*الخضاري*
25/06/2011, 02:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الراصد لموضوعات أساطين البلدانيات والرحلات وعلى رأسهم الأستاذ محمد الشاوي عميد المكشاتيين في هذا الموقع الشامخ - حفظهم الله جميعا - يجد أنهم في رحلاتهم لم يتركوا لغير المتخصصين مثلي فرصة لتسليط الضوء على معلم جغرافي أو موقع تاريخي ؛ إذ أضحت رحلاتهم كليل النابغة في إدراكها وإحاطتها لتلك المعالم مهما بعدت مسافتها ، ومهما بلغ خفاؤها ، وكأن لسان حال تلك المعالم أمام تلك الرحلات يقول :
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ولا أخفيكم سرا أن هذا الموضوع الذي أطرحه ههنا وكذلك الموضوع السابق هما ثمرة لجهود البلدانيين في هذا الموقع الشامخ وذلك في مناقشتهم لخبر توبة بن الحمير وتحديد حجر الراشدة وتحقيق المواضع التي وردت في قصة ذلك الخبر ، حيث طرح تلك القصة أخونا الفاضل البلداني المرير قبل عام متسائلا عن حجر الراشدة ، فأثار تساؤله نقاشا جميلا بين الأعضاء الكرام ، وكان من بين المعلقين الأستاذ الشاعر عبدالله الحضبي الذي كانت مشاركته في تحديد مواضع القصة التي نقلها عن المؤرخ فهيد الفراعنه السبيعي نبراسا أضاء الطريق للوصول إلى تلك المواضع وتحديد حجر الراشدة ، فقام بعدها أستاذنا محمد الشاوي وزميله الأديب البلداني عبدالله المنصور بغارة بلدانية ورحلة ميدانية لتلك المواضع للوقوف عليها وتصويرها ، ولسوء الحظ لم أطلع على موضوعها إلا بعد أشهر من طرحه ، ولهذا عندما أردت أن أعلق عليه أحجمت ؛ لأنني أردت أن يكون تعقيبي بعد هذه الفترة لائقا بحجم الموضوع ، ومشكلا إضافة لمحتواه ، وبخاصة فيما يتعلق بمطاردة توبة بن الحمير لخصمه ثور بن أبي سمعان ومعركتهما بجانب قرون بقر ، حيث لم يسعف الوقت الأخوين الفاضلين للوقوف على مكانها ، فطفقت أمني نفسي بالقيام بمقاربة ميدانية لتلك الحادثة حول قرون بقر ، فمضت الأيام والأشهر ولم يتحقق لي ذلك ، حتى سنحت لي الفرصة يوم الخميس 9 / 6 / 1432 هـ - 13/ 5 / 2011 م، فقمت برحلة لذلك المكان ، نتج عنها بعض المفاجآت ، فمنها المقبرة التي عثرنا عليها قرب جبال بني جربوع التي نشرت عنها في الموضوع السابق تحت هذا الرابط :
http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=408682
ومنها بعض المفاجآت التي سأشير إليها لاحقا في ثنايا هذا الموضوع ، وقد ارتأيت عدم نشرها في الموضوع السابق حتى استشير صديقيّ العزيزين أبا علي الماضي ومحمد بن سيف ، وحتى يكون هذا الموضوع مفاجأة للأعضاء ، لكن أستاذنا الشاوي بفطنته في تعليقه على موضوعي السابق كاد يحرقها ..
وقبل أن ندلف هذه المقاربة ، لابد أن نشير إلى ماذكره صاحب الأغاني فيما يتعلق بمطاردة توبة لخصمة ثور بن أبي سمعان ، يقول الأصفهاني ( ص ، 1247 ) :
" كان الذي هاج مقتل توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل بن
كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة أنه كان بينه وبين بني عامر بن عوف بن عقيلٍ لحاء ،
ثم إن توبة شهد بني خفاجة وبني عوفٍ وهم يختصمون عند همام بن مطرف العقيلي في
بعض أمورهم. قال: وكان مروان بن الحكم يومئذٍ أميراً على المدينة في خلافة معاوية بن
أبي سفيان، فاستعمله على صدقات بني عامر. قال: فوثب ثور بن أبي سمعان بن كعب
بن عامر بن عوف بن عقيل على توبة بن الحمير فضربه بجرزٍ وعلى توبة الدرع والبيضة،
فجرح أنف البيضة وجه توبة. فأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة، فقال:
خذ بحقك يا توبة. فقال له توبة: ما كان هذا إلا عن أمرك، وما كان ليجترئ علي عند
غيرك. وأم همام صوبانة بنت جون بن عامر بن عوف بن عقيل فاتهمه توبة لذلك،
فانصرف ولم يقتص منه. فمكثوا غير كثيرٍ، وإن توبة بلغه أن ثور بن أبي سمعان خرج في
نفرٍ من رهطه إلى ماء من مياه قومه يقال له قوباء يريدون مالهم بموضع يقال له جرير بتثليثٍ
قال: وبينهما فلاة فاتبعه توبة في ناس من أصحابه، فسأل عنه وبحث حتى ذكر له أنه عند
رجلٍ من بني عامر بن عقيل يقال له سارية بن عمير بن أبي عدي وكان صديقاً لتوبة. فقال
توبة: والله لا نطرقهم عند سارية الليلة حتى يخرجوا عنه. فأرادوا أن يخرجوا حين
يصبحون. فقال لهم سارية. ادرعوا الليل؛ فإني لا آمن توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن
طلبكم. قال: فلما تعشوا ادرعوا الليل في الفلاة. وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة.
فلما ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئاً، وإني لأعلم أنهم لم
يصبحوا بهذه البلاد، فاقتص آثارهم، فإذا بأثر القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه
فأتياه، فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتبعا أثري، فإن خفي
عليكما أن تدركاني فإني سأنور لكما إن أمسيتما دوني. وخرج توبة في أثر القوم مسرعاً،
حتى إذ انتصف النهار جاوز علماً يقال له أفيح في الغائط. فقال لأصحابه: هل ترون
سمراتٍ إلى جنب قرون بقرٍ؟ وقرون بقر مكان هنالك فإن ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه
فليس وراءه ظل. فنظروا فقال قائل: أرى رجلاً يقود بعيراً كأنه يقوده لصيدٍ. قال توبة:
ذلك ابن الحبترية، وذلك من أرمى من رمى. فمن له يختلجه دون القوم فلا ينذرون بنا؟
قال: فقال عبد الله أخو توبة: أنا له. قال: فاحذر لا يضربنك، وإن استطعت أن تحول بينه
وبين أصحابه فافعل. فخلي طريق فرسه في غمضٍ من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه،
فرماه لابن الحبترية قال: وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل فعقر فرس عبد الله أخي
توبة واختل السهم ساق عبد الله، فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا
ركابهم وكانت متفرقةً. قال: وغشيهم توبة ومن معه، فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم وجعلوا
السمرات في نحورهم وأخذوا سلاحهم ودرقهم، وزحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغني
أحداً منهم شيئاً في أحد. ثم إن توبة وكان يترس له أخوه عبد الله، قال: يا أخي لا تترس
لي؛ فإني رأيت ثوراً كثيراً ما يرفع الترس، عسى أن أوافق منه عند رفعه مرمى فأرميه.
قال: ففعل، فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه. وجال القوم فغشيهم توبة وأصحابه
فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفرٍ. ثم إن ثوراً قال انتزعوا هذا
السهم عني. قال توبة: ما وضعناه لننتزعه. فقال أصحاب توبة: انج بنا نأخذ آثارنا ونلحق
راويتنا، فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء وقد متنا عطشاً . قال توبة: كيف بهؤلاء القوم الذي لا
يمنعون ولا يمتنعون !. فقالوا: أبعدهم الله. قال توبة: ما أنا بفاعل وما هم إلا عشيرتكم،
ولكن تجيء الراوية فأضع لهم ماءً وأغسل عنهم دماءهم وأخيل عليهم من السباع والطير
لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمقٍ . فأقام توبة حتى أتته الراوية قبل الليل، فسقاهم من
الماء وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم ماءً، ثم خيل لهم بالثياب على الشجر، ثم
مضى حتى طرق من الليل سارية بن عويمر بن أبي عدي العقيلي فقال: إنا قد تركنا رهطاً
من قومكم بسمراتٍ من قرون بقر، فأدركوهم، فمن كان حياً فداووه، ومن كان ميتاً
فادفنوه، ثم انصرف فلحق بقومه. وصبح سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي
سمعان ولم يمت غيره"
بقية القصة ومايتصل بتحديد مواضعها ومايتعلق بصورها يرجع في ذلك إلى موضوع أستاذنا المفضال محمد الشاوي تحت هذا الرابط فقد أجاد وأفاد في ذلك بما أغنى عن إعادته هنا :
http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=310154 (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=310154)
وإن كان ثمة تعليق حول المواضع الواردة في القصة ، فهو حول تحديد ماء القوباء ؛ فقد ذكر الأستاذ عبدالله الحضبي نقلا عن المؤرخ فهيد الفراعنة أن القوباء هي مايعرف اليوم بالقيرة ، وهذا فيه نظر ، إذ ثمة ماء قريب من ذلك المكان ويقع شمال تثليث ويسمى اليوم بـ ( عقوبا ) وقد ذُكر لي أن حوله جبال يقال لها ( قباه ) ، فلعله المقصود في هذا الخبر .. وفي ( أسماء المغتالين ) ذكر محمد بن حبيب في النسخة التي حققها عبدالسلام هارون في كتاب المخطوطات النادرة ( ص ، 141 ) اسمَ ( هوى ) ولم يذكر القوباء ، وهذا يدل على أن رسم هذه الكلمة تعرض للتصحيف كثيرا .
خارطة توضح عقوبا / قوباء :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/01308689253.jpg
قبل عرض الصور لابد أن أضع خارطة فضائية توضخ المعالم الواردة في الخبر ، وترسم مسارا افتراضيا لتلك المطاردة ، ثم أذكر بعد ذلك شيئا مما ذكر عن جبلي قرون بقر وأفيخ :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/31308689284.jpg
نبذة مختصرة عن موقع جبلي أفيخ وقرون بقر ، وماورد عنهما في المعاجم :
هما جبلان متجاوران يقعان شمال غرب محافظة وادي الدواسر بمسافة 100 كلم ، ويفصل بينهما طريق الوادي - رنية ، فيكون أفيخ عن يسار المتجه لرنية ، وقرون بقر عن يمينه ، ويوجد بالقرب من أفيخ مركز أمني يتبع محافظة وادي الدواسر ..
أفيح أم أفيخ ؟
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308859159.jpg
يرد اسم أفيخ على ألسنة العامة بالخاء المعجمة ، بيد أنه في القصة السابقة التي أوردها صاحب الأغاني ذكر بالحاء المهملة ، وحتى يتبين لنا أنه تعرض للتصحيف في الرسم من قبل السابقين ، أو تعرض للوهم في النطق من قبل اللاحقين لابد من الرجوع للمعاجم البلدانية واللغوية ..
- يقول الحموي في معجم البلدان (ص، 158 ): أفيح: بضم الهمزة وفتح الفاء بلفظ التصغير عن الأصمعي وغيره يقوله بفتح أوله وكسر ثانيه موضع بنجد قال عروة بن الورد:
أقول له يا مال أمك هـابـل ... متى حُبست على أفيح تعقلُ
بديمومة ما إن يكاد يُرَى بها ...من الظمإ الكُومُ الجلالُ تبول
تنكر آيات البلاد لـمـالـك ... وأيقن أن لا شيء فيها يُعولُ
وقال ابن مُقبل: وقد جَعَلن أفيحاً عن شمايلها ... بانت مناكبُه عنها ولم يبـن "
- أما في معجم ماستعجم فقد قال البكري عن أفيح ( ص، 53 ) :
"أفيح بفتح أوله وكسر ثانيه والحاء المهملة على وزن فعيل وشك فيه الأصمعي في رواية أبي حاتم عنه فقال لا أدري أهو أفيح بالحاء أم بالخاء المعجمة . ورواه أبو نصر عن الأصمعي أفيح بالحاء المهملة غير شاك . وهو موضع بالغور ، وقيل هو موضع بين ديار بني القين وديار بني عبس قال ابن مقبل :
يسلكن ركن أفيح عن شمائلها ... بانت شمائلنا عنه ولم يبن
وقال عروة الورد : أقول لهم يا مال أمك هابل ... متى حبست على أفيح تعقل
أفيح على مثل حروف الأول إلا أنه ساكن الفاء مفتوح الياء وهو علم في ديار بني عقيل " .
- وفي لسان العرب : "
"أَفِيحٌ، موضع (* قوله «أَفيح موضع» ضبطه المجد بوزن أمير وزبير.) قريب من بلاد مَذْحِجٍ؛ قال تميم بن مُقْبِل: وقد جَعَلْنَ أَفِيحاً عن شَمائِلها، بانتْ مَناكِبُه عنها، ولم تَبِنِ "
والأَفْيَحُ والفَيَّاحُ: كل موضع واسع. بحرٌ أَفْيَحُ بَيِّنُ الفَيَحِ: واسعٌ" " .
ولعل ابن منظور في قوله : " قريب من بلاد مذحج " يعني بذلك قوم ابن الحبترية الذي ورد ذكره في القصة وهو من رجال توبة ، يقول الأصفهاني : " وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل " .
إذن يتضح مما سبق أن علم أفيخ في أكثر هذه الروايات وردت بالحاء المهملة ( أفيح ) ؛ وهو ما يعني أن لفظه لم يتعرض للتصحيف في الرسم بل تعرض للتغير الصوتي نتيجة الوهم في النطق لدى المتأخرين مع طول العهد ؛ وذلك لتقارب مخارج الحروف ، ومما يرجح ذلك أن المعنى اللغوي لأفيح الذي أورده ابن منظور في الاقتباس السابق ينطبق وصفه على جبل أفيح ، حيث تتسع مناكبه كما تتسع الصحراء حوله ، لكن تشكيك الأصمعي الذي رواه أبو حاتم عنه يجعل وقوع التصحيف فيه احتمالا قائما .
قرون بقر لماذا أصبح الباقر ؟
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/71308689253.jpg
ورد في معجم البلدان (ص ،1387) : " قرون بقر جمع قرن وبقر واحدته بقرة موضع في ديار بني عامر المجاورة لبلحارث بن كعب كان به يوم من أيام العرب "
وفي معجم ماستعجم (ص ، 294): "قرون بقر على لفظ جمع الذي قبله مضاف إلى جمع بقرة موضع في ديار بني عقيل "
إذا تأملنا ( قرون بقر ) سنجد أن هذا التركيب الإضافي ينطبق وصفه على جبل الباقر ، وذلك في تقوسه و بروز النتوءات في أعلاه على نحو يشبه قرن بقر الوحش :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/51308689284.jpg
وقد يكون السبب في تسميته بذلك أن حجارته كانت تصنع منها أسنة الرماح كما تصنع من قرون بقر الوحش ، لكن ياترى لماذا تغير اسمه فأصبح الباقر ؟! ..
لعل أقرب مايفسر ذلك أن هذا اللفظ تعرض لوهم في معناه ، فلو تأملنا اسم قرون بقر لوجدنا أنه يتكون من مضاف ومضاف إليه ، وقد يحذف المضاف ويبقي المضاف إليه ( بقر ) اختصارا ، لكن مع طول الزمن وتغير الأجيال ، قد ينسى معنى اسمه الحقيقي ، فيظن الناس أنه سمي بـ (بقر ) لمشابهة لون حجارته لون البقر ، ولأن بعض اللهجات المحلية تميل إلى تذكير المؤنث وإفراده تحولت تلك المفردة إلى صيغة اسم الفاعل ( الباقر ) ، أو قد ظُن أن اسمه ( بقر ) مأخوذ من قولهم : بقرت الشيء إذا شققته وفتحته ووسعته، فكأن حجارة ذلك الجبل قد بقرت بطن الأرض فبرزت منها ؛ فسمي باسم الفاعل ( الباقر ) للمبالغة في اتصافه بذلك المعنى .
ومهما يكن ، فإن حديثنا ههنا حول التغيرات التي تتطرأ على الأسماء هو من نافلة القول ؛ لأن صاحب الأغاني قد أورد هذين العلمين في سياق واضح ووصف دقيق ، أغنانا عن مشقة البحث والتحقيق في مكانهما، لكني أوردت الحديث السابق من أجل أن نفيد من المعنى اللغوي لأسماء المعالم في تحقيق أماكنها ، حتى وإن كان ذلك يعد قرينة ضعيفة في سياق التحقيق والبحث ، فالضعيف إذا تعدد ، وضُم بعضه إلى بعض ، قوى بعضه بعضا كما يقول بعض الأصوليين .
مقاربة ميدانية
عندما قرأت تلك القصة أخذت استحضر أحداث تلك المطاردة كلما مررت بجبل الباقر ، ومن عجيب الصدف أنني ذات مرة في أحد الأيام الممطرة من صيف هذا العام عندما تجاوزت عرق الصفية وبرز لي جبل قرون بقر / الباقر ، تمثلت خيل توبة أمامي وهي تقتحم سمرات قرون بقر للانقضاض على خصمه في مشهد عاصفة ترابية تقتحم قرون بقر ، وتسير المسار نفسه ، فحالت تلك العاصفة وماصحابها من أمطار دون الوصول إليه ..
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/31308689253.jpg
وقبل رحلتي الأخيرة كنت قد سألت رجلا كبيرا في السن ممن يكثر الزيارة لتلك المنطقة عن قبر حول سمرات قرون بقر أو بالقرب من الجبل فأفادني بأن هناك دائرة حجرية من المحتمل أن تكون قبرا في جهة الجبل الشرقية ، ثم ذكر لي قبورا رآها حول جبال بني جربوع يحار في أمرها من يراها ، فعزمت على زيارتها يوم الخميس ، فكانت محطتنا الأولى تلك القبور وقد أفردتها في الموضوع السابق ، وكان قرون بقر هو محطتنا الأخيرة والرئيسة في سير الرحلة ..
جبل أفيخ من الجهة الشرقية وهي الجهة التي قدم منها توبة ورجاله عندما أدركوا ثور بن أبي سمعان ورهطه :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/91308689253.jpg
جبل قرون بقر من الجهة الجنوبية ، وفي الصورة تظهر السمرات التي احتمى بها ثور بن أبي سمعان ورهطه من سهام توبة ، ولاتكاد توجد سمرات بجنب قرون بقر يمكن أن ينطبق عليها الوصف في تلك القصة غير هذه السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/01308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/81308689253.jpg
جبل أفيخ ودونه السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/61308689253.jpg
مشاهد مختلفة من ذلك المكان :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/51308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/41308689253.jpg
ثم اتجهنا إلى طرف قرون بقر من الجهة الجنوبية الشرقية ، فوجدت دائرة حجرية ظننتها أول وهلة أنها قبر ثور بن أبي سمعان ، حيث نص صاحب الأغاني أنه لم يمت غيره ، وكان من عادة القبائل قديما أنه إذا مات فيها القائد أو الفارس وضعوا حمى على قبره وأحاطوه بالحجارة ، لكن بعد جولة بين بُرق قرون بقر عثرت على دوائر حجرية كثيرة في جهته الشمالية الغربية - كما سيأتي لاحقا - ، فسقط هذا الاحتمال ..
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308605804.jpg
صورة طبيعية توضح مكان الدائرة الحجرية من السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308859159.jpg
يتبع
إن الراصد لموضوعات أساطين البلدانيات والرحلات وعلى رأسهم الأستاذ محمد الشاوي عميد المكشاتيين في هذا الموقع الشامخ - حفظهم الله جميعا - يجد أنهم في رحلاتهم لم يتركوا لغير المتخصصين مثلي فرصة لتسليط الضوء على معلم جغرافي أو موقع تاريخي ؛ إذ أضحت رحلاتهم كليل النابغة في إدراكها وإحاطتها لتلك المعالم مهما بعدت مسافتها ، ومهما بلغ خفاؤها ، وكأن لسان حال تلك المعالم أمام تلك الرحلات يقول :
فإنك كالليل الذي هو مدركي ... وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
ولا أخفيكم سرا أن هذا الموضوع الذي أطرحه ههنا وكذلك الموضوع السابق هما ثمرة لجهود البلدانيين في هذا الموقع الشامخ وذلك في مناقشتهم لخبر توبة بن الحمير وتحديد حجر الراشدة وتحقيق المواضع التي وردت في قصة ذلك الخبر ، حيث طرح تلك القصة أخونا الفاضل البلداني المرير قبل عام متسائلا عن حجر الراشدة ، فأثار تساؤله نقاشا جميلا بين الأعضاء الكرام ، وكان من بين المعلقين الأستاذ الشاعر عبدالله الحضبي الذي كانت مشاركته في تحديد مواضع القصة التي نقلها عن المؤرخ فهيد الفراعنه السبيعي نبراسا أضاء الطريق للوصول إلى تلك المواضع وتحديد حجر الراشدة ، فقام بعدها أستاذنا محمد الشاوي وزميله الأديب البلداني عبدالله المنصور بغارة بلدانية ورحلة ميدانية لتلك المواضع للوقوف عليها وتصويرها ، ولسوء الحظ لم أطلع على موضوعها إلا بعد أشهر من طرحه ، ولهذا عندما أردت أن أعلق عليه أحجمت ؛ لأنني أردت أن يكون تعقيبي بعد هذه الفترة لائقا بحجم الموضوع ، ومشكلا إضافة لمحتواه ، وبخاصة فيما يتعلق بمطاردة توبة بن الحمير لخصمه ثور بن أبي سمعان ومعركتهما بجانب قرون بقر ، حيث لم يسعف الوقت الأخوين الفاضلين للوقوف على مكانها ، فطفقت أمني نفسي بالقيام بمقاربة ميدانية لتلك الحادثة حول قرون بقر ، فمضت الأيام والأشهر ولم يتحقق لي ذلك ، حتى سنحت لي الفرصة يوم الخميس 9 / 6 / 1432 هـ - 13/ 5 / 2011 م، فقمت برحلة لذلك المكان ، نتج عنها بعض المفاجآت ، فمنها المقبرة التي عثرنا عليها قرب جبال بني جربوع التي نشرت عنها في الموضوع السابق تحت هذا الرابط :
http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=408682
ومنها بعض المفاجآت التي سأشير إليها لاحقا في ثنايا هذا الموضوع ، وقد ارتأيت عدم نشرها في الموضوع السابق حتى استشير صديقيّ العزيزين أبا علي الماضي ومحمد بن سيف ، وحتى يكون هذا الموضوع مفاجأة للأعضاء ، لكن أستاذنا الشاوي بفطنته في تعليقه على موضوعي السابق كاد يحرقها ..
وقبل أن ندلف هذه المقاربة ، لابد أن نشير إلى ماذكره صاحب الأغاني فيما يتعلق بمطاردة توبة لخصمة ثور بن أبي سمعان ، يقول الأصفهاني ( ص ، 1247 ) :
" كان الذي هاج مقتل توبة بن الحمير بن حزم بن كعب بن خفاجة بن عمرو بن عقيل بن
كعب ابن ربيعة بن عامر بن صعصعة أنه كان بينه وبين بني عامر بن عوف بن عقيلٍ لحاء ،
ثم إن توبة شهد بني خفاجة وبني عوفٍ وهم يختصمون عند همام بن مطرف العقيلي في
بعض أمورهم. قال: وكان مروان بن الحكم يومئذٍ أميراً على المدينة في خلافة معاوية بن
أبي سفيان، فاستعمله على صدقات بني عامر. قال: فوثب ثور بن أبي سمعان بن كعب
بن عامر بن عوف بن عقيل على توبة بن الحمير فضربه بجرزٍ وعلى توبة الدرع والبيضة،
فجرح أنف البيضة وجه توبة. فأمر همام بثور بن أبي سمعان فأقعد بين يدي توبة، فقال:
خذ بحقك يا توبة. فقال له توبة: ما كان هذا إلا عن أمرك، وما كان ليجترئ علي عند
غيرك. وأم همام صوبانة بنت جون بن عامر بن عوف بن عقيل فاتهمه توبة لذلك،
فانصرف ولم يقتص منه. فمكثوا غير كثيرٍ، وإن توبة بلغه أن ثور بن أبي سمعان خرج في
نفرٍ من رهطه إلى ماء من مياه قومه يقال له قوباء يريدون مالهم بموضع يقال له جرير بتثليثٍ
قال: وبينهما فلاة فاتبعه توبة في ناس من أصحابه، فسأل عنه وبحث حتى ذكر له أنه عند
رجلٍ من بني عامر بن عقيل يقال له سارية بن عمير بن أبي عدي وكان صديقاً لتوبة. فقال
توبة: والله لا نطرقهم عند سارية الليلة حتى يخرجوا عنه. فأرادوا أن يخرجوا حين
يصبحون. فقال لهم سارية. ادرعوا الليل؛ فإني لا آمن توبة عليكم الليلة فإنه لا ينام عن
طلبكم. قال: فلما تعشوا ادرعوا الليل في الفلاة. وأقعد له توبة رجلين فغفل صاحبا توبة.
فلما ذهب الليل فزع توبة وقال: لقد اغتررت إلى رجلين ما صنعا شيئاً، وإني لأعلم أنهم لم
يصبحوا بهذه البلاد، فاقتص آثارهم، فإذا بأثر القوم قد خرجوا، فبعث إلى صاحبيه
فأتياه، فقال: دونكما هذا الجمل فأوقراه من الماء في مزادتيه ثم اتبعا أثري، فإن خفي
عليكما أن تدركاني فإني سأنور لكما إن أمسيتما دوني. وخرج توبة في أثر القوم مسرعاً،
حتى إذ انتصف النهار جاوز علماً يقال له أفيح في الغائط. فقال لأصحابه: هل ترون
سمراتٍ إلى جنب قرون بقرٍ؟ وقرون بقر مكان هنالك فإن ذلك مقيل القوم لم يتجاوزوه
فليس وراءه ظل. فنظروا فقال قائل: أرى رجلاً يقود بعيراً كأنه يقوده لصيدٍ. قال توبة:
ذلك ابن الحبترية، وذلك من أرمى من رمى. فمن له يختلجه دون القوم فلا ينذرون بنا؟
قال: فقال عبد الله أخو توبة: أنا له. قال: فاحذر لا يضربنك، وإن استطعت أن تحول بينه
وبين أصحابه فافعل. فخلي طريق فرسه في غمضٍ من الأرض، ثم دنا منه فحمل عليه،
فرماه لابن الحبترية قال: وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل فعقر فرس عبد الله أخي
توبة واختل السهم ساق عبد الله، فانحاز الرجل حتى أتى أصحابه فأنذرهم، فجمعوا
ركابهم وكانت متفرقةً. قال: وغشيهم توبة ومن معه، فلما رأوا ذلك صفوا رحالهم وجعلوا
السمرات في نحورهم وأخذوا سلاحهم ودرقهم، وزحف إليهم توبة، فارتمى القوم لا يغني
أحداً منهم شيئاً في أحد. ثم إن توبة وكان يترس له أخوه عبد الله، قال: يا أخي لا تترس
لي؛ فإني رأيت ثوراً كثيراً ما يرفع الترس، عسى أن أوافق منه عند رفعه مرمى فأرميه.
قال: ففعل، فرماه توبة على حلمة ثديه فصرعه. وجال القوم فغشيهم توبة وأصحابه
فوضعوا فيهم السلاح حتى تركوهم صرعى وهم سبعة نفرٍ. ثم إن ثوراً قال انتزعوا هذا
السهم عني. قال توبة: ما وضعناه لننتزعه. فقال أصحاب توبة: انج بنا نأخذ آثارنا ونلحق
راويتنا، فقد أخذنا ثأرنا من هؤلاء وقد متنا عطشاً . قال توبة: كيف بهؤلاء القوم الذي لا
يمنعون ولا يمتنعون !. فقالوا: أبعدهم الله. قال توبة: ما أنا بفاعل وما هم إلا عشيرتكم،
ولكن تجيء الراوية فأضع لهم ماءً وأغسل عنهم دماءهم وأخيل عليهم من السباع والطير
لا تأكلهم حتى أوذن قومهم بهم بعمقٍ . فأقام توبة حتى أتته الراوية قبل الليل، فسقاهم من
الماء وغسل عنهم الدماء، وجعل في أساقيهم ماءً، ثم خيل لهم بالثياب على الشجر، ثم
مضى حتى طرق من الليل سارية بن عويمر بن أبي عدي العقيلي فقال: إنا قد تركنا رهطاً
من قومكم بسمراتٍ من قرون بقر، فأدركوهم، فمن كان حياً فداووه، ومن كان ميتاً
فادفنوه، ثم انصرف فلحق بقومه. وصبح سارية القوم فاحتملهم وقد مات ثور بن أبي
سمعان ولم يمت غيره"
بقية القصة ومايتصل بتحديد مواضعها ومايتعلق بصورها يرجع في ذلك إلى موضوع أستاذنا المفضال محمد الشاوي تحت هذا الرابط فقد أجاد وأفاد في ذلك بما أغنى عن إعادته هنا :
http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=310154 (http://www.mekshat.com/vb/showthread.php?t=310154)
وإن كان ثمة تعليق حول المواضع الواردة في القصة ، فهو حول تحديد ماء القوباء ؛ فقد ذكر الأستاذ عبدالله الحضبي نقلا عن المؤرخ فهيد الفراعنة أن القوباء هي مايعرف اليوم بالقيرة ، وهذا فيه نظر ، إذ ثمة ماء قريب من ذلك المكان ويقع شمال تثليث ويسمى اليوم بـ ( عقوبا ) وقد ذُكر لي أن حوله جبال يقال لها ( قباه ) ، فلعله المقصود في هذا الخبر .. وفي ( أسماء المغتالين ) ذكر محمد بن حبيب في النسخة التي حققها عبدالسلام هارون في كتاب المخطوطات النادرة ( ص ، 141 ) اسمَ ( هوى ) ولم يذكر القوباء ، وهذا يدل على أن رسم هذه الكلمة تعرض للتصحيف كثيرا .
خارطة توضح عقوبا / قوباء :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/01308689253.jpg
قبل عرض الصور لابد أن أضع خارطة فضائية توضخ المعالم الواردة في الخبر ، وترسم مسارا افتراضيا لتلك المطاردة ، ثم أذكر بعد ذلك شيئا مما ذكر عن جبلي قرون بقر وأفيخ :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/31308689284.jpg
نبذة مختصرة عن موقع جبلي أفيخ وقرون بقر ، وماورد عنهما في المعاجم :
هما جبلان متجاوران يقعان شمال غرب محافظة وادي الدواسر بمسافة 100 كلم ، ويفصل بينهما طريق الوادي - رنية ، فيكون أفيخ عن يسار المتجه لرنية ، وقرون بقر عن يمينه ، ويوجد بالقرب من أفيخ مركز أمني يتبع محافظة وادي الدواسر ..
أفيح أم أفيخ ؟
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308859159.jpg
يرد اسم أفيخ على ألسنة العامة بالخاء المعجمة ، بيد أنه في القصة السابقة التي أوردها صاحب الأغاني ذكر بالحاء المهملة ، وحتى يتبين لنا أنه تعرض للتصحيف في الرسم من قبل السابقين ، أو تعرض للوهم في النطق من قبل اللاحقين لابد من الرجوع للمعاجم البلدانية واللغوية ..
- يقول الحموي في معجم البلدان (ص، 158 ): أفيح: بضم الهمزة وفتح الفاء بلفظ التصغير عن الأصمعي وغيره يقوله بفتح أوله وكسر ثانيه موضع بنجد قال عروة بن الورد:
أقول له يا مال أمك هـابـل ... متى حُبست على أفيح تعقلُ
بديمومة ما إن يكاد يُرَى بها ...من الظمإ الكُومُ الجلالُ تبول
تنكر آيات البلاد لـمـالـك ... وأيقن أن لا شيء فيها يُعولُ
وقال ابن مُقبل: وقد جَعَلن أفيحاً عن شمايلها ... بانت مناكبُه عنها ولم يبـن "
- أما في معجم ماستعجم فقد قال البكري عن أفيح ( ص، 53 ) :
"أفيح بفتح أوله وكسر ثانيه والحاء المهملة على وزن فعيل وشك فيه الأصمعي في رواية أبي حاتم عنه فقال لا أدري أهو أفيح بالحاء أم بالخاء المعجمة . ورواه أبو نصر عن الأصمعي أفيح بالحاء المهملة غير شاك . وهو موضع بالغور ، وقيل هو موضع بين ديار بني القين وديار بني عبس قال ابن مقبل :
يسلكن ركن أفيح عن شمائلها ... بانت شمائلنا عنه ولم يبن
وقال عروة الورد : أقول لهم يا مال أمك هابل ... متى حبست على أفيح تعقل
أفيح على مثل حروف الأول إلا أنه ساكن الفاء مفتوح الياء وهو علم في ديار بني عقيل " .
- وفي لسان العرب : "
"أَفِيحٌ، موضع (* قوله «أَفيح موضع» ضبطه المجد بوزن أمير وزبير.) قريب من بلاد مَذْحِجٍ؛ قال تميم بن مُقْبِل: وقد جَعَلْنَ أَفِيحاً عن شَمائِلها، بانتْ مَناكِبُه عنها، ولم تَبِنِ "
والأَفْيَحُ والفَيَّاحُ: كل موضع واسع. بحرٌ أَفْيَحُ بَيِّنُ الفَيَحِ: واسعٌ" " .
ولعل ابن منظور في قوله : " قريب من بلاد مذحج " يعني بذلك قوم ابن الحبترية الذي ورد ذكره في القصة وهو من رجال توبة ، يقول الأصفهاني : " وبنو الحبتر ناس من مذحج في بني عقيل " .
إذن يتضح مما سبق أن علم أفيخ في أكثر هذه الروايات وردت بالحاء المهملة ( أفيح ) ؛ وهو ما يعني أن لفظه لم يتعرض للتصحيف في الرسم بل تعرض للتغير الصوتي نتيجة الوهم في النطق لدى المتأخرين مع طول العهد ؛ وذلك لتقارب مخارج الحروف ، ومما يرجح ذلك أن المعنى اللغوي لأفيح الذي أورده ابن منظور في الاقتباس السابق ينطبق وصفه على جبل أفيح ، حيث تتسع مناكبه كما تتسع الصحراء حوله ، لكن تشكيك الأصمعي الذي رواه أبو حاتم عنه يجعل وقوع التصحيف فيه احتمالا قائما .
قرون بقر لماذا أصبح الباقر ؟
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/71308689253.jpg
ورد في معجم البلدان (ص ،1387) : " قرون بقر جمع قرن وبقر واحدته بقرة موضع في ديار بني عامر المجاورة لبلحارث بن كعب كان به يوم من أيام العرب "
وفي معجم ماستعجم (ص ، 294): "قرون بقر على لفظ جمع الذي قبله مضاف إلى جمع بقرة موضع في ديار بني عقيل "
إذا تأملنا ( قرون بقر ) سنجد أن هذا التركيب الإضافي ينطبق وصفه على جبل الباقر ، وذلك في تقوسه و بروز النتوءات في أعلاه على نحو يشبه قرن بقر الوحش :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/51308689284.jpg
وقد يكون السبب في تسميته بذلك أن حجارته كانت تصنع منها أسنة الرماح كما تصنع من قرون بقر الوحش ، لكن ياترى لماذا تغير اسمه فأصبح الباقر ؟! ..
لعل أقرب مايفسر ذلك أن هذا اللفظ تعرض لوهم في معناه ، فلو تأملنا اسم قرون بقر لوجدنا أنه يتكون من مضاف ومضاف إليه ، وقد يحذف المضاف ويبقي المضاف إليه ( بقر ) اختصارا ، لكن مع طول الزمن وتغير الأجيال ، قد ينسى معنى اسمه الحقيقي ، فيظن الناس أنه سمي بـ (بقر ) لمشابهة لون حجارته لون البقر ، ولأن بعض اللهجات المحلية تميل إلى تذكير المؤنث وإفراده تحولت تلك المفردة إلى صيغة اسم الفاعل ( الباقر ) ، أو قد ظُن أن اسمه ( بقر ) مأخوذ من قولهم : بقرت الشيء إذا شققته وفتحته ووسعته، فكأن حجارة ذلك الجبل قد بقرت بطن الأرض فبرزت منها ؛ فسمي باسم الفاعل ( الباقر ) للمبالغة في اتصافه بذلك المعنى .
ومهما يكن ، فإن حديثنا ههنا حول التغيرات التي تتطرأ على الأسماء هو من نافلة القول ؛ لأن صاحب الأغاني قد أورد هذين العلمين في سياق واضح ووصف دقيق ، أغنانا عن مشقة البحث والتحقيق في مكانهما، لكني أوردت الحديث السابق من أجل أن نفيد من المعنى اللغوي لأسماء المعالم في تحقيق أماكنها ، حتى وإن كان ذلك يعد قرينة ضعيفة في سياق التحقيق والبحث ، فالضعيف إذا تعدد ، وضُم بعضه إلى بعض ، قوى بعضه بعضا كما يقول بعض الأصوليين .
مقاربة ميدانية
عندما قرأت تلك القصة أخذت استحضر أحداث تلك المطاردة كلما مررت بجبل الباقر ، ومن عجيب الصدف أنني ذات مرة في أحد الأيام الممطرة من صيف هذا العام عندما تجاوزت عرق الصفية وبرز لي جبل قرون بقر / الباقر ، تمثلت خيل توبة أمامي وهي تقتحم سمرات قرون بقر للانقضاض على خصمه في مشهد عاصفة ترابية تقتحم قرون بقر ، وتسير المسار نفسه ، فحالت تلك العاصفة وماصحابها من أمطار دون الوصول إليه ..
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/31308689253.jpg
وقبل رحلتي الأخيرة كنت قد سألت رجلا كبيرا في السن ممن يكثر الزيارة لتلك المنطقة عن قبر حول سمرات قرون بقر أو بالقرب من الجبل فأفادني بأن هناك دائرة حجرية من المحتمل أن تكون قبرا في جهة الجبل الشرقية ، ثم ذكر لي قبورا رآها حول جبال بني جربوع يحار في أمرها من يراها ، فعزمت على زيارتها يوم الخميس ، فكانت محطتنا الأولى تلك القبور وقد أفردتها في الموضوع السابق ، وكان قرون بقر هو محطتنا الأخيرة والرئيسة في سير الرحلة ..
جبل أفيخ من الجهة الشرقية وهي الجهة التي قدم منها توبة ورجاله عندما أدركوا ثور بن أبي سمعان ورهطه :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/91308689253.jpg
جبل قرون بقر من الجهة الجنوبية ، وفي الصورة تظهر السمرات التي احتمى بها ثور بن أبي سمعان ورهطه من سهام توبة ، ولاتكاد توجد سمرات بجنب قرون بقر يمكن أن ينطبق عليها الوصف في تلك القصة غير هذه السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/01308689284.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/81308689253.jpg
جبل أفيخ ودونه السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/61308689253.jpg
مشاهد مختلفة من ذلك المكان :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/51308689253.jpg
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/41308689253.jpg
ثم اتجهنا إلى طرف قرون بقر من الجهة الجنوبية الشرقية ، فوجدت دائرة حجرية ظننتها أول وهلة أنها قبر ثور بن أبي سمعان ، حيث نص صاحب الأغاني أنه لم يمت غيره ، وكان من عادة القبائل قديما أنه إذا مات فيها القائد أو الفارس وضعوا حمى على قبره وأحاطوه بالحجارة ، لكن بعد جولة بين بُرق قرون بقر عثرت على دوائر حجرية كثيرة في جهته الشمالية الغربية - كما سيأتي لاحقا - ، فسقط هذا الاحتمال ..
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/11308605804.jpg
صورة طبيعية توضح مكان الدائرة الحجرية من السمرات :
http://www.alrahalat.com/uploads/2011/10371/21308859159.jpg
يتبع