رياض بن فهد
16/05/2010, 01:21 PM
[الثريا تقارن القمر فيتغير المناخ
أحمد بن محاب الظفيري:*
ان معرفة الظواهر المناخية عند البدو المعاصرين والاقدمين في شبه جزيرة العرب تعتمد بالدرجة الاولى على نجوم السماء, فوقت ظهور النجوم وحساب حركتها وتحديد منزلتها في السماء, امر مهم لعرب الصحراء, لقد علمتهم التجربة المتوارثة منذ اجدادهم عرب الجاهلية والى هذا اليوم, ان هناك توقيتا موثقا بين ظهور النجم وبين التغيرات الطبيعية التي تطرأ على المناخ, فسبحان الخالق المبدع الذي قال في محكم كتابه العزيز: ("فلا أقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم") (الواقعة: 75.
يهتم البدوي بملاحظة ومتابعة نجوم السماء وحساب مسافة حركتها منذ بداية وقت ظهورها وطول مدة ليالي وجودها حتى مغيبها, ليكون على بينة من التغيرات المناخية المحتملة والسبب الذي جعلهم يعتمدون على النجوم, هو ان اشهرهم القمرية العربية متنقلة مثلهم, فشهر رمضان مثلا قد يأتيك في بعض السنين في الشتاء, وبعد كذا سنة يأتيك في الربيع, ثم يأتيك بالصيف ثم يأتيك بالخريف, ومثله تدور بقية الاشهر, وبالتالي فان الاشهر العربية لا تسعفهم في ضبط مواقيت المناخ وليس هناك وسيلة غير النجوم الثابتة في مواقيت ظهورها وغيابها.
اما الاشهر الافرنجية "الميلادية" ثابتة المواعيد فهي غير معروفة لديهم ولو كانوا يعرفونها لما اعتمدوا على النجوم فمثلا شهر يوليو "تموز" الافرنجي الميلادي لا يمكن ان يأتيك الا في حمارة القيظ.
ولكن من اللافت للنظر ان بعض شعراء عرب الجاهلية ذكروا بعض الاشهر الافرنجية في شعرهم اما في العصرين الاموي والعباسي فان العرب المسلمين الذين فتحوا البلدان تحضروا واقتبسوا من حضارات سكان هذه البلدان وتفاعلوا معهم في جميع مناحي الحياة وعرفوا هذه الاشهر التي اسميناها مجازا ب¯ "الافرنجية" ولكن الحقيقة التاريخية تثبت ان هذه الاشهر آتية من حضارات زراعية قديمة جدا ايام السومريين والبابليين والفراعنة.
ولكن ايضا الثابت والمؤكد تاريخيا ان عرب الصحراء في الجزيرة العربية منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم اعتمدوا على نجوم سمائهم في تقويمهم للظواهر المناخية واعتمدوا على اشهرهم العربية في كل معاملات الحياة التي يمارسونها في ما بينهم على مختلف الصعد والانشطة, عدا امور الطقس والمناخ اعتمدوا في تحديدها ومتابعتها على نجوم سمائهم لان اشهرهم لا تنفعهم في هذه الامور.
الثريا محبوبة العرب: هي عنقود نجمي يتكون من مجموعة نجوم صغيرة منضم بعضها الى بعض على هيئة مثلث تشبه عنقود العنب, قيل ان عددها ثلاث عشرة نجمة, وبعضهم يقول تسع نجمات.
و"الثريا" من اشهر نجوم الانواء "المناخ" عند العرب قديما وحديثا يسميها العرب الاوائل باسم "الثريا" او "النجم" اما العرب الاواخر فيسمونها "الثريا" فقط وفي عصرنا الحالي يطلقون على مجموعة المصابيح اسم "الثريا" نسبة الى نجوم الثريا.
طلوع الثريا: تطلع في فجر ليلة يوم 7 يونيو "حزيران" ويهتم الناس برؤيتها عند قيامهم لصلاة الفجر حيث يمكن مشاهدتها عند طلوعها في جهة الجنوب الشرقي, اقرب الى الشرق منها الى الجنوب, ويسمي البدو هذه الجهة ب¯ "مطلع النجوم".
ويستدل البدو على قرب طلوع الثريا بظهور زوابع ورياح شديدة تسبق طلوعها, ويطلق البدو في جزيرة العرب على هذه الزوابع والرياح اسم "زوبعة طلوع الثريا" وبعضهم يسميها "بوارح الثريا" وهي رياح السرايات الشهيرة بمنطقة الخليج العربي.
وتشاهد الثريا عند بداية طلوعها في فجر 7 يونيو "حزيران" لمدة دقائق معدودة, ثم تضيع بنور الشمس فلا يمكن رؤيتها. ثم تستمر بالتقدم ليلا ففي كل ليلة تتقدم قليلا, حتى تأتي ليلة 19 يونيو "حزيران"فيكون هذا التاريخ هو اخر طلوع لها, حيث تستقر بالسماء ويمكن مشاهدتها لمدة طويلة بكل وضوح. "لاحظ انها استغرقت بين اول طلوع وآخر طلوع ثلاثة عشر يوما".
ومن بداية طلوع الثريا في 7 يونيو "حزيران" يحسب البدو اربعينية الصيف ومدتها اربعون يوما ويسمونها "مربعانية الصيف".
التغيرات المناخية نسبة الى مقارنات القمر مع الثريا:
بحكم التجربة المتوارثة والعيش في البادية لاحظ البدو الاقدمون والحاليون في جزيرة العرب, ان القمر يقارن الثريا في كل شهر قمري وان تاريخ القران في كل شهر يختلف عن تاريخه السابق بمقدار يومين, اي ان تاريخ القران في الشهر الجاري ينقص عن تاريخ القران في الشهر الماضي بمقدار يومين.
ويشبهون هذا القران الحاصل بين القمر والثريا ب¯ "قران حشو" وكلمة "حشو" عند بدو اليوم والامس وفي قواميس اللغة تعني اسم صغار الابل, سميت حشوا وحاشية لانها تحشو الكبار "امهاتها واباءها" اي تتخللها, ومن حشو الابل استعملنا "حشو الكلام" و "حاشية الكتاب" هكذا يقول: علماء اللغة العربية ومفرد "الحشو" وهو "الحاشي" ابن الناقة.
القران في اللغة وعند البدو:
والقران عند بدو اليوم والامس وفي اللغة هو: الحبل يقرن به بعيران او يجمع به بعيران فالبدوي يقرن الحاشيين او البعيرين بحبل واحد من رقبتيهما ليجعلهما يتساويان بالمسير فلا يتفرقان وعندئذ يتمكن من السيطرة عليهما وسوقهما بكل يسر سهولة ومن "قران الاباعر" استخدم العرب مسمى "قران الكواكب".
والان لنتكلم عن مقارنات القمر مع الثريا ومدلولاتها المناخية اخذين بعين الاعتبار التسلسل المتتالي للمقارنات:
قران حادي برد بادي:
عندما يقارن القمر نجم الثريا في ليلة اليوم الحادي عشر من الشهر القمري "العربي" فهذا يعني اول بداية برد الشتاء ويقولون بخصوص هذا القران الكلمة التالية "قران حادي برد بادي" وكلمة "حادي" يقصدون بها "حادي عشر".
يقول الشاعر الجاهلي:
اذا ما البدر تم مع الثريا
اتاك اول برد الشتاء
ويحصل هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر ديسمبر "كانون اول" في بداية مربعانية "اربعينية" الشتاء, اهل البادية لا يعرفون الاشهر الميلادية, ونحن نذكرها لتوضيح المسمى.
قران تاسع برد لاسع:
ويقارن القمر الثريا في الشهر القمري التالي اي الذي يلي الشهر السابق في ليلة التاسع "ليلة اليوم التاسع" منه ويقولون بخصوص هذا القران الكلمة التالية: "قران تاسع برد لاسع" ويقصدون بهذه الكلمة ان البرد قد اشتد واخذ يلسع الاجسام ببرودته القارصة ويتم هذا القران تقريبا في احد الايام العشر الاوائل من شهر يناير "كانون ثاني".
يقول الشاعر الشعبي فلكي البادية الشهير راشد الخلاوي
"عاش في القرن الحادي عشر الهجري":
اذا قارن القمر الثريا بتاسع
يجي ليال بردهن كناس
ثمان ليالي يجمد الما على الصفا
يخلي عيدان العضاه يباس
لو كان فوق العود ثوب وفروه
لكنه عاري ما عليه لباس
لاحظ: اننا نذكر فقط القران وليلته "ليلة يومه" لانه ثابت اما الشهر العربي "القمري" الذي يحصل فيه القران فلا نذكره لانه غير ثابت في موعده, فالقران ممكن ان يحصل في شهر محرم او شهر صفر او شهر ربيع اول او شهر ربيع ثان او غيرها من الاشهر.
قران سابع مجيع وشابع:
ثم يأتي بعد القران التاسع القران السابع, حيث يقارن القمر الثريا في ليلة اليوم السابع من الشهر القمري, ويقولون عن هذا القران الكلمة التالية: "قران سابع مجيع وشابع" للدلالة على بداية ظهور العشب وانتشاره على سطح الارض فترعاه
الحيوانات وقد تشبع منه او لا تشبع , فالعشب الذي يظهر خلال شهر هذا القران مجيع ومشبع استنادا الى كمية الامطار الساقطة في فترة الوسم وما يليها ووقت القران في العشر الاوائل من شهر فبراير "شباط".
قران خامس بالربيع طامس:
ثم يأتي بعد قران سابع, قران خامس, حيث يقارن القمر نجم الثريا في ليلة الخامس من الشهر القمري ,ويقولون عن هذا القران الكلمة التالية "قران خامس ربيع طامس" وبعض البدو يقول: "قران خامس بالربيع طامس" للدلالة على ان الربيع خلال فترة "شهر" هذا القران قد بلغ ذروته بكثرة الاعشاب والشجيرات والحشائش والاشجار , فاذا جلس الانسان او برك الحيوان في الروض الاخضر انطمس بين اعشابه وشجيراته, ويقولون عن فترة هذا القران الكلمة التالية "تفرع الاشجار, وتبيض الاطيار, ويتساوى الليل والنهار, ويسير الجار على الجار" ويحصل هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر مارس"اذار" "وليكن معلوما ان الاشهر الميلادية لا يعرفها ولا يستخدمها عرب الصحراء منذ الجاهلية حتى اليوم".
قران ثالث ربيع ذالف:
ثم يأتي بعد قران خامس , قران ثالث حيث يقارن القمر مجموعة نجوم الثريا في ليلة الثالث من الشهر القمري ,ويقولون عن قران ثالث الكلمة التالية " قران ثالث ربيع ذالف" وتفسير هذه الكلمة الآتي : خلال فترة هذا القران يبدأ الربيع يكفكف اذياله للمغادرة " فهو "ذاهب" ليفسح المجال لايام الصيف.
يقول الشاعر الجاهلي عن هذا القران:
اذا ما قارن القمر الثريا لثالثة فقد ذهب الربيع"
يتم هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر ابريل "نيسان" .
قران حادي على الماء ترادي:
ثم يأتي بعد قران ثالث, قران حادي "واحد" حيث يقارن القمر مجموعة نجم الثريا في اول ليلة من الشهر العربي "ليلة اليوم الاول من الشهر القمري" ويقول البدو عن هذا القران: "قران حادي على الماء ترادي" ومعنى ذلك ان الصيف قد دخل وبدأت حرارته بالتزايد والتسارع التدريجي ,وعليه فان حيوانات البادية من ابل وغيرها يجب ان ترد الماء, لان الاعشاب والاعواد الخضراء الرطيبة قد انصرمت وانحمست بفعل حرارة الشمس, وتوجه عربان البادية للقطن حول القلبان "الابار" واصبحوا الان في المقاطين حول عدودهم "قلبانهم المعروفة.
المقاطين: جمع مقطان والمقطان هو قطين العرب الذي يتكون من فرقان "فرجان" .
العدود: جمع عد, العد هو البئر العميقة التي لا تنضب منه الماء ويضربون به المثل قائلين "الاجواد مثل العد من ورده ارتوى ووقت هذا القران تقريبا" الايام العشر الاوائل " اي يحصل في احد هذه الايام" من شهر مايو "آيار".
"خفقة الثريا" أو "اختفاء الثريا" : في ليلة يوم 27 ابريل "نيسان" عندما يستيقظ البدوي فجرا لتأدية الصلاة , فانه يشاهد الثريا متدلية نحو الارض وقريبة منها في جهة الغرب الشمالي "مغيب النجوم" وسرعان ما تخفق من امام ناظريه وتختفي نهائيا من السماء لمدة اربعين يوما, وتسمى مدة الاختفاء هذه ب¯ "الكنة" او ب¯ "كنة الثريا" ومقدارها اربعون يوما او تسع وثلاثون يوما , وفي فجر7 يونيو "حزيران" تطل "توايق على اهل البادية بعد كنتها "غيبتها" عنهم مدة اربعين يوم ويقول البدو حول خفقت الثريا وطلوعها الكلمة التالية: "لا خفقت الثريا ثم وايقت, كل خضراء ودعت بسلام" ومعنى ذلك ان الثريا اذ خفقت "اختفت" ثم وايقت" طلت" في 7 يونيو فان كل عشبة خضراء قد ودعت بسلام حيث انها يبست وانحمست بفعل حرارة شمس الصيف, واصبح العشب حميسا كما يسميه البدو وهو من الفصيح باسمه ومعناه, وتقول معاجم اللغة:
ان كلمة "الحماسة" مأخوذة من "حميس العشب".
وفي اللغة الفصحى يقال خفق
النجم او خفق الطير اي غاب عن الانظار"
ويقول بدو اليوم : فلان خفق" اي غاب واختفى ولم نعد نراه.
ويرافق خفوق"اختفاء" الثريا عواصف ورياح رميلة متقلبة الاتجاهات والسرعة يسميها اهل الخليج العربي ب¯ " رياح السرايات" ويحسبون لها الف حساب ويتخذون الحيطة والحذر عند دخولهم البحر, لان هذه الرياح تسبب شدة امواج البحر وتقلبها وقد تسبب هذه الامواج المتلاطمة انقلاب قوارب الصيد وغرقها.
"يقول الشاعر الحكيم والفلكي الشهيرعند جميع عربان البوادي والحواضر في جزيرة العرب راشد الخلاوي عاش في القرن السابع عشر الميلادي"
متى ما الثريا مع سنا الصبح وايقت
على كل خضرا ودعت بالسنايد
"وين الثرى من الثريا?" و" فرق الثرى عن الثريا":
من كلمات التشابيه عند العرب للمقارنة بين شيئين مختلفين بالقيمة والاعتبار .
الثرى : هنا معناه التراب ,ولكنه بالمعاجم والقواميس وعند العرب الأوائل والاواخر يعني التراب الندي الرطب, لا يقال للتراب ثرى إلا اذا كان نديا, ففي الارض ثرى اي رطوبة ونداوة.
بعض الاسماء اخذها العرب من الثريا:
من الاسماء المحببة التي يسمي العرب بها بناتهم اسم "الثريا" او "ثريا" ويسمون الابن باسم" ثروي" نسبة الى مطر الثريا, ويقولون : "فلان ثري" اي كثير المال ,والمال والحلال والاولاد والعلم وكل ما هو خير وفيه الخير هو "ثروة".
*باحث في التاريخ والتراث
أحمد بن محاب الظفيري:*
ان معرفة الظواهر المناخية عند البدو المعاصرين والاقدمين في شبه جزيرة العرب تعتمد بالدرجة الاولى على نجوم السماء, فوقت ظهور النجوم وحساب حركتها وتحديد منزلتها في السماء, امر مهم لعرب الصحراء, لقد علمتهم التجربة المتوارثة منذ اجدادهم عرب الجاهلية والى هذا اليوم, ان هناك توقيتا موثقا بين ظهور النجم وبين التغيرات الطبيعية التي تطرأ على المناخ, فسبحان الخالق المبدع الذي قال في محكم كتابه العزيز: ("فلا أقسم بمواقع النجوم وانه لقسم لو تعلمون عظيم") (الواقعة: 75.
يهتم البدوي بملاحظة ومتابعة نجوم السماء وحساب مسافة حركتها منذ بداية وقت ظهورها وطول مدة ليالي وجودها حتى مغيبها, ليكون على بينة من التغيرات المناخية المحتملة والسبب الذي جعلهم يعتمدون على النجوم, هو ان اشهرهم القمرية العربية متنقلة مثلهم, فشهر رمضان مثلا قد يأتيك في بعض السنين في الشتاء, وبعد كذا سنة يأتيك في الربيع, ثم يأتيك بالصيف ثم يأتيك بالخريف, ومثله تدور بقية الاشهر, وبالتالي فان الاشهر العربية لا تسعفهم في ضبط مواقيت المناخ وليس هناك وسيلة غير النجوم الثابتة في مواقيت ظهورها وغيابها.
اما الاشهر الافرنجية "الميلادية" ثابتة المواعيد فهي غير معروفة لديهم ولو كانوا يعرفونها لما اعتمدوا على النجوم فمثلا شهر يوليو "تموز" الافرنجي الميلادي لا يمكن ان يأتيك الا في حمارة القيظ.
ولكن من اللافت للنظر ان بعض شعراء عرب الجاهلية ذكروا بعض الاشهر الافرنجية في شعرهم اما في العصرين الاموي والعباسي فان العرب المسلمين الذين فتحوا البلدان تحضروا واقتبسوا من حضارات سكان هذه البلدان وتفاعلوا معهم في جميع مناحي الحياة وعرفوا هذه الاشهر التي اسميناها مجازا ب¯ "الافرنجية" ولكن الحقيقة التاريخية تثبت ان هذه الاشهر آتية من حضارات زراعية قديمة جدا ايام السومريين والبابليين والفراعنة.
ولكن ايضا الثابت والمؤكد تاريخيا ان عرب الصحراء في الجزيرة العربية منذ العصر الجاهلي وحتى اليوم اعتمدوا على نجوم سمائهم في تقويمهم للظواهر المناخية واعتمدوا على اشهرهم العربية في كل معاملات الحياة التي يمارسونها في ما بينهم على مختلف الصعد والانشطة, عدا امور الطقس والمناخ اعتمدوا في تحديدها ومتابعتها على نجوم سمائهم لان اشهرهم لا تنفعهم في هذه الامور.
الثريا محبوبة العرب: هي عنقود نجمي يتكون من مجموعة نجوم صغيرة منضم بعضها الى بعض على هيئة مثلث تشبه عنقود العنب, قيل ان عددها ثلاث عشرة نجمة, وبعضهم يقول تسع نجمات.
و"الثريا" من اشهر نجوم الانواء "المناخ" عند العرب قديما وحديثا يسميها العرب الاوائل باسم "الثريا" او "النجم" اما العرب الاواخر فيسمونها "الثريا" فقط وفي عصرنا الحالي يطلقون على مجموعة المصابيح اسم "الثريا" نسبة الى نجوم الثريا.
طلوع الثريا: تطلع في فجر ليلة يوم 7 يونيو "حزيران" ويهتم الناس برؤيتها عند قيامهم لصلاة الفجر حيث يمكن مشاهدتها عند طلوعها في جهة الجنوب الشرقي, اقرب الى الشرق منها الى الجنوب, ويسمي البدو هذه الجهة ب¯ "مطلع النجوم".
ويستدل البدو على قرب طلوع الثريا بظهور زوابع ورياح شديدة تسبق طلوعها, ويطلق البدو في جزيرة العرب على هذه الزوابع والرياح اسم "زوبعة طلوع الثريا" وبعضهم يسميها "بوارح الثريا" وهي رياح السرايات الشهيرة بمنطقة الخليج العربي.
وتشاهد الثريا عند بداية طلوعها في فجر 7 يونيو "حزيران" لمدة دقائق معدودة, ثم تضيع بنور الشمس فلا يمكن رؤيتها. ثم تستمر بالتقدم ليلا ففي كل ليلة تتقدم قليلا, حتى تأتي ليلة 19 يونيو "حزيران"فيكون هذا التاريخ هو اخر طلوع لها, حيث تستقر بالسماء ويمكن مشاهدتها لمدة طويلة بكل وضوح. "لاحظ انها استغرقت بين اول طلوع وآخر طلوع ثلاثة عشر يوما".
ومن بداية طلوع الثريا في 7 يونيو "حزيران" يحسب البدو اربعينية الصيف ومدتها اربعون يوما ويسمونها "مربعانية الصيف".
التغيرات المناخية نسبة الى مقارنات القمر مع الثريا:
بحكم التجربة المتوارثة والعيش في البادية لاحظ البدو الاقدمون والحاليون في جزيرة العرب, ان القمر يقارن الثريا في كل شهر قمري وان تاريخ القران في كل شهر يختلف عن تاريخه السابق بمقدار يومين, اي ان تاريخ القران في الشهر الجاري ينقص عن تاريخ القران في الشهر الماضي بمقدار يومين.
ويشبهون هذا القران الحاصل بين القمر والثريا ب¯ "قران حشو" وكلمة "حشو" عند بدو اليوم والامس وفي قواميس اللغة تعني اسم صغار الابل, سميت حشوا وحاشية لانها تحشو الكبار "امهاتها واباءها" اي تتخللها, ومن حشو الابل استعملنا "حشو الكلام" و "حاشية الكتاب" هكذا يقول: علماء اللغة العربية ومفرد "الحشو" وهو "الحاشي" ابن الناقة.
القران في اللغة وعند البدو:
والقران عند بدو اليوم والامس وفي اللغة هو: الحبل يقرن به بعيران او يجمع به بعيران فالبدوي يقرن الحاشيين او البعيرين بحبل واحد من رقبتيهما ليجعلهما يتساويان بالمسير فلا يتفرقان وعندئذ يتمكن من السيطرة عليهما وسوقهما بكل يسر سهولة ومن "قران الاباعر" استخدم العرب مسمى "قران الكواكب".
والان لنتكلم عن مقارنات القمر مع الثريا ومدلولاتها المناخية اخذين بعين الاعتبار التسلسل المتتالي للمقارنات:
قران حادي برد بادي:
عندما يقارن القمر نجم الثريا في ليلة اليوم الحادي عشر من الشهر القمري "العربي" فهذا يعني اول بداية برد الشتاء ويقولون بخصوص هذا القران الكلمة التالية "قران حادي برد بادي" وكلمة "حادي" يقصدون بها "حادي عشر".
يقول الشاعر الجاهلي:
اذا ما البدر تم مع الثريا
اتاك اول برد الشتاء
ويحصل هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر ديسمبر "كانون اول" في بداية مربعانية "اربعينية" الشتاء, اهل البادية لا يعرفون الاشهر الميلادية, ونحن نذكرها لتوضيح المسمى.
قران تاسع برد لاسع:
ويقارن القمر الثريا في الشهر القمري التالي اي الذي يلي الشهر السابق في ليلة التاسع "ليلة اليوم التاسع" منه ويقولون بخصوص هذا القران الكلمة التالية: "قران تاسع برد لاسع" ويقصدون بهذه الكلمة ان البرد قد اشتد واخذ يلسع الاجسام ببرودته القارصة ويتم هذا القران تقريبا في احد الايام العشر الاوائل من شهر يناير "كانون ثاني".
يقول الشاعر الشعبي فلكي البادية الشهير راشد الخلاوي
"عاش في القرن الحادي عشر الهجري":
اذا قارن القمر الثريا بتاسع
يجي ليال بردهن كناس
ثمان ليالي يجمد الما على الصفا
يخلي عيدان العضاه يباس
لو كان فوق العود ثوب وفروه
لكنه عاري ما عليه لباس
لاحظ: اننا نذكر فقط القران وليلته "ليلة يومه" لانه ثابت اما الشهر العربي "القمري" الذي يحصل فيه القران فلا نذكره لانه غير ثابت في موعده, فالقران ممكن ان يحصل في شهر محرم او شهر صفر او شهر ربيع اول او شهر ربيع ثان او غيرها من الاشهر.
قران سابع مجيع وشابع:
ثم يأتي بعد القران التاسع القران السابع, حيث يقارن القمر الثريا في ليلة اليوم السابع من الشهر القمري, ويقولون عن هذا القران الكلمة التالية: "قران سابع مجيع وشابع" للدلالة على بداية ظهور العشب وانتشاره على سطح الارض فترعاه
الحيوانات وقد تشبع منه او لا تشبع , فالعشب الذي يظهر خلال شهر هذا القران مجيع ومشبع استنادا الى كمية الامطار الساقطة في فترة الوسم وما يليها ووقت القران في العشر الاوائل من شهر فبراير "شباط".
قران خامس بالربيع طامس:
ثم يأتي بعد قران سابع, قران خامس, حيث يقارن القمر نجم الثريا في ليلة الخامس من الشهر القمري ,ويقولون عن هذا القران الكلمة التالية "قران خامس ربيع طامس" وبعض البدو يقول: "قران خامس بالربيع طامس" للدلالة على ان الربيع خلال فترة "شهر" هذا القران قد بلغ ذروته بكثرة الاعشاب والشجيرات والحشائش والاشجار , فاذا جلس الانسان او برك الحيوان في الروض الاخضر انطمس بين اعشابه وشجيراته, ويقولون عن فترة هذا القران الكلمة التالية "تفرع الاشجار, وتبيض الاطيار, ويتساوى الليل والنهار, ويسير الجار على الجار" ويحصل هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر مارس"اذار" "وليكن معلوما ان الاشهر الميلادية لا يعرفها ولا يستخدمها عرب الصحراء منذ الجاهلية حتى اليوم".
قران ثالث ربيع ذالف:
ثم يأتي بعد قران خامس , قران ثالث حيث يقارن القمر مجموعة نجوم الثريا في ليلة الثالث من الشهر القمري ,ويقولون عن قران ثالث الكلمة التالية " قران ثالث ربيع ذالف" وتفسير هذه الكلمة الآتي : خلال فترة هذا القران يبدأ الربيع يكفكف اذياله للمغادرة " فهو "ذاهب" ليفسح المجال لايام الصيف.
يقول الشاعر الجاهلي عن هذا القران:
اذا ما قارن القمر الثريا لثالثة فقد ذهب الربيع"
يتم هذا القران تقريبا في الايام العشر الاوائل من شهر ابريل "نيسان" .
قران حادي على الماء ترادي:
ثم يأتي بعد قران ثالث, قران حادي "واحد" حيث يقارن القمر مجموعة نجم الثريا في اول ليلة من الشهر العربي "ليلة اليوم الاول من الشهر القمري" ويقول البدو عن هذا القران: "قران حادي على الماء ترادي" ومعنى ذلك ان الصيف قد دخل وبدأت حرارته بالتزايد والتسارع التدريجي ,وعليه فان حيوانات البادية من ابل وغيرها يجب ان ترد الماء, لان الاعشاب والاعواد الخضراء الرطيبة قد انصرمت وانحمست بفعل حرارة الشمس, وتوجه عربان البادية للقطن حول القلبان "الابار" واصبحوا الان في المقاطين حول عدودهم "قلبانهم المعروفة.
المقاطين: جمع مقطان والمقطان هو قطين العرب الذي يتكون من فرقان "فرجان" .
العدود: جمع عد, العد هو البئر العميقة التي لا تنضب منه الماء ويضربون به المثل قائلين "الاجواد مثل العد من ورده ارتوى ووقت هذا القران تقريبا" الايام العشر الاوائل " اي يحصل في احد هذه الايام" من شهر مايو "آيار".
"خفقة الثريا" أو "اختفاء الثريا" : في ليلة يوم 27 ابريل "نيسان" عندما يستيقظ البدوي فجرا لتأدية الصلاة , فانه يشاهد الثريا متدلية نحو الارض وقريبة منها في جهة الغرب الشمالي "مغيب النجوم" وسرعان ما تخفق من امام ناظريه وتختفي نهائيا من السماء لمدة اربعين يوما, وتسمى مدة الاختفاء هذه ب¯ "الكنة" او ب¯ "كنة الثريا" ومقدارها اربعون يوما او تسع وثلاثون يوما , وفي فجر7 يونيو "حزيران" تطل "توايق على اهل البادية بعد كنتها "غيبتها" عنهم مدة اربعين يوم ويقول البدو حول خفقت الثريا وطلوعها الكلمة التالية: "لا خفقت الثريا ثم وايقت, كل خضراء ودعت بسلام" ومعنى ذلك ان الثريا اذ خفقت "اختفت" ثم وايقت" طلت" في 7 يونيو فان كل عشبة خضراء قد ودعت بسلام حيث انها يبست وانحمست بفعل حرارة شمس الصيف, واصبح العشب حميسا كما يسميه البدو وهو من الفصيح باسمه ومعناه, وتقول معاجم اللغة:
ان كلمة "الحماسة" مأخوذة من "حميس العشب".
وفي اللغة الفصحى يقال خفق
النجم او خفق الطير اي غاب عن الانظار"
ويقول بدو اليوم : فلان خفق" اي غاب واختفى ولم نعد نراه.
ويرافق خفوق"اختفاء" الثريا عواصف ورياح رميلة متقلبة الاتجاهات والسرعة يسميها اهل الخليج العربي ب¯ " رياح السرايات" ويحسبون لها الف حساب ويتخذون الحيطة والحذر عند دخولهم البحر, لان هذه الرياح تسبب شدة امواج البحر وتقلبها وقد تسبب هذه الامواج المتلاطمة انقلاب قوارب الصيد وغرقها.
"يقول الشاعر الحكيم والفلكي الشهيرعند جميع عربان البوادي والحواضر في جزيرة العرب راشد الخلاوي عاش في القرن السابع عشر الميلادي"
متى ما الثريا مع سنا الصبح وايقت
على كل خضرا ودعت بالسنايد
"وين الثرى من الثريا?" و" فرق الثرى عن الثريا":
من كلمات التشابيه عند العرب للمقارنة بين شيئين مختلفين بالقيمة والاعتبار .
الثرى : هنا معناه التراب ,ولكنه بالمعاجم والقواميس وعند العرب الأوائل والاواخر يعني التراب الندي الرطب, لا يقال للتراب ثرى إلا اذا كان نديا, ففي الارض ثرى اي رطوبة ونداوة.
بعض الاسماء اخذها العرب من الثريا:
من الاسماء المحببة التي يسمي العرب بها بناتهم اسم "الثريا" او "ثريا" ويسمون الابن باسم" ثروي" نسبة الى مطر الثريا, ويقولون : "فلان ثري" اي كثير المال ,والمال والحلال والاولاد والعلم وكل ما هو خير وفيه الخير هو "ثروة".
*باحث في التاريخ والتراث