المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسباب تأخر المطر(اللهم اسقنا ولاتحرمنا)



الحر الأشقر
16/11/2006, 05:30 PM
تأخر نزول الغيث من سنوات عدة, بعد أن كانت الأودية فيها العيون النابضة بالماء, وفيها مجاري المياه, يشكون جدب الأرض بعد أن كانت الأرض مخضرة, يشكون ذلك, وحُق لهم أن يشكوا من ذلك؛ لأن الماء نعمة من نعم الله تعالى, قال عز وجل: وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون [الأنبياء: 30].



عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركهن: ما ظهرت الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا, ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان, ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمَطروا)) يقول مجاهد بن جبير ـ رحمه الله تعالى ـ: "إن البهائم لتلعن العصاة من بني آدم إذا اشتدت السنن تقول: من شؤم معصية بني آدم



أمران بهما يمنع القطر من السماء, بهما يحصل الجدب والقحط:



أولهما: لم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين, والأخذ بالسنين من البلاء والأخذ بالسنين من العذاب, قال تعالى عن عذاب آل فرعون في الدنيا: ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذّكرون [الأعراف: 130] فالأخذ بالسنين من العذاب.



ما هو نقص المكيال والميزان؟ نقص المكيال والميزان أن يغش الناس في معاملاتهم فإذا ذهبت إلى السوق حرص البائع على غبن المشتري فيجعل السلعة الرديئة تحت , وبعض السلعة الحسنة أعلى, يحرص على أن يطفف في المكيال والميزان, إن كان الأمر له بخس صاحبه, وإن كان الأمر لغيره اكتال عليه.



وهذا من أسباب شدة المؤنة إذ قال : ((إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجَوْر السلطان)) ولا يقف قول النبي على نقصوا المكيال والميزان عند هذا الحد, بل يتعدى إلى ما يحصل في زماننا من السرقات , من سرقات أموال المسلمين, من التزوير, من الاختلاس وغير ذلك, كل ذلك من نقص المكيال والميزان, ولا تبخسوا الناس أشياءهم قالها شعيب عليه السلام لقومه.



أعمالكم أيها المؤمنون عُمالكم, أصلحوا, إذا صلح الناس صلح الولاة عليهم بإذن الله رب العالمين, إنه على كل شيء قدير ((وما نقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان))



السبب الثاني لتأخر نزول الغيث من السماء ( منع الزكاة ) ـ ((إلا مُنعوا القطر من السماء)) , يكنزون الذهب والفضة, يكنزون أموالهم ولا يخرجون منها شيئًا, وإن أخرجوا, أخرجوا دون ما أمر الله به في النصاب, ترى بعضهم أمواله بالملايين ويخرج بضعة آلاف ظنًا منه أن هذه تغني عن الزكاة ولا يتحرى في زكاة ماله, ووالله الذي لا إله إلا هو ولتبلغ زكاة ماله في السنة الواحدة الملايين ولا يخرج منها إلا بضع آلاف, يقول أخرجت زكاة مالي؟ لم يا عبد الله, لم هذا البخل؟ لم هذا الكنز للمال؟ أما سمعت قول الله تعالى: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم [التوبة: 34].



أتريد أن تنال هذا العذاب الأليم أتعرف ما هذا العذاب الأليم؟ يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون [التوبة: 35] , وإذا نزلت قطرات من المطر, وإذا نزل غيث من السماء ما كان ذلك إلا للبهائم, ولولا البهائم لم يمطروا, أي ولولا البهائم موجودة لم يقطروا, فإذن المطر الذي ينزل قليلاً ليس لهؤلاء العصاة المصّرين على معاصيهم, الذين لا يقلعون عنها, الذين لا ينفون أسباب القحط وعدم نزول المطر, إنما الرحمة بالبهائم, إنما الرحمة بالعجماوات, ولولا البهائم لم يمطروا, هكذا بين لنا الصادق المصدوق.




فليس سبب تأخر الأمطار رياح تأتي من الشمال أو الجنوب أو تغير في الأحوال المناخية, لا سبب تأخر الأمطار هو هذا,

هو ما ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام, وإذا ما أقلع الناس عن هذه الأمور ورجوا من الله تعالى الرحمة ونزول الغيث.

قال سبحانه وتعالى عن هود عليه السلام: ويا قوم استغفروا الله ثم توبوا إليه ـ ماذا؟ ـ يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين [هود: 52], يا قوم استغفروا الله وتوبوا إليه من المعاصي كلها من الشرك والبدع وما يتعلق بهما من أكل الربا, ليس الاستغفار باللسان, إنما الاستغفار بالفعال, توبوا إليه, أقلعوا عن المعصية, ومع الإقلاع استغفروا الله عز وجل, عندها يرسل السماء عليكم مدرارًا ويزدكم قوة إلى قوتكم, وإن لم تفعلوا فسيبقى الحال على ما ترون لا تنتظروا إن لم تقلعوا عن معاصيكم وتستغفروا ربكم أن ينزل عليكم المطر بمجرد: اللهم اسقنا, لا, لا يكون ذلك بهذا فقط, وإنما يكون قبل ذلك بالاقلاع عن الذنب.



ويقول تعالى عن نوح عليه السلام: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا يرسل السماء عليكم مدرارًا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا ما لكم لا ترجون لله وقارًا [نوح: 10ـ13].



إذن أيها الأخوة إن من أسباب نزول الغيث من السماء: أن تستغفر الله سبحانه وتعالى وأن تتوب إليه, فذلك هو المخرج, وأن نتضرع إليه أفرادًا وجماعات إذ هو القائل تعالى: ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعلمون [الأنعام: 42 ـ 43].