ومن المسلمات أن الهلال إذ شوهد في مكان فيشاهد في الأماكن الواقعة غربه ...فهلال شوال لم يشاهد بعد مغيب شمس يوم الجمعة 29 رمضان في مصر والأردن والجزائر والمغرب وليبيا وتونس وسوريا وهي بلاد جلها يقع غربنا كذلك لم يشاهد في جميع مراصد الكرة الأرضية في يوم 29 رمضان . والعلم بغروب القمر كالعلم بغروب الشمس فطريقهما واحد وإذا صح في أحدهما صح في الثاني
فهل من المعقول أن نطالب القاضي برد شهادة المسلم إذا خالفت حساباتكم؟
أنا أقول أنه يجب علينا التبين في قبول خبر الشاهد حتى نعلم حقيقته أولا ولا شك أن من يشهد بالهلال قد لا يراه ويشتبه عليه أو يرى ما يضنه هلال وليس بهلال خاصة في زماننا هذا تبعا لما استجد في الآفاق من دخان عوادم الطائرات فإن كميه العوادم تتقطع على أشكال مختلفة وبعضها على شكل أهله فتنعكس أشعة الشمس عليه بعد الغروب وعلى قدر ارتفاع تلك العوادم تستمر الشمس مشرقة عليه . وكذلك فإن بعض الكواكب كالزهرة مثلا ترى عند المغيب في بعض الأوقات على شكل الهلال تماما فيظنها الرائي الذي لا علم له بتشكلها هلالا
وقد قال شيخ الإسلام(ج1ص288)ليس معنا نص على قبول الشهادة مطلقا وإنما النص في الرؤية وهي أمر محسوس)
ويقول أيضا(ليست كل شهادة تقبل ويعمل بها إذا الشهادة التي قامت عليها شواهد الريبة ترد ولا تقبل من شاهديها بالإجماع)
وقال المراكشي في العذب ص384(أن الشهادة لا تقبل إذا قام دليل على استحالتها ولو كان الشاهد ثقة وحاسته سليمة والسماء خالية من موانع الرؤية)
والذي عنده أدنى تبصر في الفلك يدرك أن الشهود لم يدركوا القمر في مساء يوم الجمعة 29 رمضان ومعلوم أن الشرع لم يأمر بقبول الشهادة مطلقا ولو كذبها الواقع وقامت سنة الله الجارية على بطلانها ولذلك قال ابن حزم في كتابه الفصل ج2ص238(ومعاذ الله أن يأتي كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم بما يبطله عيان أو برهان)
ماذا نفعل بحديث النبي { صلى الله عليه وسلم } الذي يقول فيه :{صوموا لرؤيته وأفطرو لرؤيته } ؟
الأصل في دخول الأشهر هي الرؤية العيانية للقمر وهذا لا خلاف فيه لكن الخلاف في ذات الرؤية هل هي صحيحة أم باطلة فلا بد أن نجمع بين الرؤية والحساب بحيث نستأنس بالحساب الفلكي في شكل الهلال وموضعه من الشمس وبعده وإذا لم يوجد الهلال بالأفق نرد الشهادة لأنها باطلة من أصلها ...فكيف نقبل بشهادة الشاهد والقمر غير موجود
لكن ظهر الهلال في يوم السبت واضحا جليا ...وقد عده البعض تكريسا لرؤيته في اليوم الأول ....ما تقول في ذلك؟
عزيزي أنا من المتابعين لذات الهلال فلم يرى في مساء يوم السبت إلا بصعوبة بالغة جدا . أما في يوم الأحد فكل الناس شاهدوه
وعموما ارتفاع الهلال عن الأفق وتخلق النور في جرمه يعتمد أساسا على عمر القمر الوليد . فكلما كبر عمره كبر حجمه وتضخم نوره.والقمر الوليد لا يتخلق النور في جرمه إلا إذا كان عمره لا يقل عن أربعة عشرة ساعة على الأقل منذ فترة ولادته (اقترانه) وكانت ولادة هلال شهر رمضان المبارك في مساء يوم الجمعة بعيد مغيب الشمس على المنطقة الشرقية والوسطى.فيكون عمر هلال يوم الأحد من شوال كبيرا وهي كافية لأن يكون القمر رفيعا وتضخم قوس النور فيه . ومما تجدر الإشارة إليه أن الشمس والقمر كلما اقتربا من الأفق تكون حركتهما كبيرة ظاهريا وبطيئة كلما كانت قريبة من كبد السماء الأمر الذي يجعل نمو النور في الهلال وارتفاعه في الأيام الأولى يكون سريعا. فقد روي في الأثر عن أبي البختري قال خرجنا للعمرة فلما نزلنا ببطن نخلة قال تراءينا الهلال فقال بعض القوم هو ابن ثلاث وقال بعض القوم هو ابن ليلتين قال فلقينا ابن عباس فقال أي ليلة رأيتموه قال فقلنا ليلة كذا وكذا فقال إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال : (إن الله مده للرؤية فهو لليلة رأيتموه).
ومن المعلوم أن القمر يدور حول الأرض من الغرب إلى الشرق في مدار أهليجي الشكل وكل يوم يتأخر القمر عن الشمس بمدة متوسطها 52 دقيقة وهي المدة التي تسمح برؤية قوس نوره الدقيق بعد ابتعاده عن دائرة شعاع الشمس ومن الممكن رؤية الهلال إذا كان بعيدا عن مكان غروب الشمس تحت الأفق بمقدار يساوي أكثر من 5 درجات لأن العين المجردة تقف عاجزا في أغلب الأحيان عن رؤية الهلال فيما لو كان بعد القمر الزاوي عن الشمس أقل من 5 درجات وذلك لأن شفق الشمس القريب من الأفق وقت الغياب يكون قويا بحيث لا تستطيع رؤية الهلال الدقيق من خلاله. ولا تبدأ رؤية الهلال بوضوح جلي إلا بعد 24 ساعة من زمن ولادته فالشمس تعطيه من ضوئها في كل ليلة ابتداء من أول الشهر 1:14 من قرصه حتى يكتمل بدرا في الليلة الرابعة عشرة. ثم تسلب ما أعطته إياه من ضوئها في كل ليلة 1:14 من قرصه ابتداء من الليلة الخامسة عشرة من الشهر القمري إلى أن يذهب نوره بانغماسه في أشعة الشمس
لو أخذنا بقول الرائين وطرحنا الحساب ..أعتقد أننا سنعيش بهدوء كما في زمن الصحابة ولن يحدث أي تشويش كما هو حاصل الآن؟
- هذا غير صحيح والوقائع التاريخية تثبت عكس ذلك . إذ أن نكران الحساب وعدم اعتباره لم يزل يوقع الأمة في الاضطراب والاختلاف والنزاع حتى في البلد الواحد بل وفي المحلة الواحدة خاصة في ظل الانفتاح الكوني والقدري لوسائل الاتصال والانتقال ألمعلوماتي وعصر الفضاء والتقدم التكنولوجي في أوجه الحياة قاطبة وما هذه البلبلة التي نعيشها الآن عنا ببعيد
ففي القرن الأول الهجري أخطأ الناس رغم اعتمادهم على العدول في إثبات شهر رمضان بيوم فأفطروا يوما فلما صاموا ثمانية وعشرين يوما رؤي هلال شوال فتبين لهم الخطأ واضطر الناس إلى جبره من الغد ثم قضاء اليوم الأول فقد روي في الأثر أن علي رضي الله تعالى عنه (صام بالكوفة 28 يوما في شهر رمضان فرأوا الهلال فأمر مناديا أن ينادي أقضوا يوما فإن الشهر تسعة وعشرون يوما)
قال ابن مفلح بالفروع (إن صاموا 28 ثم رأوا هلال شوال قضوا يوما فقط نقله ابن حنبل واحتج بقول علي(رض)ولبعد الغلط بيومين)
وحكى ابن عابدين في رسائله أنه وقع في سنة 955هـ أن أهل مصر افترقوا فرقتين فمنهم من صام ومنهم من لم يصم وهكذا وقع لهم في الفطر ...حتى أن بعض مشائخ الشافعية صلى العيد بجماعة دون غالب أهل البلدة ....لاحظ هذا التفرق فما بالك في هذا الزمن ألذي أصبح علم الفلك لصيق الناس
في عام 1404هـ كنت صبيا في الصف الأول متوسط وكنت أسمع الناس من حولي أن هلال رمضان شاهدوه بكل منطقة وأن عددهم كثيرا جدا وبعد مغيب شمس 28 رمضان وإذا بالهلال يلوح لنا من الجهة الغربية ...فأعلن مجلس القضاء أن علينا غرة .؟
وفي محرم المنصرم وقع خلاف شديد حول يوم عاشورا منهم من قال أنه في يوم الاثنين وآخرين قالوا يوم الثلاثاء فحصل لنا بلبلتين في هذه السنة حتى هذا التاريخ....
وهذا قليل من كثير ولا أريد الإطالة خشية الملل
فهل كل هذه البلبلة تليق بأمة .. التي ما خرج الفلك إلا من رحمها...
بالمناسبة اتصل علي أحد البحاثه الروس ممتعضا من الرؤية التي حصلت وقال كيف يحصل هذا في جزيرة العرب صاحبة علم الفلك.....؟
........................
في ختام هذه الإطلالة ، لايسعني إلا أن أكرر لك الترحيب ، شاكرآ منك هذا اللقاء .. وأتمنى أن نعاود معك الطرح والفائدة .. ولكن ليس ضيفآ بل عضوآ فلكيآ عالمآ نسعد بوجوده في مكشات .