ملك ينبع
28/12/2009, 08:22 PM
مقالة للدكتور علي حسن موسى
من مجلة المعلم العربي
د. علي حسن موسى : باحث واستاذ جامعي ، قدم للمكتبة العربية منذ عام 1979 واحداً وسبعين كتاباً في علم الجغرافية والظواهر الجغرافية والبيئية .
له :
النينو عام 2000
الاحتباس الحراري 2007
وكتب اخرى
اترككم مع المقالة ( البحث)
النينو
ElNino
http://www.safitaa.com/upp/uploads/46e15e4370.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
النينو (ElNino) :
اسم لتيار مائي دافئ يمثل جزءاً من التيار الاستوائي الرجعي للمحيط الهادي , وهو يتحرك بعكس حركة التيارين الاستوائيين الرئيسيين الشمالي والجنوبي في المحيط.
وبصورة عامة لا يطلق اسم تيار النينو على كامل التيار الاستوائي الرجعي وفي كافة اوقات تدفقه المستمر وباحواله الطبيعية من حرارة وسعة تدفق , وانما على الجزء من التيار الذي يطرا على مياهه السطحية تسخّن غير عادي في بعض السنوات (3-7ْ) فوق المعدل , وبخاصة على طول السواحل الغربية لاميركا الجنوبية في الاكوادور والبيرو وشمال التشيلي , غير انالتسخين الشاذ في مياه التيار الاستوائي الرجعي يكاد ان يصيب معظم مناطقه في اواسط المحيط الهادي الاستوائي وحتى شرقه في السواحل الاميركية , ولكن بروزه بشكل واضح وفعال يتجلى عند السواحل الميركية , حيث يتسع امتداده وتاثيره في سنوات معينة , وهذا التوسع والامتداد هو ما لفت نظر العلماء لهذه الظاهرة التي اصبحت جزءاً من اهتمامات علماء المناخ والارصاد الجوية والمحيطات والتي هي المؤشر الدال على حدوث النينو .
وتكون حركة التيار الاستوائي الرجعي او المرتد ( المعكوس) باتجاه شرقي فيما بين التيارين الاستوائيين المباشرين الشرقيين ( اتجاه شرق – غرب ) أي عودة نحو الشواطئ الغربية لاميركا في نطاقها الاستوائي .
ويندفع فرع من التيار الرجعي باصطدامه بالساحل الغربي لاميركا الجنوبية الاستوائية الى مدى ابعد باتجاه الجنوب في بعض السنوات التي يتزحزح التياران المباشران جنوبا ومعهما التيار الاستوائي الرجعي ليضرب بذلك جنوب ساحل الاكوادور , وهذا ما يتم خلال فترة معينة من تلك السنوات وهي عادة خلال شهر كانون الثاني أي بداية السنة الميلادية ( فترة اعياد الميلاد ) ولذا سماه سكان الاكوادور والبيرو باسم النينو الذي يعني ( الطفل المسيح) حسب تلك البلاد.
وفي يومنا الحالي يشير مصطلح النينو الى عوارض حارة رئيسية تنتاب التيار الاستوائي الرجعي لفترة من الزمن محدثة ارتفاعاً كبيراً في درجة حرارة سطح الماء المحيطي (SST) على غير المالوف في بقية السنوات الاعتيادية في درجة حرارة مياهها وفي احداث الطقس المرافقة لها , ولا ينحصر الارتفاع الحراري لسطح مياه المحيط على السواحل الاميركية الاستوائية , وانما يشمل امتداداً كبيراً عبر المحيط الهادي الاستوائي يصل غرباً حتى خط طول ( 180) , بما يزيد بذلك عن ربع محيط الارض ( أي من خط طول 80 غرب وحتى خط طول 180 غرب ).
http://www.safitaa.com/upp/uploads/10707a9d4d.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
http://www.safitaa.com/upp/uploads/f63e2b0ea4.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
ظروف والية تشكل النينو :
يكون سطح المحيط الهادي المداري في الاحوال العادية دافئاً حوالي ( 29ْ م) باستمرار , والضغط عند مستوى البحر منخفضاً , والتهطال وفيراً وغزيراً , وفي المحيط الهادي الشرقي بامتداد ( 10 – 15 درجة عرضية ) يكون الوضع مختلفاً حيث تكون المياه عادة باردة ( 21 – 26 ْ م) والضغط مرتفعاً والهطول قليلاً .
وتستمر المياه الباردة في منطقة الهادي الشرقي الاستوائي ( لسان بارد) خلال السنة , ولكنها تكون احر في نيسان , وهذا التدرج ( الغراديان ) العادي في درجة حرارة سطح البحر على طول خط الاستواء يترافق مع رياح شرقية , وعلى الرغم من الاختلافات الفصلية في حدوث هذا النموذج , فان الاحوال تكون عادة دافئة ورطبة في الغرب وباردة وجافة في الشرق .
ويتشكل احياناً حوض دافئ من المياه في الهادي الغربي ياخذ بالانتشار شرقاً ويترافق بانخفاض في الضغط الجوي وهطول امطار غزيرة تتحرك باتجاه الشرق مع الحوض الدافئ ويصبح الهادي الاوسط والشرقي دافئاً مطيراً , بينما يصبح الهادي الغربي ابرد نوعاً ما واجف والنظرة المبكرة لتلك التغيرات كانت تفهم على انها عبارة عن ظهور مياه دافئة بشكل غير عادي من الشمال بعيداً عن ساحل البيرو كزيادة في معدل التسخين ايام عيد الميلاد , وهذا التسخين للمياه الساحلية بعيداً عن البيرو والاكوادور واصبح يعرف باسم النينو , وبعد ذلك اتضح ان التسخين قريباً من سواحل البيرو , هو جزء من تسخين واسع الامتداد , ويمتد عبر المحيط الهادي المداري باكمله .
ويرجع بعض العلماء تشكل النينو الى التفاعلات بين الجو والمحيط , وهذا ما كان اشار اليه اولا العالم جيلبرت وولكر عام 1914 م حيث كان يعمل في مرصد الهند , محاولاً تحسين الية التنبؤ بالاختلافات بين السنوية الموسمية الهندية , حيث كشف وولكر عن وجود ذبذبة جنوبية في مراكز العمل الجوية اعتبرها المسؤولة عن الاختلافات المناخية بين السنوية .
ورغم ان وولكر كان يعتقد بشدة باهمية العمليات المحيطية في التذبذبات , الا انه لم يستطع ان يترجم ذلك الى واقع يفسر الارتفاع الحراري المتكرر في مياه المحيط فيما عرف باسم النينو .
وبقيت طروحات وولكر في الية التذبذب الجنوبية افكاراً لم تلق بالاً , حتى الستينات من القرن العشرين , عندما قام جاكوب بيركنس بفحص الاحوال الميترولوجية المترافقة مع النينو حيث يتم التوغل المختلف بين السنوي بين السنوي للمياه الاستوائية الحارة على طول الساحل الغربي من اميركا الجنوبية ذات الاثار الاقتصادية الكبيرة .
ولقد نظر بيركنس عام 1966م نظرة سريعة الى النينو , على انه يرتبط بالتذبذبات الكبيرة المقياس في حركات الرياح التجارية في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي في القطاع الباسفيكي كما ربط تلك التذبذبات في الرياح التجارية مع الذبذبة الجنوبية ( بيركنس 1967م) .
ويعد ( بيركنس ) الاول الذي عزا صراحة تشكل تيار النينو الى الاقتران بين الحركات الجوية والمحيطية, حيث افترض ان النينو والذبذبة الجنوبية هما نتيجة الاقتران بين الحركة الجوية الشرقية – الغربية , والبنية الحرارية للمحيط العلوي في المحيط الهادي الاستوائي الشرقي , حيث لاحظ انه عندما تكون الرياح التجارية قوية ( وضع عادي ) فان المياه الاستوائية الباردة نسبياً تمتد من ساحل اميركا الجنوبية الى الباسيفيك الاوسط . وقد عزا ( بيركنس) الصعود الاستوائي للمياه الباردة الى ضغوط الرياح الشرقية الفاعل على سطح المحيط , واعتبر ان النموذج او النط الناتج من درجة حرارة سطح المياه يتقوى بقوة الرياح التجارية بفعل التبريد الجوي ويتناسب على مقياس كبير مع كل ما تترافق به من هبوط جوي وجو خال من الغيوم فوق الباسيفيك الشرقي الاستوائي , مقابل تسخين جوي فوق الباسيفيك الاستوائي الاوسط , مصحوبا بصعود هوائي شديد وغيوم حملانية وامطار غزيرة .
وفي المنطقة الاستوائية , فان فروق التسخين الجوي الشرقي الغربي يمكن ان يؤدي الى انقلاب في الحركة الجوية الشرقية الغربية , التي اشار اليها بروكز دوته وولكر .
وقد ربط بيركنس التناقضات الرئيسية في شدة التدرج الشرقي – الغربية في درجة حرارة المياه الاستوائية , بالتناقص في شدة دورته , كما ربط ايضا التغيرات في غراديان درجات الحرارة السطحية بالاضطرابات في نموذج الحركة الجوية الموجبة فوق القطاع المغطي للباسفيك الشمالي واميركا الشمالية , وقد اقر بيركنس بان الاختلافات في درجة الحرارة الجوية في المحيط الاستوائي يمكن ان تكون المسؤولة عن التذبذبات الجوية بين السنوية الملحوظة .
ان دراسات وولكر وبيركنس للطبيعة المقترنة للنينو في المحيط والذبذبة الجنوبية في الجو اعتبرتا الان ظاهرة واحدة دعيت باسم " اينسو Enso ".
ولا بد لفهم الاينسو من معرفة دورة الحركات المحيطية في تطور الحرارة المحيطية العلوية وفي عام 1975م حل "ويرتكي " جزء من لغز الاينسو , حيث ركز على اهمية الاستجابة الحركية للمحيط الهادي الاستوائي العلوي الى الضعف الكبير في الرياح التجارية في الهادي الاوسط خلال بداية الحدث الحار وقد افترض" ويرتكي " ان المياه السطحية الاستوائية الدافئة التي تتطور عند الجانب الغربي في الحوض خلال فترة الرياح التجارية القوية بشكل غير عادي محدثة هيجانا هائلاً ( موجة كبيرة) مرتدة نحو الشرق ، هي ما اصطلح على تسميته موجة كلفن الاستوائية ، معبراً عنها بانخفاض المنحدر الحراري عند مرورها ، وهذا هو السبب في الارتفاع المفاجئ في مستوى البحر والازدياد في درجة حرارة سطح الماء خلال النقص في تاثيرات التيارات الراسية للماء على الجانب الشرقي من الحوض وهكذا نجد ان موجة كلفن تتولد بواسطة هذا الجيشان الهائل للماء عبر الباسفيك في نحو( 50) يوماً تقريباً ، ويمكن ذلك من التكهن بحدوث المظهر الحركي الممثل بالاينسو بمقياس زمني فصلي .
ان ظاهرة النينو عموماً تحدث عندما تتوافق امواج كليفن الصغيرة نسبياً المتحركة شرقاً ، مع قاع موجة روسبي الكبيرة السطحية الاستوائية المتحركة غرباً ، ولا تتشكل ظاهرة النينو سوى في الفترة التي يحدث فيها ضعف وتراخ في الرياح التجارية ، مما يؤدي الى تشكل امواج روسبي في نهايتها ناحية خط الاستواء ، وامواج كلفن تحت السطحية المرتدة من الغرب .
وهكذا نجد ان حدوث النينو يرتبط بتذبذب الضغط الجوي الجنوبي فيما بين غرب المحيط الهادي المداري ومركزه مدينة داروين الاسترالية ( خط طول 130 شرق غرينتش) وشرق ووسط المحيط الهادي بمركز جزيرة تاهيتي ( خط طول 150 غرب غرينتش) ، ففي هذه الفترة التي يتعاظم الضغط المرتفع شبه المداري الجنوبي ويتحرك شمالاً في نصف الكرة الجنوبي ، وتشتد الرياح التجارية الجنوبية الشرقية قوة ، دافعة امامها مياه الساحل الشرقي للهادي الحارة نسبيا ً غرباً مما يتيح الفرصة لينابيع المياه الباردة من الاعماق ببلوغ السطح مبردة المياه والهواء فوقها ، ليرتفع الضغط فوقها ممتداً حتى جزيرة تاهيتي مما يعزز من قوة التجاريات الجنوبية الشرقية المندفعة باتجاه مركز الضغط المنخفض الدارويني ، اما في الفترة التي ينعكس الضغط الجوي في المحيط الهادي الجنوبي ، بحيث يصبح الضغط مرتفعا فوق داروين ومنخفضا فوق تاهيتي وشرقها ، فان الرياح التجارية ستتلاشى في هذا الجزء من المحيط ، وستحل بدلا منها رياح غربية ومياه مساقة لتصل ساحل المحيط الهادي الشرقي بهذه الحرارة المرتفعة والتي اطلق على تيارها المائي" النينو" .
ان ذبذبة الضغط الجنوبية بين شرق المحيط الهادي المداري الجنوبي وغربه ، هي السبب المباشر للنينو ، فيما اصطلح على تسميتها معا اسم" الاينسو"وتدعى الحركة المائية المعاكسة للنينو والمقترنة ببرودة نسبية للمياه باسم " النينا" " Nina" او ما يطلق عليه البعض تسمية " النينو الباررد" تميزاً عن النينو الحار .
http://www.safitaa.com/upp/uploads/b7fd6c2b9b.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
مناطق النينو ودوريته :
يبدا النينو من خط عرض ( 18) غرباً تقريباً الى الشمال من استراليا ، ويتحرك شرقاً باتساع نحو ( 5 شمالاً وحتى 10 – 15 جنوباً ) ليبلغ السواحل الاميركية الجنوبية في العروض السابقة ، حيث سواحل الاكوادور والبيرو وشمال التشيلي والتي تتعرض الى مياه النينو الحارة ، التي ترتفع حرارتها الى نحو (5ْم ) واكثر فوق معدلها بالاضافة الى نينو المحيط الهادي، فانه في بعض دورات النينو الباسيفيكية الكبرى ، يتشكل ايضاً نينو في المحيط الاطلسي المداري تتجلى اثاره ظاهرة في المناطق المحيطة بخليج غانا .
ويتكرر حدوث النينو دورياً بمعدل مرة كل ( 2-5)سنوات وتستمر فعاليته الحرارية والجوية لمدة لا تقل عن عشرة شهور ، وتعد شهور تشرين الاول والثاني وكانون الاول الفترة السابقة لقمة النينو ، ليبلغ قمته في شهور كانون الثاني وشباط واذار ونيسان وايار .
وليست دورات النينو كلها في الشدة نفسها التي يعبر عنها ارتفاع حرارة سطح المياه ، وانما تختلف من دورة الى اخرى ، وتعد الدورات التالية في الخمس والعشرين سنة الماضية هي الاشهر : ( 1982 – 1983- 1997 – 1998 – 2006 – 2007)
http://www.safitaa.com/upp/uploads/d7f38bdcdc.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
الاثار المناخية والحيوية للنينو
لقد بات مسلّماً به ان المناخ الارضي يستمد طاقته الحركية الرئيسية من الطاقة المتوفرة فيما بين المدارين ، والتي يعززها ويزيد فيها تيار النينو باتساعه وارتفاع حرارته ، مؤدياً الى تعاظم الحركة الجوية الرأسية وازدياد نشاطها ، التي تنتقل في اعالي طبقة " التروبوسفير ( 12كم)" بعيداً عن خط الاستواء ، لتزيد من قوة الرياح الغربية في العروض الوسطى ، والرياح التجارية في العروض المنخفضة ، وقوة اضافية للطيارات النفاثة العلوية ولهذا فالمناطق الواقعة بين خط عرض(50) شمالاً وجنوباً ، تشهد احوالاً جوية شاذة نسبياً في فترة قمة" النينو " ، فبينما تزداد الهطولات الحضرية في المناطق الغربية من العروض الوسطى وترتفع الحرارة وتنشط الحركات الحملانية والامطار الانهمارية السيلية ، كما عرفته سوريا في شهري نيسان وايار وبخاصة في الفترة من (4-17) ايار من عام 2007 م . بينما تعاني العديد من المناطق المدارية الداخلية الجفاف كما في اقليم الساحل الافريقي ، وكذا الحال في استراليا واندونيسيا ، ونقصاً في الامطار الموسمية ، وارتفاعاً شاذاً في حرارة الداخل الصيني الاميركي ، بينما تشهد المناطق الاستوائية الغربية الواقعة في مواجهة النينو امطاراً عاصفية شديدة الغزارة ( الاكوادور ، فنزويللا، كولومبيا) كما تقترن فترة النينو بتناقص طفيف في تركيز (CO2 ) في الجو ، غير ان نهاية التنبؤ تصاحب بزيادة في (CO2 ) بسبب الجفاف والحرائق التي تحدث في بعض مناطق الارض التي عانت من ارتفاع حراري كبير ، ومن الملاحظ ان الاعاصير المدارية وان كانت تزداد عدداً الا انها تقل فاعلية وتاثيراً في موسم النينو ، وينجم عن حرارة المياه الزائدة في فترة النينو تناقص كبير في كميات المغذيات والبلاكنتونات في المحيط العلوي ، وحتى فقدانها ، وهذا الوضع يؤدي الى هلاك في الاسماك منعكساً ذلك على السلسلة الغذائية بكاملها ، من طيور بحرية تموت باعداد كبيرة تكون نتيجتها كارثة بيئية بحرية ، بالاضافة الى مناطق من اليابسة يتعاظم فيها الجفاف وتتدهور البيئة الحيوية ، واخرى ترتفع فيها الحرارة مع الجفاف وتشتعل الحرائق المدمرة ، وثالثة تهطل فيها امطاراً سيلية تدمر التربة والحاصلات الزراعية .
توضيح:
** امواج كلفن الاستوائية :
هي اضطرابات في البنية الحرارية والتيارات وعادة تكون ذات مقياس كبير على طول خط الاستواء ، محدود ضمن عدة درجات عرضية من خط الاستواء ، وهي تنتشر شرقا بسرعة (1-3)م/ثا ، وهناك نوع مختلف من الاضطرابات المدارية تعرف بامواج " روسبي" الاستوائية تنتشر غرباً ببطء اكثر ، وهذه المنطقة التي تضم نماذج امواج كلفن وروسبي المتحددة بنحو عشر درجات عرضية من خط الاستواء تعرف " بالدليل الموجي الاستوائي"
من مجلة المعلم العربي
د. علي حسن موسى : باحث واستاذ جامعي ، قدم للمكتبة العربية منذ عام 1979 واحداً وسبعين كتاباً في علم الجغرافية والظواهر الجغرافية والبيئية .
له :
النينو عام 2000
الاحتباس الحراري 2007
وكتب اخرى
اترككم مع المقالة ( البحث)
النينو
ElNino
http://www.safitaa.com/upp/uploads/46e15e4370.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
النينو (ElNino) :
اسم لتيار مائي دافئ يمثل جزءاً من التيار الاستوائي الرجعي للمحيط الهادي , وهو يتحرك بعكس حركة التيارين الاستوائيين الرئيسيين الشمالي والجنوبي في المحيط.
وبصورة عامة لا يطلق اسم تيار النينو على كامل التيار الاستوائي الرجعي وفي كافة اوقات تدفقه المستمر وباحواله الطبيعية من حرارة وسعة تدفق , وانما على الجزء من التيار الذي يطرا على مياهه السطحية تسخّن غير عادي في بعض السنوات (3-7ْ) فوق المعدل , وبخاصة على طول السواحل الغربية لاميركا الجنوبية في الاكوادور والبيرو وشمال التشيلي , غير انالتسخين الشاذ في مياه التيار الاستوائي الرجعي يكاد ان يصيب معظم مناطقه في اواسط المحيط الهادي الاستوائي وحتى شرقه في السواحل الاميركية , ولكن بروزه بشكل واضح وفعال يتجلى عند السواحل الميركية , حيث يتسع امتداده وتاثيره في سنوات معينة , وهذا التوسع والامتداد هو ما لفت نظر العلماء لهذه الظاهرة التي اصبحت جزءاً من اهتمامات علماء المناخ والارصاد الجوية والمحيطات والتي هي المؤشر الدال على حدوث النينو .
وتكون حركة التيار الاستوائي الرجعي او المرتد ( المعكوس) باتجاه شرقي فيما بين التيارين الاستوائيين المباشرين الشرقيين ( اتجاه شرق – غرب ) أي عودة نحو الشواطئ الغربية لاميركا في نطاقها الاستوائي .
ويندفع فرع من التيار الرجعي باصطدامه بالساحل الغربي لاميركا الجنوبية الاستوائية الى مدى ابعد باتجاه الجنوب في بعض السنوات التي يتزحزح التياران المباشران جنوبا ومعهما التيار الاستوائي الرجعي ليضرب بذلك جنوب ساحل الاكوادور , وهذا ما يتم خلال فترة معينة من تلك السنوات وهي عادة خلال شهر كانون الثاني أي بداية السنة الميلادية ( فترة اعياد الميلاد ) ولذا سماه سكان الاكوادور والبيرو باسم النينو الذي يعني ( الطفل المسيح) حسب تلك البلاد.
وفي يومنا الحالي يشير مصطلح النينو الى عوارض حارة رئيسية تنتاب التيار الاستوائي الرجعي لفترة من الزمن محدثة ارتفاعاً كبيراً في درجة حرارة سطح الماء المحيطي (SST) على غير المالوف في بقية السنوات الاعتيادية في درجة حرارة مياهها وفي احداث الطقس المرافقة لها , ولا ينحصر الارتفاع الحراري لسطح مياه المحيط على السواحل الاميركية الاستوائية , وانما يشمل امتداداً كبيراً عبر المحيط الهادي الاستوائي يصل غرباً حتى خط طول ( 180) , بما يزيد بذلك عن ربع محيط الارض ( أي من خط طول 80 غرب وحتى خط طول 180 غرب ).
http://www.safitaa.com/upp/uploads/10707a9d4d.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
http://www.safitaa.com/upp/uploads/f63e2b0ea4.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
ظروف والية تشكل النينو :
يكون سطح المحيط الهادي المداري في الاحوال العادية دافئاً حوالي ( 29ْ م) باستمرار , والضغط عند مستوى البحر منخفضاً , والتهطال وفيراً وغزيراً , وفي المحيط الهادي الشرقي بامتداد ( 10 – 15 درجة عرضية ) يكون الوضع مختلفاً حيث تكون المياه عادة باردة ( 21 – 26 ْ م) والضغط مرتفعاً والهطول قليلاً .
وتستمر المياه الباردة في منطقة الهادي الشرقي الاستوائي ( لسان بارد) خلال السنة , ولكنها تكون احر في نيسان , وهذا التدرج ( الغراديان ) العادي في درجة حرارة سطح البحر على طول خط الاستواء يترافق مع رياح شرقية , وعلى الرغم من الاختلافات الفصلية في حدوث هذا النموذج , فان الاحوال تكون عادة دافئة ورطبة في الغرب وباردة وجافة في الشرق .
ويتشكل احياناً حوض دافئ من المياه في الهادي الغربي ياخذ بالانتشار شرقاً ويترافق بانخفاض في الضغط الجوي وهطول امطار غزيرة تتحرك باتجاه الشرق مع الحوض الدافئ ويصبح الهادي الاوسط والشرقي دافئاً مطيراً , بينما يصبح الهادي الغربي ابرد نوعاً ما واجف والنظرة المبكرة لتلك التغيرات كانت تفهم على انها عبارة عن ظهور مياه دافئة بشكل غير عادي من الشمال بعيداً عن ساحل البيرو كزيادة في معدل التسخين ايام عيد الميلاد , وهذا التسخين للمياه الساحلية بعيداً عن البيرو والاكوادور واصبح يعرف باسم النينو , وبعد ذلك اتضح ان التسخين قريباً من سواحل البيرو , هو جزء من تسخين واسع الامتداد , ويمتد عبر المحيط الهادي المداري باكمله .
ويرجع بعض العلماء تشكل النينو الى التفاعلات بين الجو والمحيط , وهذا ما كان اشار اليه اولا العالم جيلبرت وولكر عام 1914 م حيث كان يعمل في مرصد الهند , محاولاً تحسين الية التنبؤ بالاختلافات بين السنوية الموسمية الهندية , حيث كشف وولكر عن وجود ذبذبة جنوبية في مراكز العمل الجوية اعتبرها المسؤولة عن الاختلافات المناخية بين السنوية .
ورغم ان وولكر كان يعتقد بشدة باهمية العمليات المحيطية في التذبذبات , الا انه لم يستطع ان يترجم ذلك الى واقع يفسر الارتفاع الحراري المتكرر في مياه المحيط فيما عرف باسم النينو .
وبقيت طروحات وولكر في الية التذبذب الجنوبية افكاراً لم تلق بالاً , حتى الستينات من القرن العشرين , عندما قام جاكوب بيركنس بفحص الاحوال الميترولوجية المترافقة مع النينو حيث يتم التوغل المختلف بين السنوي بين السنوي للمياه الاستوائية الحارة على طول الساحل الغربي من اميركا الجنوبية ذات الاثار الاقتصادية الكبيرة .
ولقد نظر بيركنس عام 1966م نظرة سريعة الى النينو , على انه يرتبط بالتذبذبات الكبيرة المقياس في حركات الرياح التجارية في نصفي الكرة الشمالي والجنوبي في القطاع الباسفيكي كما ربط تلك التذبذبات في الرياح التجارية مع الذبذبة الجنوبية ( بيركنس 1967م) .
ويعد ( بيركنس ) الاول الذي عزا صراحة تشكل تيار النينو الى الاقتران بين الحركات الجوية والمحيطية, حيث افترض ان النينو والذبذبة الجنوبية هما نتيجة الاقتران بين الحركة الجوية الشرقية – الغربية , والبنية الحرارية للمحيط العلوي في المحيط الهادي الاستوائي الشرقي , حيث لاحظ انه عندما تكون الرياح التجارية قوية ( وضع عادي ) فان المياه الاستوائية الباردة نسبياً تمتد من ساحل اميركا الجنوبية الى الباسيفيك الاوسط . وقد عزا ( بيركنس) الصعود الاستوائي للمياه الباردة الى ضغوط الرياح الشرقية الفاعل على سطح المحيط , واعتبر ان النموذج او النط الناتج من درجة حرارة سطح المياه يتقوى بقوة الرياح التجارية بفعل التبريد الجوي ويتناسب على مقياس كبير مع كل ما تترافق به من هبوط جوي وجو خال من الغيوم فوق الباسيفيك الشرقي الاستوائي , مقابل تسخين جوي فوق الباسيفيك الاستوائي الاوسط , مصحوبا بصعود هوائي شديد وغيوم حملانية وامطار غزيرة .
وفي المنطقة الاستوائية , فان فروق التسخين الجوي الشرقي الغربي يمكن ان يؤدي الى انقلاب في الحركة الجوية الشرقية الغربية , التي اشار اليها بروكز دوته وولكر .
وقد ربط بيركنس التناقضات الرئيسية في شدة التدرج الشرقي – الغربية في درجة حرارة المياه الاستوائية , بالتناقص في شدة دورته , كما ربط ايضا التغيرات في غراديان درجات الحرارة السطحية بالاضطرابات في نموذج الحركة الجوية الموجبة فوق القطاع المغطي للباسفيك الشمالي واميركا الشمالية , وقد اقر بيركنس بان الاختلافات في درجة الحرارة الجوية في المحيط الاستوائي يمكن ان تكون المسؤولة عن التذبذبات الجوية بين السنوية الملحوظة .
ان دراسات وولكر وبيركنس للطبيعة المقترنة للنينو في المحيط والذبذبة الجنوبية في الجو اعتبرتا الان ظاهرة واحدة دعيت باسم " اينسو Enso ".
ولا بد لفهم الاينسو من معرفة دورة الحركات المحيطية في تطور الحرارة المحيطية العلوية وفي عام 1975م حل "ويرتكي " جزء من لغز الاينسو , حيث ركز على اهمية الاستجابة الحركية للمحيط الهادي الاستوائي العلوي الى الضعف الكبير في الرياح التجارية في الهادي الاوسط خلال بداية الحدث الحار وقد افترض" ويرتكي " ان المياه السطحية الاستوائية الدافئة التي تتطور عند الجانب الغربي في الحوض خلال فترة الرياح التجارية القوية بشكل غير عادي محدثة هيجانا هائلاً ( موجة كبيرة) مرتدة نحو الشرق ، هي ما اصطلح على تسميته موجة كلفن الاستوائية ، معبراً عنها بانخفاض المنحدر الحراري عند مرورها ، وهذا هو السبب في الارتفاع المفاجئ في مستوى البحر والازدياد في درجة حرارة سطح الماء خلال النقص في تاثيرات التيارات الراسية للماء على الجانب الشرقي من الحوض وهكذا نجد ان موجة كلفن تتولد بواسطة هذا الجيشان الهائل للماء عبر الباسفيك في نحو( 50) يوماً تقريباً ، ويمكن ذلك من التكهن بحدوث المظهر الحركي الممثل بالاينسو بمقياس زمني فصلي .
ان ظاهرة النينو عموماً تحدث عندما تتوافق امواج كليفن الصغيرة نسبياً المتحركة شرقاً ، مع قاع موجة روسبي الكبيرة السطحية الاستوائية المتحركة غرباً ، ولا تتشكل ظاهرة النينو سوى في الفترة التي يحدث فيها ضعف وتراخ في الرياح التجارية ، مما يؤدي الى تشكل امواج روسبي في نهايتها ناحية خط الاستواء ، وامواج كلفن تحت السطحية المرتدة من الغرب .
وهكذا نجد ان حدوث النينو يرتبط بتذبذب الضغط الجوي الجنوبي فيما بين غرب المحيط الهادي المداري ومركزه مدينة داروين الاسترالية ( خط طول 130 شرق غرينتش) وشرق ووسط المحيط الهادي بمركز جزيرة تاهيتي ( خط طول 150 غرب غرينتش) ، ففي هذه الفترة التي يتعاظم الضغط المرتفع شبه المداري الجنوبي ويتحرك شمالاً في نصف الكرة الجنوبي ، وتشتد الرياح التجارية الجنوبية الشرقية قوة ، دافعة امامها مياه الساحل الشرقي للهادي الحارة نسبيا ً غرباً مما يتيح الفرصة لينابيع المياه الباردة من الاعماق ببلوغ السطح مبردة المياه والهواء فوقها ، ليرتفع الضغط فوقها ممتداً حتى جزيرة تاهيتي مما يعزز من قوة التجاريات الجنوبية الشرقية المندفعة باتجاه مركز الضغط المنخفض الدارويني ، اما في الفترة التي ينعكس الضغط الجوي في المحيط الهادي الجنوبي ، بحيث يصبح الضغط مرتفعا فوق داروين ومنخفضا فوق تاهيتي وشرقها ، فان الرياح التجارية ستتلاشى في هذا الجزء من المحيط ، وستحل بدلا منها رياح غربية ومياه مساقة لتصل ساحل المحيط الهادي الشرقي بهذه الحرارة المرتفعة والتي اطلق على تيارها المائي" النينو" .
ان ذبذبة الضغط الجنوبية بين شرق المحيط الهادي المداري الجنوبي وغربه ، هي السبب المباشر للنينو ، فيما اصطلح على تسميتها معا اسم" الاينسو"وتدعى الحركة المائية المعاكسة للنينو والمقترنة ببرودة نسبية للمياه باسم " النينا" " Nina" او ما يطلق عليه البعض تسمية " النينو الباررد" تميزاً عن النينو الحار .
http://www.safitaa.com/upp/uploads/b7fd6c2b9b.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
مناطق النينو ودوريته :
يبدا النينو من خط عرض ( 18) غرباً تقريباً الى الشمال من استراليا ، ويتحرك شرقاً باتساع نحو ( 5 شمالاً وحتى 10 – 15 جنوباً ) ليبلغ السواحل الاميركية الجنوبية في العروض السابقة ، حيث سواحل الاكوادور والبيرو وشمال التشيلي والتي تتعرض الى مياه النينو الحارة ، التي ترتفع حرارتها الى نحو (5ْم ) واكثر فوق معدلها بالاضافة الى نينو المحيط الهادي، فانه في بعض دورات النينو الباسيفيكية الكبرى ، يتشكل ايضاً نينو في المحيط الاطلسي المداري تتجلى اثاره ظاهرة في المناطق المحيطة بخليج غانا .
ويتكرر حدوث النينو دورياً بمعدل مرة كل ( 2-5)سنوات وتستمر فعاليته الحرارية والجوية لمدة لا تقل عن عشرة شهور ، وتعد شهور تشرين الاول والثاني وكانون الاول الفترة السابقة لقمة النينو ، ليبلغ قمته في شهور كانون الثاني وشباط واذار ونيسان وايار .
وليست دورات النينو كلها في الشدة نفسها التي يعبر عنها ارتفاع حرارة سطح المياه ، وانما تختلف من دورة الى اخرى ، وتعد الدورات التالية في الخمس والعشرين سنة الماضية هي الاشهر : ( 1982 – 1983- 1997 – 1998 – 2006 – 2007)
http://www.safitaa.com/upp/uploads/d7f38bdcdc.jpg (http://www.safitaa.com/upp)
الاثار المناخية والحيوية للنينو
لقد بات مسلّماً به ان المناخ الارضي يستمد طاقته الحركية الرئيسية من الطاقة المتوفرة فيما بين المدارين ، والتي يعززها ويزيد فيها تيار النينو باتساعه وارتفاع حرارته ، مؤدياً الى تعاظم الحركة الجوية الرأسية وازدياد نشاطها ، التي تنتقل في اعالي طبقة " التروبوسفير ( 12كم)" بعيداً عن خط الاستواء ، لتزيد من قوة الرياح الغربية في العروض الوسطى ، والرياح التجارية في العروض المنخفضة ، وقوة اضافية للطيارات النفاثة العلوية ولهذا فالمناطق الواقعة بين خط عرض(50) شمالاً وجنوباً ، تشهد احوالاً جوية شاذة نسبياً في فترة قمة" النينو " ، فبينما تزداد الهطولات الحضرية في المناطق الغربية من العروض الوسطى وترتفع الحرارة وتنشط الحركات الحملانية والامطار الانهمارية السيلية ، كما عرفته سوريا في شهري نيسان وايار وبخاصة في الفترة من (4-17) ايار من عام 2007 م . بينما تعاني العديد من المناطق المدارية الداخلية الجفاف كما في اقليم الساحل الافريقي ، وكذا الحال في استراليا واندونيسيا ، ونقصاً في الامطار الموسمية ، وارتفاعاً شاذاً في حرارة الداخل الصيني الاميركي ، بينما تشهد المناطق الاستوائية الغربية الواقعة في مواجهة النينو امطاراً عاصفية شديدة الغزارة ( الاكوادور ، فنزويللا، كولومبيا) كما تقترن فترة النينو بتناقص طفيف في تركيز (CO2 ) في الجو ، غير ان نهاية التنبؤ تصاحب بزيادة في (CO2 ) بسبب الجفاف والحرائق التي تحدث في بعض مناطق الارض التي عانت من ارتفاع حراري كبير ، ومن الملاحظ ان الاعاصير المدارية وان كانت تزداد عدداً الا انها تقل فاعلية وتاثيراً في موسم النينو ، وينجم عن حرارة المياه الزائدة في فترة النينو تناقص كبير في كميات المغذيات والبلاكنتونات في المحيط العلوي ، وحتى فقدانها ، وهذا الوضع يؤدي الى هلاك في الاسماك منعكساً ذلك على السلسلة الغذائية بكاملها ، من طيور بحرية تموت باعداد كبيرة تكون نتيجتها كارثة بيئية بحرية ، بالاضافة الى مناطق من اليابسة يتعاظم فيها الجفاف وتتدهور البيئة الحيوية ، واخرى ترتفع فيها الحرارة مع الجفاف وتشتعل الحرائق المدمرة ، وثالثة تهطل فيها امطاراً سيلية تدمر التربة والحاصلات الزراعية .
توضيح:
** امواج كلفن الاستوائية :
هي اضطرابات في البنية الحرارية والتيارات وعادة تكون ذات مقياس كبير على طول خط الاستواء ، محدود ضمن عدة درجات عرضية من خط الاستواء ، وهي تنتشر شرقا بسرعة (1-3)م/ثا ، وهناك نوع مختلف من الاضطرابات المدارية تعرف بامواج " روسبي" الاستوائية تنتشر غرباً ببطء اكثر ، وهذه المنطقة التي تضم نماذج امواج كلفن وروسبي المتحددة بنحو عشر درجات عرضية من خط الاستواء تعرف " بالدليل الموجي الاستوائي"