المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : *****(حقيقة علاقة الكسوف والخسوف بالمعاصي والذنوب)*****



د. المسند
10/01/2010, 07:30 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-1.jpeg

د. عبدالله المسند* (http://www.almisnid.com/almisnid/index.php)

:. فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على التأمل والتفكر في مخلوقاته ولاسيما في ملكوت السموات والأرض ودعاه لذلك فقال: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}، والحوادث الفلكية بأنواعها وألوانها وأحجامها محط اهتمام الإنسان قديماً وحديثاً، إذ إن الحوادث الفلكية النادرة والخارجة عن المألوف تصيب الإنسان بالذهول والهلع والخوف فترد القلوب الحية لبارئها خاضعة خاشعة... وفي هذا السياق وبمناسبة الحدث الكوني الكبير الذي ستشهده المملكة الجمعة القادمة 29 محرم 1431هـ ـ بإذن الله تعالى ـ كانت هذه الأسئلة.



س: متى عرف الإنسان حقيقة وآلية الكسوف والخسوف؟
ج: في وقت مبكر راقب الإنسان الكسوف والخسوف متطلعاً لمعرفة السبب الكامن وراء حدوثها، وعن آلية هذه الظاهرة الفلكية، حتى استطاع البابليُّون قديماً في العراق اكتشاف هذا النظام الإلهي البديع، فقد توصلوا بعد رصد دقيق ومراقبة طويلة إلى أن للكسوف والخسوف دورة تعاقب طولها 18 عاماً و 11.3 يوماً، وسُميت هذا الدورة بدورة ساروس Saros أي مدة التعاقب؛ والتي تعني أن حوادث الكسوف والخسوف تتكرر من حيث الموعد في مدة طولها 6585.32 يوماً لا تتخلف ولا تتبدل حسب الاستقراء لحوادث الكسوف الماضية والقياس والملاحظة والله أعلم.



http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-2.jpeg


س: ولكن كيف يحدث الكسوف علمياً؟
ج: يحدث كسوف الشمس عندما يقع القمر بين الشمس والأرض، وتكون الأجرام الثلاثة على خط واحد؛ وذلك آخر الشهر القمري، شريطة أن يكون القمر قريباً من إحدى العقدتين الصاعدة أو النازلة؛ لأن مدار القمر حول الأرض مائل خمس درجات عن مدار الأرض حول الشمس، لذا فإن الكسوف لا يقع نهاية كل شهر، بل يكون القمر عادة فوق أو تحت العقدة أو النقطة التي يتقاطع عندها المداران، وتحدث هذه الحوادث الكونية بصورة تدفع الإنسان إلى تعظيم وتبجيل الخالق وتوحيده والخوف منه سبحانه وتعالى.

http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-3.jpeg

س: وهل لكسوف الشمس أنواع؟
ج: بالتأكيد لكسوف الشمس ثلاثة أنواع:
- جزئي.
- كلي، عندما يكون القمر قريباً من الأرض وقرصه يساوي ـ في نظر العين ـ قرص الشمس أو أكبر منه.
- حلقي، لأن بعد القمر من الأرض يتغير لكون مداره حول الأرض بيضاوياً وليس دائرياً وبالتالي منظر القمر وحجمه بالنسبة للناظر يختلف بنسبة 13% ، لذا عندما يكون القمر بعيداً عن الأرض ويكون حجم قرصه أصغر من حجم قرص الشمس فلا يستطيع تغطية قرص الشمس كاملاً، بل تظهر الشمس على جوانبه على هيئة حلقة مضيئة، فسمي بكسوف حلقي.
- هجين، أي يقع كلياً وحلقياً في حادثة واحدة وفي حالة نادرة جداً.


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-4.jpeg

س: وأين سيرى الكسوف القادم؟.
ج: الكسوف الحلقي Annular Solar Eclipse القادم سيكون الأطول في القرن الحالي ـ والله أعلم ـ حيث سيستمر كسوفاً حلقياً لمدة 11 دقيقة و 8 ثواني، وسيشاهد فوق وسط أفريقيا والمحيط الهندي وجنوب الهند وبورما والصين، وسيكون ظل الكسوف الحلقي على الأرض بعرض 300 كم، وسوف يسير ظل الكسوف على الأرض من الغرب إلى الشرق (من أفريقيا إلى أسيا)، وسيرى في الغرب قبل الشرق، وفي السعودية يشاهد الكسوف جزئياً Partial Eclipse ونسبة المنكسف من قرص الشمس حوالي 21% وفقاً للمشاهد في مدينة الرياض والله أعلم.


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-5.jpeg


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-6.gif
مسار الكسوف الحلقي ممثلاً بالنقطة الحمراء بينما الدائرة المظللة تمثل الكسوف الجزئي.


س: هل رؤية الكسوف ووقته تختلف من مكان إلى آخر في السعودية؟
ج: بالطبع تختلف؛ فعلى سبيل المثال الكسوف يبدأ في الجهات الغربية (خاصة الجنوبية الغربية) من المملكة قبل الجهات الشرقية، وينتهي في الجهات الغربية قبل الشرقية، وقد يصل الفارق الزمني بين الساحلين الشرقي والغربي للمملكة حوالي نصف ساعة هذا من جهة الوقت، أما من حيث هيئة الكسوف فنسبة المنكسف من الشمس تكون أكثر كلما اتجهنا جنوباً من المملكة، حيث يكون في جنوب جازان 38% والله أعلم.


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-7.jpeg

س: متى سيحدث الكسوف القادم في السعودية؟
ج: سيحدث بإذن الله تعالى يوم الجمعة 29 محرم 1431هـ الموافق 15 يناير 2010م، ووفقاً لأفق الرياض سيكون على النحو التالي:
* بداية الكسوف 8.00 ص
* منتصف الكسوف 9.20 ص
* نهاية الكسوف 10.53 ص
* طول فترة الكسوف 2:53
* الجزء المنكسف من الشمس حوالي 21% ، وأتوقع أن ينادى لصلاة الكسوف في الرياض عند الساعة 8:10 تقريباً والله أعلم.


*****

س: متى آخر كسوف (كلي) شوهد في المملكة؟
ج: آخر كسوف كلي شوهد في المملكة كان قبل 59 سنة وبالتحديد في 25 فبراير 1952م ووقع قبله في 30 أغسطس 1905م أي قبل 106 سنوات والله أعلم.


*****

س: ومتى سيشاهد كسوف (كلي) في المملكة؟
ج: خلال المائة سنة القادمة (من عام 2010 حتى 2110م) بإذن الله تعالى سيشاهد السعوديون كسوفاً شمسياً كلياً مخيفاً ونادراً؛ حيث سيشاهد السعوديون في وضح النهار النجوم والكواكب وذلك عام 2027م، يليه كسوف كلي آخر عام 2034م والفترة الفاصلة بينهما ست سنوات فقط، ويلاحظ أنه لن يشاهد هذا الكسوف في جميع مناطق المملكة ككسوف كلي، بل هو محدود في شريط جغرافي ضيق من الأراضي السعودية، لذا فمن شاهد الكسوف (الكلي) في مدينة معينة فلن يشاهده مرة أخرى في المدينة نفسها إلا بعد مرور 375 سنة (بالمتوسط) والله أعلم وأحكم.


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-8.jpeg
س: هل عدد حوادث الكسوف والخسوف يخضع لناموس معين؟
ج: جرت سنة الله تعالى في كونه ـ والتي أطلع البشر عليها ـ أن يحدث الكسوف والخسوف في السنة الواحدة وعلى مستوى العالم ما بين حدثين إلى سبعة حوادث، وفق نظام إلهي دقيق ومحكم ومقدر لا يتقدم ولا يتأخر {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا}، وبالنسبة لكسوف الشمس فقد يحدث في السنة الواحدة ما بين كسوفين وخمسة كسوفات، وحدوث خمس كسوفات للشمس في سنة واحدة قليل ونادر، وآخر سنة حدث فيها خمس كسوفات كان في عام 1935م وسيتكرر عام 2206م والله أعلم وأجل.


*****

س: ما هي حقيقة علاقة الكسوف والخسوف بالمعاصي والذنوب؟
ج: كتبت بحثاً في هذا الخصوص عام 1417هـ، والهدف منه تصحيح مفاهيم شرعية وعلمية بشأن ظاهرتي الكسوف والخسوف، حيث سادت بعض من المفاهيم الخاطئة ومنها:
أولاً: الاعتقاد بأنه ليس للكسوف والخسوف دورة ثابتة!!.
ثانياً: الاعتقاد بأنه بالإمكان أن يحدث الكسوف في أي وقت من الشهر وأنه غير مرتبط بوقت الاستسرار!!، وأيضاً أن الخسوف ربما يقع في أي ليلة من الشهر وأنه غير مرتبط بليالي الإبدار!!.
ثالثاً: الاعتقاد بأن هناك علاقة ارتباطية بين حوادث الكسوف والخسوف من جهة والمعاصي والفتن من جهة أخرى!!.
والمشكلة تكمن في أن هذه المفاهيم الثلاثة تُربط بالشريعة!! وبصورة تُحمل النصوص مالا تحتمل، وتأصل مفاهيم غير صحيحة، وتنسب إلى الشريعة ما ليس منها وهي بريئة منها.


*****

س: ما المقصود بربط ظاهرتي الكسوف والخسوف بالمعاصي؟
ج: (بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء ـ غفر الله لهم جميعاً ـ يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً كثرة وقلة بالمعاصي والفتن!! على سبيل المثال قولهم: (كثر الكسوف في هذا العصر فلا تكاد تمضي السنة حتى يحدث كسوف في الشمس أو القمر أو فيهما جميعاً وذلك لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن…)!!! وهذا الطرح نسمعه يتردد في خطب الكسوف والخسوف بل مطبوع ومسجل وهو ليس برأي شخصي ولو كان رأياً شخصياً لكان الأمر هيناً، ولكنه رأي يتناقله الخاصة والعامة وكأنه من مسلمات الشريعة التي دلت عليه نصوص الكتاب والسنة، وليس الأمر كذلك.


*****

س: وأين تكمن المشكلة في الربط بين عدد حوادث الكسوف والخسوف والذنوب؟
ج: يترتب على الربط بينهما مفاهيم خاطئة؛ وهي:
أولاً: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها!!.
ثانياً: أن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله!!.
ثالثاً: أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة!.
رابعاً: أن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10هـ كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة!!!.
خامساً: ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون!!.
سادساً: إبطال ما يعرف بـ (دورة ساروس) والتي ثبت صحتها.
هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف.


*****

س: ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حصل الكسوف فزع ونادى للصلاة؟
ج: هذا صحيح ونبينا صلى الله عليه وسلم نفى أن يكون موت ابنه إبراهيم سبب الكسوف آنذاك، وفي الوقت نفسه لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس، بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات.


*****

س: وما الجواب على المقولة المغلوطة السابقة؟
ج: الفلكيون قديماً وحديثاً يعلمون وقت حدوث الكسوف والخسوف في اليوم والساعة بل وحتى في الدقيقة وفي مكانه وشكله وحجمه وهذا أمر واقع مشاهد فلا يمكن حسياً أن يحدث الكسوف في غير أوقاته المقدرة، وشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله قال: " الخسوف والكسوف لهما أوقات مقدرة كما لطلوع الهلال وقت مقدر ... قال تعالى‏:‏ {‏الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ‏} "، قال: " وأما العلم بالعادة في الكسوف والخسوف فإنما يعرفه من يعرف حساب جريانهما، وليس خبر الحاسب بذلك من باب علم الغيب …" أ.هـ. وعليه أقول إن القول بأن حوادث الكسوف والخسوف كثرت في هذا العصر بسبب المعاصي والفتن قول يحتاج إلى دليل شرعي أو حتى حسي، إذ إن الواقع المشاهد والمرصود لحوادث الكسوف والخسوف دل على خلاف ما ذكر. وكما أن عدد هذه الحوادث غير مرتبط بموت أحد أو حياته كما دلت على ذلك النصوص، أيضاً كثرة الكسوف وقلته ليست مرتبطة بالمعاصي والذنوب؛ كما هو الحال في بعض الحوادث الأرضية التي يمكن إيجاد ربط بينها وبين ذنوب البشر على ما دل عليه الشرع والواقع والله أعلم.


*****

س: وهل لديك دليل شرعي يدعم ما ذهبتم إليه؟
ج: الذين يثبتون العلاقة بين المعاصي والكسوف والخسوف هم المطالبون بدليل صحيح وصريح ، أما من ينفي فهو على الأصل وهو العدم حتى يقوم الدليل، ومع ذلك أقول الدليل الشرعي هو عدم وجود الدليل والله أعلم؟


*****

س: وهل لديك دليل علمي على ما ذهبتم إليه؟
ج: بالتأكيد طالع الجدول المرفق والذي يصدق ما ذكره علماء الشرع والفلك أن للكسوف والخسوف دورة معروفة لم تكثر في هذا العصر عما كانت عليه من قبل مع أن المعاصي والفتن في أول القرن الماضي أقل منها في آخر القرن والجدول يوضح عدد الكسوفات والخسوفات الواقعة على الأرض منذ عام 1929م حتى عام 2000م.

بل إن عدد الكسوفات في القرن الماضي بلغت 228 حدثاً بينما القرن الحالي سيكون مجموعها 224 حدثاً، وعبر خمسة قرون من عام 2000 قبل الميلاد وحتى 3000م سيصبح عدد الكسوفات 11898 كسوفاً والله أعلم وأحكم.


بيان بعدد حوادث الكسوف والخسوف إبان الفترة 1929- 2000م.
http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-9.jpeg



س: وما الذي نستنتجه من هذا الجدول؟
ج: نستنتج أنه ليس هناك دليل حسي ولا علمي يدعم تلك العلاقة، وأن هذه الحوادث الكونية قدرها الخالق المالك المدبر بهذا التوازن وبهذا القدر وبهذا النظام لعلة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (يخوف الله بهما عباده) سواء كثرت الذنوب أم قلت، على الرغم من كون وقت وقوع الكسوف أو الخسوف معلوماً مسبقاً، والتخويف يكون لعباده الصالحين ولعباده العاصين ولعباده الكافرين أيضاً.


*****

س: كيف لا توجد علاقة بين المعاصي والفتن وحوادث الكسوف والخسوف والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولكن الله تعالى يخوف بهما عباده)؟.
ج: شروق الشمس وغروبها آيتان، والليل والنهار آيتان، والأرض ودورتها آيتان، والبرق والرعد آيتان، والسماوات ونجومها آيات بينات، والآيات على ضربين كما قال أبو بكر ابن العربي رحمه الله " منها مستمرة عادة؛ فيشق أن تحدث بها عبادة، ومنها ما يأتي نادراً فشرع للنفس البطَّالة الآمنة التعبد عند جريان ما يخالف الاعتياد تذكيراً لها وصقلاً لصدئها " أ.هـ. والكسوف (تخويف) في حد ذاته وليس (عقوبة) كما قال صلى الله عليه وسلم (يخوف الله بهما عباده) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "... فذكر أن من حكمة ذلك تخويف العباد كما يكون تخويفهم في سائر الآيات " أ.هـ. قال تعالى {وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا}.


*****

س: إذاً ما الحكمة من وقوع هذه الحوادث؟
ج: البر والفاجر المسلم والكافر محتاج إلى مشاهد كونية كالكسوف كيما تحمله على التوبة والأوبة، ولذلك يجريها الله تعالى على خلقه كل حين، قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " وقد أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن كسوف الشمس وخسوف القمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، والعباد في أشد الحاجة إلى التخويف والإنذار من أسباب العذاب في كل وقت " أ.هـ. ومشروعية الصلاة والدعاء والصدقة عند حدوث الكسوف والخسوف ليست بسبب زيادة المعاصي والفتن، بل كما قال ابن القيم رحمه الله " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عنده بما أمر به من العتاقة والصلاة والدعاء والصدقة كأمره بالصلوات عند الفجر والغروب والزوال " أ.هـ.


*****

س: مع تقدم العلم والرصد: هل تم اكتشاف خطورة حسية ناتجة عن الكسوف؟ وهل وصل ذلك إلى الحقيقة العلمية أم لا يزال نظرية تحتاج إلى استقراء وتثبُّت؟
ج: في حالة الكسوف تكون الشمس والقمر على خط واحد وهذا والله أعلم سيضاعف جاذبيتهما على الأرض فيحدث المد والجزر بشكل مضاعف، والأخطر من ذلك باطن الأرض المنصهر يتأثر بتلك الجاذبية العظيمة (وقد) تتفاعل القشرة الأرضية باهتزازات زلزالية تحدث مع الكسوف أو بعده في محيط مسار الكسوف الكلي أو حوله وهناك شواهد مرصودة لهذا من بعض المراقبين، لأن ظاهرة الجذب من قبل الشمس والقمر لا تؤثر على السوائل فقط بل وحتى على اليابس من قشرة الأرض! حيث يرتفع اليابس وينخفض مرتين في اليوم بمقدار 28 سم، والإنسان طبعاً لا يشعر بهذا بسبب أن هذا يقع في وقت واحد للقارة بأجمعها والله تعالى يقول: {ءَأَمِنتُم مَّن فِى ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلْأَرْضَ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ} أي تتحرك تذهب وتجيء وتضطرب، لذا وجه عليه الصلاة والسلام حال الكسوف بقوله: (فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ) علها تدفع الشرور والنكبات عن الإنسان، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا) ولم يقل: (فإذا وقعا فصلوا) لأن منطقة الخطر تكون محصورة في منطقة الرؤية التي تتعرض لشد مضاعف من النيرين خاصة منطقة الكسوف الكلي وما حولها، هذا وقد تتكشف لنا حكمة وعلة أخرى في المستقبل {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} ولله في خلقه شؤون.


http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-10.jpeg

س: أخيراً هل هناك خطورة كامنة عند مشاهدة الكسوف بالعين المجردة؟
ج: النظر إلى الشمس خطر جداً على شبكية العين سواء كانت الشمس كاسفة أم لا، وعليه فإني أهيب بالجميع بتجنب النظر إلى الشمس مباشرة أو حتى باستخدام نظارات شمسية أو أفلام محترقة ونحوها؛ نظراً لخطورة الأشعة الشمسية المرئية والمباشرة على العين والتي قد تصيب بالعمى المؤقت أو تلحق بالعين أضرراً دائمة، ويشار إلى أن هناك نظارات خاصة لمتابعة الكسوف تدعى Eclipsers Glasses حفظ الله الجميع.




http://www.almisnid.com/almisnid/upload/ES-11.jpeg



مواضيع ذات صلة 1 (http://www.almisnid.com/almisnid/articles.php?id=30) | 2 (http://www.almisnid.com/almisnid/articles.php?id=20) | 3 (http://www.almisnid.com/almisnid/articles.php?id=25)





*عضو هيئة التدريس بقسم الجغرافيا بجامعة القصيم - السعودية، والمشرف على جوال كون.
www.almisnid.com (http://www.almisnid.com)
almisnid@yahoo.com (almisnid@yahoo.com)
محرم 1431هـ - يناير 2010م

همال الوسمي
10/01/2010, 11:15 AM
شكرا لك أخي / د . المسند
على هذا الموضوع
و الله يعطيك العافيه 0 0 0 0 دائما مواضيعك مميزه
____________

ابوزياد004
10/01/2010, 11:17 AM
معلومات قيمة
شكرا لك يا دكتور
بارك الله فيك

STORM CHASER
10/01/2010, 12:42 PM
بارك الله فيك وفي علمك دكتورنا الكريم واسئل الله ان يزيدك من فضله وعلمه..

يكفيني نظرة
10/01/2010, 01:00 PM
:good2: الله يرفع قدرك ويغفرلك ولوالديك ووالدينا والمسلمين والله استفدت فائدة عظيمة جعلها الله بموازين اعمالك.

* الــــفــر قــــد *
10/01/2010, 01:25 PM
مشكور أخي د. المسند والله يعطيك العافية
على المعلومات القيمة عن كيفية الكسوف وعلاقتها بالمعاصي والذنوب والله يحفظ المسلمين من الكوارث

وسؤالي : بما أن جاذبية القمر هي المسؤلة بعد الله عن المد والجزر للبحر . فهل الكسوف عند إلتقاء القمر والشمس
يشكل خطراً على بعض أجزاء من الأرض بحيث ينتج عن كلا الجاذبيتين من القمر والشمس
مداً بحرياً كبيراً ؟ أو جزراً غير طبيعي ؟

ابونجلاء0
10/01/2010, 01:28 PM
الله يعطيك الف عافيه وجعله في موازين حسناتك

ثعل البرد
10/01/2010, 02:05 PM
بارك الله بك د.المسند على هذا الطرح المفيد

- تقييم أعلى وتقدير وشكر كبيرين لسعادتك على تواصلك معنا -

ااب
10/01/2010, 03:06 PM
جزاك الله خيراً على تقريب هذه المفاهيم بإسلوب تعليمي فذ. جعلك الله مباركاً أينما كنت.

تركــے الوايلے
10/01/2010, 04:05 PM
مشكور أخي د. المسند والله يعطيك العافيه

الحزم الأسود
10/01/2010, 04:19 PM
بارك الله فيك وبعلمك اخي الدكتور الفاضل وشكرا لك على المعلومات القيمه الوافيه

hail_ksa
10/01/2010, 04:43 PM
بارك الله فيك دكتورنا الفاضل ونفع بك وبعلمك .
قرأت لك الكثير وخاصة في موقعك الالكتروني وبصراحة أنت عالم وأنا من أشد المعجبين بك وبكتاباتك وبتحليلاتك العلمية .. وأتمنى طرح مواضيع أخرى كالتي أبهرتنا بها كالكرسي والسماوات والكواكب والفضاء .
لك خالص مودتي .

مواطن
10/01/2010, 06:20 PM
بارك الله فيك وجزاك خيرا

االقرش
11/01/2010, 02:38 AM
هل للزلازل علاقة بالذنوب والمعاصي ؟

نسائم الربيع
11/01/2010, 11:15 PM
بارك الله فيك د عبدالله المسند وشكر الله لك هذه المشاركة المفيدة



وبخصوص عدم ربط الكسوف والخسوف بالمعاصي والذنوب فإن كون الكسوف

والخسوف لهما دورة ثابتة فلا تنافي بين ذلك وبين كون وقوعهما له ارتباط

بالمعاصي والذنوب والآيات التي يرسلها الله لتخويف العباد إنما ذلك لأجل أن

يرجعوا إليه نتيجة ابتعادهم عن دينه وارتكابهم للذنوب والآثام

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى 24\259 في معرض سياقه عن الكسوف والخسوف : وفي رواية الصحيح " ولكنهماآيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده " وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذاب بالناس فإن الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسوله...الخ

والكلام التالي منقول من موقع معالي الشيخ صالح الفوزان حفظه الله وفيه إشارة لذلك http://www.alfawzan.ws/Alfawzan/Portals/0/ksof-1.jpg

بن محفوظ
12/01/2010, 07:45 PM
بارك الله فيك د. المسند على ما قدمت من مواضيع قيمة و مفيدة


وبخصوص الحديث عن علاقة الزلازل بالكسوف ( شخص قريب مني ذكر لي أنه رأى في المنام أمس بزلزال يقع في منطقة في المملكة )

والله يحفظنا و أياكم من كل مكروهـ


بارك الله فيك

طيرالفلاة
12/01/2010, 08:55 PM
جزاك الله خيرا دكتور عبد الله

لكن ينبغي ان يعلم يا أخوه انه ثبت في الأحاديث الصحيحه شدة فزعه صلى الله عليه

وسلم حتى انه لحق بردائه

واطال صلاة الكسوف وهو من امر بتخفيف الصلاة يدل على ان الأمر جلل

وراى صلى الله عليه وسلم في صلاته تلك الجنه والنار

- ويمكن ان يقال كون الكسوف مرتبط بوقت معلوم لايمنع ان دلك فيه تنبيه وتخويف العباد لخطورة المعاصي وتفشيها لإن من قدر الكسوف في وقت معين قد سبق في علمه سبحانه تعالى ماسوف يعمله العباد ومتى تكثر معاصيهم ويسرفون ومتى تقل والدليل ان الرسول صلى الله عليه وسلم اشار في خطبته بعد صلاة الكسوف الى الزنا
- خسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، فقام فأطال القيام ، ثم ركع فأطال الركوع ، ثم قام فأطال القيام ، وهو دون القيام الأول ، ثم ركع فأطال الركوع ، وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد فأطال السجود ، ثم فعل في الركعة الثانية مثل ما فعل في الأولى ، ثم انصرف ، وقد انجلت الشمس ، فخطب الناس ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله ، وكبروا وصلوا وتصدقوا . ثم قال : يا أمة محمد ، والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا .الراوي: عائشة المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 1044
خلاصة حكم المحدث: [صحيح]


- ثم ارى ان لاينشر عند العامه مثل هده الأمور الدقيقه لما قد يبدر لفهمهم من تهوين المعصيه و حتى لايحصل إلتباس وتشويش

وقد ورد ( حدثوا الناس بما يعرفون اتريدون ان يكذب الله ورسوله )

الأمر يحتاج الى مراجعة علماء الشريعه الراسخين

وجزيتم خيرا

برق الشمال 11
12/01/2010, 09:20 PM
يعطيك العافية

نسائم الربيع
12/01/2010, 09:41 PM
بارك الله فيك د. المسند على ما قدمت من مواضيع قيمة و مفيدة


وبخصوص الحديث عن علاقة الزلازل بالكسوف ( شخص قريب مني ذكر لي أنه رأى في المنام أمس بزلزال يقع في منطقة في المملكة )

والله يحفظنا و أياكم من كل مكروهـ


بارك الله فيك



ينبغي أن يعلم أن من آداب الرؤيا السيئة

1 - أن لا يحدث بها أحدا

2 - أن يستعيذ بالله من شرها

على عكس الرؤيا الصالحة

فأتمنى منك أخي الكريم عدم التحدث بمثل هذه الرؤى سواء في المجالس أو المنتديات أو غيرها

بارك الله فيك

انا مسلمة
12/01/2010, 10:13 PM
جزاك الله خير

خالد77
12/01/2010, 11:21 PM
نفع الله بك وجزاك الله خيرا ..

النجم السراي
13/01/2010, 11:33 PM
ماشاء الله
تقرير رائع
يعطيك الف عافيه

نسائم الربيع
16/01/2010, 06:48 PM
أستأذن المشرفين الكريمين في نقل كلام سماحة المفتي حفظه الله




سبق - الرياض : ردّ سماحة مفتي عام المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ على من يقولون ان كسوف الشمس وخسوف القمر ،ظواهر كونية ولا علاقة لها بالذنوب والخطايا ، وقال: إنها تنعقد سببا للعذاب،وأنها تكسف على المسلم والكافر ،وأنهم يعلمون موعد الكسوف والخسوف بدقة..

واكد سماحته -طبقا ل"المدينة"- ان هذه أخطاء يقع فيها هؤلاء المتقوّلون بذلك لان الكسوف والخسوف آيتان من ايات الله يخوّف بهما عباده ، وقال سماحة المفتي العام : إن من يقولون بان الكسوف والخسوف ظواهر كونية مخالفون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وطالب من يقولون ذلك ويكتبون باقلامهم هذه الاراء والافكار ان يتوبوا الى الله عز وجل ، ويتبعوا سنة رسول الله .وقال المفتي العام: إن الله يُري عباده الايات ليتعظوا ويعتبروا ، والمؤمن يأخذ العبرة والعظة منها .

واضاف سماحته:ان ظاهرة الكسوف والخسوف آيات من آيات الله ، ومن يقولون بأنهم يعلمون الكسوف والخسوف منذ فترة وبدقة جهل منهم ، وقول على الله بلا علم ’لان اصدق القائلين صلى الله عليه وسلم الذي يحدث عن رب العزة ، اخبرنا بان هذه آيات من الله .وأشار سماحته الى ان كسوف الشمس وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، في العام العاشر من الهجرة ، عندما مات ابنه ابراهيم ،فخرج صلى الله عليه وسلم الى المسجد ، وأمر بالنداء للصلاة جامعة } وصلى بالناس ركعتين اطال في الركعة الاولى تلاوة وركوعا وسجودا ، وفي الثانية لم يطل فيها كما اطال في الاولى ، فلما فرغ من صلاته وتجلت الشمس ، خطب في الناس خطبة عظيمة ، قال فيها ان الشمس والقمر ايتان من ايات الله يخوف بهما عباده ، ولا ينكسفان لموت أحد من عباده ، وورد عن رسول الله انه قال اذا رأيتم الكسوف افزعوا الى الصلاة وذكر الله وصلوا وتصدقوا .وانتقد سماحته الاقلام والكتابات التي يزعم كاتبوها ان الكسوف والخسوف لا ارتباط لها بالذنوب والمعاصي ،وهي ظواهر كونية ، وقال "هذه اقوال تخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم" ، وقال سماحته : ان صلاة الكسوف والخسوف ، صلاة خوف وتوبة وتضرع وانابة ، وتحذير للامة .واضاف: ان الكسوف ينعقد سببا للعذاب ، ولكن الله لطيف بعباده .وحذّر المفتي العام من افشاء المعاصي في بلاد الاسلام ، وقال : ان هذه مصيبة عظيمة وبلية من البلايا ، ويجب التناهي بالمعروف ، ويقيموا حدود الله ، ويأخذوا على يد السفيه ، ويؤطروا على الحق اطرا ، ولكن ترك هؤلاء يكتبون ضد الشرع والدين والسنة أمر خطير ، يؤدي الى اكثار الخبائث ، واضاف سماحته : ان بعض هذه الكتابات تخالف السنة ، وتصادم الشرع .

احصائيات الخبر

ابوعلي الوشمي
20/01/2010, 10:54 PM
فيما يلي استدراك من شيخ فاضل - ولا أزكيه على الله - على ما جاء من تجاوزات في حديث الدكتور عبدالله وفقه الله وإياي ..




الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..



(اللهم رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السماوات وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أنت تَحْكُمُ بين عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فيه يَخْتَلِفُونَ أهدنا لِمَا اخْتَلَفْتُ فيه مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ انك تَهْدِى من تَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

أما بعد: الدكتور الفاضل عبد الله المسند أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم لم يسبق لي الالتقاء به، ولا تربطني به صلة قرابة أو زمالة ، من قريب أو بعيد، لكني أكنّ له الكثير من التقدير والاحترام لجهوده التي يبذلها في خدمة الدين والمجتمع من خلال تخصصه، وقد اطلعت له على محاولات للربط بين النصوص الشرعية وبعض الظواهر الكونية، وكان الكثير منها موفقاً إلى حد كبير، ثم إني اطلعت على لقاء معه في إحدى الصحف المحلية حول ظاهرتي الكسوف والخسوف وعلاقتهما بالذنوب والمعاصي، وقد عنونت الجريدة لهذا اللقاء بالعنوان التالي: ( د.المسند: لا يوجد دليل شرعي ولا حسي يربط الكسوف والخسوف بالذنوب والمعاصي! )، فعجبت من هذا العنوان وما فيه من الجرأة على الشرع من متخصص في الجغرافيا!! لكني لم أكتفِ بقراءة العنوان، لما عهدناه على بعض الصحف من تحريف أقوال ضيوفها للإثارة الصحفية كما يزعمون، فقرأت كل ما ذكره الدكتور الفاضل في ثنايا اللقاء حول هذه المسألة، وعلمت أنه ـ كما يقول ـ قد كتب بحثاً في هذا الخصوص عام 1417هـ، الهدف منه حسب قوله! تصحيح مفاهيم شرعية وعلمية بشأن ظاهرتي الكسوف والخسوف!! وكم كان بودّي لو أنّه اقتصر على تصحيح بعض المفاهيم العلمية كما أسماها والتي تتعلّق بتخصّصه، وترك الشرعية لأهلها، أو على الأقل عرض ما كتبه في ذلك على أهل العلم الراسخين، لكنّه لم يفعل، ولذا جاء تقريره الشرعي لهذه المسألة مليئاً بالمغالطات والتناقضات، ولعلي أنبّه إلى الكثير منها في هذه العجالة..
فمن المغالطات:
1. قوله: إنّ " هذه المفاهيم.. تُربط بالشريعة!! وبصورة تُحمل النصوص ما لا تحتمل، وتأصل مفاهيم غير صحيحة، وتنسب إلى الشريعة ما ليس منها وهي بريئة منها ".
وهذه جرأة منه على النصوص بلا علم، وتسفيهٌ لفهم الكثير من الأئمة قديماً وحديثاً كما سيأتي بعض أقوالهم. مع جزمه بصواب قوله، ولو أنه قال هذه هي وجهة نظري، وقد أكون مخطئاً، لهان الأمر.
2. قوله: "(بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء ـ غفر الله لهم جميعاً ـ يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً كثرة وقلة بالمعاصي والفتن!!" إلى أن قال: " وليس الأمر كذلك ". هكذا أصدر حكمه بالجزم مخالفاً بذلك الكثير من العلماء والفضلاء كما عبّر، ولم يَفُتْه أن يدعو لهم بالمغفرة جميعاً ـ دون أن يشرك نفسه معهم ـ لتأكيد خطئهم وصوابه.. وأقول: ليس هؤلاء الفضلاء من العلماء والفقهاء هم الذين ربطوا بين الكسوف والمعاصي بل الشارع الحكيم بنصوصه الواضحة كما سيأتي. فهذه مغالطة واضحة.
3. زعمه أن الربط بين الخسوف والكسوف والمعاصي يترتب عليه مفاهيم خاطئة، ذكر منها:
أولاً: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها.
ثانياً: أن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله.
ثالثاً: أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة!.
رابعاً: أن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10هـ كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة!!!.
خامساً: ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون.
سادساً: إبطال ما يعرف بـ (دورة ساروس) والتي ثبت صحتها...
ثم ختم هذه المغالطات بقوله:
"هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف ".
والجواب عن هذه المغالطات الست ألخصه فيما يلي:
أما المغالطة الأولى والثانية فالجواب عنهما: أنّ الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله يخوّف الله بهما عباده، وليستا الآيتين الوحيدتين للتخويف، فهناك آيات كثيرة للتخويف، فقد يخوف الله عباده بهما وقد يخوفهم بغيرهما من الآيات الكثيرة المتنوعة، كما قال تعالى: { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } فهي ليست آية ولا آيتين بل آيات كثيرة..
وأما المغالطة الثالثة وهي افتراض أناس كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم !!، فهو افتراض غير ممكن، فلا يبنى عليه حكم، والأحكام لا تُبنى على مثل هذه الافتراضات المستحيلة، وإلا لأبطلنا بمثل هذا الافتراض صلاة الاستسقاء والاستغفار والتوبة، وأموراً أخرى كثيرة في الشريعة.
وأمّا المغالطة الرابعة، وهي وقوع الكسوف زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن وقوع ذلك كان للتشريع، وتعليم الناس كيفية هذه الصلاة لا سيما وأن لها صفة مخصوصة تختلف عن باقي الصلوات، ولذا لم يحدث الكسوف إلا مرة واحدة في زمنه صلى الله عليه وسلم.. فإن قيل: فلمَ لم يعلمهم إياها بقوله؟ فالجواب: أنّ الفعل في التعليم أبلغ من القول، وأثبت في الأذهان، ولذا صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) ، وهذا من كمال تربيته للأمة.
الوجه الثاني: أنّ زمن النبوّة وإن كان زمناً فاضلاً؛ فإنّ ذلك لا يعني أنّه زمن ملائكي خال من المعاصي والذنوب، فقد كان في المدينة منافقون ويهود، بل كان فيه بعض ضعاف الإيمان من المسلمين ممن هم بحاجة إلى التخويف، ومعلوم ما حصل في غزوة أحد من هزيمة المسلمين وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد المشركون أن يصلوا إليه وينالوا منه ، فشُجّ وجهه وكُسرت رباعيته وكان ذلك بسبب عصيان الرماة لأمره صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآيات بعد ذلك لتقول للمؤمنين: { قل هو من عند أنفسكم }.
وأما المغالطة الخامسة وهي وقوع الكسوف في الكواكب والأجرام الأخرى مع عدم وجود بشر، فالجواب: أن ذلك علمه عند الله، ولا أحد يستطيع الجزم بعدم وجود مخلوقات أخرى في تلك الأجرام والكواكب ، وحتى لو لم يوجد، فإن عدم وجودهم لا يستلزم عدم حصول الكسوف إذ لا يبعد أن يكون للكسوف حِكَم أخرى غير التخويف لم يطلعنا الله عليها، وله سبحانه في خلقه الحكمة البالغة، وقد قال جل وعلا: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }، ثم إن مثل هذه المغالطة يترتب عليها نفي كون هذه الآية تخويفاً ـ مع مجيء النصّ عليه في الحديث ـ إذ كيف يخوف الله كواكب وأجراماً خالية من البشر على حد قول الدكتور؟!.
وأما المغالطة الأخيرة وهي إبطال دورة ساروس، فالجواب عنها كما سبق أن وجود مثل هذه الظواهر الكونية المحددة وإمكان معرفة وقت وقوعها لا ينفي كونها آية وتخويفاً كما جاء النص عليه في الحديث، وإلا لأبطلنا مفهوم الحديث.
وبهذا يتبين أن هذه اللوازم التي ذكرها غير صحيحة وإنما هي ضرب من المغالطات وتبطل التخويف.
ومن المغالطات المنكرة: استشهاده بقول الإمام ابن تيمية وابن باز عليهما رحمة الله في مسألة معرفة أوقات الخسوف والكسوف ، وهذا أمر لا خلاف فيه، فلا أحد ينكره، لكنه لم يكلف نفسه الرجوع إلى أقوال هذين العلمين في المسألة الأساسية وهي علاقة الكسوف بالذنوب، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/ 424 بعد ذكر حديث الكسوف والخسوف: " وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذاب بالناس فإنّ الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفا، قال تعالى : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }". هذا ما فهمه شيخ الإسلام من النصوص.
وقال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعليقاً على بعض الظواهر الكونية التي حصلت سنة 1402هـ: " وكون بعض الحقائق قد تبين أن شيئا من الكسوف أو الخسوف وما أشبههما يعرف بالحساب أو ببعض الأمارات قد يحصل , فهذا لا ينافي قدرة الله سبحانه وتعالى وتخويف عباده فهو يوقعها متى شاء , قال الله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } وحينما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بأصحابه صلاة الكسوف , خطب فيهم خطبة بليغة أخبرهم فيها أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده , وأمرهم بالصلاة والصدقة والتكبير والذكر والاستغفار والعتق , وقال في خطبته : « يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ويا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا » الحديث , وإن واقع أكثر المسلمين اليوم يدل على استخفافهم بحق الله وما يجب من طاعته وتقواه والمتأمل يسمع ويرى كثيرا من العقوبات للأمم والشعوب , تارة بالفيضانات وتارة بالأعاصير وتارة بالهزات الأرضية وتارة بالمجاعات وتارة بالحروب الطاحنة التي تأكل الرطب واليابس , كما بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعض أنواع العقوبات التي أنزلها بالعاصين والمنحرفين عن الصراط المستقيم من الأمم السابقة المكذبين لرسلهم ليتعظ الناس ويحذروا أعمالهم وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بما يزيل الخوف : أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يكشف ما بالناس وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة" مجموع الفتاوى 9/ 158 وواضح من كلام الشيخ ربط هذه الظواهر بالذنوب والمعاصي والاستخفاف بحق الله.
ومن المغالطات ما ذكره بعد عرض جدول الخسوفات والكسوفات التي وقعت، من أن عدد الكسوفات في القرن الماضي أقل منها في هذا القرن وقوله تعليقاً: " مع أن المعاصي والفتن في أول القرن الماضي أقل منها في آخر القرن " وهو تعليق في غاية الجرأة والغرابة والجهل، فمن الذي يستطيع الإحاطة بكل ما يحدث في هذا الكون من المعاصي والفتن ومقدارها في كل قرن سوى الله عز وجل، ثم لو فرضنا ـ جدلاً أن ذلك صحيح ـ فقد ذكرت آنفاً أنّ آيات التخويف ليست مقتصرة على الخسوف والكسوف، فآيات التخويف كثيرة، والله عز وجل يختار منها ما شاء سبحانه حسب ما تقتضي حكمته.

أما التناقضات، فقد ذكر الدكتور ـ غفر الله لنا وله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس!! ثم قال : " بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات". فإذا لم يكن لهذه الظاهرة ارتباط بالذنوب، فلماذا يؤمر الناس بالفزع إلى الله والصلاة والصدقة والاستغفار وعمل الصالحات وترك المنكرات.. أليس هذا من التناقض الواضح؟!.
ومن التناقضات أنّه نقل عن ابن العربي رحمه الله قوله في الآيات أنّ " منها مستمرة عادة؛ فيشق أن تحدث بها عبادة، ومنها ما يأتي نادراً فشرع للنفس البطَّالة الآمنة التعبد عند جريان ما يخالف الاعتياد تذكيراً لها وصقلاً لصدئها ". فأقول: وهل صدأ القلوب إلا بسبب المعاصي والذنوب، فهذا ربط واضح من ابن العربي رحمه الله لهذه الظاهرة بالذنوب، وأن هذه الآيات تذكير لها وصقلاً لصدئها المتراكم.
ومن التناقضات قوله : " نستنتج أنه ليس هناك دليل حسي ولا علمي يدعم تلك العلاقة، وأن هذه الحوادث الكونية قدرها الخالق المالك المدبر بهذا التوازن وبهذا القدر وبهذا النظام لعلة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (( يخوف الله بهما عباده )) سواء كثرت الذنوب أم قلت "، وهذه جرأة أخرى على النصّ، إذ إن التخويف لا يكون إلا لتقصير، فلو أنّ أستاذاً جاء إلى طالب مجدّ مجتهد يرجو نيل أعلى الدرجات فخوّفه وأنذره بالرسوب، لكان أستاذاً فاشلاً محطماً للطموح، وذلك أن التخويف إنما يكون للطالب المقصر العاصي لأستاذه لعله أن يحسّن من مستواه، أما الطالب المجدّ فلا يحتاج إلى تخويف، بل إلى دعم وتشجيع .
ومن تناقضاته قوله: " والتخويف يكون لعباده الصالحين ولعباده العاصين ولعباده الكافرين أيضاً ". مع قوله في موضع آخر: " أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة ". يقصد: ارتباط الكسوف بالمعاصي. فهو قد قرر في قوله الأوّل أن التخويف لا يكون للعاصين فقط بل حتى للصالحين الأتقياء الأنقياء، ثم هو في قوله الثاني ـ مع استحالته ـ يقرر أنه لو كان ما افترضه موجوداً من وجود عباد صالحين أتقياء، فلا حاجة إلى وقوع الكسوف، فإذا كان الكسوف لا ارتباط له بالصلاح والفساد حسب قوله الأول، فإنه يكون قد أبطل تقريره الثاني بنفسه، وهذه هي قمة التناقض.
ومن تناقضاته قوله: " البر والفاجر المسلم والكافر محتاج إلى مشاهد كونية كالكسوف كيما تحمله على التوبة والأوبة ".. وأقول: وهل التوبة والأوبة تكون إلا من ذنوب ومعاص؟ فعاد الأمر إلى ما أراد نفيه.
أما استشهاده بقول ابن القيم رحمه الله: " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عنده بما أمر به من العتاقة والصلاة والدعاء والصدقة كأمره بالصلوات عند الفجر والغروب والزوال " أ.هـ فإنه نقل قولاً مجملاً لا علاقة له وثيقة بالموضوع، وترك ما هو أهم في نفس السياق، وأنا أسوق ما قاله ابن القيّم بتمامه ليتبين ما قام به دكتورنا الفاضل من التلبيس وبتر الكلام فإنه قال قبل ذلك ( أي ابن القيم ): " وأما انه يقتضي من التأثيرات في الخير والشر والسعد والنحس والإماتة والإحياء وكذا وكذا مما يحكم به المنجمون، فقول على الله وعلى خلقه بما لا يعلمون.. نعم لا ننكر أن الله سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببا لذلك، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله والصلاة والعتاقة والصدقة والصيام لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببا لما جعله فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به أو يقلله أو يخففه فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببا له أو بعضه ولهذا قل ما يسلم أطراف الأرض ـ حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل ـ فيها من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جدا ولما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه و سلم قام فزعا مسرعا يجز رداءه ونادى في الناس الصلاة جامعة وخطبهم بتلك الخطبة البليغة وأخبر أنه لم ير كيومه ذلك في الخير والشر وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة بالعتاقة والصدقة والصلاة والتوبة فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وبأمره وشأنه وتعريفه أمور مخلوقاته وتدبيره وأنصحهم للأمة ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما فيه هلاكهم في معاشهم ومعادهم ".
ولم يكتف ابن القيم بذلك بل قال معقباً على ما ذكر وكأنه يعيش في واقعنا اليوم ( وأعتذر عن طول النقل لأهميته ): " ولقد خفي ما جاءت به الرسل على طائفتين هلك بسببهما من شاء الله ونجا من شَرَكهما من سبقت له العناية من الله. إحدى الطائفتين وقفت مع ما شاهدته وعلمته من أمور هذه الأسباب والمسببات وإحالة الأمر عليها وظنت أنه ليس لها شيء فكفرت بما جاءت به الرسل وجحدت المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوات وغيرها ما انتهى إليه علومها ووقفت عنده أقدامها من العلم بظاهر من المخلوقات وأحوالها وجاء ناس جهّال رأوهم قد أصابوا في بعضها أو كثير منها فقالوا: كل ما قاله هؤلاء فهو صواب لما ظهر لنا من صوابهم. وانضاف إلى ذلك أن أولئك لما وقفوا على الصواب فيما أدتهم إليه أفكارهم من الرياضيات وبعض الطبيعيات وثقوا بعقولهم وفرحوا بما عندهم من العلم وظنوا أن سائر ما خدمته أفكارهم من العلم بالله وشأنه وعظمته هو كما أوقعهم عليه فكرهم وحكمه حكم ما شهد به الحس من الطبيعيات والرياضيات فتفاقم الشر وعظمت المصيبة وجحد الله وصفاته وخلقه للعالم وإعادته له وجحد كلامه ورسله ودينه ورأى كثير من هؤلاء أنهم هم خواص النوع الإنساني وأهل الألباب وأن ما عداهم هم القشور وأن الرسل إنما قاموا بسياستهم لئلا يكونوا كالبهائم فهم بمنزلة قم المارستان وأما أهل العقول والرياضيات والأفكار فلا يحتاجون إلى الرسل بل هم يعلّمون الرسل ما يصنعونه للدعوة الإنسانية كما تجد في كتبهم وينبغي للرسول أن يفعل كذا وكذا والمقصود أن هؤلاء لما أوقفتهم أفكارهم على العلم بما خفي على كثير من أسرار المخلوقات وطبائعها وأسبابها ذهبوا بأفكارهم وعقولهم وتجاوزوا ما جاءت به الرسل وظنوا أن إصابتهم في الجميع سواء وصار المقلد لهم في كفرهم إذا خطر له إشكال على مذهبهم أو دهمه ما لا حيلة له في دفعه من تناقضهم وفساد أصولهم يحسن الظن بهم ويقول لا شك أن علومهم مشتملة على حكمة، والجواب عنه إنما يعسر علي إدراكه لأن من لم يحصل الرياضيات ولم يحكم المنطقيات وتمده علوم قد صقلتها أذهان الأولين وأحكمتها أفكار المتقدمين فالفاضل كل الفاضل من يفهم كلامهم.
وأما الاعتراض عليهم وإبطال فاسد أصولهم فعندهم من المحال الذي لا يصدق به وهذا من خداع الشيطان وتلبيسه بغروره لهؤلاء الجهّال مقلدي أهل الضلال كما لبس على أئمتهم وسلفهم بأن أوهمهم أن كل ما نالوه بأفكارهم فهو صواب كما ظهرت إصابتهم في الرياضيات وبعض الطبيعيات فركب من ضلال هؤلاء وجهل أتباعهم ما اشتدت به البلية وعظمت لأجله الرزية وضرب لأجله العالم وجحد ما جاءت به الرسل وكفر بالله وصفاته وأفعاله ".
ثم يشير رحمه الله إلى قضية التخصص، وهي حاضرة بقوة في هذه القضية فيقول: " ولم يعلم هؤلاء أن الرجل يكون إماما في الحساب وهو أجهل خلق الله بالطب والهيئة والمنطق، ويكون رأساً في الطب ويكون من أجهل الخلق بالحساب والهيئة، ويكون مقدماً في الهندسة وليس له علم بشيء من قضايا الطب. وهذه علوم متقاربة والبعد بينها وبين علوم الرسل التي جاءت بها عن الله أعظم من البعد بين بعضها وبعض، فإذا كان الرجل إماماً في هذه العلوم ولم يعلم بأي شيء جاءت به الرسل ولا تحلى بعلوم الإسلام فهو كالعامي بالنسبة إلى علومهم بل أبعد منه، وهل يلزم من معرفة الرجل هيئة الأفلاك والطب والهندسة والحساب أن يكون عارفا بالإلهيات وأحوال النفوس البشرية وصفاتها ومعادها وسعادتها وشقاوتها، وهل هذا إلا بمنزلة من يظن أن الرجل إذا كان عالما بأحوال الأبنية وأوضاعها ووزن الأنهار والقنى والقنطرة كان عالما بالله وأسمائه وصفاته وما ينبغي له وما يستحيل عليه! فعلوم هؤلاء بمنزلة هذه العلوم التي هي نتائج الأفكار والتجارب فما لها ولعلوم الأنبياء التي يتلقونها عن الله بوسائط الملائكة هذا وإن تعلق الرياضيات التي هي نظر في نوعى الكم المتصل والمنفصل والمنطقيات التي هي نظر في المعقولات الثانية ونسبة بعضها إلى بعض بالكلية والجزئية والسلب والإيجاب وغير ذلك بمعرفة رب العالمين وأسمائه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وما جاءت به رسله وثوابه وعقابه، ومن الخدع الإبليسية قول الجهّال أن فهم هذه الأمور موقوف على فهم هذه القضايا العقلية وهذا هو عين الجهل والحمق وهو بمنزلة قول القائل لا يعرف حدوث الرمانة من لم يعرف عدد حباتها وكيفية تركيبها وطبعها ولا يعرف حدوث العين من لم يعرف عدد طبقاتها وتشريحها وما فيها من التركيب ولا يعرف حدوث هذا البيت من لم يعرف عدد لبناته وأخشابه وطبائعها ومقاديرها وغير ذلك من الكلام الذي يضحك منه كل عاقل وينادي على جهل قائله وحمقه بل العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله ودينه لا يحتاج إلى شيء من ذلك ولا يتوقف عليه وآيات الله التي دعا عباده إلى النظر فيها دالة عليه بأول النظر دلالة يشترك فيها كل سليم العقل والحاسة وأما أدلة هؤلاء فخيالات وهمية وشبه عسرة المدرك بعيدة التحصيل متناقضة الأصول غير مؤدية إلى معرفة الله ورسله والتصديق بها مستلزمة للكفر بالله وجحد ما جاءت به رسله وهذا لا يصدق به إلا من عرف ما عند هؤلاء وعرف ما جاءت به الرسل ووازن بين الأمرين فحينئذ يظهر له التفاوت وأما من قلدهم وأحسن ظنه بهم ولم يعرف حقيقة ما جاءت به الرسل فليس هذا عشه بل هو في أودية هائم حيران ينقاد لكل حيران 0
يغدو من العلم في ثوبين من طمع ... معلمين بحرمان وخذلان
والطائفة الثانية رأت مقابلة هؤلاء برد كل ما قالوه من حق وباطل وظنوا أنّ من ضرورة تصديق الرسل رد ما علمه هؤلاء بالعقل الضروري وعلموا مقدماته بالحس فنازعوهم فيه وتعرضوا لإبطاله بمقدمات جدلية لا تغنى من الحق شيئا وليتهم مع هذه الجناية العظيمة لم يضيفوا ذلك إلى الرسل بل زعموا إن الرسل جاؤوا بما يقولونه فساء ظن أولئك الملاحدة بالرسل وظنوا أنهم هم أعلم وأعرف منهم ومن حسن ظنه بالرسل قال أنهم لم يخف عليهم ما نقوله ولكن خاطبوهم بما تحتمله عقولهم من الخطاب الجمهوري النافع للجمهور وأما الحقائق فكتموها عنهم والذي سلطهم على ذلك جحد هؤلاء لحقهم ومكابرتهم إياهم على ما لا يمكن المكابرة عليه مما هو معلوم لهم بالضرورة كمكابرتهم إياهم في كون الأفلاك كروية الشكل والأرض كذلك وأن نور القمر مستفاد من نور الشمس وأن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث انه يقتبس نوره منها والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس كما قدمناه وكقولهم أن الكسوف الشمسي معناه وقوع جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة وكقولهم بتأثير الأسباب المحسوسة في مسبباتها وإثبات القوى والطبائع والأفعال وانفعالات مما تقوم عليه الأدلة العقلية والبراهين اليقينية فيخوض هؤلاء معهم في إبطاله فيغريهم ذلك بكفرهم وإلحادهم والوصية لأصحابهم بالتمسك بما هم عليه فإذا قال لهم هؤلاء هذا الذي تذكرونه على خلاف الشرع والمصير إليه كفر وتكذيب الرسل لم يستريبوا في ذلك ولم يلحقهم فيه شك ولكنهم يستريبون بالشرع وتنقص مرتبة الرسل من قلوبهم وضرر الدين وما جاءت به الرسل بهؤلاء من أعظم الضرر وهو كضرره بأولئك الملاحدة فهما ضرران على الدين ضرر من يطعن فيه وضرر من ينصره بغير طريقه وقد قيل إن العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل فإن الصديق الجاهل يضرك من حيث يقدر أنه بنفعك والشأن كل الشأن أن تجعل العاقل صديقك ولا تجعله عدوك وتغريه بمحاربة الدين وأهله.. " إلى آخر ما ذكر رحمه الله .. من كتاب مفتاح دار السعادة: 2/ 210.
وهو كلام قيم يكاد ينطبق على وقعنا اليوم، وما جرى فيه من تسلّط على علماء الشريعة، وجرأة من أصحاب التخصصات الأخرى على علم الشريعة.
وقد قال ابن القيّم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في بكائه صلى الله عليه وسلم: " وبكى لَمّا كَسَفَتْ الشمسُ وصلّى صَلاةَ الْكُسُوفِ وجعل يَبْكِي فِي صلاته وجعلَ يَنْفُخُ ويقولُ: رَبّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَلا تُعَذّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُك ". فهذا الحديث الذي استشهد به الإمام ابن القيّم من أوضح الأحاديث في ارتباط الكسوف بالذنوب، لمن تأمله حق التأمل.
وفي الجملة فإنّ التخويف لا يكون إلا لتقصير وعصيان ـ وكلنا كذلك ـ وإن القول بغير ذلك مخالف للنصوص الشرعية كما سبق، وهو يفتح أبواباً من الشرّ كثيرة من الإرجاء والتفريط، والأمن من مكر الله والاستهانة بشعائر الله وآياته وحدوده، ولا يخفى ما في ذلك من الخطر العظيم ، وحصول ما يُخشى من العقوبات العامة، والله المستعان.

كتبه : محمد بن عبد العزيز المسند .

a1Ruwais
21/01/2010, 06:10 PM
معلومة قيمة جدا
والله يعطيك العافية

نسائم الربيع
21/01/2010, 06:52 PM
الأخ أبو علي الوشمي : شكر الله لك هذا النقل الجميل


وهذا من كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

"فإذا أراد الله أن يخوف عباده من عاقبة معاصيهم ومخالفاتهم كسفهما .. ولذلك كثر الكسوف في هذا العصر لكثرة المعاصي والفتن في هذا الزمن "


أسأل الله الهداية للجميع

نمر الصحراء
30/01/2010, 11:50 PM
جزاك الله خير اخي
المسند في ميزان حسناتك

راع الشماليه
01/02/2010, 04:52 PM
معلومات قيمه
الله يعطيك العافيه يادكتور

أحيا بديني
02/02/2010, 02:23 PM
الدكتور الفاضل عبد الله المسند أستاذ الجغرافيا بجامعة القصيم لم يسبق لي الالتقاء به، ولا تربطني به صلة قرابة أو زمالة ، من قريب أو بعيد، لكني أكنّ له الكثير من التقدير والاحترام لجهوده التي يبذلها في خدمة الدين والمجتمع من خلال تخصصه، وقد اطلعت له على محاولات للربط بين النصوص الشرعية وبعض الظواهر الكونية، وكان الكثير منها موفقاً إلى حد كبير، ثم إني اطلعت على لقاء معه في إحدى الصحف المحلية حول ظاهرتي الكسوف والخسوف وعلاقتهما بالذنوب والمعاصي، وقد عنونت الجريدة لهذا اللقاء بالعنوان التالي: ( د.المسند: لا يوجد دليل شرعي ولا حسي يربط الكسوف والخسوف بالذنوب والمعاصي! )، فعجبت من هذا العنوان وما فيه من الجرأة على الشرع من متخصص في الجغرافيا!! لكني لم أكتفِ بقراءة العنوان، لما عهدناه على بعض الصحف من تحريف أقوال ضيوفها للإثارة الصحفية كما يزعمون، فقرأت كل ما ذكره الدكتور الفاضل في ثنايا اللقاء حول هذه المسألة، وعلمت أنه ـ كما يقول ـ قد كتب بحثاً في هذا الخصوص عام 1417هـ، الهدف منه حسب قوله! تصحيح مفاهيم شرعية وعلمية بشأن ظاهرتي الكسوف والخسوف!! وكم كان بودّي لو أنّه اقتصر على تصحيح بعض المفاهيم العلمية كما أسماها والتي تتعلّق بتخصّصه، وترك الشرعية لأهلها، أو على الأقل عرض ما كتبه في ذلك على أهل العلم الراسخين، لكنّه لم يفعل، ولذا جاء تقريره الشرعي لهذه المسألة مليئاً بالمغالطات والتناقضات، ولعلي أنبّه إلى الكثير منها في هذه العجالة..
فمن المغالطات:
1. قوله: إنّ " هذه المفاهيم.. تُربط بالشريعة!! وبصورة تُحمل النصوص ما لا تحتمل، وتأصل مفاهيم غير صحيحة، وتنسب إلى الشريعة ما ليس منها وهي بريئة منها ".
وهذه جرأة منه على النصوص بلا علم، وتسفيهٌ لفهم الكثير من الأئمة قديماً وحديثاً كما سيأتي بعض أقوالهم. مع جزمه بصواب قوله، ولو أنه قال هذه هي وجهة نظري، وقد أكون مخطئاً، لهان الأمر.
2. قوله: "(بعض) الفضلاء من الفقهاء والعلماء ـ غفر الله لهم جميعاً ـ يربطون بين حوادث الكسوف والخسوف وجوداً وعدماً كثرة وقلة بالمعاصي والفتن!!" إلى أن قال: " وليس الأمر كذلك ". هكذا أصدر حكمه بالجزم مخالفاً بذلك الكثير من العلماء والفضلاء كما عبّر، ولم يَفُتْه أن يدعو لهم بالمغفرة جميعاً ـ دون أن يشرك نفسه معهم ـ لتأكيد خطئهم وصوابه.. وأقول: ليس هؤلاء الفضلاء من العلماء والفقهاء هم الذين ربطوا بين الكسوف والمعاصي بل الشارع الحكيم بنصوصه الواضحة كما سيأتي. فهذه مغالطة واضحة.
3. زعمه أن الربط بين الخسوف والكسوف والمعاصي يترتب عليه مفاهيم خاطئة، ذكر منها:
أولاً: أن كثرة المعاصي تستدعي كثرة حوادث الكسوف والخسوف، وقلة المعاصي تستوجب قلتها.
ثانياً: أن حوادث الكسوف والخسوف في هذا العصر أكثر من العصور التي قبله.
ثالثاً: أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة!.
رابعاً: أن وقوع الكسوف العظيم يوم وفاة ابن الرسول صلى الله عليه وسلم الموافق 29 شوال من عام 10هـ كان بسبب كثرة الذنوب في المدينة!!!.
خامساً: ظاهرة الكسوف والخسوف لا تقع في الكواكب والأجرام الأخرى لعدم وجود بشر يذنبون.
سادساً: إبطال ما يعرف بـ (دورة ساروس) والتي ثبت صحتها...
ثم ختم هذه المغالطات بقوله:
"هذه جملة من اللوازم (المنكرة والعجيبة) تلزم من يقول بالارتباط بين الذنوب وحوادث الكسوف والخسوف ".
والجواب عن هذه المغالطات الست ألخصه فيما يلي:
أما المغالطة الأولى والثانية فالجواب عنهما: أنّ الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله يخوّف الله بهما عباده، وليستا الآيتين الوحيدتين للتخويف، فهناك آيات كثيرة للتخويف، فقد يخوف الله عباده بهما وقد يخوفهم بغيرهما من الآيات الكثيرة المتنوعة، كما قال تعالى: { وما نرسل بالآيات إلا تخويفاً } فهي ليست آية ولا آيتين بل آيات كثيرة..
وأما المغالطة الثالثة وهي افتراض أناس كالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم !!، فهو افتراض غير ممكن، فلا يبنى عليه حكم، والأحكام لا تُبنى على مثل هذه الافتراضات المستحيلة، وإلا لأبطلنا بمثل هذا الافتراض صلاة الاستسقاء والاستغفار والتوبة، وأموراً أخرى كثيرة في الشريعة.
وأمّا المغالطة الرابعة، وهي وقوع الكسوف زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فالجواب عنه من وجهين: أحدهما: أن وقوع ذلك كان للتشريع، وتعليم الناس كيفية هذه الصلاة لا سيما وأن لها صفة مخصوصة تختلف عن باقي الصلوات، ولذا لم يحدث الكسوف إلا مرة واحدة في زمنه صلى الله عليه وسلم.. فإن قيل: فلمَ لم يعلمهم إياها بقوله؟
فالجواب: أنّ الفعل في التعليم أبلغ من القول، وأثبت في الأذهان، ولذا صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( صلوا كما رأيتموني أصلي )) ، وهذا من كمال تربيته للأمة.
الوجه الثاني: أنّ زمن النبوّة وإن كان زمناً فاضلاً؛ فإنّ ذلك لا يعني أنّه زمن ملائكي خال من المعاصي والذنوب، فقد كان في المدينة منافقون ويهود، بل كان فيه بعض ضعاف الإيمان من المسلمين ممن هم بحاجة إلى التخويف، ومعلوم ما حصل في غزوة أحد من هزيمة المسلمين وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كاد المشركون أن يصلوا إليه وينالوا منه ، فشُجّ وجهه وكُسرت رباعيته وكان ذلك بسبب عصيان الرماة لأمره صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآيات بعد ذلك لتقول للمؤمنين: { قل هو من عند أنفسكم }.
وأما المغالطة الخامسة وهي وقوع الكسوف في الكواكب والأجرام الأخرى مع عدم وجود بشر، فالجواب: أن ذلك علمه عند الله، ولا أحد يستطيع الجزم بعدم وجود مخلوقات أخرى في تلك الأجرام والكواكب ، وحتى لو لم يوجد، فإن عدم وجودهم لا يستلزم عدم حصول الكسوف إذ لا يبعد أن يكون للكسوف حِكَم أخرى غير التخويف لم يطلعنا الله عليها، وله سبحانه في خلقه الحكمة البالغة، وقد قال جل وعلا: { وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }، ثم إن مثل هذه المغالطة يترتب عليها نفي كون هذه الآية تخويفاً ـ مع مجيء النصّ عليه في الحديث ـ إذ كيف يخوف الله كواكب وأجراماً خالية من البشر على حد قول الدكتور؟!.
وأما المغالطة الأخيرة وهي إبطال دورة ساروس، فالجواب عنها كما سبق أن وجود مثل هذه الظواهر الكونية المحددة وإمكان معرفة وقت وقوعها لا ينفي كونها آية وتخويفاً كما جاء النص عليه في الحديث، وإلا لأبطلنا مفهوم الحديث.
وبهذا يتبين أن هذه اللوازم التي ذكرها غير صحيحة وإنما هي ضرب من المغالطات وتبطل التخويف.
ومن المغالطات المنكرة: استشهاده بقول الإمام ابن تيمية وابن باز عليهما رحمة الله في مسألة معرفة أوقات الخسوف والكسوف ، وهذا أمر لا خلاف فيه، فلا أحد ينكره، لكنه لم يكلف نفسه الرجوع إلى أقوال هذين العلمين في المسألة الأساسية وهي علاقة الكسوف بالذنوب، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 4/ 424 بعد ذكر حديث الكسوف والخسوف: " وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنهما سبب لنزول عذاب بالناس فإنّ الله إنما يخوف عباده بما يخافونه إذا عصوه وعصوا رسله، وإنما يخاف الناس مما يضرهم، فلولا إمكان حصول الضرر بالناس عند الخسوف ما كان ذلك تخويفا، قال تعالى : { وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }". هذا ما فهمه شيخ الإسلام من النصوص.
وقال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعليقاً على بعض الظواهر الكونية التي حصلت سنة 1402هـ: " وكون بعض الحقائق قد تبين أن شيئا من الكسوف أو الخسوف وما أشبههما يعرف بالحساب أو ببعض الأمارات قد يحصل , فهذا لا ينافي قدرة الله سبحانه وتعالى وتخويف عباده فهو يوقعها متى شاء , قال الله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } { لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } وحينما كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى بأصحابه صلاة الكسوف , خطب فيهم خطبة بليغة أخبرهم فيها أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن الله يرسلهما يخوف بهما عباده , وأمرهم بالصلاة والصدقة والتكبير والذكر والاستغفار والعتق , وقال في خطبته : « يا أمة محمد والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته ويا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا » الحديث , وإن واقع أكثر المسلمين اليوم يدل على استخفافهم بحق الله وما يجب من طاعته وتقواه والمتأمل يسمع ويرى كثيرا من العقوبات للأمم والشعوب , تارة بالفيضانات وتارة بالأعاصير وتارة بالهزات الأرضية وتارة بالمجاعات وتارة بالحروب الطاحنة التي تأكل الرطب واليابس , كما بين سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بعض أنواع العقوبات التي أنزلها بالعاصين والمنحرفين عن الصراط المستقيم من الأمم السابقة المكذبين لرسلهم ليتعظ الناس ويحذروا أعمالهم وأمر النبي صلى الله عليه و سلم بما يزيل الخوف : أمر بالصلاة والدعاء والاستغفار والصدقة والعتق حتى يكشف ما بالناس وصلى بالمسلمين في الكسوف صلاة طويلة" مجموع الفتاوى 9/ 158 وواضح من كلام الشيخ ربط هذه الظواهر بالذنوب والمعاصي والاستخفاف بحق الله.
ومن المغالطات ما ذكره بعد عرض جدول الخسوفات والكسوفات التي وقعت، من أن عدد الكسوفات في القرن الماضي أقل منها في هذا القرن وقوله تعليقاً: " مع أن المعاصي والفتن في أول القرن الماضي أقل منها في آخر القرن " وهو تعليق في غاية الجرأة والغرابة والجهل، فمن الذي يستطيع الإحاطة بكل ما يحدث في هذا الكون من المعاصي والفتن ومقدارها في كل قرن سوى الله عز وجل، ثم لو فرضنا ـ جدلاً أن ذلك صحيح ـ فقد ذكرت آنفاً أنّ آيات التخويف ليست مقتصرة على الخسوف والكسوف، فآيات التخويف كثيرة، والله عز وجل يختار منها ما شاء سبحانه حسب ما تقتضي حكمته.
أما التناقضات، فقد ذكر الدكتور ـ غفر الله لنا وله ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يربط الكسوف بذنوب ومعاصي الناس!! ثم قال : " بقدر أن الظاهرة آية عظيمة مخيفة وتذكير من الخالق لخلقه أن يفزعوا إليه بالصلاة والصدقة والاستغفار والتكبير وعمل الصالحات وترك المنكرات". فإذا لم يكن لهذه الظاهرة ارتباط بالذنوب، فلماذا يؤمر الناس بالفزع إلى الله والصلاة والصدقة والاستغفار وعمل الصالحات وترك المنكرات.. أليس هذا من التناقض الواضح؟!.
ومن التناقضات أنّه نقل عن ابن العربي رحمه الله قوله في الآيات أنّ " منها مستمرة عادة؛ فيشق أن تحدث بها عبادة، ومنها ما يأتي نادراً فشرع للنفس البطَّالة الآمنة التعبد عند جريان ما يخالف الاعتياد تذكيراً لها وصقلاً لصدئها ". فأقول: وهل صدأ القلوب إلا بسبب المعاصي والذنوب، فهذا ربط واضح من ابن العربي رحمه الله لهذه الظاهرة بالذنوب، وأن هذه الآيات تذكير لها وصقلاً لصدئها المتراكم.
ومن التناقضات قوله : " نستنتج أنه ليس هناك دليل حسي ولا علمي يدعم تلك العلاقة، وأن هذه الحوادث الكونية قدرها الخالق المالك المدبر بهذا التوازن وبهذا القدر وبهذا النظام لعلة بينها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (( يخوف الله بهما عباده )) سواء كثرت الذنوب أم قلت "، وهذه جرأة أخرى على النصّ، إذ إن التخويف لا يكون إلا لتقصير، فلو أنّ أستاذاً جاء إلى طالب مجدّ مجتهد يرجو نيل أعلى الدرجات فخوّفه وأنذره بالرسوب، لكان أستاذاً فاشلاً محطماً للطموح، وذلك أن التخويف إنما يكون للطالب المقصر العاصي لأستاذه لعله أن يحسّن من مستواه، أما الطالب المجدّ فلا يحتاج إلى تخويف، بل إلى دعم وتشجيع .
ومن تناقضاته قوله: " والتخويف يكون لعباده الصالحين ولعباده العاصين ولعباده الكافرين أيضاً ". مع قوله في موضع آخر: " أننا لو افترضنا جدلاً وجود عباد أتقياء أنقياء أصفياء لا يعصون الله ما أمرهم فإن حوادث الكسوف والخسوف تعدم بناءً على المعادلة السابقة ". يقصد: ارتباط الكسوف بالمعاصي. فهو قد قرر في قوله الأوّل أن التخويف لا يكون للعاصين فقط بل حتى للصالحين الأتقياء الأنقياء، ثم هو في قوله الثاني ـ مع استحالته ـ يقرر أنه لو كان ما افترضه موجوداً من وجود عباد صالحين أتقياء، فلا حاجة إلى وقوع الكسوف، فإذا كان الكسوف لا ارتباط له بالصلاح والفساد حسب قوله الأول، فإنه يكون قد أبطل تقريره الثاني بنفسه، وهذه هي قمة التناقض.
ومن تناقضاته قوله: " البر والفاجر المسلم والكافر محتاج إلى مشاهد كونية كالكسوف كيما تحمله على التوبة والأوبة ".. وأقول: وهل التوبة والأوبة تكون إلا من ذنوب ومعاص؟ فعاد الأمر إلى ما أراد نفيه.
أما استشهاده بقول ابن القيم رحمه الله: " وأمر النبي صلى الله عليه وسلم عنده بما أمر به من العتاقة والصلاة والدعاء والصدقة كأمره بالصلوات عند الفجر والغروب والزوال " أ.هـ فإنه نقل قولاً مجملاً لا علاقة له وثيقة بالموضوع، وترك ما هو أهم في نفس السياق، وأنا أسوق ما قاله ابن القيّم بتمامه ليتبين ما قام به دكتورنا الفاضل من التلبيس وبتر الكلام فإنه قال قبل ذلك ( أي ابن القيم ): " وأما انه يقتضي من التأثيرات في الخير والشر والسعد والنحس والإماتة والإحياء وكذا وكذا مما يحكم به المنجمون، فقول على الله وعلى خلقه بما لا يعلمون.. نعم لا ننكر أن الله سبحانه يحدث عند الكسوفين من أقضيته وأقداره ما يكون بلاء لقوم ومصيبة لهم، ويجعل الكسوف سببا لذلك، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عند الكسوف بالفزع إلى ذكر الله والصلاة والعتاقة والصدقة والصيام لأن هذه الأشياء تدفع موجب الكسف الذي جعله الله سببا لما جعله فلولا انعقاد سبب التخويف لما أمر بدفع موجبه بهذه العبادات ولله تعالى في أيام دهره أوقات يحدث فيها ما يشاء من البلاء والنعماء ويقضي من الأسباب بما يدفع موجب تلك الأسباب لمن قام به أو يقلله أو يخففه فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببا له أو بعضه ولهذا قل ما يسلم أطراف الأرض ـ حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل ـ فيها من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل أو يقل فيها جدا ولما كسفت الشمس على عهد النبي صلى الله عليه و سلم قام فزعا مسرعا يجز رداءه ونادى في الناس الصلاة جامعة وخطبهم بتلك الخطبة البليغة وأخبر أنه لم ير كيومه ذلك في الخير والشر وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة بالعتاقة والصدقة والصلاة والتوبة فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله وبأمره وشأنه وتعريفه أمور مخلوقاته وتدبيره وأنصحهم للأمة ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم في معاشهم ومعادهم ونهاهم عما فيه هلاكهم في معاشهم ومعادهم ".
ولم يكتف ابن القيم بذلك بل قال معقباً على ما ذكر وكأنه يعيش في واقعنا اليوم ( وأعتذر عن طول النقل لأهميته ): " ولقد خفي ما جاءت به الرسل على طائفتين هلك بسببهما من شاء الله ونجا من شَرَكهما من سبقت له العناية من الله. إحدى الطائفتين وقفت مع ما شاهدته وعلمته من أمور هذه الأسباب والمسببات وإحالة الأمر عليها وظنت أنه ليس لها شيء فكفرت بما جاءت به الرسل وجحدت المبدأ والمعاد والتوحيد والنبوات وغيرها ما انتهى إليه علومها ووقفت عنده أقدامها من العلم بظاهر من المخلوقات وأحوالها وجاء ناس جهّال رأوهم قد أصابوا في بعضها أو كثير منها فقالوا: كل ما قاله هؤلاء فهو صواب لما ظهر لنا من صوابهم. وانضاف إلى ذلك أن أولئك لما وقفوا على الصواب فيما أدتهم إليه أفكارهم من الرياضيات وبعض الطبيعيات وثقوا بعقولهم وفرحوا بما عندهم من العلم وظنوا أن سائر ما خدمته أفكارهم من العلم بالله وشأنه وعظمته هو كما أوقعهم عليه فكرهم وحكمه حكم ما شهد به الحس من الطبيعيات والرياضيات فتفاقم الشر وعظمت المصيبة وجحد الله وصفاته وخلقه للعالم وإعادته له وجحد كلامه ورسله ودينه ورأى كثير من هؤلاء أنهم هم خواص النوع الإنساني وأهل الألباب وأن ما عداهم هم القشور وأن الرسل إنما قاموا بسياستهم لئلا يكونوا كالبهائم فهم بمنزلة قم المارستان وأما أهل العقول والرياضيات والأفكار فلا يحتاجون إلى الرسل بل هم يعلّمون الرسل ما يصنعونه للدعوة الإنسانية كما تجد في كتبهم وينبغي للرسول أن يفعل كذا وكذا والمقصود أن هؤلاء لما أوقفتهم أفكارهم على العلم بما خفي على كثير من أسرار المخلوقات وطبائعها وأسبابها ذهبوا بأفكارهم وعقولهم وتجاوزوا ما جاءت به الرسل وظنوا أن إصابتهم في الجميع سواء وصار المقلد لهم في كفرهم إذا خطر له إشكال على مذهبهم أو دهمه ما لا حيلة له في دفعه من تناقضهم وفساد أصولهم يحسن الظن بهم ويقول لا شك أن علومهم مشتملة على حكمة، والجواب عنه إنما يعسر علي إدراكه لأن من لم يحصل الرياضيات ولم يحكم المنطقيات وتمده علوم قد صقلتها أذهان الأولين وأحكمتها أفكار المتقدمين فالفاضل كل الفاضل من يفهم كلامهم.
وأما الاعتراض عليهم وإبطال فاسد أصولهم فعندهم من المحال الذي لا يصدق به وهذا من خداع الشيطان وتلبيسه بغروره لهؤلاء الجهّال مقلدي أهل الضلال كما لبس على أئمتهم وسلفهم بأن أوهمهم أن كل ما نالوه بأفكارهم فهو صواب كما ظهرت إصابتهم في الرياضيات وبعض الطبيعيات فركب من ضلال هؤلاء وجهل أتباعهم ما اشتدت به البلية وعظمت لأجله الرزية وضرب لأجله العالم وجحد ما جاءت به الرسل وكفر بالله وصفاته وأفعاله ".
ثم يشير رحمه الله إلى قضية التخصص، وهي حاضرة بقوة في هذه القضية فيقول: " ولم يعلم هؤلاء أن الرجل يكون إماما في الحساب وهو أجهل خلق الله بالطب والهيئة والمنطق، ويكون رأساً في الطب ويكون من أجهل الخلق بالحساب والهيئة، ويكون مقدماً في الهندسة وليس له علم بشيء من قضايا الطب. وهذه علوم متقاربة والبعد بينها وبين علوم الرسل التي جاءت بها عن الله أعظم من البعد بين بعضها وبعض، فإذا كان الرجل إماماً في هذه العلوم ولم يعلم بأي شيء جاءت به الرسل ولا تحلى بعلوم الإسلام فهو كالعامي بالنسبة إلى علومهم بل أبعد منه، وهل يلزم من معرفة الرجل هيئة الأفلاك والطب والهندسة والحساب أن يكون عارفا بالإلهيات وأحوال النفوس البشرية وصفاتها ومعادها وسعادتها وشقاوتها، وهل هذا إلا بمنزلة من يظن أن الرجل إذا كان عالما بأحوال الأبنية وأوضاعها ووزن الأنهار والقنى والقنطرة كان عالما بالله وأسمائه وصفاته وما ينبغي له وما يستحيل عليه! فعلوم هؤلاء بمنزلة هذه العلوم التي هي نتائج الأفكار والتجارب فما لها ولعلوم الأنبياء التي يتلقونها عن الله بوسائط الملائكة هذا وإن تعلق الرياضيات التي هي نظر في نوعى الكم المتصل والمنفصل والمنطقيات التي هي نظر في المعقولات الثانية ونسبة بعضها إلى بعض بالكلية والجزئية والسلب والإيجاب وغير ذلك بمعرفة رب العالمين وأسمائه وصفاته وأفعاله وأمره ونهيه وما جاءت به رسله وثوابه وعقابه، ومن الخدع الإبليسية قول الجهّال أن فهم هذه الأمور موقوف على فهم هذه القضايا العقلية وهذا هو عين الجهل والحمق وهو بمنزلة قول القائل لا يعرف حدوث الرمانة من لم يعرف عدد حباتها وكيفية تركيبها وطبعها ولا يعرف حدوث العين من لم يعرف عدد طبقاتها وتشريحها وما فيها من التركيب ولا يعرف حدوث هذا البيت من لم يعرف عدد لبناته وأخشابه وطبائعها ومقاديرها وغير ذلك من الكلام الذي يضحك منه كل عاقل وينادي على جهل قائله وحمقه بل العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله ودينه لا يحتاج إلى شيء من ذلك ولا يتوقف عليه وآيات الله التي دعا عباده إلى النظر فيها دالة عليه بأول النظر دلالة يشترك فيها كل سليم العقل والحاسة وأما أدلة هؤلاء فخيالات وهمية وشبه عسرة المدرك بعيدة التحصيل متناقضة الأصول غير مؤدية إلى معرفة الله ورسله والتصديق بها مستلزمة للكفر بالله وجحد ما جاءت به رسله وهذا لا يصدق به إلا من عرف ما عند هؤلاء وعرف ما جاءت به الرسل ووازن بين الأمرين فحينئذ يظهر له التفاوت وأما من قلدهم وأحسن ظنه بهم ولم يعرف حقيقة ما جاءت به الرسل فليس هذا عشه بل هو في أودية هائم حيران ينقاد لكل حيران 0
يغدو من العلم في ثوبين من طمع ... معلمين بحرمان وخذلان
والطائفة الثانية رأت مقابلة هؤلاء برد كل ما قالوه من حق وباطل وظنوا أنّ من ضرورة تصديق الرسل رد ما علمه هؤلاء بالعقل الضروري وعلموا مقدماته بالحس فنازعوهم فيه وتعرضوا لإبطاله بمقدمات جدلية لا تغنى من الحق شيئا وليتهم مع هذه الجناية العظيمة لم يضيفوا ذلك إلى الرسل بل زعموا إن الرسل جاؤوا بما يقولونه فساء ظن أولئك الملاحدة بالرسل وظنوا أنهم هم أعلم وأعرف منهم ومن حسن ظنه بالرسل قال أنهم لم يخف عليهم ما نقوله ولكن خاطبوهم بما تحتمله عقولهم من الخطاب الجمهوري النافع للجمهور وأما الحقائق فكتموها عنهم والذي سلطهم على ذلك جحد هؤلاء لحقهم ومكابرتهم إياهم على ما لا يمكن المكابرة عليه مما هو معلوم لهم بالضرورة كمكابرتهم إياهم في كون الأفلاك كروية الشكل والأرض كذلك وأن نور القمر مستفاد من نور الشمس وأن الكسوف القمري عبارة عن انمحاء ضوء القمر بتوسط الأرض بينه وبين الشمس من حيث انه يقتبس نوره منها والأرض كرة والسماء محيطة بها من الجوانب فإذا وقع القمر في ظل الأرض انقطع عنه نور الشمس كما قدمناه وكقولهم أن الكسوف الشمسي معناه وقوع جرم القمر بين الناظر وبين الشمس عند اجتماعهما في العقدتين على دقيقة واحدة وكقولهم بتأثير الأسباب المحسوسة في مسبباتها وإثبات القوى والطبائع والأفعال وانفعالات مما تقوم عليه الأدلة العقلية والبراهين اليقينية فيخوض هؤلاء معهم في إبطاله فيغريهم ذلك بكفرهم وإلحادهم والوصية لأصحابهم بالتمسك بما هم عليه فإذا قال لهم هؤلاء هذا الذي تذكرونه على خلاف الشرع والمصير إليه كفر وتكذيب الرسل لم يستريبوا في ذلك ولم يلحقهم فيه شك ولكنهم يستريبون بالشرع وتنقص مرتبة الرسل من قلوبهم وضرر الدين وما جاءت به الرسل بهؤلاء من أعظم الضرر وهو كضرره بأولئك الملاحدة فهما ضرران على الدين ضرر من يطعن فيه وضرر من ينصره بغير طريقه وقد قيل إن العدو العاقل أقل ضررا من الصديق الجاهل فإن الصديق الجاهل يضرك من حيث يقدر أنه بنفعك والشأن كل الشأن أن تجعل العاقل صديقك ولا تجعله عدوك وتغريه بمحاربة الدين وأهله.. " إلى آخر ما ذكر رحمه الله .. من كتاب مفتاح دار السعادة: 2/ 210.
وهو كلام قيم يكاد ينطبق على وقعنا اليوم، وما جرى فيه من تسلّط على علماء الشريعة، وجرأة من أصحاب التخصصات الأخرى على علم الشريعة.
وقد قال ابن القيّم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في بكائه صلى الله عليه وسلم: " وبكى لَمّا كَسَفَتْ الشمسُ وصلّى صَلاةَ الْكُسُوفِ وجعل يَبْكِي فِي صلاته وجعلَ يَنْفُخُ ويقولُ: رَبّ أَلَمْ تَعِدْنِي أَلا تُعَذّبَهُمْ وَأَنَا فِيهِمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُك ". فهذا الحديث الذي استشهد به الإمام ابن القيّم من أوضح الأحاديث في ارتباط الكسوف بالذنوب، لمن تأمله حق التأمل.
وفي الجملة فإنّ التخويف لا يكون إلا لتقصير وعصيان ـ وكلنا كذلك ـ وإن القول بغير ذلك مخالف للنصوص الشرعية كما سبق، وهو يفتح أبواباً من الشرّ كثيرة من الإرجاء والتفريط، والأمن من مكر الله والاستهانة بشعائر الله وآياته وحدوده، ولا يخفى ما في ذلك من الخطر العظيم ، وحصول ما يُخشى من العقوبات العامة، والله المستعان.

د . محمد بن عبدالعزيز المسند
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود
وعضو الجمعية العلمية السعودية للقرآن وعلومه

جرير الشاعر
02/02/2010, 02:48 PM
أخي أحيا بديني

بارك الله في علمك ونقلك

ااب
02/02/2010, 07:11 PM
السلام عليكم
سبق في المشاركة رقم 24 من موضوع الدكتور المسند عن علاقة الذنوب والمعاصي بالكسوف إيراد رد الشيخ المسند أعلاه، لذلك أرى دمج الموضوعين لإزالة التكرار.

رعود المنشى
03/02/2010, 07:04 PM
شكرا لك أخي الكريم على هذا النقل

وللمعلومية فقد سبق طرح هذا النقل وغيره من الردود في موضوع د المسند على الرابط التالي

*****(حقيقة علاقة الكسوف والخسوف بالمعاصي والذنوب)***** (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=260418)


وياليت تكون المتابعة هناك توحيدا للجهود

a1Ruwais
03/02/2010, 10:04 PM
يعطيك الف عافية على الموضوع

northstar46
03/02/2010, 11:01 PM
جزاك الله الف خير يا دكتور عبدالله وبارك في جهدك وعلمك ونفع بك وهدى من تسرع ولم يستوعب

ثعل البرد
04/02/2010, 07:50 AM
وللمعلومية فقد سبق طرح هذا النقل وغيره من الردود في موضوع د المسند على الرابط التالي


*****(حقيقة علاقة الكسوف والخسوف بالمعاصي والذنوب)***** (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=260418)




وياليت تكون المتابعة هناك توحيدا للجهود





بارك الله بك أخي رعود المنشى

تم دمج الموضوع في الموضوع الأقدم