عازف وتر
23/04/2010, 08:23 PM
هو : بشر الأسيدي من بنى عبد العزى .. شاعر إسلامي .
أما هي : هند ،فتاة من قومه وإحدى فواضل نساء عصرها حسناً وجمالاً وأما حالتهاالإجتماعيةفمتزوجة من رجل يقال له سعد بن سعيد ، وأما حالتها العاطفيةفعاشقة حتى الثمالةلبشر .
بداية القصة :
نظرت إليه مرةيوم كان يجتاز بمنزلها قاصداً رسول الله ، فلم تعد تملك إلاّأن تنظر إليهدوماً، حتى أدمنت المكوث كل غداة على دربه تنتظر إجتيازه.
فإذا ما مر إضطرب كلشيء فيها إلا النظرة الثابتة إلى وجهه إلى أن تطويهالمسافة بعيداً عنها، دونأن يكلف نفسه عناء رمي نظرة أو إلقاء تحية أوالقيام بأي حركة تحسسها بشغل حيزفي حياته.. فتناجي نفسها وتقول :
أهواكَ يا بشرُ دون الناس كلهم
.................................... وغيركَ يهوانيفيمنَعُهُ صدّيتمرُّ ببابي لست تعرفُ ما الذي
.................................... أكابدُ من شوقي إليكَومن بُعديفياليتني أرضٌ وأنتَ أمامها
.................................... تدوسُ بنعليك الكرامِعلى خدّيويا ليتني نعلاً أقيكَ من الحَفَا
.................................... ويا ليتني ثوباًأقيكَ من البَرْدِتباتُ خليَّ البالِ من ألمِ الجَوَى
.................................... وقلبي كواهُ الحبُّمن شدّةِ الوجدِوإنك إن قصَّرت عني ولم تزر
.................................... فلابُدَّ بعدَ الصدِّأدفن في لحديولما تجاوز الحب حدّه، دمّر حدوده وتحول إلى شعريدوَّن ورسالة توجه إليهفكتبت ما يعتمر في داخلها، ثم أخذت الجارية الكتابوسارت به إلى بشر ولماوصلت إليه سلمت عليه فرد عليها السلام وسألها عن حاجتها.
فقالت الجارية: "إني جارية السيدة هند وقد أرسلتني إليك بكتاب هذا هو فأخذهوقرأه وفهم معناه ثم إلتفت نحو الجارية وسألها : "هل سيدتك عذراء أم ذاتبعل" .
فقالت الجارية : "بل متزوجة وزوجها موجود في المدينة" .
فرد بشرالقول بالقول وواجه حبّها بالواجب المفروض عليها تجاه زوجها ودعاهاإلىالإعتصام بكلام الله وقال :
عليكِ بتقوى الله والصَّبر إنّه
.................................... نهى عنفجور بالنساءِ مُوَحّدُوصبراً لأمرِ الله لا تقربي الذي
.................................... نهَى الهُ عنهوالنبيّ محمدُفلا تطمعي في أن أزوركِ طائعاً
.................................... وأنت لغيري بالخناءِمعوّدُوأخذت الجارية الكتاب وسلمته إلى سيدتها التي عزّت عليهانفسها كثيراً فبكتبكاء مراً وكتبت إليه تقول :
أما تخش يا بشر الإله فإنني لفي
.................................... حسرةٍ من لوعتيوتسهديفإن زرتني يا بشر أحييتَ مهجتي
.................................... وربي غفورٌ بالعطاباسطُ اليدِومرة أخرى عادت إليه الجارية برقعة من سيدتها وصعبعلى بشر ما هي فيه فكتبلها هذه الأبيات :
أيا هند هذا لا يليقُبمسلمٍ
.................................... ومسلمةٌ في عصَمة الزوج فابعديأما تعلمي أن السَفاح محرّمٌ
.................................... فحولي عن الفحشاءِوالعيبِ وارتديبهذا نهى دين النبيِّ محمدٍ
....................................فتوبي إلى مولاكِ ياهندُ ترشديلكن الكلمات كلها لم تكن لتكفيها في وصف ما تكابدهمن حبه ، وكل العاداتوالقوانين ما كانت لتثنيها. ولكنه لم ييأس بل دأب علىمراسلتها ليهديهافكتب :
إن الذي منع الزيارة فاعلمي
.................................... خوف الفساد عليك أنلا تعتديوأخافُ أن يهواكِ قلبي في الهوى
.................................... فأكون قد خالفتُ دينَمحمدِفلما وصلها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت فكتبت إليهتقول :
أيا بشر ما أقسى فؤادَك في الهوى
.................................... ما هكذا الحبُ فيمذهبِ الإسلامِإني بُليت وقد تجافاني الصفا
.................................... فارحم خضوعي ثم زدبسلامِضاقت قراطيسُ التراسل بيننا
.................................... جفّ المدادُ وحفيتالأقلامُفلما وقف بشر على هذه الأبيات أجابها بقوله :
لا والذي رفعَ السماءَ بأمره
....................................ودحى بساط الأرضباستحكامِوهو الذي بعثَ النبي محمداً
....................................بشريعة الإيمانوالإسلامِلم أعصِ ربي في هواك وإنني
....................................لمطهر من سائر الآثامِوحلف أن لا يمر بباب هند ولا يقرأ لها كتاباً، فلما إمتنع كتبتله :
سألت ربي فقد أصبحتَ لي شجناً
.................................... أن تُبتلى بهوى من لايُباليكاحتى تذوقَ الذي ذقتُ من نَصَبٍ
.................................... وتطلب الوصل ممن لايواتيكاوتشتكي محنة في الحب نازلة
.................................... وتطلب الماء ممن ليسيسقيكَبلاك ربي بأمراض مسلسلةٍ
.................................... وبامتناع طبيب لايداويكَولا سروراً ولا يوماً ترى فرحاً
.................................... وكل ضرٍ من الرحمنيبليكَفلما لج بشر وترك الممر ببابها أرسلت إليه بوصيفة لهافأنشدته هذه الأبياتفقال للوصيفة :
ـ "لأمر ما لا أمر". فلما جاءتالوصيفة أخبرتها بقول بشر فكتبت وهي تقول :
كفّر يمينك أن الذنبَمغفورُ
.................................... وأعلم بأنك أن كفّرت مأجورُلا تطردنّ رسولي وارثينّ له
.................................... إن الرسولَ قليلُالذنبِ مأمورُواعلم بأني أبيتُ الليلَ ساهرةً
.................................... ودمع عيني على خديَّمحدورُأدعوه باسمِكَ في كربٍ وفي تعبٍ
.................................... وانت لاهٍ قريرُالعين مسرورُوأما هندٌ فقد أصبحت بعدها موجة بشر بحرها وزهرةبشر عطرها، تقطف من محياهكلما مرّ بعضاً من الحياة فكيف تعيش إن حجب عنها ؟؟وأما بشر فقد خاف على نفسه من الفضيحة فارتحل إلى بطحاء تراب ليلاً. ووقفتجارية هند على أمره فأعلمت سيدتها، فاشتد عليها ذلك ومرضت مرضاً شديداًفبعث زوجها إلى الأطباء.
فقالت له :
"لا تبعث إليّ طبيباً فإني عرفتدائي، قهرني جني في مغتسلي فقال لي: تحوليعن هذه الدار فليس لك في جوارناخير".
فأجابها الزوج : ما أهون هذا.
فقالت : إني رأيت في منامي أنأسكن بطحاء تراب .
فقال : "اسكني بنا حيث شئت" .
فاتخذت هناك داراًعلى طريق بشر وجعلت تمضي الأيام في النظر إليه كل غداةإذا غدا إلى رسول اللهصلى الله واله وسلم حتى برئت من مرضها وعادت إلى حسنها ،فقال لهازوجها : "إني لأرجو أن يكون لك عند الله خير لما رأيت في منامك أن أسكنيبطحاءتراب فاكثري من الدعاء" .
وكانت مع هند في الدار عجوز فأفشت إليهاأمرها وشكت إليها ما أبتليت بهوأخبرتها أنها خائفة أن يعلم بشر بمكانها فيتركالممر ويأخذ طريقاً آخرفقالت لها العجوز : لا تخافي فإني أعلم لك أمرالفتى كله وإن شئت أقعدتك معهولا يشعر بمكانك .
فقالت هند : ليت ذاك قد كان .
ولما همّت العجوز بالإنصرافقالت لها هند :
ساعديني واكشفي عني الكروب
.................................... ثم نوحي عند نوحيياجنوبْواندبي حظي ونوحي علناً
.................................... إن حاليَ بَعْده شيءٌغريبْما رأت مثلي زليخا يوسفٍ
.................................... لا ولا يعقوب بالحزنِالعجيبْفقعدت العجوز على باب الدار حتى أقبل بشر فسألته أنيكتب لها رسالة إلىإبنها فيالعراقفقعد وراحت تملي عليه وهند تسمع كلامهما . فلما فرغقالت العجوز لبشر : يا فتى، إني أراك مسحوراًفقال لها : ما أعلمك بذلك؟فأجابته : ما قلت لك إلا وأنا متيقنة فانصرف عني اليوم حتى أنظرفي أمرك .
ثم دخلت إلى هند وبشّرتهاقائلة : إني أراه فتى حدثاً ولاعهد له بالنساءومتى ما أتى وزيّنتك وطيّبتك وأدخلتك عليه غلبت شهوته وهواهدينه .
وفي مرة كانت قدإاتفقت فيها مع هند، دعته لتنظر له نجمه فأدخلتهإليهاوأغلقت الباب عليهما فلم يشعر إلاّ والباب أقفل ووقفت أمامه حسناءكأنهاالبدر وقد إرتمت عليه وأخذته إليها وهي تقول :
يا بشر واصلني وكنْ بي لطيفاً
.................................... إني رأيتك بالكمالِظريفاوانظر إلى جسمي وما قد حلّ بي
.................................... فتراه صار من الغرامنحيفافلما رأها راعه جمالها وعلم ببراعته أنها هند التي هجرمقره من أجلهافتباعد عنها متعطفاً وأنشد متلطفاً :
ليس المليحُ بكاملٍ في حسنهِ
.................................... حتى يكونُ عن الحرامِعفيفَافإذا تجنب عن معاصي ربه
.................................... فهنالك يدعى عاشقاوظريفافجاء زوج هند في غير عادته في كل يوم فوجد مع إمرأتهرجلاً في البيت فطلقهاولبب الفتى ( أي طوقه ) وجره وذهب به إلى رسول الله صلىالله عليه واله وسلم .
فبكى بشر أمام الرسول وحلف بأنه ما كذبه منذ صدقه وماكفر بالله منذ آمن بهوقص على النبي صلى الله عليه واله وسلم واله قصته. فبعثالنبي إلى العجوز وهند فأقرتا بين يديه .
فقال :
"الحمد لله الذيجعل من أمتي نظير يوسف الصديق". فأدب العجوز وأعاد هند إلىمنزلها. بعد هذهالحادثة هاج بشر بحب هند وإنتظر إنتهاء عدتها ليخطبها، لكن هندرفضت أن تتزوجهبعد أن فضحها عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فجاءها رسول من أهله يعلمهابأنه طريح الفراش وقد يموت إن هي لم ترض به فقالت: أماته الله فطالماأمرضني فكتب إليها يقول :
أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيّعا
.................................... وأبقيتمالي في هواك مضيّعافلا تبخلي يا هندُ بالوصل وارحمي
.................................... أسير هوى بالحبِ صارَمَضْيّعَافلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول :
أتطلب يا غدَّار وصلي بعدما
.................................... أسأت ووصلي منك أضحىمضيّعَاولما رجوتُ الوصلَ منك قطعته
.................................... وأسقيتني كأساً منالحزن مُتْرَعاواخجلتني عند النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم
.................................... فكادت عيوني أن تسيلوتطلعاوزادت هذه الأبيات من لوعته وأضرمت نيران الحب في قلبهفكتب إليها :
سلام الله من بعد البعاد
.................................... على الشمس المنيرةِفي البلادِسلام الله يا هندُ عليك
.................................... ورحمته إلى ييومِالتناديوحقِّ الله لا ينساك قلبي
.................................... إلى يوم القيامةِ يامراديفرقّي وارحمي مضنى كَئيباً
.................................... فبشر صار ملقى فيالوسادِفداوي سقمه بالقرب يوماً
.................................... فقلبي ذابَ من ألمالبعادِلكن جرحها كان أكبر من أن تبلسمه الكلمات وفضيحتها كانتأوسع من أن تحصرهاالزفرات فردت عليه تقول :
سلامُ الله من شمسِ البلادِ
.................................... على الصبَّالموسد في المهادِفإن ترجُ الوصال وتشتهيه
.................................... فأنت من الوصالِ علىبعادِفلست بنائلٍ منّي وصالاً
.................................... ولا يدنو بياضك منسواديولا تبلغ مرادك من وصالي
.................................... إلى يوم القيامةِوالتناديفلما وصل إليه الكتاب إمتنع عن الطعام والشراب حتىإشتدت علّته وكانت لهأخت تواسيه فطلب منها أن تأتيه بهند. فلما علمت هند بأنهعلى آخر رمق منالحياة سارت معها إليه فوجدته يقول :
إلهي إني قد بُليت من الهوى
.................................... وأصبحتُ ياذا العرشفي أشغل الشغلِأكابد نفساً قد تولّى بها الهوى
.................................... وقد ملّ إخواني وقدملّني أهليوقد أيقنتْ نفسي بأني هالكٌ
.................................... بهندٍ وأني قد وهبتُلها قتليوأني وإن كانت إلي مُسيئة
.................................... يشقُّ عليَّ أن تعذّبمن أجليفبكت هند وبكى معها كل من كان حاضراً وأنشدت :
أيا بشر حالك قد فنى جسدي
.................................... وألهب النار في جسميوفي كبديوفاض دمعي على الخدين منسكباً
.................................... وخانني الدهر فيكموانقضى رشديما كان قصدي بهذا الحال أنظركم
.................................... لا والذي خلقَالإنسانَ من كمدِفما سمع كلامها أوما إليها وأنشد :
أيا هند إذا مرّت عليك جنازتي
.................................... فنوحي بحزنٍ ثم فيالنوح رنّميوقولي إذا مرّت عليك جنازتي
.................................... .وشيري بعينيك عليَّوسلّميوقولي رعاكَ اللهُ يا ميَّّتَ الهوى
.................................... وأسكنكَ الفردوسَ إنكنتَ مسلمثم شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما رأته إرتمت عليهوأنشدت :
أيا عينُ نوحي على بشر بتغرير
.................................... ألا ترويه من دمعيبتقديرِيا عينُ أبكي من بعد الدموعِ دماً
.................................... لأنه كان في الطاعاتمحبورِلفقدِ بشرٍ بكيتُ اليومَ من كمدٍ
.................................... لا خير في عيشةٍ تأتيبتكديرِألقاك ربك في الجناتِ في غُرَفٍ
.................................... تلقى النعيم بهابالخير موفورِثم ألقت بنفسها عليه وحركوها فإذا هي ميتةفغسلوهما ودفنوهما معاً
تحياتي للجميع
أما هي : هند ،فتاة من قومه وإحدى فواضل نساء عصرها حسناً وجمالاً وأما حالتهاالإجتماعيةفمتزوجة من رجل يقال له سعد بن سعيد ، وأما حالتها العاطفيةفعاشقة حتى الثمالةلبشر .
بداية القصة :
نظرت إليه مرةيوم كان يجتاز بمنزلها قاصداً رسول الله ، فلم تعد تملك إلاّأن تنظر إليهدوماً، حتى أدمنت المكوث كل غداة على دربه تنتظر إجتيازه.
فإذا ما مر إضطرب كلشيء فيها إلا النظرة الثابتة إلى وجهه إلى أن تطويهالمسافة بعيداً عنها، دونأن يكلف نفسه عناء رمي نظرة أو إلقاء تحية أوالقيام بأي حركة تحسسها بشغل حيزفي حياته.. فتناجي نفسها وتقول :
أهواكَ يا بشرُ دون الناس كلهم
.................................... وغيركَ يهوانيفيمنَعُهُ صدّيتمرُّ ببابي لست تعرفُ ما الذي
.................................... أكابدُ من شوقي إليكَومن بُعديفياليتني أرضٌ وأنتَ أمامها
.................................... تدوسُ بنعليك الكرامِعلى خدّيويا ليتني نعلاً أقيكَ من الحَفَا
.................................... ويا ليتني ثوباًأقيكَ من البَرْدِتباتُ خليَّ البالِ من ألمِ الجَوَى
.................................... وقلبي كواهُ الحبُّمن شدّةِ الوجدِوإنك إن قصَّرت عني ولم تزر
.................................... فلابُدَّ بعدَ الصدِّأدفن في لحديولما تجاوز الحب حدّه، دمّر حدوده وتحول إلى شعريدوَّن ورسالة توجه إليهفكتبت ما يعتمر في داخلها، ثم أخذت الجارية الكتابوسارت به إلى بشر ولماوصلت إليه سلمت عليه فرد عليها السلام وسألها عن حاجتها.
فقالت الجارية: "إني جارية السيدة هند وقد أرسلتني إليك بكتاب هذا هو فأخذهوقرأه وفهم معناه ثم إلتفت نحو الجارية وسألها : "هل سيدتك عذراء أم ذاتبعل" .
فقالت الجارية : "بل متزوجة وزوجها موجود في المدينة" .
فرد بشرالقول بالقول وواجه حبّها بالواجب المفروض عليها تجاه زوجها ودعاهاإلىالإعتصام بكلام الله وقال :
عليكِ بتقوى الله والصَّبر إنّه
.................................... نهى عنفجور بالنساءِ مُوَحّدُوصبراً لأمرِ الله لا تقربي الذي
.................................... نهَى الهُ عنهوالنبيّ محمدُفلا تطمعي في أن أزوركِ طائعاً
.................................... وأنت لغيري بالخناءِمعوّدُوأخذت الجارية الكتاب وسلمته إلى سيدتها التي عزّت عليهانفسها كثيراً فبكتبكاء مراً وكتبت إليه تقول :
أما تخش يا بشر الإله فإنني لفي
.................................... حسرةٍ من لوعتيوتسهديفإن زرتني يا بشر أحييتَ مهجتي
.................................... وربي غفورٌ بالعطاباسطُ اليدِومرة أخرى عادت إليه الجارية برقعة من سيدتها وصعبعلى بشر ما هي فيه فكتبلها هذه الأبيات :
أيا هند هذا لا يليقُبمسلمٍ
.................................... ومسلمةٌ في عصَمة الزوج فابعديأما تعلمي أن السَفاح محرّمٌ
.................................... فحولي عن الفحشاءِوالعيبِ وارتديبهذا نهى دين النبيِّ محمدٍ
....................................فتوبي إلى مولاكِ ياهندُ ترشديلكن الكلمات كلها لم تكن لتكفيها في وصف ما تكابدهمن حبه ، وكل العاداتوالقوانين ما كانت لتثنيها. ولكنه لم ييأس بل دأب علىمراسلتها ليهديهافكتب :
إن الذي منع الزيارة فاعلمي
.................................... خوف الفساد عليك أنلا تعتديوأخافُ أن يهواكِ قلبي في الهوى
.................................... فأكون قد خالفتُ دينَمحمدِفلما وصلها هذا الكتاب انكمدت نفسها ومرضت فكتبت إليهتقول :
أيا بشر ما أقسى فؤادَك في الهوى
.................................... ما هكذا الحبُ فيمذهبِ الإسلامِإني بُليت وقد تجافاني الصفا
.................................... فارحم خضوعي ثم زدبسلامِضاقت قراطيسُ التراسل بيننا
.................................... جفّ المدادُ وحفيتالأقلامُفلما وقف بشر على هذه الأبيات أجابها بقوله :
لا والذي رفعَ السماءَ بأمره
....................................ودحى بساط الأرضباستحكامِوهو الذي بعثَ النبي محمداً
....................................بشريعة الإيمانوالإسلامِلم أعصِ ربي في هواك وإنني
....................................لمطهر من سائر الآثامِوحلف أن لا يمر بباب هند ولا يقرأ لها كتاباً، فلما إمتنع كتبتله :
سألت ربي فقد أصبحتَ لي شجناً
.................................... أن تُبتلى بهوى من لايُباليكاحتى تذوقَ الذي ذقتُ من نَصَبٍ
.................................... وتطلب الوصل ممن لايواتيكاوتشتكي محنة في الحب نازلة
.................................... وتطلب الماء ممن ليسيسقيكَبلاك ربي بأمراض مسلسلةٍ
.................................... وبامتناع طبيب لايداويكَولا سروراً ولا يوماً ترى فرحاً
.................................... وكل ضرٍ من الرحمنيبليكَفلما لج بشر وترك الممر ببابها أرسلت إليه بوصيفة لهافأنشدته هذه الأبياتفقال للوصيفة :
ـ "لأمر ما لا أمر". فلما جاءتالوصيفة أخبرتها بقول بشر فكتبت وهي تقول :
كفّر يمينك أن الذنبَمغفورُ
.................................... وأعلم بأنك أن كفّرت مأجورُلا تطردنّ رسولي وارثينّ له
.................................... إن الرسولَ قليلُالذنبِ مأمورُواعلم بأني أبيتُ الليلَ ساهرةً
.................................... ودمع عيني على خديَّمحدورُأدعوه باسمِكَ في كربٍ وفي تعبٍ
.................................... وانت لاهٍ قريرُالعين مسرورُوأما هندٌ فقد أصبحت بعدها موجة بشر بحرها وزهرةبشر عطرها، تقطف من محياهكلما مرّ بعضاً من الحياة فكيف تعيش إن حجب عنها ؟؟وأما بشر فقد خاف على نفسه من الفضيحة فارتحل إلى بطحاء تراب ليلاً. ووقفتجارية هند على أمره فأعلمت سيدتها، فاشتد عليها ذلك ومرضت مرضاً شديداًفبعث زوجها إلى الأطباء.
فقالت له :
"لا تبعث إليّ طبيباً فإني عرفتدائي، قهرني جني في مغتسلي فقال لي: تحوليعن هذه الدار فليس لك في جوارناخير".
فأجابها الزوج : ما أهون هذا.
فقالت : إني رأيت في منامي أنأسكن بطحاء تراب .
فقال : "اسكني بنا حيث شئت" .
فاتخذت هناك داراًعلى طريق بشر وجعلت تمضي الأيام في النظر إليه كل غداةإذا غدا إلى رسول اللهصلى الله واله وسلم حتى برئت من مرضها وعادت إلى حسنها ،فقال لهازوجها : "إني لأرجو أن يكون لك عند الله خير لما رأيت في منامك أن أسكنيبطحاءتراب فاكثري من الدعاء" .
وكانت مع هند في الدار عجوز فأفشت إليهاأمرها وشكت إليها ما أبتليت بهوأخبرتها أنها خائفة أن يعلم بشر بمكانها فيتركالممر ويأخذ طريقاً آخرفقالت لها العجوز : لا تخافي فإني أعلم لك أمرالفتى كله وإن شئت أقعدتك معهولا يشعر بمكانك .
فقالت هند : ليت ذاك قد كان .
ولما همّت العجوز بالإنصرافقالت لها هند :
ساعديني واكشفي عني الكروب
.................................... ثم نوحي عند نوحيياجنوبْواندبي حظي ونوحي علناً
.................................... إن حاليَ بَعْده شيءٌغريبْما رأت مثلي زليخا يوسفٍ
.................................... لا ولا يعقوب بالحزنِالعجيبْفقعدت العجوز على باب الدار حتى أقبل بشر فسألته أنيكتب لها رسالة إلىإبنها فيالعراقفقعد وراحت تملي عليه وهند تسمع كلامهما . فلما فرغقالت العجوز لبشر : يا فتى، إني أراك مسحوراًفقال لها : ما أعلمك بذلك؟فأجابته : ما قلت لك إلا وأنا متيقنة فانصرف عني اليوم حتى أنظرفي أمرك .
ثم دخلت إلى هند وبشّرتهاقائلة : إني أراه فتى حدثاً ولاعهد له بالنساءومتى ما أتى وزيّنتك وطيّبتك وأدخلتك عليه غلبت شهوته وهواهدينه .
وفي مرة كانت قدإاتفقت فيها مع هند، دعته لتنظر له نجمه فأدخلتهإليهاوأغلقت الباب عليهما فلم يشعر إلاّ والباب أقفل ووقفت أمامه حسناءكأنهاالبدر وقد إرتمت عليه وأخذته إليها وهي تقول :
يا بشر واصلني وكنْ بي لطيفاً
.................................... إني رأيتك بالكمالِظريفاوانظر إلى جسمي وما قد حلّ بي
.................................... فتراه صار من الغرامنحيفافلما رأها راعه جمالها وعلم ببراعته أنها هند التي هجرمقره من أجلهافتباعد عنها متعطفاً وأنشد متلطفاً :
ليس المليحُ بكاملٍ في حسنهِ
.................................... حتى يكونُ عن الحرامِعفيفَافإذا تجنب عن معاصي ربه
.................................... فهنالك يدعى عاشقاوظريفافجاء زوج هند في غير عادته في كل يوم فوجد مع إمرأتهرجلاً في البيت فطلقهاولبب الفتى ( أي طوقه ) وجره وذهب به إلى رسول الله صلىالله عليه واله وسلم .
فبكى بشر أمام الرسول وحلف بأنه ما كذبه منذ صدقه وماكفر بالله منذ آمن بهوقص على النبي صلى الله عليه واله وسلم واله قصته. فبعثالنبي إلى العجوز وهند فأقرتا بين يديه .
فقال :
"الحمد لله الذيجعل من أمتي نظير يوسف الصديق". فأدب العجوز وأعاد هند إلىمنزلها. بعد هذهالحادثة هاج بشر بحب هند وإنتظر إنتهاء عدتها ليخطبها، لكن هندرفضت أن تتزوجهبعد أن فضحها عند رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فجاءها رسول من أهله يعلمهابأنه طريح الفراش وقد يموت إن هي لم ترض به فقالت: أماته الله فطالماأمرضني فكتب إليها يقول :
أرى القلب بعد الصبر أضحى مضيّعا
.................................... وأبقيتمالي في هواك مضيّعافلا تبخلي يا هندُ بالوصل وارحمي
.................................... أسير هوى بالحبِ صارَمَضْيّعَافلما وصلتها الأبيات كتبت تحتها تقول :
أتطلب يا غدَّار وصلي بعدما
.................................... أسأت ووصلي منك أضحىمضيّعَاولما رجوتُ الوصلَ منك قطعته
.................................... وأسقيتني كأساً منالحزن مُتْرَعاواخجلتني عند النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم
.................................... فكادت عيوني أن تسيلوتطلعاوزادت هذه الأبيات من لوعته وأضرمت نيران الحب في قلبهفكتب إليها :
سلام الله من بعد البعاد
.................................... على الشمس المنيرةِفي البلادِسلام الله يا هندُ عليك
.................................... ورحمته إلى ييومِالتناديوحقِّ الله لا ينساك قلبي
.................................... إلى يوم القيامةِ يامراديفرقّي وارحمي مضنى كَئيباً
.................................... فبشر صار ملقى فيالوسادِفداوي سقمه بالقرب يوماً
.................................... فقلبي ذابَ من ألمالبعادِلكن جرحها كان أكبر من أن تبلسمه الكلمات وفضيحتها كانتأوسع من أن تحصرهاالزفرات فردت عليه تقول :
سلامُ الله من شمسِ البلادِ
.................................... على الصبَّالموسد في المهادِفإن ترجُ الوصال وتشتهيه
.................................... فأنت من الوصالِ علىبعادِفلست بنائلٍ منّي وصالاً
.................................... ولا يدنو بياضك منسواديولا تبلغ مرادك من وصالي
.................................... إلى يوم القيامةِوالتناديفلما وصل إليه الكتاب إمتنع عن الطعام والشراب حتىإشتدت علّته وكانت لهأخت تواسيه فطلب منها أن تأتيه بهند. فلما علمت هند بأنهعلى آخر رمق منالحياة سارت معها إليه فوجدته يقول :
إلهي إني قد بُليت من الهوى
.................................... وأصبحتُ ياذا العرشفي أشغل الشغلِأكابد نفساً قد تولّى بها الهوى
.................................... وقد ملّ إخواني وقدملّني أهليوقد أيقنتْ نفسي بأني هالكٌ
.................................... بهندٍ وأني قد وهبتُلها قتليوأني وإن كانت إلي مُسيئة
.................................... يشقُّ عليَّ أن تعذّبمن أجليفبكت هند وبكى معها كل من كان حاضراً وأنشدت :
أيا بشر حالك قد فنى جسدي
.................................... وألهب النار في جسميوفي كبديوفاض دمعي على الخدين منسكباً
.................................... وخانني الدهر فيكموانقضى رشديما كان قصدي بهذا الحال أنظركم
.................................... لا والذي خلقَالإنسانَ من كمدِفما سمع كلامها أوما إليها وأنشد :
أيا هند إذا مرّت عليك جنازتي
.................................... فنوحي بحزنٍ ثم فيالنوح رنّميوقولي إذا مرّت عليك جنازتي
.................................... .وشيري بعينيك عليَّوسلّميوقولي رعاكَ اللهُ يا ميَّّتَ الهوى
.................................... وأسكنكَ الفردوسَ إنكنتَ مسلمثم شهق شهقة وفارقت روحه الدنيا فلما رأته إرتمت عليهوأنشدت :
أيا عينُ نوحي على بشر بتغرير
.................................... ألا ترويه من دمعيبتقديرِيا عينُ أبكي من بعد الدموعِ دماً
.................................... لأنه كان في الطاعاتمحبورِلفقدِ بشرٍ بكيتُ اليومَ من كمدٍ
.................................... لا خير في عيشةٍ تأتيبتكديرِألقاك ربك في الجناتِ في غُرَفٍ
.................................... تلقى النعيم بهابالخير موفورِثم ألقت بنفسها عليه وحركوها فإذا هي ميتةفغسلوهما ودفنوهما معاً
تحياتي للجميع