مكشات
21/07/2002, 09:56 PM
رحلتي هذه المرة لم تكن كسابقاتها ، لا في الهدف ولا العدة ، ولا بأحداثها ونتائجها .
كل شيء فيها كان مختلفا .
هذه المرة كان الصيد فيها ثانويا .
هذه المرة بسيارة ( سيدان ) صغيرة ، وكميرا تصوير ( فيديو ) إستعرتها من أخي الأكبر .
لا ادري لماذا شعرت في تلك الفترة بضرورة التصوير !
ربما لأن عشقي للصمان تعاظم !
وربما لأنها كانت الرحلة الأخيرة من حيث لا ادري .
كان لدي إحساس بأن تلك المناظر الساحرة ، سأحتاج لرؤيتها يوما ما .
أحببت تصوير الشروق والغروب هناك .
وتصوير الفياض والطرق الملتوية بينها .
احببت أن يرى الآخرون كثرة الدحول بأنواعها .
أحببت أن أسجل للذكريات روعة أسراب الطيور وهي تتنقل من فيضة لفيضة ، وروعتها وهي متراصة تحت ظلال الأشجار .
وربما كنت أريد أيضا ان يرى أهلي جمال من أحب .
كل الطريق مضى وأنا اتخيل اللقطات الجميلة الأخاذة ، وكنت لا شعوريا أدفع مقود السيارة بيدي كي اصل الى هناك بسرعة ، بل كنت افكر بتلك اللحظات التي اعرض فيها جمال معشوقتي لأهلي ، كي يحسوا على الأقل بجزء مما احس فيه .
وصلت اليها كالعادة في منتصف الليل ، وأسرعت بالا ستلقاء على فراشي ، فأمامي هواجس وخيالات أريد ان أتمتع بها قبل ان تغط عيناي في نوم عميق بين احضان محبوبتي ، وتحت انفاسها العطرة .
وكأي صباح هناك قمت للتمتع بمنظر الصحراء ، محاولا إيقاظ ماتبقى من جسدي النائم ، لإعداد فنجان قهوة وإفطار سريع ، لكني في هذه المرة كان إستعدادي للتصوير اهم .
إنطلقت لأول فيضة وبدأت التصوير وأنا مقبل عليها ، وتعمدت إظهار جزء من السيارة في لقطاتي ، كي تظهرقفزاتها التي تتشابه نوعا ما مع شوقي وإحساسي في تلك اللحظة .
صورت فيضة .. إثنتان .. ثلاث .. وكل مارأيته جميلا هناك ، ماعدا شيء واحد وهو الأهم منظر اسراب الطيور ، فهي للأسف تخلفت عن حفلتي التي لم اكن لأعدها لو علمت مسبقا بانها لن تأتي .
واقترب الزوال وأنا أتنقل من مكان إلى مكان ، ومن لقطة الى أخرى
وفجأة مر ضب أمامي ، أيقظني من سباتي ، وكأنه يقول لماذا نسيتني ؟
تبسمت وبدأت أفكر !! من أي زاوية أصوره ، ومالذي يشدني من حركاته .
أدرك أني لن أستطيع تصويره وهو يأكل من النباتات فهو يخافني :) إذن علي تصويره وهو يدخل لجحره وتصويره وهو يخرج منه ، أظن أن ذلك كافيا نوعا ما .
لم اتمكن من تصويره وهو يدخل فقد كان أسرع مني ، فقررت ان أقف في المكان المناسب وأطفيء محرك سيارتي وأستعد لخروجه .
كانت الشمس حارة جدا ، والسراب يتراقص في الأفق ، طال إنتظاري وأنا يداي على الكميرا وعيناي تنتظران خلف عدستها .
ودون سابق إنذار
جيب شاص يقف خلف الجحر تماما وكأنه يريد مني تصويره !
تفاجأت كيف جاء دون أن أدري ؟ وماذا يريد مني في هذه الصحراء ؟
أبعدت عيناي عن العدسة وجلست لبرهة اعيد توازن نظري لأرى من هم داخل الشاص !!
يا الله .. هؤلاء ثلاثة .. إثنان منهما مسلحان بالرشاشات !!
نطت عيوني وفز قلبي ، فوضعت آلة التصوير على المرتبة مرتبكا ، فهل هذا وقت مجيئهم !! وماذا يريدون من إنسان مسالم مثلي ؟؟
لم اتحرك من مكاني ، وهم لن يستمروا في الوقوف بعيدا ، حتما سيقتربون في النهاية .
كنت أستطيع الهرب ، وبطريقتي استطيع تعطيل سيارتهم حتى لا تلحق بي . لكن ! لماذا ؟ فأنا لم أخطيء وقد درست قصة الصبي مع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتأثرت باحداثها .
نعم قالها الصبي : لم أفعل ذنبا فأخافك وليست الطريق ضيقة فأوسع لك .
كم أنا بريء في تفكيري ، وساذج في المقارنة ، فذاك عمر وهؤلاء ( ××××××××××× ) .
إقتربوا مني ووقفوا تاركين مسافة خمسة امتار بيني وبينهم تقريبا ، وسألوني وهم في السيارة : ماذا تفعل هنا ؟
ياله من سؤال سخيف !
أجبتهم وماذا ترون انتم ؟
قالوا : نرى مشبوها يقف في الصحراء وتحت الشمس يصور !
فماذا أنت تصور ؟
قلت : أصور جحر ذلك الضب .
ضحكوا ثم قالوا : اي ضب وأي خرابيط تتكلم عنها .
إنزل
إنزل من السيارة
عندما رايتهم نزلوا نزلت .
المسلحان بأمر الثالث قاما بتفتيش السيارة ، وإنزال كل مافيها على الأرض
وبأمر منه أيضا صبوا جميع المياه التي معي ، البارد منها والحار ، ورموا بأحد قوالب الثلج على التراب .
ياله من تصرف اهوج ، فكيف تتخلص من مياه في الصحراء وبينك وبين الطريق مسافة طويلة لاتقل عن 60 كم تقريبا .
أدركت أني أمام اناس أميين لا يفقهون ، يالها من إهانة لمتعلم .
إنتهى تخريب كل شيء تقريبا ، ووقف كبيرهم يستجوبني :
وش قاعد تصور هنا ؟؟
قلت أصور جحر الضـ...!
وقبل ان اكمل
قال : بقلة ادب اسكت أسكت
أنت اكيد عِـميل للإتحاد السوفيتي او امريكا !
قلت في نفسي يا الله الى هالدرجة سطحية التفكير !
رديت عليه : عِـميـل !
قال : ايه عِـميـل !
جالس تصور لهم دروب الصمان !
لا أدري حقيقة أأضحك على هذه البلوى ام أبكي !
وكيف ارد على تفكير متخلف كهذا !
قلت له : يا أخي من ذكرتهم ليسوا بحاجة لمثلي يصور لهم دروب الصمان
هؤلاء دول متقدمه لديهم أقمار صناعية تصور مايريدونه بأي مكان على الأرض
ثم أنني هنا لست داخل قاعدة عسكرية او منطقة حربية أو محمية أو ... !
وقبل أن أكمل قال : أسكت أسكت
كان يتمتع بتسكيتي !
بعدذلك قال : أنت أكيد كاسر ظهر بنت وراميها بأحد الشعبان !
يا الله ... من عميل الى قاتل بدقيقة !
قلت له : يا اخي لو كنت كما قلت ، لما وقفت لكم هنا .
أسكتني كالعادة ، ثم هددني بعدها بالقتل ، نعم هددني بالقتل ، ومؤكدا لي بأن ذلك سهل ولن يعلم احد عما جرى لي .
أنا حتى تلك اللحظة لا ادري من يكون هذا الشخص ، الذي يرافقه مسلحان ولا هذا الشخص الذي يملك حق قتلي بسبب أو بدون سبب ، في صحراء يفترض بها ان تكون آمنة لكل إنسان ينتمي لوطننا الكبير !
بدأت أكره معشوقتي من تلك اللحظة .
كرهت كل شيء فيها ، فأنا هناك لوحدي بين الحياة والموت ، وبين أيادي اناس لا ادري من هم بالضبط ، أناس وقحون في اسئلتهم ووقحون في تعاملهم
ومصيري مجهول بين أيديهم .
لو كنت على الحدود لقلت ربما هم من دولة مجاورة لا تعرف معنى الامن والأمان .
لكني متأكد باني داخل وطني ،الذي لا يملك أحد فيه منع الناس عن التنقل في صحرائه ، أو التمتع بكل شبر من ترابه ، فضلا عن ان يهدد أحدا بالقتل .
لحظات مرت كانت كالدهر بالنسبة لي ، وأنا اغلي من الداخل وأكاد انفجر من الغيض .
بعدها .. أمر من معه بقيادة سيارتي ، وأركبني بينه وبين سائق الشاص . ولم يتكلم معي بعدها ، وانطلقوا الى أين ؟ حقا لا ادري !
وبعد نصف ساعة تقريبا توقفوا عند خيمة واسعة في عمق الصحراء أول مرة أراها .
واقتادوني كما يقاد المجرم في المسلسلات البدوية ، وكان يفتخر بأنه امسكني ويملك حق تعذيبي وتأديبي .
وقف وسط الخيمة وماهي الا لحظات حتى أقبلت إمرأة فارعة الطول ممتلئة الجسم ، لاول مرة أدري ان هناك نساء بتلك الهيئة ، إمرأة من اول وهلة تراها لن تشك بأنها عن عشرة رجال ، ترى ذلك واضحا من نظراتا وعباراتها الموزونة ونظرتها الثاقبة . أحسست انها هي من يتزعمهم ، وأن مصيري سيكون بعد لحظات بيديها . واكتشفت متأخرا بأنها لا تملك من امري شيئا ، بل كانت كالمتفرجة ، وكنت اتمنى ان تنطق تلك المرأة الحكيمة وتطلب منهم على الأقل تركي وشأني ، لكنها لم تفعل !
وبعد إستعراض بسيط ، وحديث جانبي بين الرجل والمرأة ،إنطلقوا بي مرة اخرى في الصحراء ، ولم اكن ادري إلى أين !
وبعد نصف ساعة تقريبا او ساعة ، توقفوا عند خيمتين متجاورتين، ونزلوا وأنزلوني معهم ، كانت خيمة مكشوفة من جانبين فقط ، وكنت اسمع صوت الصغار يأتي من الخيمة الأخرى حيث كان فيها إمراة وأطفالها .
وانتظروا تقريبا نصف ساعة حيث كانوا على موعد مع الغداء كما يبدو ، والذي لم يتأخر كثيرا ..
وضعوه في الوسط ، وكان عبارة عن رز فقط ، وفي وسطه حفرة صبوا فيها لبنا او حليبا - لا ادري فلم أتذوقه - رغم انهم طلبوا مني ان اقترب وأتغدأ
كنت جائعا وعطشانا ومتعبا وفي اسوأ حال ، لكني كرهت منظر تلك الوجبة وهي تسبح بما فيها ( الحمد لله والشكر له على كل حال ) ومما زاد الطين بلة
أنني لم أستطع التنفس تحت تلك الخيمة التي صهرتها الشمس ، وثارت حساسيتي منها بشكل غير طبيعي ، كنت اود لو تركوني في الشمس بدلا من هذه الخيمة الكريهة .
أقبل حيوان الورل إلينا ، ربما كان يبحث عن ظل في هذا المكان الخالي من أية أشجار او احجار .
جلست أراقبه مستغربا ، وهو يدنو مني ، حتى غاب من ورائي ، ولم ألتفت له ليس شجاعة مني بقدر ماهو امر أصبح تافها ، أمام أمر أعظم كالتهديد بالقتل !
وبعد إنتهائهم من الغداء ، إنطلقوا بي ، ولكن هذه المرة باتجاه الطريق المعبد ، عرفت ذلك بميل الشمس ، فتنفست الصعداء قليلا ، وقبل أن نصل وقفوا للصلاة ، تيمموا لها ! نعم تيمموا وهم من تخلص من الماء قبل ساعات قليلة !
بعد الصلاة ركب كبيرهم بسيارتي يقودها احد المسلحين .
وركبت مع المسلح الآخر في الشاص . وانطلقوا بنا باتجاه هجرتهم (( ... )) .
تحدث معي المسلح بلطف فلم يعد هناك رقيب يخشى منه ، واعتذر لي بلباقة وقال لي : حظك سيء !
قلت لماذا ؟؟ قال : لأن أمير( القرية ) قد فقد إبله وخرج يبحث عنها ، فوجدك في طريقه !
قلت : أي أمير ؟؟
قال : أمير قرية ( ...... ) !
قلت : ليتني عرفت بذلك منذ البداية ، لربما كان حالي اقل رعبا !
ثم : ماذنبي أنا بفقدانه لإبله ؟؟
قال : لا ادري !
سألته : وماذا يريد مني الآن ؟
قال : لا ادري !
وصلنا الى القرية ونزلنا جميعا ، ولكي اكون عبرة لكل أطفال القرية وشبابها وحتى نسائها ، فقد أوقفني عند سيارتي وأنزل قالب الثلج المتبقي ورماه على التراب ، ورمى كل مافيها من اغراض ، وكأنه يقول : شاهدوا جبروت اميركم .
بعد ذلك دخلنا الى مكان يبدو انه قصره وجلسنا جميعا هناك ، واجتمع حوله بعض الرجال وأصبح يتحدث إليهم .
لم اكن مرتاحا لبقائي في تلك الصورة ، فاستأذنته في الحديث .
قلت له : على أي أساس تسلب حريتي ، أتركني أرحل لأهلي .
قال : معك بندقية ورصاص وهذا ممنوع .
قلت : أنت تملك أخذ البندقية والرصاص وكذلك السيارة أما معاملتي بهذه الطريقة السيئة ، وحجزي لساعات طويلة فهذا ليس من حقك .
لم يعرني إهتماما ، فشاهدت جهاز هاتف قريبا منه ، فاستأذنته في إستخدامه ، فأذن لي .
إتصلت على أهلي ورد اخي الأصغر .
قلت له : انا الآن محجوز عند أمير هجرة ( .... ) ، أخبر أبي ليتصرف !
قال لي : أنا اتصرف ، دعني احدثه .
أعطيته سماعة الهاتف بناء على طلبه ، فتكلم معه قليلا ثم انزل الامير السماعة ، ونظر لأحد حراسه وقال له : أعطوه سلاحه ودعوه يمشي ! ثم التفت الي وقال : أرجو ان لا أراك مرة اخرى في تلك الصحراء !
يا الله أخيرا رجعت لي حريتي !
وانطلقت ، ومشاهد مسلسل الرعب تتكرر امام ناظري حتى وصلت بيت اهلي .
دخلت فوجدت اخي فسألته مباشرة : ماذا قلت له في الهاتف ؟؟ فلقد تغير الرجل 180 درجة .
قال : قلت له : ××××××××××××
فقلت : لله درك اخي لم اكن اتوقع أن لديك قدرة غير عادية في إقناع رجل كذاك الرجل .
.............
عشرسنوات من حياتي مضت ، كلما ذُكر الصمان أمامي ، أو حتى ذُكر الصيد ، ذهبت بي الذاكرة الى ذلك الموقف الرهيب .
حتى أصبحت اكره سماع كلمة الصمان أو كلمة الصيد .
وبعد تلك الفترة الطويلة ، لا ادري كيف شدني الحنين اليها ، فأخذت إستعداداتي وانطلقت بكل شوق لأراها ..
قريبا إن شاء الله سأحكي لكم . كيف وجدت معشوقتي
هل كانت كما تركتها ؟ أم غيرتها السنين ؟
الجزء الرابع والأخير
الصمان ... ( قصة عشق ) .... (4) (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=3247)
كل شيء فيها كان مختلفا .
هذه المرة كان الصيد فيها ثانويا .
هذه المرة بسيارة ( سيدان ) صغيرة ، وكميرا تصوير ( فيديو ) إستعرتها من أخي الأكبر .
لا ادري لماذا شعرت في تلك الفترة بضرورة التصوير !
ربما لأن عشقي للصمان تعاظم !
وربما لأنها كانت الرحلة الأخيرة من حيث لا ادري .
كان لدي إحساس بأن تلك المناظر الساحرة ، سأحتاج لرؤيتها يوما ما .
أحببت تصوير الشروق والغروب هناك .
وتصوير الفياض والطرق الملتوية بينها .
احببت أن يرى الآخرون كثرة الدحول بأنواعها .
أحببت أن أسجل للذكريات روعة أسراب الطيور وهي تتنقل من فيضة لفيضة ، وروعتها وهي متراصة تحت ظلال الأشجار .
وربما كنت أريد أيضا ان يرى أهلي جمال من أحب .
كل الطريق مضى وأنا اتخيل اللقطات الجميلة الأخاذة ، وكنت لا شعوريا أدفع مقود السيارة بيدي كي اصل الى هناك بسرعة ، بل كنت افكر بتلك اللحظات التي اعرض فيها جمال معشوقتي لأهلي ، كي يحسوا على الأقل بجزء مما احس فيه .
وصلت اليها كالعادة في منتصف الليل ، وأسرعت بالا ستلقاء على فراشي ، فأمامي هواجس وخيالات أريد ان أتمتع بها قبل ان تغط عيناي في نوم عميق بين احضان محبوبتي ، وتحت انفاسها العطرة .
وكأي صباح هناك قمت للتمتع بمنظر الصحراء ، محاولا إيقاظ ماتبقى من جسدي النائم ، لإعداد فنجان قهوة وإفطار سريع ، لكني في هذه المرة كان إستعدادي للتصوير اهم .
إنطلقت لأول فيضة وبدأت التصوير وأنا مقبل عليها ، وتعمدت إظهار جزء من السيارة في لقطاتي ، كي تظهرقفزاتها التي تتشابه نوعا ما مع شوقي وإحساسي في تلك اللحظة .
صورت فيضة .. إثنتان .. ثلاث .. وكل مارأيته جميلا هناك ، ماعدا شيء واحد وهو الأهم منظر اسراب الطيور ، فهي للأسف تخلفت عن حفلتي التي لم اكن لأعدها لو علمت مسبقا بانها لن تأتي .
واقترب الزوال وأنا أتنقل من مكان إلى مكان ، ومن لقطة الى أخرى
وفجأة مر ضب أمامي ، أيقظني من سباتي ، وكأنه يقول لماذا نسيتني ؟
تبسمت وبدأت أفكر !! من أي زاوية أصوره ، ومالذي يشدني من حركاته .
أدرك أني لن أستطيع تصويره وهو يأكل من النباتات فهو يخافني :) إذن علي تصويره وهو يدخل لجحره وتصويره وهو يخرج منه ، أظن أن ذلك كافيا نوعا ما .
لم اتمكن من تصويره وهو يدخل فقد كان أسرع مني ، فقررت ان أقف في المكان المناسب وأطفيء محرك سيارتي وأستعد لخروجه .
كانت الشمس حارة جدا ، والسراب يتراقص في الأفق ، طال إنتظاري وأنا يداي على الكميرا وعيناي تنتظران خلف عدستها .
ودون سابق إنذار
جيب شاص يقف خلف الجحر تماما وكأنه يريد مني تصويره !
تفاجأت كيف جاء دون أن أدري ؟ وماذا يريد مني في هذه الصحراء ؟
أبعدت عيناي عن العدسة وجلست لبرهة اعيد توازن نظري لأرى من هم داخل الشاص !!
يا الله .. هؤلاء ثلاثة .. إثنان منهما مسلحان بالرشاشات !!
نطت عيوني وفز قلبي ، فوضعت آلة التصوير على المرتبة مرتبكا ، فهل هذا وقت مجيئهم !! وماذا يريدون من إنسان مسالم مثلي ؟؟
لم اتحرك من مكاني ، وهم لن يستمروا في الوقوف بعيدا ، حتما سيقتربون في النهاية .
كنت أستطيع الهرب ، وبطريقتي استطيع تعطيل سيارتهم حتى لا تلحق بي . لكن ! لماذا ؟ فأنا لم أخطيء وقد درست قصة الصبي مع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتأثرت باحداثها .
نعم قالها الصبي : لم أفعل ذنبا فأخافك وليست الطريق ضيقة فأوسع لك .
كم أنا بريء في تفكيري ، وساذج في المقارنة ، فذاك عمر وهؤلاء ( ××××××××××× ) .
إقتربوا مني ووقفوا تاركين مسافة خمسة امتار بيني وبينهم تقريبا ، وسألوني وهم في السيارة : ماذا تفعل هنا ؟
ياله من سؤال سخيف !
أجبتهم وماذا ترون انتم ؟
قالوا : نرى مشبوها يقف في الصحراء وتحت الشمس يصور !
فماذا أنت تصور ؟
قلت : أصور جحر ذلك الضب .
ضحكوا ثم قالوا : اي ضب وأي خرابيط تتكلم عنها .
إنزل
إنزل من السيارة
عندما رايتهم نزلوا نزلت .
المسلحان بأمر الثالث قاما بتفتيش السيارة ، وإنزال كل مافيها على الأرض
وبأمر منه أيضا صبوا جميع المياه التي معي ، البارد منها والحار ، ورموا بأحد قوالب الثلج على التراب .
ياله من تصرف اهوج ، فكيف تتخلص من مياه في الصحراء وبينك وبين الطريق مسافة طويلة لاتقل عن 60 كم تقريبا .
أدركت أني أمام اناس أميين لا يفقهون ، يالها من إهانة لمتعلم .
إنتهى تخريب كل شيء تقريبا ، ووقف كبيرهم يستجوبني :
وش قاعد تصور هنا ؟؟
قلت أصور جحر الضـ...!
وقبل ان اكمل
قال : بقلة ادب اسكت أسكت
أنت اكيد عِـميل للإتحاد السوفيتي او امريكا !
قلت في نفسي يا الله الى هالدرجة سطحية التفكير !
رديت عليه : عِـميـل !
قال : ايه عِـميـل !
جالس تصور لهم دروب الصمان !
لا أدري حقيقة أأضحك على هذه البلوى ام أبكي !
وكيف ارد على تفكير متخلف كهذا !
قلت له : يا أخي من ذكرتهم ليسوا بحاجة لمثلي يصور لهم دروب الصمان
هؤلاء دول متقدمه لديهم أقمار صناعية تصور مايريدونه بأي مكان على الأرض
ثم أنني هنا لست داخل قاعدة عسكرية او منطقة حربية أو محمية أو ... !
وقبل أن أكمل قال : أسكت أسكت
كان يتمتع بتسكيتي !
بعدذلك قال : أنت أكيد كاسر ظهر بنت وراميها بأحد الشعبان !
يا الله ... من عميل الى قاتل بدقيقة !
قلت له : يا اخي لو كنت كما قلت ، لما وقفت لكم هنا .
أسكتني كالعادة ، ثم هددني بعدها بالقتل ، نعم هددني بالقتل ، ومؤكدا لي بأن ذلك سهل ولن يعلم احد عما جرى لي .
أنا حتى تلك اللحظة لا ادري من يكون هذا الشخص ، الذي يرافقه مسلحان ولا هذا الشخص الذي يملك حق قتلي بسبب أو بدون سبب ، في صحراء يفترض بها ان تكون آمنة لكل إنسان ينتمي لوطننا الكبير !
بدأت أكره معشوقتي من تلك اللحظة .
كرهت كل شيء فيها ، فأنا هناك لوحدي بين الحياة والموت ، وبين أيادي اناس لا ادري من هم بالضبط ، أناس وقحون في اسئلتهم ووقحون في تعاملهم
ومصيري مجهول بين أيديهم .
لو كنت على الحدود لقلت ربما هم من دولة مجاورة لا تعرف معنى الامن والأمان .
لكني متأكد باني داخل وطني ،الذي لا يملك أحد فيه منع الناس عن التنقل في صحرائه ، أو التمتع بكل شبر من ترابه ، فضلا عن ان يهدد أحدا بالقتل .
لحظات مرت كانت كالدهر بالنسبة لي ، وأنا اغلي من الداخل وأكاد انفجر من الغيض .
بعدها .. أمر من معه بقيادة سيارتي ، وأركبني بينه وبين سائق الشاص . ولم يتكلم معي بعدها ، وانطلقوا الى أين ؟ حقا لا ادري !
وبعد نصف ساعة تقريبا توقفوا عند خيمة واسعة في عمق الصحراء أول مرة أراها .
واقتادوني كما يقاد المجرم في المسلسلات البدوية ، وكان يفتخر بأنه امسكني ويملك حق تعذيبي وتأديبي .
وقف وسط الخيمة وماهي الا لحظات حتى أقبلت إمرأة فارعة الطول ممتلئة الجسم ، لاول مرة أدري ان هناك نساء بتلك الهيئة ، إمرأة من اول وهلة تراها لن تشك بأنها عن عشرة رجال ، ترى ذلك واضحا من نظراتا وعباراتها الموزونة ونظرتها الثاقبة . أحسست انها هي من يتزعمهم ، وأن مصيري سيكون بعد لحظات بيديها . واكتشفت متأخرا بأنها لا تملك من امري شيئا ، بل كانت كالمتفرجة ، وكنت اتمنى ان تنطق تلك المرأة الحكيمة وتطلب منهم على الأقل تركي وشأني ، لكنها لم تفعل !
وبعد إستعراض بسيط ، وحديث جانبي بين الرجل والمرأة ،إنطلقوا بي مرة اخرى في الصحراء ، ولم اكن ادري إلى أين !
وبعد نصف ساعة تقريبا او ساعة ، توقفوا عند خيمتين متجاورتين، ونزلوا وأنزلوني معهم ، كانت خيمة مكشوفة من جانبين فقط ، وكنت اسمع صوت الصغار يأتي من الخيمة الأخرى حيث كان فيها إمراة وأطفالها .
وانتظروا تقريبا نصف ساعة حيث كانوا على موعد مع الغداء كما يبدو ، والذي لم يتأخر كثيرا ..
وضعوه في الوسط ، وكان عبارة عن رز فقط ، وفي وسطه حفرة صبوا فيها لبنا او حليبا - لا ادري فلم أتذوقه - رغم انهم طلبوا مني ان اقترب وأتغدأ
كنت جائعا وعطشانا ومتعبا وفي اسوأ حال ، لكني كرهت منظر تلك الوجبة وهي تسبح بما فيها ( الحمد لله والشكر له على كل حال ) ومما زاد الطين بلة
أنني لم أستطع التنفس تحت تلك الخيمة التي صهرتها الشمس ، وثارت حساسيتي منها بشكل غير طبيعي ، كنت اود لو تركوني في الشمس بدلا من هذه الخيمة الكريهة .
أقبل حيوان الورل إلينا ، ربما كان يبحث عن ظل في هذا المكان الخالي من أية أشجار او احجار .
جلست أراقبه مستغربا ، وهو يدنو مني ، حتى غاب من ورائي ، ولم ألتفت له ليس شجاعة مني بقدر ماهو امر أصبح تافها ، أمام أمر أعظم كالتهديد بالقتل !
وبعد إنتهائهم من الغداء ، إنطلقوا بي ، ولكن هذه المرة باتجاه الطريق المعبد ، عرفت ذلك بميل الشمس ، فتنفست الصعداء قليلا ، وقبل أن نصل وقفوا للصلاة ، تيمموا لها ! نعم تيمموا وهم من تخلص من الماء قبل ساعات قليلة !
بعد الصلاة ركب كبيرهم بسيارتي يقودها احد المسلحين .
وركبت مع المسلح الآخر في الشاص . وانطلقوا بنا باتجاه هجرتهم (( ... )) .
تحدث معي المسلح بلطف فلم يعد هناك رقيب يخشى منه ، واعتذر لي بلباقة وقال لي : حظك سيء !
قلت لماذا ؟؟ قال : لأن أمير( القرية ) قد فقد إبله وخرج يبحث عنها ، فوجدك في طريقه !
قلت : أي أمير ؟؟
قال : أمير قرية ( ...... ) !
قلت : ليتني عرفت بذلك منذ البداية ، لربما كان حالي اقل رعبا !
ثم : ماذنبي أنا بفقدانه لإبله ؟؟
قال : لا ادري !
سألته : وماذا يريد مني الآن ؟
قال : لا ادري !
وصلنا الى القرية ونزلنا جميعا ، ولكي اكون عبرة لكل أطفال القرية وشبابها وحتى نسائها ، فقد أوقفني عند سيارتي وأنزل قالب الثلج المتبقي ورماه على التراب ، ورمى كل مافيها من اغراض ، وكأنه يقول : شاهدوا جبروت اميركم .
بعد ذلك دخلنا الى مكان يبدو انه قصره وجلسنا جميعا هناك ، واجتمع حوله بعض الرجال وأصبح يتحدث إليهم .
لم اكن مرتاحا لبقائي في تلك الصورة ، فاستأذنته في الحديث .
قلت له : على أي أساس تسلب حريتي ، أتركني أرحل لأهلي .
قال : معك بندقية ورصاص وهذا ممنوع .
قلت : أنت تملك أخذ البندقية والرصاص وكذلك السيارة أما معاملتي بهذه الطريقة السيئة ، وحجزي لساعات طويلة فهذا ليس من حقك .
لم يعرني إهتماما ، فشاهدت جهاز هاتف قريبا منه ، فاستأذنته في إستخدامه ، فأذن لي .
إتصلت على أهلي ورد اخي الأصغر .
قلت له : انا الآن محجوز عند أمير هجرة ( .... ) ، أخبر أبي ليتصرف !
قال لي : أنا اتصرف ، دعني احدثه .
أعطيته سماعة الهاتف بناء على طلبه ، فتكلم معه قليلا ثم انزل الامير السماعة ، ونظر لأحد حراسه وقال له : أعطوه سلاحه ودعوه يمشي ! ثم التفت الي وقال : أرجو ان لا أراك مرة اخرى في تلك الصحراء !
يا الله أخيرا رجعت لي حريتي !
وانطلقت ، ومشاهد مسلسل الرعب تتكرر امام ناظري حتى وصلت بيت اهلي .
دخلت فوجدت اخي فسألته مباشرة : ماذا قلت له في الهاتف ؟؟ فلقد تغير الرجل 180 درجة .
قال : قلت له : ××××××××××××
فقلت : لله درك اخي لم اكن اتوقع أن لديك قدرة غير عادية في إقناع رجل كذاك الرجل .
.............
عشرسنوات من حياتي مضت ، كلما ذُكر الصمان أمامي ، أو حتى ذُكر الصيد ، ذهبت بي الذاكرة الى ذلك الموقف الرهيب .
حتى أصبحت اكره سماع كلمة الصمان أو كلمة الصيد .
وبعد تلك الفترة الطويلة ، لا ادري كيف شدني الحنين اليها ، فأخذت إستعداداتي وانطلقت بكل شوق لأراها ..
قريبا إن شاء الله سأحكي لكم . كيف وجدت معشوقتي
هل كانت كما تركتها ؟ أم غيرتها السنين ؟
الجزء الرابع والأخير
الصمان ... ( قصة عشق ) .... (4) (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=3247)