محمد الشاوي
01/04/2014, 11:50 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الإخوة أعضاء مكشات الفضلاء وروّاده الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد :
يعتبر الشاعر عيادة بن منيس الشمري من أشهر شعراء جيله
وسأسرد قصته مع زوجتيه اللتين فقدهما على التوالي في ظروف حزينة جداً
قبل مايقارب قرنا من الزمان كان عيادة بن منيس يقيم مع زوجته في نواحي حائل
وفي سنة من السنوات طلب منه أهلها أن يأخذوها معهم لتؤدي فريضة الحج
وافق عيادة وذهبت زوجته مع أهلها للحج ..
وبعد رجوعهم إلى ديارهم ذهب شاعرنا لأصهاره لتهنئتهم بسلامة الوصول
وليأخذ زوجته .
لكنه فوجيء بوفاتها في الطريق قبل وصولهم للديار .
حمد الله على قضائه وتدبيره .. ولكنه بقي حزينا على فراقها حيث كان يحبها ويجد فيها صفات المرأة الوفية
التي كانت تملأ عليه حياته .. وكان يرى أن مثيلاتها في النساء نوادر .
سمع حكام حائل بوفاة زوجة عيادة بن منيس فقدموا لتعزيته .. وقالوا له :
هل تعرف امرأة تكون مثلها وتقوم مقامها لنخطبها لك ؟
فأخبرهم عيادة أنه لايعرف من تقوم مقامها إلا بنت رجل من شمر يقال له : ابن غازي
وهي وحيدة أبيها وليس له من يخدمه ويسرح بإبله غيرها . وأنه يستحي أن يخطبها من أبيها خشية أن يعطله من أعماله .
لكن حاكم حائل عزم على خطبتها له .. وفعلا تم ذلك وساقوا المهر مضاعفاً .
كانت البنت على قدر كبير من الأدب وتقدير الزوج وحشمته والقيام بأمره
وكان اسمها ( خرعا ) .
وجد عيادة في زوجته الجديدة خرعا سلوة عن زوجته الأولى .. بل كانت في نظره أفضل منها
أحبها كثيرا وعاش معها ماشاء الله من السنين .
وفي أحد الأعوام أمحلت ديارهم التي كانوا يسكنونها بين قرية جفيفا والشقيق
وهذه المواضع تقع إلى الجنوب الغربي لمدينة حائل وتبعد قرابة 90 كم
وإلى الجنوب الغربي أيضاً من محافظة موقق وتبعد عنها قرابة 35 كم
استمر القحط وأمحلت الأرض بينما كانت تصلهم الأخبار أن لينة وما حولها قد ربعت .
فتشاور رجال القبيلة وقرروا الرحيل إلى لينة حتى يفرج الله عنهم تلك الضائقة .
واتفقوا على أن يكون الرحيل بعد خمسة أيام ليتسنى لهم الاستعداد .
استغل عيادة تلك المهلة بتصنيع طلقات البارود المكونة من البارود والملح والكبريت
وكانت لها طريقة معينة في التصنيع
بينما كان يدق المكونات الثلاث بالنجر اشتعل البارود وثارت النار في وجهه فاحترق جسمه وتأثر كثيرا .
كانت فاجعة كبيرة للقبيلة كلها .. جعلتهم يفكرون بإلغاء قرار الرحيل
سمعت خرعا حديث الرجال فقالت لهم : أنا سأقوم بتطبيبه وعلاجه والبقاء معه وأنتم عليكم بالرحيل حتى لايهلك الحلال .
وطلبت منهم أن يضعوها وزوجها في غار قريب شمال جبل عرنة .
لكنهم قالوا لابد من استشارة عيادة في ذلك .
وفعلا ذهبوا إليه فقال لهم : هذا الذي حصل هو قضاء الله وقدره
وأنا راضٍ بما قدره الله سبحانه .. وأخبرهم أنه لابد من رحيلهم حتى لايهلك الحلال .
وطلب منهم أن ينقلوه للغار الذي اقترحته خرعا في شمال جبل عرنة .
نقلوه للغار وتركوا عنده من الزاد مايكفي لثلاثة أشهر وكان عيادة لايستطيع الحركة إطلاقا .
رحلت القبيلة وبقي الزوجان وحدهما في الغار .. كانت خرعا تقوم برعايته خير قيام
كانت يوميا تحطب الحطب وتوقد له النار وتخبز له الخبز وتصيد له الحجل وغيرها مما تقدر على صيده
وكانت تأخذ الرماد وتنخله وتفرشه لعيادة حتى يمتص الألم والماء الذي نتج بسبب الاحتراق
وكانت إذا أرادت أن تقعده للأكل تقرّب له قرونها ( الجدايل ) فيعضها بأسنانه ثم تسحبه حتى يجلس
رغم مافي ذلك من الألم الشديد لها .. وكانت تفعل ذلك لأنه لايستطيع استخدام يديه لشدة الحروق
استمرت على هذه الحال مدة تسعين يوماً .. وكانت خرعا تتفنن في رعاية زوجها رغم قسوته عليها أحياناً
وكان يحاول استفزازها ليرى هل تقول كلمة واحدة فيها عتب فلم يزدها ذلك إلا إخلاصا له وشفقة به وحناناً عليه
استمر الأمر على هذه الحال حتى بدأ عيادة يتشافى
ونزلت خلال هذه المدة الأمطار وربعت الديار
وسمع الراحلون بأخبار الأمطار فعادوا لديارهم
وكان أول مايقوم الرجل به منهم حين يصل زيارة عيادة والاطمئنان عليه
كان عيادة قد تعافى كثيرا ولكن لازال أثر النار باديا على وجهه وجسمه .
فرح عيادة برجوع قومه .. وأخبرهم أنه سيقيم لهم هذا اليوم وليمة بمناسبة عودتهم
وقال لزوجته سأذهب للضلع ( يقصد جبل عرنة ) فإن وجدت بدنا اصطدته للضيوف
وإلا رجعت وذبحت أحد هذه القعدان ( صغار الإبل ) وسيكفي لوليمة اليوم .
ذهب عيادة للجبل باكرا وفعلا وجد وعلاً فصوّبه واصطاده .. لكن الوعل كان كبيرا وثقيلا
فقام بقطع رأسه وأطرافه وشق بطنه لتخرج منه السوائل فيخف عليه حمله .
وبينما هو جالس يرتاح من عناء هذا الجهد الذي بذله أخذته غفوة فنام .
ورأى في منامه أن رجلا رمى ذلوله مع زور وركها .
وكانت الذلول عزيزة جدا على عيادة
فقام فزعا واستعاذ بالله من الشيطان .
وتأول هذه الرؤيا بأن الذلول هي زوجته .. ولكن لايدري ماذا سيصيبها ؟!
ولا متى يحدث ذلك .
حين رجع أعطى زوجته الوعل وقامت بطبخه للضيوف
وكان كلما أقبلت عليه أو انصرفت يتبعها بنظره فأحست خرعا بذلك
فظنت أن في ثوبها شيئاً يلفت الانتباه فتفقدته فلم تجد إلا خيرا .
فجاءت إليه وسألته عن ذلك ؟ وقالت ليس من عادتك أن تتبعني بنظراتك بهذا الشكل .
وألحت عليه أن يخبرها وكانت قد عرفت الحزن في وجهه .
فأخبرها بقصة منامه ورؤياه التي أفزعته .. وأخبرها أنه خائف عليها .
فقالت له : املأ قلبك من الإيمان وهذا حلم نهار ولن يحصل إلا الخير .
وذكرته بأنه قبل أيام كاد يموت ولكن الله نجاه وعافاه .
فقال لها : ولكن من أين لقلبي السكينة ؟
ثم قال هذه الأبيات :
نطيت ضلعٍ لاسقى راسه الحيا
صعيب من راس العوالي طبوبها
من يوم ثار الملح قدام ناظري
مثل المقمع يوم شبَت شبوبها
ولَي ياعيني كل ماقول خندرت
تشبه لبرطم شنة من غروبها
واثاريك ياعيني كفى الله شرَه
دريتي بها قبل العرب مادروا بها
وحلمت حلم ٍ غث قلبي وخاطري
واركى على كبدي بحامي شبوبها
فقالت له : املأ قلبك من الإيمان واليقين .
وحين غادر الضيوف وذهب الجميع قام عيادة لينام . فوضعته زوجته في وسط الفراش ونامت هي في طرفه
ثم أحست بشيء يسير على جسمها وفوق وركها وكان صلاً أسود فلدغها الصل مع الورك
وفي نفس المكان الذي رأه عياده في منامه .
فتألمت للدغة وقام عيادة فزعا وسألها : مابك ؟ فقالت : حشرة من هذه الحشرات اللي ماتسوى طاريها
تريد أن لاتفزعه .
وحين أشعل النار رأى الصل الأسود وقد أمسكته خرعا بيدها فقالت : اذبح الصل وانتبه لنفسك .
فقتل الصل وحمل زوجته التي بدأ السم يسري في جسدها ..
وأراد أن يوقفها ثم يجرح مكان اللدغة بالسكين لينزل الدم وينزل السم معه .
لكنها ثقلت بين يديه وفاضت روحها قبل أن يتمكن من إنقاذها ..
سمع الحي بالخبر فأقبلوا في منتصف الليل يبكون على خرعا
تلك المرأة التي يحبها الجميع لطيبها وحسن تعاملها معهم .
ثم صلوا عليها ودفنوها في مكان قريب منهم يقال له : ريع الخضر
بجوار نخلات قليلة لرجل من العمود من شمر يقال له : سوهج بن حركان .
وفي الصباح طلب عيادة أن يحضروا للقبر نصائب سوداء من جبل أسود بعيد وكانت جبالهم وهضابهم كلها حمراء
وكان يريد أن يعرف قبرها بهذه النصائب ذات اللون المختلف .. حيث يوجد في المكان بضعة قبور أخرى قديمة .
حزن عيادة على فراق زوجته حزنا شديدا .. وتشاءمت القبيلة من هذا المكان ورحلت عنه .
وكتب عيادة قصيدة جميلة يرثي فيها زوجته التي ماتت بين يديه ويذكر محاسنها وفضائلها .
والقصيدة هي :
يامـزنـة جــانــا ضـبـابــة وحــنّــه
تسقي الخضر وديار غمقين الاطعان
تاخـذ علـي الرتقـة تقـل يــوم سـنـة
من زود سيلة تغـرق الإنـس والجـان
تقصـر عـن الخشبـاء ولا سيـل كـنـة
الديـرة اللـي مات بـه غـض الاوجــان
وتسـقـي مـتــان المـقـبـرة ينفـعـنـة
حلـون عليهـم طافـي العـشـب لازان
ولا تـــرى عـــن سيـلـهـم مستـكـنـة
دونـة صلافيـح الكشـف بيـن جـيـلان
ماحسـبـت لـوعـات الليـالـي يجـنـة
واثـار مـال محـضـر العـمـر مـيـدان
عـرفـت يــوم عضـهـا مــا عـمـدنـة
هوشة عديـم هاشهـا واطلـق الـزان
ياليتـنـي انــا ويــاة نـسـكـن بـعـنـة
وفكـه لنـا والـي المقـاديـر واحـيـان
وونـتــي عــيــا ضـمـيــري يـكـنــة
عليـك ياللـي يوم أنـا طـحـت حـاضـان
كـفــيــف رجــلــيــن ولا زهـــدنـــة
حسيـر مابـيـن اليـسـاري والايـمـان
يـامـا يـديـنــي كــلــهــن لـمـســنــة
وبالسهر ياما دافـي البطـن حاضـان
وغـدت علـي مـثـل القـطـاة المكـنـة
يامـا بريـت وسامـك العـرش عافـان
يـاونـتــي تــأتــي ثـمـانـيـن ونــــة
ما قواك يازوري علـى جـرع ماجـان
ونـيـن راعـــي سـابــق ٍ غـرقـنـة
شهب النواصي مرضيات بـالارسـان
شهـب النـواصـي معلـقـات الاعـنـة
شهـب عليهـن مـن شبـاب وشيـبـان
تقنـطـرت بوجيهـهـن مـــا ودعـنــة
بـنــات قـــواد الـسـبـايـا كـحـيــلان
وردن علـيـة الـرمـاح زرقــن رمـنـة
فــوق البـريـم وحدرلـمـات الامـتـان
واعينـي الـلـي تـقـل نـاضـوح شـنـة
مـن البيـر يجذبهـن مراجيـع عثمـان
حيـلـن تـطـلـع بـــاردٍ مـــن مـغـنـة
بقـرب تـودع لاشهـب الـجـم شــذان
غـيـب السـوانـي والـثـلاث اطلعـنـة
يسقن خواوير النخل هـن والاضعـان
وخلافـهـن رقـــط المحـالـيـل غـنــة
زمــار عسـكـر دولــةٍ تـقـل ديـبــان
عـلـيـك يـالـلــي مـالـهـتـن بــونــة
صافي الثمان الـي تقـل وزن ميـزان
يـابـو عـيــون يـاكـمـا وجـــة كـنــة
عيـن الـغـزال لـيـا تشـافـا ورعــان
الـقـبـر صـلـبـات الـعـمــد شـيـلـنـه
بـارضٍ تراهـا لسوهـج وابـن حـركـان
وداعـتـك سـحـم الـضــرى لايـجـنـه
وداعـتـك قصيـرتـك يـابـن حـركــان
وداعــتـــك ولـكـانـهــن لا يــعــنــه
قصيرتـك تـرى مابهـا مشـي حـقـان
ويهمنا من هذه القصيدة والتي تعد من روائع المراثي في الشعر النبطي هو المواضع التي ذكرها
فهو يدعو أن يغيث الله المكان الذي دفنت فيه بسيل عظيم من زود السيل يغرق الانس والجان
وهو يريد أن يكون هذا السيل على الرتقة ... والرتقة هي تلعة تنحدر من الجبل ويصب سيلها في نخل ابن حركان
ويمر بجوار التلة التي فيها القبر .
ويريد أن يقصر هذا السيل عن الخشباء .. والخشباء جبل مقابل للقبر من الجهة الأخرى وهو المكان الذي ماتت به زوجته
فلا يريد لهذا السيل أن يتعدى موضع قبر حبيبته . . ولا يريد للمكان الذي ماتت به أن يسيل .
ويقال إن سوهج بن حركان راعي النخل حين وصلته القصيدة وسمع قول عيادة :
الـقـبـر صـلـبـات الـعـمــد شـيـلـنـه
بـارضٍ تراهـا لسوهـج وابـن حـركـان
وداعـتـك سـحـم الـضــرى لايـجـنـه
وداعـتـك قصيـرتـك يـابـن حـركــان
وداعــتـــك ولـكـانـهــن لا يــعــنــه
قصيرتـك تـرى مابهـا مشـي حـقـان
عرف أن عيادة حمله أمانة حفظ القبر من السباع والضواري التي ربما تقوم بنبش القبر .
فأصبح يذهب كل يوم حين يحل المساء ويبيت قريبا من القبر حتى يحميه من الضواري
وبقي كذلك شهرين كاملين
وحين وصل الخبر إلى عيادة بأن ابن حركان ينام عند القبر منذ شهرين لم يصدق حتى ذهب بنفسه وتأكد من ذلك
تعجب من شهامة ابن حركان ولامه في ذلك وأخبره أنه لم يقصد أن يشق عليه
لكن ابن حركان قال أنت حملتني أمانة ولن أتركها حتى تعفيني منها .. فقال قد أعفيتك .
ويقال أن ابن حركان أصبح يضحي لخرعا بنت ابن غازي طيلة حياته وأوصى أولاده بذلك بعد مماته .
في القصة تفاصيل أخرى لكني تجاوزتها خشية الإطالة .
ومن أراد سماع القصة كاملة باللهجة العامية فليدخل الرابط التالي :
http://soundcloud.com/abonaser-1/akaievtiakqy (http://soundcloud.com/abonaser-1/akaievtiakqy)
ففيه القصة كاملة بصوت الراوي إبراهيم الرديعان وفقه الله
وله أسلوب جميل في رواية هذه القصة وغيرها من القصص التي يزخر بها تراث آبائنا وأجدادنا .
======
كلمة وفاء
هذه القصة بكل معاني الشهامة فيها والوفاء ومكارم الأخلاق ينبوع تستقي منه الأجيال
هذه القصة نبع من ينابيع مكارم الأخلاق بكل تفاصيلها
قصة خرعا تتكرر في كل زمان ومكان
فهي امرأة وفية لزوجها بذلت نفسها في سبيل راحته
وحين ننظر في حال نسائنا وأمهاتنا نجد الوفاء يتكرر ناصعا نصوع الذهب
ساطعا سطوع الشمس
فجزى الله خرعا عن زوجها وجزى كل امرأة مسلمة لزمت بيتها وأطاعت زوجها وحفظت دينها وأرضت ربها عنا خير الجزاء
وجعل منازلهنّ جميعا جنات النعيم .
ومهما قلنا عن أمهاتنا ونسائنا فلن نفي حقهنّ
ونسأل الله أن يصلح لنا بناتنا وأن يجعلهنّ بأمهات المؤمنين مقتديات
ولرضى ربهنّ راجيات .
=======
الرحلة بين جفيفا والشقيق
كان يراودني منذ زمن طويل البحث عن الغار الذي مكث فيه عيادة فترة مرضه
وحيدا مع زوجته في شمال جبل عرنة
كما كنت أفكر بالتعرف على مكان قبرها رحمها الله ورؤية الرتقة وريع الخضر والخشباء
كل هذه المواضع قريبة من جفيفا
وكنت انتظر الفرصة تسنح لي والمواضع المتزاحمة في بالي تشغلني عن ذلك
ولكن الله تعالى يسّر لي ذلك في بداية إجازة منتصف الفصل الثاني
( أي قبل أسبوعين تقريبا )
فقد توجهت لمدينة حائل للاستمتاع بأمطارها وأجوائها
وفي اليوم الأول زرت الصديق العزيز أحمد الجريس الشمري
وهو مشرف خيمة الرحلات البرية بمعرف ( نفود حايل )
وتجولت بصحبته في جبل أجأ وتعرفت على أماكن كثيرة في الجبل لم أكن أعرفها من قبل .
في نهاية اليوم ودعت صاحبي وانصرفت مساء للمبيت قرب موقق
حتى أكون قريبا من المواضع التي سأزورها في الصباح الباكر .
وفعلا نمت بين جبل جرَغ وبين موقق
وموقق محافظة من محافظات منطقة حائل تقع غرب جبل أجأ في منخفض يسمى الغوطة
واسمها هذا قديم جدا
وقد ذكرها زيد الخيل الطائي رضي الله عنه في قصيدة له يهجو بها جبلة بن مالك بن كلثوم ( وهو ابن شيماء ) :
نبئت أن ابناً لشيماء هاهنا
تغنّى بنا سكران أو متساكرا
إذا المرء صرّت أمُّة وتقيّلت
فليس حقيقا أن تقول الهواجرا
وإن حوالي فردة فعناصـرا
وكثلة حيا يا بن شيما كراكرا
ونحن ملأنا جوَّ موقق بعدكم
بني شمجي خطية وحوافــرا
فأجاب جبلة بن مالك بقوله :
ما إن ملأتم جوَّ موقق بعدنا
ولا جبأها إلا غريباً مجاورا
مجاور جيران أسأءت جوارهم
فألفـوك مشـؤوم النقيبة فاجرا
وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان .
في الصباح الباكر توجهت نحو جفيفا وتجولت حولها مرورا بجبل النفس وحمراء جفيفا وجبل الرعود
ثم توجهت نحو جبل عرنة وبينما كنت في جهته الشمالية قدم نحوي رجل طالباً مني الذهاب معه لبيته وألح بالقهوة
استجبت لدعوته وكانت بيته قريبة جدا وفي مدخل الريع الذي يسمى ريع الخضر
تبين لي أنه من أحفاد ابن حركان الذي ورد اسمه في قصيدة عيادة
والنخل لهم .. وسألته عن موضع النخل والقبر والغار
فدلني على القبر والنخل بجواره كما أرشدني لموضع الرتقة التي دعا لها عيادة بن منيس بالسيل
وكانت تجري بالماء من أمطار الأمس القوية
كما أنني عرفت جبل الخشباء من خلال صاحبي أبو خالد
والخشباء هو جبل كبير يقع شمال نخل ابن حركان وعنده ماتت خرعا زوجة عيادة
أما الغار الذي بقي فيه عيادة هو وزجته عند رحيل قبيلته فقد سألت أبا خالد عنه ولكنه لم يكن يعرف موضعه بالتحديد غير أنه في شمالي عرنة .
كان صاحبي ابو خالد كريما وعلى قدر كبير من الخلق وسماحة النفس
كما كان بشوشاً وكريماً .
استفدت منه كثيرا رغم ضيق الوقت الذي قضيته عنده .
بعد مغادرته والتعرف على موضع النخل والقبر والرتقة والخشباء
توجهت للبحث عن الغار
والحقيقة أنني لم أجد غارا أستطيع الجزم بأنه غار عيادة
لكنني رأيت غارين إن صح إطلاق هذا الوصف عليهما في جهة عرنة الشمالية
أحدهما قريب جدا من سفح عرنة
والأخرى في هضبة صغيرة شمال عرنة بينه وبين جفيفا .
وقد احترت بينها !!!
المهم أنني لم أتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن الغار .
بقي أن أشير إلى أن جبل عرنة جبل أحمر ضخم عالٍ في السماء وتكثر به أشجار العِرن
التي تستخدم أوراقها قديما في دبغ الجلود تماما كأوراق شجر الأرطى
وربما اشتق اسم الجبل ( عرنة ) من هذه الشجرة التي تنتشر في سفحه بوضوح .
كما كان جبل عرنة مليئا بأنواع الصيد قديماً .. أما الآن فالحال محزنة .
========
الآن ننتقل لصور الرحلة
والحقيقة أنني ذهبت مرة أخرى بصحبة والدي حفظه الله وصحبة ولديّ فارس وعبدالله
فالصور القادمة من رحلتين متتاليتين بينهما أسبوع فقط :
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_2.3.23.26.jpg
خارطة توضح موقع المعالم الواردة في القصة داخل الدائرة الحمراء
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3802.jpg
جبل النفس وهو من الجبال التي مررت بها قبل الوصول لجفيفا
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3806.jpg
صورة أقرب لجبل النفس وبرقته الغربية الجميلة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3795.jpg
جبل الرعود ببرقته الذهبية المميزة التي تحيط بأحد رؤوس الجبل الشامخة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3793.jpg
وكأنه عقد من الذهب يطوق عنق فتاة جميلة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_4063.jpg
قرية جفيفا من بعيد
وتبدو مزارعها ونخيلها الجميلة وبساتينها الغناء جنة من جنان تلك المنطقة
وجفيفا ديرة الشيخ عثمان بن مرشد التميمي صاحب القصة المشهورة مع زيد العجاجي
وهي ديرة عثمان بن دواس التميمي الذي استقبل الرحالة الفرنسي هوبر والرحالة الألماني يوليوس قبل أكثر من 125 سنة
وعثمان بن دواس أحد رموز الكرم العربي الأصيل في الجزيرة العربية يشهد له بذلك الجميع
وجفيفا وأهلها منبع من منابع الكرم ومعقل من معاقل بني تميم الكرام .
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_4050.jpg
بعد جفيفا توجهت نحو جبل عرنة الذي لايبعد سوى أربعة كيلومترات أو أقل
وهو يرنو إلى ناظري بشموخه وجماله الذي يفوق الوصف
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3818.jpg
وهذه الصورة وما بعدها لجبل عرنة الأشم أثناء التجوال المبدئي حول الجبل وفي جهته الشمالية والغربية
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_080307.jpg
كانت الأرض غبّ مطر وقد سالت كل التلاع بالأمس
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3839.jpg
الأرض والأشجار كلها قد غسلها سيل الأمس
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3846.jpg
هنا في الجهة الغربية والجنوبية الغربية لجبل عرنة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_081359.jpg
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_083013.jpg
وفي هذا المسيل كانت لي جلسة استرخاء على هذه البطحاء الندية
في جو مفعم بالحيوية والنشاط وهدوء لايبدده إلا أصوات العصافير
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3847.jpg
أثناء الجولة التقيت بأبي خالد الذي قدم حين رآني طالبا مني تناول القهوة عنده
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_084035.jpg
من داخل مجلس الضيافة عند أبي خالد
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_084038.jpg
الله يجعله مجلس عامر يبو خالد .
===
==
=
الإخوة أعضاء مكشات الفضلاء وروّاده الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد :
يعتبر الشاعر عيادة بن منيس الشمري من أشهر شعراء جيله
وسأسرد قصته مع زوجتيه اللتين فقدهما على التوالي في ظروف حزينة جداً
قبل مايقارب قرنا من الزمان كان عيادة بن منيس يقيم مع زوجته في نواحي حائل
وفي سنة من السنوات طلب منه أهلها أن يأخذوها معهم لتؤدي فريضة الحج
وافق عيادة وذهبت زوجته مع أهلها للحج ..
وبعد رجوعهم إلى ديارهم ذهب شاعرنا لأصهاره لتهنئتهم بسلامة الوصول
وليأخذ زوجته .
لكنه فوجيء بوفاتها في الطريق قبل وصولهم للديار .
حمد الله على قضائه وتدبيره .. ولكنه بقي حزينا على فراقها حيث كان يحبها ويجد فيها صفات المرأة الوفية
التي كانت تملأ عليه حياته .. وكان يرى أن مثيلاتها في النساء نوادر .
سمع حكام حائل بوفاة زوجة عيادة بن منيس فقدموا لتعزيته .. وقالوا له :
هل تعرف امرأة تكون مثلها وتقوم مقامها لنخطبها لك ؟
فأخبرهم عيادة أنه لايعرف من تقوم مقامها إلا بنت رجل من شمر يقال له : ابن غازي
وهي وحيدة أبيها وليس له من يخدمه ويسرح بإبله غيرها . وأنه يستحي أن يخطبها من أبيها خشية أن يعطله من أعماله .
لكن حاكم حائل عزم على خطبتها له .. وفعلا تم ذلك وساقوا المهر مضاعفاً .
كانت البنت على قدر كبير من الأدب وتقدير الزوج وحشمته والقيام بأمره
وكان اسمها ( خرعا ) .
وجد عيادة في زوجته الجديدة خرعا سلوة عن زوجته الأولى .. بل كانت في نظره أفضل منها
أحبها كثيرا وعاش معها ماشاء الله من السنين .
وفي أحد الأعوام أمحلت ديارهم التي كانوا يسكنونها بين قرية جفيفا والشقيق
وهذه المواضع تقع إلى الجنوب الغربي لمدينة حائل وتبعد قرابة 90 كم
وإلى الجنوب الغربي أيضاً من محافظة موقق وتبعد عنها قرابة 35 كم
استمر القحط وأمحلت الأرض بينما كانت تصلهم الأخبار أن لينة وما حولها قد ربعت .
فتشاور رجال القبيلة وقرروا الرحيل إلى لينة حتى يفرج الله عنهم تلك الضائقة .
واتفقوا على أن يكون الرحيل بعد خمسة أيام ليتسنى لهم الاستعداد .
استغل عيادة تلك المهلة بتصنيع طلقات البارود المكونة من البارود والملح والكبريت
وكانت لها طريقة معينة في التصنيع
بينما كان يدق المكونات الثلاث بالنجر اشتعل البارود وثارت النار في وجهه فاحترق جسمه وتأثر كثيرا .
كانت فاجعة كبيرة للقبيلة كلها .. جعلتهم يفكرون بإلغاء قرار الرحيل
سمعت خرعا حديث الرجال فقالت لهم : أنا سأقوم بتطبيبه وعلاجه والبقاء معه وأنتم عليكم بالرحيل حتى لايهلك الحلال .
وطلبت منهم أن يضعوها وزوجها في غار قريب شمال جبل عرنة .
لكنهم قالوا لابد من استشارة عيادة في ذلك .
وفعلا ذهبوا إليه فقال لهم : هذا الذي حصل هو قضاء الله وقدره
وأنا راضٍ بما قدره الله سبحانه .. وأخبرهم أنه لابد من رحيلهم حتى لايهلك الحلال .
وطلب منهم أن ينقلوه للغار الذي اقترحته خرعا في شمال جبل عرنة .
نقلوه للغار وتركوا عنده من الزاد مايكفي لثلاثة أشهر وكان عيادة لايستطيع الحركة إطلاقا .
رحلت القبيلة وبقي الزوجان وحدهما في الغار .. كانت خرعا تقوم برعايته خير قيام
كانت يوميا تحطب الحطب وتوقد له النار وتخبز له الخبز وتصيد له الحجل وغيرها مما تقدر على صيده
وكانت تأخذ الرماد وتنخله وتفرشه لعيادة حتى يمتص الألم والماء الذي نتج بسبب الاحتراق
وكانت إذا أرادت أن تقعده للأكل تقرّب له قرونها ( الجدايل ) فيعضها بأسنانه ثم تسحبه حتى يجلس
رغم مافي ذلك من الألم الشديد لها .. وكانت تفعل ذلك لأنه لايستطيع استخدام يديه لشدة الحروق
استمرت على هذه الحال مدة تسعين يوماً .. وكانت خرعا تتفنن في رعاية زوجها رغم قسوته عليها أحياناً
وكان يحاول استفزازها ليرى هل تقول كلمة واحدة فيها عتب فلم يزدها ذلك إلا إخلاصا له وشفقة به وحناناً عليه
استمر الأمر على هذه الحال حتى بدأ عيادة يتشافى
ونزلت خلال هذه المدة الأمطار وربعت الديار
وسمع الراحلون بأخبار الأمطار فعادوا لديارهم
وكان أول مايقوم الرجل به منهم حين يصل زيارة عيادة والاطمئنان عليه
كان عيادة قد تعافى كثيرا ولكن لازال أثر النار باديا على وجهه وجسمه .
فرح عيادة برجوع قومه .. وأخبرهم أنه سيقيم لهم هذا اليوم وليمة بمناسبة عودتهم
وقال لزوجته سأذهب للضلع ( يقصد جبل عرنة ) فإن وجدت بدنا اصطدته للضيوف
وإلا رجعت وذبحت أحد هذه القعدان ( صغار الإبل ) وسيكفي لوليمة اليوم .
ذهب عيادة للجبل باكرا وفعلا وجد وعلاً فصوّبه واصطاده .. لكن الوعل كان كبيرا وثقيلا
فقام بقطع رأسه وأطرافه وشق بطنه لتخرج منه السوائل فيخف عليه حمله .
وبينما هو جالس يرتاح من عناء هذا الجهد الذي بذله أخذته غفوة فنام .
ورأى في منامه أن رجلا رمى ذلوله مع زور وركها .
وكانت الذلول عزيزة جدا على عيادة
فقام فزعا واستعاذ بالله من الشيطان .
وتأول هذه الرؤيا بأن الذلول هي زوجته .. ولكن لايدري ماذا سيصيبها ؟!
ولا متى يحدث ذلك .
حين رجع أعطى زوجته الوعل وقامت بطبخه للضيوف
وكان كلما أقبلت عليه أو انصرفت يتبعها بنظره فأحست خرعا بذلك
فظنت أن في ثوبها شيئاً يلفت الانتباه فتفقدته فلم تجد إلا خيرا .
فجاءت إليه وسألته عن ذلك ؟ وقالت ليس من عادتك أن تتبعني بنظراتك بهذا الشكل .
وألحت عليه أن يخبرها وكانت قد عرفت الحزن في وجهه .
فأخبرها بقصة منامه ورؤياه التي أفزعته .. وأخبرها أنه خائف عليها .
فقالت له : املأ قلبك من الإيمان وهذا حلم نهار ولن يحصل إلا الخير .
وذكرته بأنه قبل أيام كاد يموت ولكن الله نجاه وعافاه .
فقال لها : ولكن من أين لقلبي السكينة ؟
ثم قال هذه الأبيات :
نطيت ضلعٍ لاسقى راسه الحيا
صعيب من راس العوالي طبوبها
من يوم ثار الملح قدام ناظري
مثل المقمع يوم شبَت شبوبها
ولَي ياعيني كل ماقول خندرت
تشبه لبرطم شنة من غروبها
واثاريك ياعيني كفى الله شرَه
دريتي بها قبل العرب مادروا بها
وحلمت حلم ٍ غث قلبي وخاطري
واركى على كبدي بحامي شبوبها
فقالت له : املأ قلبك من الإيمان واليقين .
وحين غادر الضيوف وذهب الجميع قام عيادة لينام . فوضعته زوجته في وسط الفراش ونامت هي في طرفه
ثم أحست بشيء يسير على جسمها وفوق وركها وكان صلاً أسود فلدغها الصل مع الورك
وفي نفس المكان الذي رأه عياده في منامه .
فتألمت للدغة وقام عيادة فزعا وسألها : مابك ؟ فقالت : حشرة من هذه الحشرات اللي ماتسوى طاريها
تريد أن لاتفزعه .
وحين أشعل النار رأى الصل الأسود وقد أمسكته خرعا بيدها فقالت : اذبح الصل وانتبه لنفسك .
فقتل الصل وحمل زوجته التي بدأ السم يسري في جسدها ..
وأراد أن يوقفها ثم يجرح مكان اللدغة بالسكين لينزل الدم وينزل السم معه .
لكنها ثقلت بين يديه وفاضت روحها قبل أن يتمكن من إنقاذها ..
سمع الحي بالخبر فأقبلوا في منتصف الليل يبكون على خرعا
تلك المرأة التي يحبها الجميع لطيبها وحسن تعاملها معهم .
ثم صلوا عليها ودفنوها في مكان قريب منهم يقال له : ريع الخضر
بجوار نخلات قليلة لرجل من العمود من شمر يقال له : سوهج بن حركان .
وفي الصباح طلب عيادة أن يحضروا للقبر نصائب سوداء من جبل أسود بعيد وكانت جبالهم وهضابهم كلها حمراء
وكان يريد أن يعرف قبرها بهذه النصائب ذات اللون المختلف .. حيث يوجد في المكان بضعة قبور أخرى قديمة .
حزن عيادة على فراق زوجته حزنا شديدا .. وتشاءمت القبيلة من هذا المكان ورحلت عنه .
وكتب عيادة قصيدة جميلة يرثي فيها زوجته التي ماتت بين يديه ويذكر محاسنها وفضائلها .
والقصيدة هي :
يامـزنـة جــانــا ضـبـابــة وحــنّــه
تسقي الخضر وديار غمقين الاطعان
تاخـذ علـي الرتقـة تقـل يــوم سـنـة
من زود سيلة تغـرق الإنـس والجـان
تقصـر عـن الخشبـاء ولا سيـل كـنـة
الديـرة اللـي مات بـه غـض الاوجــان
وتسـقـي مـتــان المـقـبـرة ينفـعـنـة
حلـون عليهـم طافـي العـشـب لازان
ولا تـــرى عـــن سيـلـهـم مستـكـنـة
دونـة صلافيـح الكشـف بيـن جـيـلان
ماحسـبـت لـوعـات الليـالـي يجـنـة
واثـار مـال محـضـر العـمـر مـيـدان
عـرفـت يــوم عضـهـا مــا عـمـدنـة
هوشة عديـم هاشهـا واطلـق الـزان
ياليتـنـي انــا ويــاة نـسـكـن بـعـنـة
وفكـه لنـا والـي المقـاديـر واحـيـان
وونـتــي عــيــا ضـمـيــري يـكـنــة
عليـك ياللـي يوم أنـا طـحـت حـاضـان
كـفــيــف رجــلــيــن ولا زهـــدنـــة
حسيـر مابـيـن اليـسـاري والايـمـان
يـامـا يـديـنــي كــلــهــن لـمـســنــة
وبالسهر ياما دافـي البطـن حاضـان
وغـدت علـي مـثـل القـطـاة المكـنـة
يامـا بريـت وسامـك العـرش عافـان
يـاونـتــي تــأتــي ثـمـانـيـن ونــــة
ما قواك يازوري علـى جـرع ماجـان
ونـيـن راعـــي سـابــق ٍ غـرقـنـة
شهب النواصي مرضيات بـالارسـان
شهـب النـواصـي معلـقـات الاعـنـة
شهـب عليهـن مـن شبـاب وشيـبـان
تقنـطـرت بوجيهـهـن مـــا ودعـنــة
بـنــات قـــواد الـسـبـايـا كـحـيــلان
وردن علـيـة الـرمـاح زرقــن رمـنـة
فــوق البـريـم وحدرلـمـات الامـتـان
واعينـي الـلـي تـقـل نـاضـوح شـنـة
مـن البيـر يجذبهـن مراجيـع عثمـان
حيـلـن تـطـلـع بـــاردٍ مـــن مـغـنـة
بقـرب تـودع لاشهـب الـجـم شــذان
غـيـب السـوانـي والـثـلاث اطلعـنـة
يسقن خواوير النخل هـن والاضعـان
وخلافـهـن رقـــط المحـالـيـل غـنــة
زمــار عسـكـر دولــةٍ تـقـل ديـبــان
عـلـيـك يـالـلــي مـالـهـتـن بــونــة
صافي الثمان الـي تقـل وزن ميـزان
يـابـو عـيــون يـاكـمـا وجـــة كـنــة
عيـن الـغـزال لـيـا تشـافـا ورعــان
الـقـبـر صـلـبـات الـعـمــد شـيـلـنـه
بـارضٍ تراهـا لسوهـج وابـن حـركـان
وداعـتـك سـحـم الـضــرى لايـجـنـه
وداعـتـك قصيـرتـك يـابـن حـركــان
وداعــتـــك ولـكـانـهــن لا يــعــنــه
قصيرتـك تـرى مابهـا مشـي حـقـان
ويهمنا من هذه القصيدة والتي تعد من روائع المراثي في الشعر النبطي هو المواضع التي ذكرها
فهو يدعو أن يغيث الله المكان الذي دفنت فيه بسيل عظيم من زود السيل يغرق الانس والجان
وهو يريد أن يكون هذا السيل على الرتقة ... والرتقة هي تلعة تنحدر من الجبل ويصب سيلها في نخل ابن حركان
ويمر بجوار التلة التي فيها القبر .
ويريد أن يقصر هذا السيل عن الخشباء .. والخشباء جبل مقابل للقبر من الجهة الأخرى وهو المكان الذي ماتت به زوجته
فلا يريد لهذا السيل أن يتعدى موضع قبر حبيبته . . ولا يريد للمكان الذي ماتت به أن يسيل .
ويقال إن سوهج بن حركان راعي النخل حين وصلته القصيدة وسمع قول عيادة :
الـقـبـر صـلـبـات الـعـمــد شـيـلـنـه
بـارضٍ تراهـا لسوهـج وابـن حـركـان
وداعـتـك سـحـم الـضــرى لايـجـنـه
وداعـتـك قصيـرتـك يـابـن حـركــان
وداعــتـــك ولـكـانـهــن لا يــعــنــه
قصيرتـك تـرى مابهـا مشـي حـقـان
عرف أن عيادة حمله أمانة حفظ القبر من السباع والضواري التي ربما تقوم بنبش القبر .
فأصبح يذهب كل يوم حين يحل المساء ويبيت قريبا من القبر حتى يحميه من الضواري
وبقي كذلك شهرين كاملين
وحين وصل الخبر إلى عيادة بأن ابن حركان ينام عند القبر منذ شهرين لم يصدق حتى ذهب بنفسه وتأكد من ذلك
تعجب من شهامة ابن حركان ولامه في ذلك وأخبره أنه لم يقصد أن يشق عليه
لكن ابن حركان قال أنت حملتني أمانة ولن أتركها حتى تعفيني منها .. فقال قد أعفيتك .
ويقال أن ابن حركان أصبح يضحي لخرعا بنت ابن غازي طيلة حياته وأوصى أولاده بذلك بعد مماته .
في القصة تفاصيل أخرى لكني تجاوزتها خشية الإطالة .
ومن أراد سماع القصة كاملة باللهجة العامية فليدخل الرابط التالي :
http://soundcloud.com/abonaser-1/akaievtiakqy (http://soundcloud.com/abonaser-1/akaievtiakqy)
ففيه القصة كاملة بصوت الراوي إبراهيم الرديعان وفقه الله
وله أسلوب جميل في رواية هذه القصة وغيرها من القصص التي يزخر بها تراث آبائنا وأجدادنا .
======
كلمة وفاء
هذه القصة بكل معاني الشهامة فيها والوفاء ومكارم الأخلاق ينبوع تستقي منه الأجيال
هذه القصة نبع من ينابيع مكارم الأخلاق بكل تفاصيلها
قصة خرعا تتكرر في كل زمان ومكان
فهي امرأة وفية لزوجها بذلت نفسها في سبيل راحته
وحين ننظر في حال نسائنا وأمهاتنا نجد الوفاء يتكرر ناصعا نصوع الذهب
ساطعا سطوع الشمس
فجزى الله خرعا عن زوجها وجزى كل امرأة مسلمة لزمت بيتها وأطاعت زوجها وحفظت دينها وأرضت ربها عنا خير الجزاء
وجعل منازلهنّ جميعا جنات النعيم .
ومهما قلنا عن أمهاتنا ونسائنا فلن نفي حقهنّ
ونسأل الله أن يصلح لنا بناتنا وأن يجعلهنّ بأمهات المؤمنين مقتديات
ولرضى ربهنّ راجيات .
=======
الرحلة بين جفيفا والشقيق
كان يراودني منذ زمن طويل البحث عن الغار الذي مكث فيه عيادة فترة مرضه
وحيدا مع زوجته في شمال جبل عرنة
كما كنت أفكر بالتعرف على مكان قبرها رحمها الله ورؤية الرتقة وريع الخضر والخشباء
كل هذه المواضع قريبة من جفيفا
وكنت انتظر الفرصة تسنح لي والمواضع المتزاحمة في بالي تشغلني عن ذلك
ولكن الله تعالى يسّر لي ذلك في بداية إجازة منتصف الفصل الثاني
( أي قبل أسبوعين تقريبا )
فقد توجهت لمدينة حائل للاستمتاع بأمطارها وأجوائها
وفي اليوم الأول زرت الصديق العزيز أحمد الجريس الشمري
وهو مشرف خيمة الرحلات البرية بمعرف ( نفود حايل )
وتجولت بصحبته في جبل أجأ وتعرفت على أماكن كثيرة في الجبل لم أكن أعرفها من قبل .
في نهاية اليوم ودعت صاحبي وانصرفت مساء للمبيت قرب موقق
حتى أكون قريبا من المواضع التي سأزورها في الصباح الباكر .
وفعلا نمت بين جبل جرَغ وبين موقق
وموقق محافظة من محافظات منطقة حائل تقع غرب جبل أجأ في منخفض يسمى الغوطة
واسمها هذا قديم جدا
وقد ذكرها زيد الخيل الطائي رضي الله عنه في قصيدة له يهجو بها جبلة بن مالك بن كلثوم ( وهو ابن شيماء ) :
نبئت أن ابناً لشيماء هاهنا
تغنّى بنا سكران أو متساكرا
إذا المرء صرّت أمُّة وتقيّلت
فليس حقيقا أن تقول الهواجرا
وإن حوالي فردة فعناصـرا
وكثلة حيا يا بن شيما كراكرا
ونحن ملأنا جوَّ موقق بعدكم
بني شمجي خطية وحوافــرا
فأجاب جبلة بن مالك بقوله :
ما إن ملأتم جوَّ موقق بعدنا
ولا جبأها إلا غريباً مجاورا
مجاور جيران أسأءت جوارهم
فألفـوك مشـؤوم النقيبة فاجرا
وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجم البلدان .
في الصباح الباكر توجهت نحو جفيفا وتجولت حولها مرورا بجبل النفس وحمراء جفيفا وجبل الرعود
ثم توجهت نحو جبل عرنة وبينما كنت في جهته الشمالية قدم نحوي رجل طالباً مني الذهاب معه لبيته وألح بالقهوة
استجبت لدعوته وكانت بيته قريبة جدا وفي مدخل الريع الذي يسمى ريع الخضر
تبين لي أنه من أحفاد ابن حركان الذي ورد اسمه في قصيدة عيادة
والنخل لهم .. وسألته عن موضع النخل والقبر والغار
فدلني على القبر والنخل بجواره كما أرشدني لموضع الرتقة التي دعا لها عيادة بن منيس بالسيل
وكانت تجري بالماء من أمطار الأمس القوية
كما أنني عرفت جبل الخشباء من خلال صاحبي أبو خالد
والخشباء هو جبل كبير يقع شمال نخل ابن حركان وعنده ماتت خرعا زوجة عيادة
أما الغار الذي بقي فيه عيادة هو وزجته عند رحيل قبيلته فقد سألت أبا خالد عنه ولكنه لم يكن يعرف موضعه بالتحديد غير أنه في شمالي عرنة .
كان صاحبي ابو خالد كريما وعلى قدر كبير من الخلق وسماحة النفس
كما كان بشوشاً وكريماً .
استفدت منه كثيرا رغم ضيق الوقت الذي قضيته عنده .
بعد مغادرته والتعرف على موضع النخل والقبر والرتقة والخشباء
توجهت للبحث عن الغار
والحقيقة أنني لم أجد غارا أستطيع الجزم بأنه غار عيادة
لكنني رأيت غارين إن صح إطلاق هذا الوصف عليهما في جهة عرنة الشمالية
أحدهما قريب جدا من سفح عرنة
والأخرى في هضبة صغيرة شمال عرنة بينه وبين جفيفا .
وقد احترت بينها !!!
المهم أنني لم أتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن الغار .
بقي أن أشير إلى أن جبل عرنة جبل أحمر ضخم عالٍ في السماء وتكثر به أشجار العِرن
التي تستخدم أوراقها قديما في دبغ الجلود تماما كأوراق شجر الأرطى
وربما اشتق اسم الجبل ( عرنة ) من هذه الشجرة التي تنتشر في سفحه بوضوح .
كما كان جبل عرنة مليئا بأنواع الصيد قديماً .. أما الآن فالحال محزنة .
========
الآن ننتقل لصور الرحلة
والحقيقة أنني ذهبت مرة أخرى بصحبة والدي حفظه الله وصحبة ولديّ فارس وعبدالله
فالصور القادمة من رحلتين متتاليتين بينهما أسبوع فقط :
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_2.3.23.26.jpg
خارطة توضح موقع المعالم الواردة في القصة داخل الدائرة الحمراء
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3802.jpg
جبل النفس وهو من الجبال التي مررت بها قبل الوصول لجفيفا
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3806.jpg
صورة أقرب لجبل النفس وبرقته الغربية الجميلة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3795.jpg
جبل الرعود ببرقته الذهبية المميزة التي تحيط بأحد رؤوس الجبل الشامخة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3793.jpg
وكأنه عقد من الذهب يطوق عنق فتاة جميلة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_4063.jpg
قرية جفيفا من بعيد
وتبدو مزارعها ونخيلها الجميلة وبساتينها الغناء جنة من جنان تلك المنطقة
وجفيفا ديرة الشيخ عثمان بن مرشد التميمي صاحب القصة المشهورة مع زيد العجاجي
وهي ديرة عثمان بن دواس التميمي الذي استقبل الرحالة الفرنسي هوبر والرحالة الألماني يوليوس قبل أكثر من 125 سنة
وعثمان بن دواس أحد رموز الكرم العربي الأصيل في الجزيرة العربية يشهد له بذلك الجميع
وجفيفا وأهلها منبع من منابع الكرم ومعقل من معاقل بني تميم الكرام .
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_4050.jpg
بعد جفيفا توجهت نحو جبل عرنة الذي لايبعد سوى أربعة كيلومترات أو أقل
وهو يرنو إلى ناظري بشموخه وجماله الذي يفوق الوصف
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3818.jpg
وهذه الصورة وما بعدها لجبل عرنة الأشم أثناء التجوال المبدئي حول الجبل وفي جهته الشمالية والغربية
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_080307.jpg
كانت الأرض غبّ مطر وقد سالت كل التلاع بالأمس
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3839.jpg
الأرض والأشجار كلها قد غسلها سيل الأمس
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3846.jpg
هنا في الجهة الغربية والجنوبية الغربية لجبل عرنة
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_081359.jpg
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_083013.jpg
وفي هذا المسيل كانت لي جلسة استرخاء على هذه البطحاء الندية
في جو مفعم بالحيوية والنشاط وهدوء لايبدده إلا أصوات العصافير
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_img_3847.jpg
أثناء الجولة التقيت بأبي خالد الذي قدم حين رآني طالبا مني تناول القهوة عنده
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_084035.jpg
من داخل مجلس الضيافة عند أبي خالد
http://www.mekshat.com/pix/upload01/prof025/mk43589_20140322_084038.jpg
الله يجعله مجلس عامر يبو خالد .
===
==
=