الدرع العربي
26/06/2011, 01:34 PM
جربة حميد بن منصور
في يوم الجمعة 21 / 6 / 1431 هـ كنت بصحبة الأخ محمد بن سيف في شمال شرق منطقة عسير ، وبالتحديد في محافظة تثليث ، فأراد أن يوقفني على جِربة حميد بن منصور التي لم أستطع الوصول إليها بصحبته قبل ثلاث سنوات .
الجربة بكسر الجيم موضع مستوٍ يدخل إليه الماء على ما يبدو فيحير فيه أياما وتستخدم أرضا للزراعة والله أعلم ، وسيجد القارئ تفسيرا أفضل من هذا وأدق .
قال صاحب كتاب " تاج العروس من جواهر القاموس " محمد مرتضى الزَّبيدي رحمه الله :
الجَرِيبُ مِنَ الأَرْضِ والطَّعَامِ مِقْدَارٌ مَعْلُومُ الذِّرَاعِ والمِسَاحَةِ ، وهو عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، لكُلِّ قَفِيزٍ منها عَشَرَةُ أَعْشِرَاءَ ، فالعَشِيرُ : جُزْءٌ من مائة جُزْءٍ من الجَرِيبِ ، ويقال : أَقْطَعَ الوَالِيِ فُلاناً جَرِيباً منَ الأَرْضِ ، أَي مَبْرَزَ جَرِيبٍ ، وهو مَكِيلةٌ معروفَةٌ ، وكذلك أَعْطَاهُ صَاعاً من حَرَّةِ الوَادِي أَي مَبْرَزَ صَاعٍ ، وأَعطاهُ قَفِيزًا ، أَي مَبْرزَ قَفِيزٍ ، ويقال : الجَرِيبُ مِكْيالٌ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَقْفِزَةٍ ، قاله ابنُ سيده ،
وقِيلَ : الجَرِيبُ : المَزْرَعَةُ ، ونقل عن قُدَامَةَ الكاتِبِ أَنَّهُ ثَلاَثَةُ آلافٍ وسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وقد تَقدّم آنِفًا ما يَتعلّق بذلك ، والجَرِيبُ : الوَادِي مطلقًا ، وجَمْعُه أَجْرِبَةٌ ، والجِرْبَةُ ، بالكَسْرِ كالجَرِيبِ : المَزْرَعَةُ ، ومنه سُمِّيَتِ الجِرْبَةُ المَزْرَعَةُ المعروفةُ بوادي زَبِيد ، وأَنشد في المحكم لِبِشْرِ بنِ أَبِي خَازِمٍ :
تَحَدُّرَ مَاءِ البِئرِ عن جُرَشِيَّةٍ * عَلَى جِرْبَةٍ تَعْلُو الدِّبَارَ غُرُوبُهَا
الدَّبْرَةُ : الكَرْدَةُ من المَزْرَعَةِ والجَمْعُ الدِّبَارُ ، والجِرْبَةُ : القَرَاحُ مِنَ الأَرْضِ قال أَبو حنيفة : واستعارها امرؤ القيس للنخل فقال :
كَجِرْبَةِ نَخلٍ أَو كَجَنّةِ يَثْرِبِ
أَو الجِرْبَة هي الأَرْض المُصْلَحَةُ لزرْعٍ أَو غَرْسٍ حكاها أَبو حنيفةَ ، ولم يَذكر الاستعارة ، كذا في لسان العرب ، والجِرْبَةُ : جِلْدَةٌ أَوْ بارِيَّةٌ تُوضَعُ على شَفِيرِ البِئرِ لِئلاَّ يَنْتَثِرَ ، بالثاء المثلثة - وفي نسخةٍ ، ينتشر ، بالشين المعجمة - ، كذا نَصّ ابن سِيده في المحكم المَاءُ في البِئرِ ، أَو هي جِلْدَةٌ تُوضَعُ في الجَدْوَلِ لِيَتَحَدَّرَ عَلَيْهَا المَاءُ ، وعبارة المحكم يتحدر عليه الماء .
وعن الليث : الجِرْبَة : البُقْعَةُ الحَسَنَةُ النَّبَاتِ وجمعُهَا جِرَبٌ ، قال الشاعر :
وَمَا شَاكِرٌ إلاَّ عَصَافِيرُ جِرْبَةٍ * يَقُومُ إلَيْهَا قَارِحٌ فَيُطِيرُهَا
انتهى ما نقلته من تاج العروس ..
وقال صاحب " المعجم الجغرافي : منطقة عسير " علي بن إبراهيم الحربي :
الجِربة : منهل من مناهل الحباب يقع أسفل وادي لِهْو غرب جبال ركبيّانة ، وتعرف بجربة حميد بن منصور شمالي مركز الأمواه . انتهى ..
ومن واقع الرؤية المكانية فإن هذه الجربة تقع أمام سهل مفتوح من الجنوب ويشرف عليها تل صغير من الغرب ، وتقع إلى الشرق من فج واسع يتخلل جبال الحَجَر ، ويربط بينها وبين الهجيرة " الجعيفرة " والتي لا تبعد عنها بأكثر من 4 كيلوأمتار ، ثم وادي تثليث الذي تطل عليه تلك الآثار ، ويمر وادي لهو بقرب جربة حميد بن منصور ، وسيلها من وادي ركبيّانة .
وتقع على الدرجة 45 - 57 - 18 ش ، 25 - 40 - 43 ق
أما حميد هذا فهناك من ينطق اسمه بكسر الحاء "حِمِيد " كأنما يقول حَمِيد باللهجة الدارجة عند بعض عرب نجد .
والذي جعلني أهتم بحميد بن منصور هذا ، والدتي حفظها الله ، حيث كانت تقص لي يوم كنت صغيرا قصة بنت حميد بن منصور وملخصها ما يلي :
كانت لحميد بن منصور زوجة من أهل العراق ولم يطب لها المقام معه في دياره فذهبت إلى بلدها وقد يكون طلقها أو لم يطلقها ، المهم أنها حين غادرته كانت قد حملت منه ، وحين بلغت ديارها تكامل حملها ثم ولدت بنتا اعتنت بتربيتها ولما أشرفت الأم على الموت وكانت البنت قد بلغت مبلغ النساء ، أرادت أن تعطي ابنتها درسا في الشرف ، فأتت بقطعة صغيرة من دهن ودهنت بها رأسها وأسقطت – عمدا – جزءا صغيرا منها على الأرض ، ثم قالت : يا حميدة ، تعالي افلي رأسي ! وبعد دقائق تجمع الذر على قطعة الدهن التي في الأرض ، فقالت الأم لابنتها : يا حميدة ، انظري إلى هذه الدهنة فهي كالبنت إذا لم تصن عرضها تكاثر عليها الناهبون ، ثم إن الأم وصفت موضع أبيها لها بالتفصيل وأخبرتها بطريقته في جر الماء من البئر وأنه رجل قصير .
استودعت الأم بنتها عند رجل تفاءلت به وهو من جيرانها ، ثم ماتت .
بعد حين من الدهر جاء الجار إلى حميدة وقال لها : إن في هذا البلد أربعة شبان سيخطبونك ! فقالت : وأتزوجهم جميعا ؟ قال : نعم ، أنت هنا أزواجك أربعة وفي بلادك زوج واحد !!
علمت حميدة أن المكيدة كبيرة ، فأحكمت الخطة وأظهرت الموافقة وقالت : يا عم ، أريد مالا كي أشتري به ملابس وأجهز نفسي ! فأعطاها ما أرادت .
ذهبت إلى السوق التجاري والذي تكون فيه القوافل فاتجهت إلى مسئول القافلة وأبلغته بخبرها فاستدعى من فوره رجلا أمينا وقال خذ هذه الوديعة فاسبقنا بها إلى نجد وسوف لن نتحرك إلا بعد ثلاثة أيام حتى لا يعلم أحد بخبر هذه البنت ! ثم أحكموا الخطة وذهبت مع الرجل حتى وصلت إلى موضع أبيها ، ثم أتت عند البير ووقفت وكان والدها يصلح نخله فقال :
ويش اللي جابك لها البير * اللي طويل (ن) جباها
؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ * حِمل الرّْشَيْدي رشاها
( الرشَيدي هو الحمار أجلكم الله )
فقالت :
كلّ (ن) بداره مولّع * لو كان مسقًى طناها
يروح منها بلا ريش * ولا نبْت له ريش جاها
فعرف أنها ابنته فقال :
البنت بنت حميد بن منصور * لا رحن ابو من غذاها
( لا رحن ، كلمة محورة من لا رحم ، منعا للدعاء ، نستخدمها في الشَّعْراء على نطاق واسع ، كما يستخدم البادية عندنا كلمة : نعن بدلا من لعن بنفس الكيفية ) .
ولقد بحثت عن حميد بن منصور هذا فرأيت كل قبيلة تريد أن تجعله منها ، ولكن لنفرض أنه عاش بين القرنين الخامس الهجري والحادي عشر الهجري ، رغم طول المدة فإن هذا المكان تحتله قبيلة قحطان لم يزعزعها منه أحد ، فلنقل إنه قحطاني بصرف النظر عن الفرع الذي ينتمي إليه .
مما وجدته من المنتديات المتفرقة أقتطف بعض الأخبار والأشعار التي تدل على أن هذه الشخصية نبيهة إلى حد أن يطمع كل إنسان بأن يكون حميد من قبيلته ..
يذكر الرواة أن الشاعر حميد ابن منصور , صاحب حكمه ومثايل وذكاء وفطنة , يقدره الناس ويحترمونه , عُرف باليسر والكرم , صاحب جاه وممتلكات , لا يكاد يهبط سوقا للبيع والشراء إلا ويحسب له من في السوق قيمته وقدره , وكان له حساد وأعداء مثل غيره من المشاهير .
المهم أن الرجل درج وتجول في احد الأسواق وجلس ليشتري من أحد التجار بعض الحبوب , وكانوا في ذلك الزمن يلبسون الثياب المفرّجة (ثوب عريض جدا وله أكمام طويلة يسمى ثوبا مذَلَّقًا ) , وإذا نوى الشراء جلس أمام التاجر ليفاصله في السعر , وكانوا يشترون بالمكيال , فإذا اشترى شيئا من الحبوب فرش أسفل ثوبه أمامه ليكتال فيه ثم يصبه في الإناء المخصص , ثم يذهب بعد ذلك ليرفعه على راحلته المربوطة في طرف السوق , وكانوا لا يلبسون سراويل مثل الآن .
وأثناء جلوس ابن منصور شاهده أحد حساده فطلب من شخص ضعيف نفس أن يشبك ثوب ابن منصور من خلفه بمشبك ( ويقال بالإبرة والخيط ) حتى إذا وقف الرجل تنكشف عورته أمام أهل السوق , واستجاب ضعيف النفس للطلب مقابل مبلغ مالي وتمكن من شبك ثوب ابن منصور دون أن يحس به , وبعد ما اكتال ابن منصور وهم بالوقوف أدرك بفطنته وذكائه أن ثوبه مشبوك في قفاه فجلس وطلب من التاجر أن يفك ثوبه وسأله من شاهدت جلس خلفي فوصف له من شاهد .
وضع ابن منصور بضاعته على راحلته وعاد إلى وسط السوق وبفراسته عرف غريمه فسأله من وصاك وكم أعطاك ؟ .. تردد الفاعل أولا فأغراه بالمال فقال فلان , قال ابن منصور هذه إبرة وهذا خيط وإذا رأيته جلس اشبك ثوبه مثلما فعلت معي ولك المبلغ الفلاني , وانطلق الرجل وابن منصور يرقبه من بعيد ويوم جلس صاحبه عند احد التجار جلس الرجل خلفه وشبك ثوبه ويوم قام انكشفت عورته أمام الناس وكان قريبا منهم أحد أقاربه فاستل جنبيته وقطع رأس الفاعل , ورد واحد من أهل المقتول فقتل القاتل , فرآه ثالث فقتله ورد رابع وقتل القاتل وصاح الصايح وأصبح وسط السوق أربعة قتلى .
ابن منصور طلع فوق واحد من الدكاكين وسط السوق ووقف يهدر ويهلل ويكبر وتجمع الناس حوله وصاح بصوت عالي :
أنا حميد بن منصور وأنشد يقول :
أقوله وانا حميد بن منصور * أنا راعي مثل وأنا راعي دروس
أنا أخرجت من حلق الموت راسي * وأنا أدخلت في حلق الموت روس
يا أهل السوق حصل لي اليوم في هذا السوق كذا وكذا وأنا عرفت غريمي وطلبت من الفاعل أن يشبك ثوبه في قفاه وأعطيته المال وجعلته يحفر حفرة السوء لذا حفرها لي وحصل ما حصل .
هلل وكبر الناس وتجمع كبار السوق وأنهوا المشكلة ..
وجاء في منتديات قحطان عنه قولهم :
" الشيخ والشاعر حميد بن منصور ، من حمالة من بني بشر بن حرب ، كان كبير حمالة عندما كانوا في وادي ((( قرّا ))) أعالي وادي تثليث
قبل رحيلهم من الخوايس " .
ولا أدري كيف نوفق بين خروج حرب من اليمن ووجود بشر في تثليث !!
...........
وإليكم خريطة تبين موقع الجربة
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_rukbyanah.jpg
وهذه صورة للسهل المفتوح أمام الجربة من الجنوب الشرقي
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_dsc_1002.jpg[/URL]
وهذه صورة واسعة الزاوية للجربة
[URL="http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_11275924447.jpg"] (http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_dsc_1002.jpg)
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_jerbah.jpg
وتقبلوا جهد المُقِلّ
في يوم الجمعة 21 / 6 / 1431 هـ كنت بصحبة الأخ محمد بن سيف في شمال شرق منطقة عسير ، وبالتحديد في محافظة تثليث ، فأراد أن يوقفني على جِربة حميد بن منصور التي لم أستطع الوصول إليها بصحبته قبل ثلاث سنوات .
الجربة بكسر الجيم موضع مستوٍ يدخل إليه الماء على ما يبدو فيحير فيه أياما وتستخدم أرضا للزراعة والله أعلم ، وسيجد القارئ تفسيرا أفضل من هذا وأدق .
قال صاحب كتاب " تاج العروس من جواهر القاموس " محمد مرتضى الزَّبيدي رحمه الله :
الجَرِيبُ مِنَ الأَرْضِ والطَّعَامِ مِقْدَارٌ مَعْلُومُ الذِّرَاعِ والمِسَاحَةِ ، وهو عَشَرَةُ أَقْفِزَةٍ ، لكُلِّ قَفِيزٍ منها عَشَرَةُ أَعْشِرَاءَ ، فالعَشِيرُ : جُزْءٌ من مائة جُزْءٍ من الجَرِيبِ ، ويقال : أَقْطَعَ الوَالِيِ فُلاناً جَرِيباً منَ الأَرْضِ ، أَي مَبْرَزَ جَرِيبٍ ، وهو مَكِيلةٌ معروفَةٌ ، وكذلك أَعْطَاهُ صَاعاً من حَرَّةِ الوَادِي أَي مَبْرَزَ صَاعٍ ، وأَعطاهُ قَفِيزًا ، أَي مَبْرزَ قَفِيزٍ ، ويقال : الجَرِيبُ مِكْيالٌ قَدْرُ أَرْبَعَةِ أَقْفِزَةٍ ، قاله ابنُ سيده ،
وقِيلَ : الجَرِيبُ : المَزْرَعَةُ ، ونقل عن قُدَامَةَ الكاتِبِ أَنَّهُ ثَلاَثَةُ آلافٍ وسِتُّمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وقد تَقدّم آنِفًا ما يَتعلّق بذلك ، والجَرِيبُ : الوَادِي مطلقًا ، وجَمْعُه أَجْرِبَةٌ ، والجِرْبَةُ ، بالكَسْرِ كالجَرِيبِ : المَزْرَعَةُ ، ومنه سُمِّيَتِ الجِرْبَةُ المَزْرَعَةُ المعروفةُ بوادي زَبِيد ، وأَنشد في المحكم لِبِشْرِ بنِ أَبِي خَازِمٍ :
تَحَدُّرَ مَاءِ البِئرِ عن جُرَشِيَّةٍ * عَلَى جِرْبَةٍ تَعْلُو الدِّبَارَ غُرُوبُهَا
الدَّبْرَةُ : الكَرْدَةُ من المَزْرَعَةِ والجَمْعُ الدِّبَارُ ، والجِرْبَةُ : القَرَاحُ مِنَ الأَرْضِ قال أَبو حنيفة : واستعارها امرؤ القيس للنخل فقال :
كَجِرْبَةِ نَخلٍ أَو كَجَنّةِ يَثْرِبِ
أَو الجِرْبَة هي الأَرْض المُصْلَحَةُ لزرْعٍ أَو غَرْسٍ حكاها أَبو حنيفةَ ، ولم يَذكر الاستعارة ، كذا في لسان العرب ، والجِرْبَةُ : جِلْدَةٌ أَوْ بارِيَّةٌ تُوضَعُ على شَفِيرِ البِئرِ لِئلاَّ يَنْتَثِرَ ، بالثاء المثلثة - وفي نسخةٍ ، ينتشر ، بالشين المعجمة - ، كذا نَصّ ابن سِيده في المحكم المَاءُ في البِئرِ ، أَو هي جِلْدَةٌ تُوضَعُ في الجَدْوَلِ لِيَتَحَدَّرَ عَلَيْهَا المَاءُ ، وعبارة المحكم يتحدر عليه الماء .
وعن الليث : الجِرْبَة : البُقْعَةُ الحَسَنَةُ النَّبَاتِ وجمعُهَا جِرَبٌ ، قال الشاعر :
وَمَا شَاكِرٌ إلاَّ عَصَافِيرُ جِرْبَةٍ * يَقُومُ إلَيْهَا قَارِحٌ فَيُطِيرُهَا
انتهى ما نقلته من تاج العروس ..
وقال صاحب " المعجم الجغرافي : منطقة عسير " علي بن إبراهيم الحربي :
الجِربة : منهل من مناهل الحباب يقع أسفل وادي لِهْو غرب جبال ركبيّانة ، وتعرف بجربة حميد بن منصور شمالي مركز الأمواه . انتهى ..
ومن واقع الرؤية المكانية فإن هذه الجربة تقع أمام سهل مفتوح من الجنوب ويشرف عليها تل صغير من الغرب ، وتقع إلى الشرق من فج واسع يتخلل جبال الحَجَر ، ويربط بينها وبين الهجيرة " الجعيفرة " والتي لا تبعد عنها بأكثر من 4 كيلوأمتار ، ثم وادي تثليث الذي تطل عليه تلك الآثار ، ويمر وادي لهو بقرب جربة حميد بن منصور ، وسيلها من وادي ركبيّانة .
وتقع على الدرجة 45 - 57 - 18 ش ، 25 - 40 - 43 ق
أما حميد هذا فهناك من ينطق اسمه بكسر الحاء "حِمِيد " كأنما يقول حَمِيد باللهجة الدارجة عند بعض عرب نجد .
والذي جعلني أهتم بحميد بن منصور هذا ، والدتي حفظها الله ، حيث كانت تقص لي يوم كنت صغيرا قصة بنت حميد بن منصور وملخصها ما يلي :
كانت لحميد بن منصور زوجة من أهل العراق ولم يطب لها المقام معه في دياره فذهبت إلى بلدها وقد يكون طلقها أو لم يطلقها ، المهم أنها حين غادرته كانت قد حملت منه ، وحين بلغت ديارها تكامل حملها ثم ولدت بنتا اعتنت بتربيتها ولما أشرفت الأم على الموت وكانت البنت قد بلغت مبلغ النساء ، أرادت أن تعطي ابنتها درسا في الشرف ، فأتت بقطعة صغيرة من دهن ودهنت بها رأسها وأسقطت – عمدا – جزءا صغيرا منها على الأرض ، ثم قالت : يا حميدة ، تعالي افلي رأسي ! وبعد دقائق تجمع الذر على قطعة الدهن التي في الأرض ، فقالت الأم لابنتها : يا حميدة ، انظري إلى هذه الدهنة فهي كالبنت إذا لم تصن عرضها تكاثر عليها الناهبون ، ثم إن الأم وصفت موضع أبيها لها بالتفصيل وأخبرتها بطريقته في جر الماء من البئر وأنه رجل قصير .
استودعت الأم بنتها عند رجل تفاءلت به وهو من جيرانها ، ثم ماتت .
بعد حين من الدهر جاء الجار إلى حميدة وقال لها : إن في هذا البلد أربعة شبان سيخطبونك ! فقالت : وأتزوجهم جميعا ؟ قال : نعم ، أنت هنا أزواجك أربعة وفي بلادك زوج واحد !!
علمت حميدة أن المكيدة كبيرة ، فأحكمت الخطة وأظهرت الموافقة وقالت : يا عم ، أريد مالا كي أشتري به ملابس وأجهز نفسي ! فأعطاها ما أرادت .
ذهبت إلى السوق التجاري والذي تكون فيه القوافل فاتجهت إلى مسئول القافلة وأبلغته بخبرها فاستدعى من فوره رجلا أمينا وقال خذ هذه الوديعة فاسبقنا بها إلى نجد وسوف لن نتحرك إلا بعد ثلاثة أيام حتى لا يعلم أحد بخبر هذه البنت ! ثم أحكموا الخطة وذهبت مع الرجل حتى وصلت إلى موضع أبيها ، ثم أتت عند البير ووقفت وكان والدها يصلح نخله فقال :
ويش اللي جابك لها البير * اللي طويل (ن) جباها
؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ * حِمل الرّْشَيْدي رشاها
( الرشَيدي هو الحمار أجلكم الله )
فقالت :
كلّ (ن) بداره مولّع * لو كان مسقًى طناها
يروح منها بلا ريش * ولا نبْت له ريش جاها
فعرف أنها ابنته فقال :
البنت بنت حميد بن منصور * لا رحن ابو من غذاها
( لا رحن ، كلمة محورة من لا رحم ، منعا للدعاء ، نستخدمها في الشَّعْراء على نطاق واسع ، كما يستخدم البادية عندنا كلمة : نعن بدلا من لعن بنفس الكيفية ) .
ولقد بحثت عن حميد بن منصور هذا فرأيت كل قبيلة تريد أن تجعله منها ، ولكن لنفرض أنه عاش بين القرنين الخامس الهجري والحادي عشر الهجري ، رغم طول المدة فإن هذا المكان تحتله قبيلة قحطان لم يزعزعها منه أحد ، فلنقل إنه قحطاني بصرف النظر عن الفرع الذي ينتمي إليه .
مما وجدته من المنتديات المتفرقة أقتطف بعض الأخبار والأشعار التي تدل على أن هذه الشخصية نبيهة إلى حد أن يطمع كل إنسان بأن يكون حميد من قبيلته ..
يذكر الرواة أن الشاعر حميد ابن منصور , صاحب حكمه ومثايل وذكاء وفطنة , يقدره الناس ويحترمونه , عُرف باليسر والكرم , صاحب جاه وممتلكات , لا يكاد يهبط سوقا للبيع والشراء إلا ويحسب له من في السوق قيمته وقدره , وكان له حساد وأعداء مثل غيره من المشاهير .
المهم أن الرجل درج وتجول في احد الأسواق وجلس ليشتري من أحد التجار بعض الحبوب , وكانوا في ذلك الزمن يلبسون الثياب المفرّجة (ثوب عريض جدا وله أكمام طويلة يسمى ثوبا مذَلَّقًا ) , وإذا نوى الشراء جلس أمام التاجر ليفاصله في السعر , وكانوا يشترون بالمكيال , فإذا اشترى شيئا من الحبوب فرش أسفل ثوبه أمامه ليكتال فيه ثم يصبه في الإناء المخصص , ثم يذهب بعد ذلك ليرفعه على راحلته المربوطة في طرف السوق , وكانوا لا يلبسون سراويل مثل الآن .
وأثناء جلوس ابن منصور شاهده أحد حساده فطلب من شخص ضعيف نفس أن يشبك ثوب ابن منصور من خلفه بمشبك ( ويقال بالإبرة والخيط ) حتى إذا وقف الرجل تنكشف عورته أمام أهل السوق , واستجاب ضعيف النفس للطلب مقابل مبلغ مالي وتمكن من شبك ثوب ابن منصور دون أن يحس به , وبعد ما اكتال ابن منصور وهم بالوقوف أدرك بفطنته وذكائه أن ثوبه مشبوك في قفاه فجلس وطلب من التاجر أن يفك ثوبه وسأله من شاهدت جلس خلفي فوصف له من شاهد .
وضع ابن منصور بضاعته على راحلته وعاد إلى وسط السوق وبفراسته عرف غريمه فسأله من وصاك وكم أعطاك ؟ .. تردد الفاعل أولا فأغراه بالمال فقال فلان , قال ابن منصور هذه إبرة وهذا خيط وإذا رأيته جلس اشبك ثوبه مثلما فعلت معي ولك المبلغ الفلاني , وانطلق الرجل وابن منصور يرقبه من بعيد ويوم جلس صاحبه عند احد التجار جلس الرجل خلفه وشبك ثوبه ويوم قام انكشفت عورته أمام الناس وكان قريبا منهم أحد أقاربه فاستل جنبيته وقطع رأس الفاعل , ورد واحد من أهل المقتول فقتل القاتل , فرآه ثالث فقتله ورد رابع وقتل القاتل وصاح الصايح وأصبح وسط السوق أربعة قتلى .
ابن منصور طلع فوق واحد من الدكاكين وسط السوق ووقف يهدر ويهلل ويكبر وتجمع الناس حوله وصاح بصوت عالي :
أنا حميد بن منصور وأنشد يقول :
أقوله وانا حميد بن منصور * أنا راعي مثل وأنا راعي دروس
أنا أخرجت من حلق الموت راسي * وأنا أدخلت في حلق الموت روس
يا أهل السوق حصل لي اليوم في هذا السوق كذا وكذا وأنا عرفت غريمي وطلبت من الفاعل أن يشبك ثوبه في قفاه وأعطيته المال وجعلته يحفر حفرة السوء لذا حفرها لي وحصل ما حصل .
هلل وكبر الناس وتجمع كبار السوق وأنهوا المشكلة ..
وجاء في منتديات قحطان عنه قولهم :
" الشيخ والشاعر حميد بن منصور ، من حمالة من بني بشر بن حرب ، كان كبير حمالة عندما كانوا في وادي ((( قرّا ))) أعالي وادي تثليث
قبل رحيلهم من الخوايس " .
ولا أدري كيف نوفق بين خروج حرب من اليمن ووجود بشر في تثليث !!
...........
وإليكم خريطة تبين موقع الجربة
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_rukbyanah.jpg
وهذه صورة للسهل المفتوح أمام الجربة من الجنوب الشرقي
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_dsc_1002.jpg[/URL]
وهذه صورة واسعة الزاوية للجربة
[URL="http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_11275924447.jpg"] (http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_dsc_1002.jpg)
http://www.mekshat.com/pix/upload05/images219/mk52376_jerbah.jpg
وتقبلوا جهد المُقِلّ