المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الاحكام التي تتعلق ببيع الكلب واقتنائه ونجاسته وطهارته وغيره الخ............



فتى الرشاويه
23/05/2007, 10:26 AM
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن
اتبع هداه الإخوة والأخوات طلبة هذه الأكاديمية العلمية المباركة
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


ما زلنا في استكمال ما نهي عنه من البيوع ومع الحديث الثامن حديث جابر
بن عبد الله؛ تفضل يا شيخ عبد الرحمن.



قال المصنف -رحمه الله تعالى-: (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-
قال: (نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن المخابرة والمحاقلة وعن
المزابنة وعن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها وألا تباع إلا بالدينار
والدراهم إلا العراي)).


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اتبع هداه.



يبدأ معنا الحديث عن بعض البيوع التي نهي عنها ونحن نستكمل في هذا
الحديث عدة هذه المنهيات.


وهذا حديث جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما-.


جابر: هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري
-رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وهو وأبوه صحابة -رضي الله تعالى عنهم
جميعا- وأبوه أحد النقباء الاثني عشر، وجابر نفسه -رضي الله تعالى عنه-
شهد بيعة العقبة الثانية، مع السبعين، فهذه من مناقبه -رضي الله تعالى
عنه وأرضاه-.


أبوه قتيل أحد وهو من الشهداء الذين قضوا نحبهم وذكرهم الله -عز وجل-
بالتزكية في كتابه.


أمه هي أنيسة بنت عقبة الأنصارية -رضي الله تعالى عنها- أسلمت وبايعت
النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-.


تكنى بأبي عبد الله وأبي عبد الرحمن، وهو من المكثرين من الرواية عن
نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم-، أراد أن يشهد أحدا وبدرا فخلفه أبوه
على أخواته البنات وكن تسعا -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-، لما توفي
أبوه تزوج ثيبا، فسأله النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أبكرا أم ثيبا؟
فأخبر أنه تزوج ثيبا لتقوم على أخواته اللائي خلفهن أبوه بعد وفاته
-رضي الله تعالى عنه- في أحد.


هو من المكثرين من رواية الحديث عن نبينا -صلى الله عليه وآله وسلم-
حيث أُخرج له ألف وخمسمائة وأربعون حديثا -رضي الله تعالى عنه وأرضاه-
عاش بالمدينة وتوفي بها سنة ثمان وسبعين وكان عمره إذ توفي أربعا
وتسعين سنة -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- وقيل إنه آخر من توفي بالمدينة
من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.


حديث جابر هذا في بعض ما نهي عنه من البيوع، وإذا أردنا أن نتبين بعض
معاني المفردات فإن كلمة المخابرة مأخوذة من الخبار، والخبار: هي الأرض
اللينة القابلة للزرع، وهذه المخابرة إنما أطلقت لأن من يتعامل في
الزرع ممن يحسن الحرث والزرع يقال له خبير بالزراعة، ولذلك قالوا
المخابرة قد تكون من الخبير وهو الذي يحسن الحرث والزرع.


والمحاقلة أيضا مأخوذة من الحقل، والحقل: هو مكان الزرع أيضا، وقد فسرت
المحاقلة في الحديث ببيع الحنطة في سنبلها بحنطة.


وقد عرفنا معنى المزابنة وأنها من الدفع، وظهر لنا معناها فيما سبق فلا
نعيد به.


ولدينا في هذا الحديث مفردة جديدة وهي العرايا، والعرايا: جمع عرية،
والعرية على وزن مطية، فعرية عرايا، ومطية مطايا، والعرية هي النخلة
التي يبيعها صاحبها أي يبيع ثمرتها بخرصها تمرا، يعني يبيع ثمرتها وهي
على رأس النخلة بما يقدر من كيل هذا الرطب التي تحمله تمرا؛ هذا معنى
العرايا.


هذه مفردات هذا الحديث، وقد أفاد هذا الحديث بجملته النهي عن بيع الحب
في سنبله بحب من جنسه لأن فيه التغابن، لأن فيه معنى الغبن، حيث لا
يدرى الذي في سنبله أيسلم أم لا، أو هل هو متماثل في كيله أو في وزنه
مع بدله أو لا، هذا وهذا لأجله نهي عن مثل هذا البيع -بيع المخابرة- أو
بيع المخابرة والمحاقلة.


أيضا وجدنا النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- استثنى بيع العرايا، وبيع
العرايا هذا باب سندخل إلى شرحه إن شاء الله بعد حديثين، فأباح النبي
-صلى الله عليه وآله وسلم- بيع العرايا بشروطها للحاجة إليها، فهي رخصة
منه -صلى الله عليه وآله وسلم- وإلا فالأصل أنه لا يباح الرطب بالتمر
إلا إذا تحققنا من المساواة، والمساواة لا نستطيع أن نتحقق منها لتفاوت
ما بين التمر اليابس والرطب الطري، وهذا يثبت لنا عدم التساوي الذي هو
علة في منع هذا البيع، لكن العرايا بيع رخص فيه لحاجة الناس إلى التفكه
بأكل الرَطب من الثمار أو الرُطب من التمر.


إذا أردنا أن ندخل إلى الشرح التفصيلي: فإن نهيه -صلى الله عليه وآله
وسلم- عن المخابرة هذه يسميها الفقهاء بالمزارعة، والمزارعة: معاملة
على الأرض ببعض ما يخرج من ثمرتها، والمزارعة هي المخابرة على الراجح
من أقوال أهل العلم، لأن من أهل العلم من قال إن المخابرة هي المحاقلة
سواء بسواء وهي بيع الحنطة بحنطة في سنبلها، لكن لا شك أن التأسيس أولى
من التكرير، لماذا؟ لأنه يبعد أن يعطف النبي -صلى الله عليه وسلم-
المخابرة على المحاقلة، فالأصوب أن نقول إن المخابرة هي المزارعة،
والمزارعة: عقد يكون بين صاحب الأرض ومالكها وبين من يقوم بزرعها على
أن يعمل الثاني فيها بحصة من الثمرة مشاعة، بحصة مشاعة من الثمرة التي
تخرج منها، هذه هي المزارعة.


أو قل هي كراء الأرض -أي إجارة الأرض- ببعض ما يخرج منها من الزرع
كالثلث أو الربع أو النصف أو الشطر أو ما أشبه على أن يكون هذا شائعا
في هذه الأرض، أي لا يجوز أن يخصص قطعة أرض بعينها هذه التي يستوفي
منها الأجرة.


-على كل حال- وقع الخلاف بين العلماء في حكم المخابرة أو في حكم
المزارعة:


والمذهب الأول: هو مذهب القائلين بعدم الجواز وهو مذهب الشافعية
والحنفية معا وذلك لما ورد في هذا الحديث من النهي عنها ورد في هذا
الحديث النهي عن المخابرة وقد عرفنا معناها وقد ذهب الشافعية والحنفية
إلى حرمة المخابرة.


أما المذهب الثاني: فهو مذهب القائلين بالجواز وهو مذهب الإمام أحمد
وأكثر المالكية وبعض الحنفية كأبي يوسف ومحمد بن الحسن وجماعات من أهل
العلم واستدلوا على صحة عقد المخابرة بأن النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- (عامل أهل خيبر على أرضهم بشطر ما يخرج منه).


عاملهم: يعني عاقدهم؛ تعاقد معهم على أن يتولوا هذه الأرض فيزرعوها
ويكون لهم شطر ما يخرج من غلتها أو من ثمرتها، وهذا في الصحيحين.


وعليه: فتعلم أن الراجح هو مذهب الجمهور، وقال النووي -وهو من
الشافعية- عليه رحمة الله- قال: (وهو الراجح المختار) يعني جواز
التعاقد المسمى بالمخابرة أو المزارعة، قال: (وهو الراجح المختار،
والمسلمون في جميع الأمصار والأعصار جارون على العمل بالمزارعة).


وعلام نحمل هذا الحديث؟ أو: كيف نفهم هذا النهي في هذا الحديث؟


قالوا: ينهى عن هذه المزارعة أو هذه المخابرة إذا ما اشترط كل واحد
لنفسه قطعة معينة من الأرض أو حصة غير شائعة، يعين حصة مخصصة في هذه
الأرض قبل أن تؤتي ثمرتها، ولهذا فإن الراجح هو جواز المخابرة أو
المزارعة.


صنف ابن خزيمة -رحمه الله تعالى- كتابا استوفى فيه أدلة جواز المزارعة،
بهذا نكون قد أتينا على المفردات والأحكام الجديدة في هذا الحديث.


يبقى الكلام على بيع العرايا، وهذا كما قلنا سنفرد له مجلسا خاصا لأن
إمامنا الحافظ عبد الغني المقدسي -رحمه الله تعالى- أفرد له بابا
مستقلا جمع فيه بعض أحاديث العرايا فهذا نصير إلى شرحه بعد حديثين إن
يسر الله تعالى وأعان.


ثم ننتقل إلى الحديث التاسع حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله تعالى
عنه وأرضاه-؛ تفضل يا شيخ عبد الرحمن.



قال المصنف -رحمه الله تعالى-:(عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه-
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي،
وحلوان الكاهن)).


هذا الحديث رواه الجماعة من حديث أبي مسعود البدري.


وهو -رضي الله تعالى عنه-: هو عقبة بن عمرو الخزرجي الأنصاري البدري
-رضي الله تعالى عنه وأرضاه-خزرجي: لأنه من الخزرج، وهو أيضا أنصاري:
لأن الخزرج قبيلة من الأنصار أو بطن من الأنصار، ثم هو بدري لماذا؟
اختلف العلماء في هذا:


فمنهم من قال هو بدري لأنه سكن بدرا يعني منطقة بدر وأقام بها وعاش
فيها ونزلها، وذهب البخاري ومسلم إلى أنه سمي كذلك لشهوده الغزوة،
لشهوده غزوة بدر.


والجمهور على أنه ما سمي بالبدري إلا لأنه نزل بدرا وأقام بها -رضي
الله تعالى عنه-، وهو ممن شهد بيعة العقبة الثانية مع السبعين، قد نزل
بالكوفة وأبتنى بها دارا وأقام فيها فترة، وروى له اثنان ومائة حديث
يعني من الصحيح، اتفقا على تسعة منها وانفرد البخاري بواحد، وانفرد
مسلم -رحمه الله تعالى- بسبعة منها، توفي -رضي الله تعالى عنه-
بالمدينة وقيل بل بالكوفة سنة إحدى وأربعين وقيل سنة اثنتين وأربعين من
هجرة النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على الراجح من كلام أهل العلم.


هذا الحديث نهي عن ثلاثة أمور:


الأمر الأول: ثمن الكلب؛ الثاني: مهر البغي؛ الثالث: حلوان الكاهن.


إذا أردنا أن نستعرض المفردات فإن البغي: فعيل بمعنى فاعلة، أي باغية،
والبغاء معناه الطلب، وأكثر ما يطلق على طلب ما فيه فساد، فالبغاة:
الخارجون على الإمام المفسدون في الأرض، والمرأة البغي: هي امرأة مفسدة
في الأرض لفعلها المحرم، ومهرها: هو ما تتعاطاه نظير الزنا والعياذ
بالله تعالى، سمي مهرا توسعا أو من قبيل المشاكلة أو على سبيل المجاز،
عبارات متقاربة لأهل العلم.


لماذا؟ قالوا لأن المرأة حين تزوج يسمى مهرها الصداق يعني تصدق هذه
المرأة هذا المال في مقابلة الاستمتاع بها في عقد الزواج استمتاعا
شرعيا، وهذه يستمتع بها استمتاعا محرما فتعطى شيئا من هذا المال
المحرم، فهو من باب المشاكلة أو المشابهة، ولكن ما تتعاطاه ليس مهرا
شرعيا لأنه استمتاع محرم غير مباح ولا جائز.


وحلوان الكاهن: الحلوان مصدر حلوته إذا أعطيته، فهو مشتق في الجملة من
الحلاوة، وشبه هذا الكسب المالي بالحلاوة لأنه يحصل من غير تعب ويكون
من غير جهد ولا كلفة ولا مشقة، فهذا يتخرص أي يكذب أو يستمع إلى ما
تلقيه الشياطين ثم يخبر ببعض هذه الأمور فيأخذ على ذلك المال الكثير
،وإذا كان هذا يسمى بحلوان فكذا الرشوة يقال عنها حلوان لأنها أيضا مال
يحصل من طريق محرم، وهو في غير عناء بالغ ولا تعب ولا مشقة، بل ما
يأخذه الرجل من مهر ابنته يسمى حلوانا لأنه يحصل له أيضا من نفس الجهة
بلا تعب ولا مشقة، وقد يطلق الحلوان على أجرة السمسار أو أجرة الدلال
يسمى حلوانا، لأنه يدل ويأخذ مالا، وهذا أيضا فيه نفس المعنى.


نحن بهذا يعني تعرفنا على معنى الحلوان.


ومن هو الكاهن؟


الكاهن في أصل اللغة: كل من يتعاطى علما دقيقا فقد يطلق في اللغة على
الطبيب كاهنا كما يطلق على المنجم الذي يتعاطى علم التنجيم المحرم يطلق
عليه أيضا كاهنا في اللغة.


وأما المقصود بالكاهن في هذا الحديث: هو من يدعي إطلاعا ومعرفة بالغيوب
ويخبر الناس عن هذه الكوائن بزعمه يعني عن الأشياء التي غابت عنهم، وهو
في المعنى قريب من المنجم وقريب من العراف؛ وقيل إن العراف هو من يدعي
معرفة الأشياء المسروقة أو أماكن الضالة يقال له عراف يعني يعرف وعلى
كل حال هذا وذاك كلاهما متخرص ومدع علم ما غاب عن الإنسان ولم يشهده
بحواسه.


شرح هذا الحديث بإجمال: يتناول هذا الحديث أنواعا من الكسب الخبيث
بالنهي عنها والتحذير منها سواء كان هذا الكسب ببيع مالا يحل بيعه
لنجاسته -مثلا-، أو للنهي عن بيع عينه كالكلب، أو كان هذا الكسب الخبيث
في إجارة محرمة كالإجارة على الزنا -والعياذ بالله-، فهذا كسب متفق على
حرمته، وكذا ما يتعاطاه الكاهن من الكهانة التي هي من أعظم الكبائر بل
وتصل إلى الشرك، ما يتعاطاه من الأجرة على ذلك أيضا كسب خبيث محرم.


النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يسد هذه الأبواب -أبواب الكسب الخبيث-
ويفتح أبواب الطيبات للمؤمنين ليتناولوا منها ما أحل الله -عز وجل-.


إذن الشريعة -بالجملة- تنهي عن كل ما مضرته غالبة، وتنهى عن ما مفسدته
راجحة، ولا تبيح ذلك، ومن هذا هذه البيعات والإجارات المحرمة سواء كان
بيع مالا يحل بيعه، أو كانت الإجارة على ما تحرم الإجارة عليه.


ابن القيم -رحمه الله تعالى- جمع في زاد المعاد ما حرم في ثلاثة أجناس
فقال: (هي مشارب تفسد العقول، ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثا،
وأعيان تفسد الأديان) والشريعة حرمت كل ما يفضي إلى إفساد العقول أو
إفساد الطباع والنفوس أو إفساد الأديان.


ونحن نتناول في هذا الحديث هذه الأنواع الثلاثة.


قول الراوي -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله
وسلم- (نهى عن ثمن الكلب) هذا المعنى وارد في أحاديث كثيرة وفي روايات
عديدة منها:


حديث رافع بن خديج -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- أن النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- قال كما في الصحيحين: (ثمن الكلب خبيث).


وعن أبي جحيفة أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- (حرم ثمن الدم وثمن
الكلب) وهو أيضا متفق عليه.


وفي حديث ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- قال: (نهى النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- عن ثمن الكلب)


وقال: (إن جاء صاحب الكلب يطلب ثمن الكلب فأملأ كفه تراب) هذا عند
الإمام أحمد في مسنده والترمذي بسند صحيح.


وعند أبي داود أيضا بسند صحيح وفي صحيح مسلم لما سئل جابر -رضي الله
تعالى عنه- عن ثمن الكلب والسنور قال: (زجر النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- عن ذلك).


إذن علمنا من هذه الأحاديث بجملتها أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-
نهى عن بيع الكلب، ونهى عن ثمنه، وبين أن ثمنه خبيث، وبين أن ثمنه ملء
حفنة، من تراب أي لا ثمن له، هذا يدلنا في الجملة على حرمة هذا البيع،
وللعلماء في هذا تفاصيل، ولكن قبل ذلك علينا أن نسأل هل هذا الحديث يدل
على حرمة اقتناء الكلب، هل هذا يدل على حرمة اقتناءه؟ لا ولكن يدل على
حرمة ثمنه أو حرمة بيعه.


هل يجوز اقتناء شيء ويمنع من بيعه؟ الأصل أو القاعدة الفقهية تقول: إن
ما حرم بيعه يحرم شراؤه، ويحرم اقتناؤه، القاعدة تقول: ما حرم بيعه حرم
اقتناؤه، فكيف يقال: إن الكلب يباح أن يقتنى؟


نقول: إن الأصل أنه يحرم اقتناء الكلب، وهذا منصوص عن النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- كما في حديث أبي هريرة فإن النبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- قال: (من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص
من أجره كل يوم قيراطان) وفي رواية قال: (قيراط)؛ فهذا يدل على حرمة
اقتناء الكلب إلا ما استثنى.


ما معنى اقتناؤه؟ الاحتفاظ به وأن يكون عند الإنسان في بيته في مكانه،
إلا أن يكون الكلب المقتنى كلب صيد، أو كلب ماشية أو كلب أرض، يعني إما
أن يكون كلب صيد أو كلب حراسة، والحراسة فرعان: إما أنه يحرس الماشية،
أو يحرس الزرع.


طيب: هل يحرس البيت؟ يتوسع الناس في هذا بناء على ما يفتي به الفقهاء
من جواز هذا، لكن كثيرا من الفقهاء قالوا لا يجوز اقتناؤه لحراسة البيت
وأنه يمكن أن يخدع وألا يقوم بواجب الحراسة، لكن على كل حال إذا توسعنا
وجرينا على ما هو الأوسع في مذاهب الفقهاء فإنه يقاس على حراسة الزرع
والأرض والماشية ما يمكن أن يكون في مثل المعنى من حراسة البيت ونحو
ذلك، هذا على أقصى ما ذهب إليه الفقهاء.


لكن لو اتخذه ليفاخر به أو ليباهي به أو ليجلسه معه في بيته أو ليدللـه
أو يركبه معه سيارته ويعتني به كما يعتني بولده فهذا ما حكمه؟ هذا الذي
عناه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- بقوله (من اقتنى كلبا ليس كلب
صيد ولا ماشية ولا أرض فإنه ينقص كل يوم من أجره قيراطان)


وأنت ترى أن هذا الفعل أقل ما فيه يخالف حسن الإسلام؛ إذ أن من حسن
إسلام المرء تركه ما لا يعنيه فهذا الفعل اقل ما يقال فيه مما لا يعني
الإنسان فيدللـه ويتعامل معه كما يتعامل مع ابنه، ونحو هذا مما هو
مأخوذ من غير المسلمين ومما هو شعار غير الموحدين، لا شك أن هذا محرم
ومنكر ينكره علماء المسلمين كافة وإجماعهم عليه، إذن الأصل حرمة اقتناء
الكلاب الأصل حرمة اقتناءها إلا ما استثنى لحاجة زرع أو صيد وماشية
ونحو ذلك على أوسع المذاهب.


فإذا علمنا حكم اقتناء الكلب فإننا بعد ذلك نبحث في نجاسته وطهارته.


لماذا كان الأصل تحريم اقتناءه ولماذا حرم بيعه؟


الأصل أن هذه الأحكام تعلل بعلل وأن هذه العلل متى ما أدركت استطاع
الإنسان أن يفهم حكم هذه الشريعة وأسرارها وأن يعلم إذا كان هذا الحكم
يتعدى من هذا المحل إلى محل آخر لوجود العلة فيه أو لا.


إذن نحن نتناول في هذا الفرع الكلام على طهارة الكلب ونجاسته:


انقسم الفقهاء في هذه المسألة إلى فريقين:


الفريق الأول: قال بنجاسته، وهم الجمهور؛ الجمهور من الشافعية
والحنابلة وبعض الحنفية وبعض المالكية، كسحنون من المالكية وابن
الماجشون وابن عبد البر كل هؤلاء يقولون بنجاسة عين الكلب وهو أيضا
رواية عن أبي يوسف من الحنفية، وهم حين قالوا بنجاسته قالوا بنجاسة
عينه يعني جرمه يعني جسمه، أي الكلب نجس؛ وإذا قالوا بنجاسة جرمه فهم
قائلون بنجاسة سُؤره؟ من يعرف؟



ما تبقى من الماء بعد الشرب.


نعم ما تبقى في الإناء من الماء بعد الشرب هذا يقال عنه سُؤر؛ فإذا
قالوا بنجاسة عينه فهم قائلون بنجاسة سؤره، لماذا؟ لأننا إذا قلنا أن
العين نجسة فخالطت ماء أنفه فإنه يتنجس؛ العين النجسة الجامدة إذا
خالطت مائعا فإنه يتنجس بذلك، إذن جمهور الفقهاء على القول بنجاسة عين
الكلب وسؤره.


ثم إن هنا من الفقهاء من قال بطهارته بطهارة الكلب من هم؟


هم المالكية في أصل مذهبهم وهو أيضا منقول عن بعض الحنفية كالكساني
وابن نجيل وهو رواية عن أبي حنيفة، إلا أن المالكية خالفوا الحنفية في
مسألة فقالوا هو طاهر السؤر أيضا، المالكية قالوا بطهارة عينه وطهارة
سؤره.


أما الحنفية فقالوا بطهارة عينه وماذا؟ ونجاسة سؤره؛ ما الفرق بين مذهب
الحنفية والمالكية؟


الحنفية قالوا بطهارة العين ونجاسة السؤر.


أما المالكية فإنهم قالوا بطهارة عينه وسؤره معا.


ما هي أدلة الفريقين؟


الجمهور يستدلون على نجاسة الكلب بأدلة ظاهرة الدلالة منها أن النبي
-صلى الله عليه وآله وسلم- قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله
سبع)؛ وفي رواية قال: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فاغسلوه سبعا
وعفروه الثامنة بالتراب)؛ وفي رواية لمسلم أنه -صلى الله عليه وسلم-
قال: (فليرقه)؛ يعني فليرق الماء الذي في الإناء إذا ولغ الكلب في إناء
أحدكم فليرقه يعني يريق الماء؛ وفي رواية ثالثة قال: (طهور إناء أحدكم
إذا ولغ فيه الكلب).


هذه رواية الثلاث أخذ منها الجمهور:


أولا: قالوا التعبير بلفظ الطهور لا يكون إلا حدثا أو نجسا.. لماذا؟


قالوا لأن الطهارة فرعان: إما طهارة من الحدث وإما طهارة من الخبث
-والخبث المقصود به النجاسة- ولا يتصور أن يوجد حدث في إناء، لأن الحدث
إنما يقوم ببدن المكلف فلا يقوم الحدث بإناء، إذن الذي يقوم بالإناء أو
بالأشياء هو النجس.


إذن يدل هذا على أن الكلب إذا شرب من الإناء تنجس هذا الإناء، ثم إن
الأمر بالإراقة للماء أو للمائع الذي يكون في هذا الإناء يدل على
النجاسة من جهة أن الشريعة لا تأمر بإتلاف المال إلا إذا لم يبح،
ومعلوم أن النجاسة لا تباح ولا يباح استعمالها والأمر بالإراقة يدل على
النجاسة من هذا الوجه.


ثم إن الأمر بغسل الإناء بالطريقة والصورة المغلظة على النحو المذكور
يدل أيضا على التنجس، بل لا يعهد في كثير من النجاسات أن تغسل بهذه
الصفة بل في جميع النجاسات لا تغسل بهذه الصفة إلا نجاسة ماذا؟


نجاسة الكلب؛ أن تغسل سبع مرات ثم تعفر بالتراب هذه صفة وكيفية لا تكون
إلا عند ولوغ الكلب في الإناء، والنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- دعي
أن يدخل بيتا فيه كلب فأبى ومعلوم أم جبريل يمتنع أيضا والملائكة من
دخول البيت الذي فيه كلب، وليس الأمر كذلك في الهرة، فإن النبي -صلى
الله عليه وآله وسلم- قال (إنها ليست بنجس) وهذا يدل بمفهومه على نجاسة
الكلب.


هذه أدلة الجمهور وهي كما ترون أدلة ظاهرة وقوية.


ذهب المخالفون من المالكية والحنفية -كما قلنا- إلى أن الكلب طاهر،
وقالوا إن الأمر بالغسل من شرب الكلب في الإناء أمر تعبدي لا علاقة له
بالنجاسة والطهارة.


ونحن نجيب: عن هذا بأن نقول إن الحمل على التنجيس أولى، لماذا؟ لأنه:
إذا ما دار الحكم بين أن يكون معقول المعنى وغير معقول المعنى فإننا
نرجح كونه معقول المعنى.. لماذا؟ لماذا نرجح كون الأحكام معقولة
المعنى؟ ما معنى معقول المعنى وتعبدي؟


معقول المعنى يعني له علة لأجلها شرع الحكم، هناك سبب دعا إلى مشروعية
الحكم، العلة ما هي؟ من يعرف العلة وصف ظاهر منضبط يشرع الحكم عند
وجوده، وصف ظاهر منضبط يناط به هذا الحكم، فإذا وجد الحكم وجدت العلة
وإذا وجدت العلة وجد الحكم، ففيه تلازم بين وجود العلة وبين وجود
الحكم.


لماذا نقول إذا دار الأمر أو إذا احتمل الأمر أن يكون تعبديا أو معقول
المعنى فإنما نرجح كونه معقول المعنى؟


لأن أكثر الأحكام الشرعية لها معنى معقول، وهذا أظهر ما يكون في ماذا
في المعاملات أن الأحكام المعللة أظهر ما تكون في المعاملات، لأنها
تظهر فيها المصلحة، وتشرع الأحكام لأجلها وتظهر فيها المفسدة، وتشرع
الأحكام أيضا دفعا للمفاسد، إذا دار الأمر بين أن يكون معقول المعنى
وأن يكون تعبديا فإننا نقول بمعقولية المعنى.


فنحن نقول: الحكم في هذه المسألة حكم يعلم معناه، وتعلم وتفهم وتدرك
علته، وهي أن هذا الماء قد تنجس بشرب الكلب أو ولوغ الكلب، وعليه فنقول
لو كان هذا الأمر تعبديا ما أمر الإنسان بإراقة الماء، ولو لم يكن هذا
الأمر لعلة هي النجاسة فلماذا يراق الماء؟


إذن بهذا يندفع اعتراض المالكية على نجاسة ما ولغ فيه الكلب.


واستدل أيضا هؤلاء المالكية والحنفية بأن الكلب إذا أبيح استعماله في
الصيد لا يؤمر الصائد بأن يغسل المكان الذي ناله الكلب، الكلب المعُلم
إذا أرسل كما قال الله -عز وجل-:


﴿ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ
مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ ﴾ [المائدة: 4]؛ فذكر الله -عز وجل- في قوله
تعالى: ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 4]؛ معلوم
أن الكلب يعض هذه الفريسة أو هذا الصيد ويخالط لعابه هذه الفريسة أو
هذا الصيد لكن لم يؤمر الإنسان بأن يغسل موضع ما عض عليه الكلب، قالوا
فهذا يدل على الطهارة حيث لم يؤمر بغسل مكان عضة هذا الكلب، فهذا يدل
على أن فمه ولعابه طاهر، وهذا كما قلنا مذهب المالكية القائلين بماذا؟
قائلين بطهارة الكلب عينا وسؤرا.


قالوا أيضا إن إباحة التعليم والتعلم والاستفادة منها في الصيد
والحراسة وغير ذلك يدل على الطهارة، لأن الإنسان يخالطها، يخالطها
عندما يعلمها أو كذا أو تحرس له أو ما أشبه.


واستدلوا أيضا من السنة بأن الكلاب كانت تقبل وتدبر بمسجد رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم- ولم يكونوا يرشون شيئا يعني مما أصابته
الكلاب.


الجواب: على هذه الأدلة كالتالي: ماذا أجاب الحنابلة والشافعية فقالوا
نحن نقول بوجوب غسل ما أصابه الكلب من الصيد.


البهوتي من الحنابلة يقول: (ويجب غسل ما أصاب فم الكلب لأنه موضع نجاسة
فوجب غسله كغيره من الثياب والأواني).


طبعا لا يوجد دليل نصي في غسل موضع فم الكلب وإنما هو قياس، قياس على
ماذا؟ قياس على الحديث الأول الذي فيه الأمر بإراقة الماء الذي ولغ فيه
الكلب وغسل الإناء الذي شرب منه فهم قاسوا، لكن لا يوجد دليل نصي لكنهم
قاسوا على الأصل الذي عندهم؛ حيث اعتمدوا هذا, وعند الشافعية قول بهذا
أيضا.


-وعلى كل- قد يقال: إنه مع التسليم بالنجاسة فإن هذا الأمر وإن لم يرد
فيه الأمر بالغسل فإن هذا قد يكون لمشقة الاحتراز، لأن الكلب قد يعض
الفريسة من هنا أو من هنا وهذا الأمر قد يشق على الإنسان أن يحترز منه
أو أن يعرف أين بالضبط أصاب الفريسة.


وأما حديث ابن عمر المذكور فقد كان في بداية الإسلام أن الكلاب كانت
تقبل وتدبر ولم يكونوا يغسلون شيئا، فهذا محمول على أنه إما أنه كما في
بداية الإسلام ولم يكن شرع وقتئذ هذا الحكم، أو لم يكن هذا ظاهرا وكان
هذا خفيا فلم تُتتبع هذه المواضع لخفائها.


بهذا نرى أن الراجح مذهب الجمهور من القول بنجاسة عين الكلب وسؤره كما
هو مذهب الشافعية الحنابلة ومال إليه بعض الحنفية والمالكية وأهل
الحديث قاطبة.


بقي عندنا أن نتحدث عن حكم بيع الكلب.


اختلف الفقهاء في حكم بيع الكلب على مذاهب ثلاثة:


المذهب الأول: هو مذهب الجمهور أيضا من الشافعية والحنابلة وهو حرمة
بيع الكلب مطلقا سواء كان الكلب معلما أو غير معلم سواء كان الكلب
صغيرا أو كبيرا سواء كان الكلب مباحا اتخاذه أم لا فإنه يحرم بيعه.


المذهب الثاني: جواز بيع الكلب المأذون في استعماله واقتنائه وهو كلب
الصيد وكلب الحراسة.


المذهب الثالث: جواز بيع الكلب مطلقا من غير نظر إلى كونه معلما أو لا
للحراسة والصيد أو لا، فهذا مطلق وهذا مذهب الحنفية.


المذهب الثاني هو مذهب المالكية، والثالث هو مذهب الحنفية.


بم استدل الجمهور؟


استدل الجمهور على حرمة بيع الكلب بالأحاديث التي ذكرناها في صدر هذا
المجلس، ذكرنا فيه الأحاديث من أن ثمن الكلب خبيث، ومن أن النبي -صلى
الله عليه وسلم- نهى عن ثمنه، ومن أنه أمر بأن يملأ كف صاحب هذا الكلب
تراباً إذا جاء يطلب الثمن.


اعترض على هذا بأن هذه الأحاديث السالفة التي ذكرناها منسوخة.


ونرد على هذا: بأنه لا يعلم التاريخ حتى يقال بالنسخ، لا يوجد عندنا
تاريخ فنعلم المتقدم من المتأخر، فالقول بالنسخ دعوى لا صحة لها، ثم
القول بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتل الكلاب فلما أمر بقتلها
جاء الكلام على تحريم ثمنها وكذا، أيضا أمر يحتاج إلى دليل، فالراجح من
هذا أن هذه الأحاديث مطلقة ولا يعلم تاريخها حتى يقال بنسخها ولا يوجد
ما يدل على النسخ.


واستدل المخالفون لمذهب الجمهور أصحاب المذهب الثاني القائلون بجواز
اقتناء الكلاب لحاجة وبيع ما يجوز اقتناؤه -يعني بيع كلب الحراسة وكلب
الصيد ونحو هذا- قالوا: بأننا عندنا أحاديث هي عمدتنا في هذا منها أن
جابرا بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- روى أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- (نهى عن ثمن السنور وثمن الكلب إلا كلب صيد)؛ يعني عندنا استثناء
من ثمن الكلاب جميعا وهو كلب الصيد فإذا ثبت استثناء كلب الصيد فإن هذا
يدل على ماذا ؟ يدل على جواز البيع، هذا الحديث عمدة لهم في هذه
المسألة .


ثم نقلوا عن بعض التابعين ترخيصا في ذلك ونقلوا أيضا أن بعضهم ضمن في
مثل هذه الكلاب إذا أتلفت، ضمن من أتلف بعض هذه الكلاب -أي كلاب
الصيد-.


نقول: الحديث المذكور عن جابر -رضي الله تعالى عنه- أن النبي -صلى الله
عليه وآله وسلم- (نهى عن ثمن السنور والكلب إلا كلب صيد) هذا الحديث
عند النسائي والدار قطني وأخرجه أيضا الطحاوي في شرح معاني الآثار
والبيهقي، وهو ثابت إلا هذه الزيادة -زيادة (إلا كلب صيد)- فإن النسائي
ضعف هذه الزيادة وقال هذا منكر ووافقه على ذلك الدار قطني والبيهقي
وغير هؤلاء من الحفاظ، فبينوا أن الأحاديث الصحيحة مصرحة باستثناء
الاقتناء وليس باستثناء الثمن، باستثناء اقتناء كلب الصيد وليس استثناء
ثمن كلب الصيد، وعليه: فإنه لا حجة لهم إذن في هذا الحديث الذي فيه
زيادة غير محفوظة من رواية حماد بن سلمة ومعلوم أنه لما كبر سنه تغير
حفظه ووقع له في الحديث بعض ما ينكر، إذن علينا أن نفهم أن هذه الزيادة
زيادة غير صحيحة، ووجه ابن قدامة هذه الزيادة على فرض صحتها على أن
معنى (إل) هنا: الواو، يعني يدخل أيضا كلب الصيد فيما ينهى عن ثمنه
فقوى بذلك مذهب الجمهور.


واستدل على ذلك بأنه على حد قول القائل:


وكل أخ مفارقه أخوه *** لعمر أبيك إلا الفرقدان


أي والفرقدان: وهما نجمان مترافقان في السماء، فهذا يدل من جهة على
تقوية مذهب الجمهور بدخول ثمن كلب الصيد في النهي.


بهذا نكون قد أتينا على هذا المذهب.


المذهب الثالث: المذهب الذي أباح مطلقا بيع الكلاب -وهو مذهب الحنفية-
استدل بقول الله تعالى:


﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ
الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ ﴾
[المائدة :4]، إن هذا يدل على هذا جواز اقتناء الكلاب والتعامل معها،
واستفادوا أيضا من حديث جابر فقالوا به وقالوا بأنه ورد عن السلف تضمين
من يتلف كلب الصيد المعلم، وهذا منقول عن عبد الله بن عمرو بن العاص
-رضي الله عنهما- ومنقول عن ابن شهاب الزهري وغير هؤلاء من التابعين.


ونحن نقيس أيضا بيع الكلاب على بيع الحمير، والحمير يجوز بيعها فنحن
نقيس هذا على هذا بجامع الانتفاع في كل، يجوز الانتفاع بالحمار الأهلي
كما يجوز الانتفاع بالكلب، فلا إشكال في القول بإباحة بيع الكلاب.


الرد: الآية التي ذكروها ليس فيها دليل على حل البيع، ولا على حل
الثمن، وإنما فيها دليل على حل الانتفاع، والله -عز وجل- أباح لنا
الانتفاع في أحوال مخصوصة، في القرآن -حال الصيد-، وفي السنة حال
الحراسة، وليس في هذا حل ثمن الكلب أو حل بيع الكلب، والذي في كتاب
الله ﴿ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة :4]؛ وليس في
هذا تعرض لحكم البيع أو حكم النجاسة.


ثم إن الحديث الذي استدلوا به -وهو حديث جابر- ذكرنا أن الزيادة ضعيفة
لا تقوم بها الحجة، وكذا الآثار التي نقلت ضعيفة عن الصحابة -رضي الله
تعالى عنهم-، وعلى تسليم صحتها فليس فيها إلا إيجاب القيمة بدلا عن
الإتلاف، وفيه فرق بين إيجاب قيمة المتلف وبين ثمن المبيع، وإلا فهناك
فرق واضح: فإن ثمن المبيع هذه مسألة متعلقة بجواز التعاطي في هذه
السلعة بيعا وشراء أما بدل الإتلاف فهذا أمر يختلف.


كذلك يقال في الفرق بين هذا القياس الذي ذكروه وبين ما نحن فيه: أن
الحمار طاهر، لم يقل أحد إن الحمار عينه في الظاهر عين نجسة، أما الكلب
فكما قلنا: جمهور العلماء على نجاسة هذه الكلاب؛ ثم إذا أردنا أن نقيس
فإن الكلاب أشبه بالجنازير، فهي أشبه أن تقاس عليها ومعلوم أن الخنزير
أيضا في قول جماهير أهل العلم أنه نجس، وإذا دار الأمر بين قياس تؤيده
النصوص وقياس تهدمه النصوص فالقياس الذي تؤيده النصوص أولى من القياس
الذي تهدمه النصوص، والنصوص تؤيد قياس الكلب على الخنزير وليس الكلب
على الحمار؛ بهذا يترجح لنا حرمة بيع الكلاب مطلقا، كما هو مذهب
الحنابلة والشافعية والمالكية والجمهور، منهم أبو هريرة -رضي الله
تعالى عنه- والحسن البصري والأوزاعي وغير هؤلاء من فقهاءنا -رضي الله
تعالى عنهم-.


لكن ما حكم من أتلف كلبا لغيره؟


الجمهور يقولون: لا ضمان عليه، من أتلف كلبا لغيره سواء كان هذا الكلب
معلما أم لم يكن معلما لا ضمان عليه، وقد أساء وظلم لأنه أضر بهذا
الإنسان، لكنهم لا يوجبون علي متلفه ضمانا ولا يلزمونه بغرامة.


لكن ذهب الحنفية والمالكية إلى وجوب الغرم على متلفه لحرمة الإتلاف،
ولأن فيه الضرر، أما الحنفية فيوجبون الضمان مطلقا لأنهم يعتبرونه مالا
يجوز بيعه وشراؤه ونحو ذلك.


هل يجوز إجارة الكلب؟ هل يجوز أن نستأجر الكلب؟ الكلب الذي يجوز
اقتناؤه هل تجري فيه الإجارة؟


مذهب الإمام أحمد: أنه لا تجوز فيه الإجارة، لا تجوز إجارته وهذا قول
بعض أصحاب الشافعي -رضي الله تعالى عنه- أيضا.


وأكثر الفقهاء بعد ذلك يقولون بجوازه لكن تأمل معي الشريعة حرمت ومنعت
من ضراب الفحل أن يستأجر الفحل للضراب -للنزو على الإناث- وهذا سيأتي
معنا إن شاء الله تعالى في بعض الشروح، وكذا ينبغي أن يقاس استئجار
الكلاب للحراسة وللصيد ونحو ذلك وليس كل منفعة تباح يجوز بيعها -كما
قلنا في ضراب الفحل-.


تصح هبة الكلب وتصح الوصية به.. لماذا؟ لأنه نقل ملك وليس فيه بيع.


أعطاني كلبا معلما أو وهبني أو أوصي لي به، فهذا لا حرج فيه وهو جائز
ولا إشكال فيه.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام على حكم بيع الكلب وما يتعلق به،

ما هو المقصود بالجوائح؟




وكانت الإجابة:




الجائحة هي الآفة التي تصيب الزرع فتتلف غالبه ولا تكون بفعل الآدمي،
ففي حالة ما إذا باع صحاب بستان الثمار بعد بدو صلاحها فأتلفتها جائحة
اختلف فيمن يضمن الثمرة البائع أو المشتري، والراجح أن الذي يضمن هو
البائع للحديثين التاليين: حديث أنس -رضي الله عنه- حديث باب (إن منع
الله الثمرة بم يستحل أحدكم مال أخيه)؛ وحديث جابر بن عبد الله -رضي
الله عنهما- قال -صلى الله عليه وسلم-: (لو بعت من أخيك ثمرا فأصابته
جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق)؛.


إجابة صحيحة.



السؤال الثاني:




اشرح المزابنة وبين حكمها؟




وكانت الإجابة:



معنى المزابنة: متضمن من حديث أو في حديث عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما-: (نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المزابنة وهي أن يبيع
ثمرة حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا
وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام)؛ نهى عن ذلك كله وحكمها التحريم
بالاتفاق والجمهور على إلحاق ما لا يجوز إلا مثلا بمثل والعلة في
تحريمه أنه يبيع الطعام بجنسه بحيث لا يعلم التساوي فهو بيع مجهول
بمعلوم.



فضيلة الشيخ هناك يعني ملاحظة من الأخ: عندي ملاحظة يا شيخ بأن السكوت
عن غسل الصيد من الكلب بسبب أنها سوف تطبخ فتذهب النجاسة عندئذ -والله
أعلم- فما تعليقكم؟.


على كل حال إن الحنابلة يشترطون أو يطلبون أو يوجبون غسل ما أصاب فم
الكلب ما أصابه فم الكلب يقول الحنابلة بوجوب غسله بهذا أيضا عند بعض
الشافعية، ليس بالدليل الشرعي المنصوص عليه وإنما بالقياس كما أنه إذا
خالط لعاب الكلب الماء في إناء فإنه يراق ويغسل فكذا إذا خالط لعابه دم
هذه الفريسة أو دم هذه الصيد فينبغي أن يغسل ويعامل بمثل هذه المعاملة
وعلى كل حال مسألة إن هذا سيغسل أو سيطبخ هذا أيضا مما أن يستأنس به أن
الحاجة داعية إلى مثل هذا وإذا دعت الحاجة إلى أن الإجماع فإن التأكيد
الشرعي على هذا الأمر فإنه يقل ويخف لأن الحاجة داعية.


مثال: قد لا يجد أوامر كثيرة تأمره بأعمال غريزته وفطرته داعية إلى هذا
فلا شك أن الغريزة والفطرة داعية إلى طلب تنظيف هذا الصيد مما علق به
من لعاب الكلب ونحوه هذه ملاحظة لا بأس بها.



هل اقتناء الكلاب في حدائق الحيوان حرام؟.


المقصود بالاقتناء أن يكون عند الإنسان والنبي -صلى الله عليه وآله
وسلم- بين أن هذا مما ينقص معه أجر الإنسان أما إذا لم يكن هذا عند
الإنسان عند خاصة بيته ونفسه وما يملكه فأرجو إن شاء الله تعالى ألا
يكون بهذا بأس؛ أما إذا كان الاقتناء للمفاخرة والمباهاة يعني ما يعرف
اليوم من سلالة الكلاب وأطعمة الكلاب والعناية بملبوسات للكلاب والشيء
فهذا أقل ما فيه مما لا يعني الإنسان أن يشغل به والنبي -صلى الله عليه
وآله وسلم- ذكر في الحديث من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: (نعمتان
مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)؛ فهذا لا شك من الفراغ ومن
العناية بما لا يعنى وإذا كان هذا هو الداعي المباهاة والمفاخرة وكذا
فلا شك في تحريمه.


اقتناء الكلب لتعليمه ما حكمه؟ ذهب بعض أهل العلم إلى جواز هذا أن
يقتنى الكلب ليعلم لأننا إذا أبحنا اقتناء الكلب المعلم فإن غير المعلم
يجوز اقتناءه ليعلم غير المعلم يجوز اقتناءه ليعلم فإذا كانت في مثل
هذه الحدائق يؤتى بهذه الكلاب لتعلم الصيد أو لتعلم الحراسة أو نحو هذا
فلا بأس وتوسع أيضا بعض المعاصرين في هذا الأمر فقالوا إن الكلاب لها
دور في ضبط اللصوص وإدراك أماكن المفرقعات أو المخدرات أو ما أشبه
لتقوية ما عندها من حاسة الشم بإدراك هذه الأشياء فهذا أيضا من التعليم
الذي توسع في بعض المعاصرين فأباحوه والقول بالإباحة متجه والله تعالى
أعلى وأعلم.


وارجو انكم تستفيدون ودمتم

القحطاني505
23/05/2007, 11:20 AM
يافتى الرشاويه يعطيك الف عااافيه على الموضوع
وموضوع جيد يستاهل التثبيت
والله يغفر ذنوبنا وذنوبكم اجمعيا
ويهدينا الى الصراط المستقيم
ولاهنت يالغلا على المجهود الطيب

تقبل مروري وانا اول من يرد عليك اخوك__ القحطاني505

سلطان العوني
23/05/2007, 03:06 PM
جزاك الله خير عن اخوانك المسلمين
ويا ليت الموضع يتثبت للتعم الفائده
والله يكثر من امثالك
تحياتي
============
اخوك سلطان العوني سابقا

انتماء عربي
23/05/2007, 03:28 PM
الله يجزاك خير على هذا الطرح الجميل والذي نرجوا الله ان ينفع به كما نرجوا الله ان يجعله في موازين حسناتك

فتى الرشاويه
23/05/2007, 07:09 PM
مشكورلكل من حط النقاط على الحروف ونشكر كلا من اخوي القحطاني واخوي الظلع الشامخ واخويانتما عربي

ولد أبوظبي
23/05/2007, 07:35 PM
تسلم على الطرح الجيمل الله لا هانك وانا ويا الاخوه ان الموضوع يتثبت او يندمج مع موضوع التشريع المثبت حاليا

تحياتي لك اخوك ولد أبوظبي

فتى الرشاويه
23/05/2007, 07:43 PM
مشكور اخوي ولد ابو ظبي على تشريفكم الكريم

كشات نجد
23/05/2007, 07:47 PM
مشكور اخوي فتى الرشاويه ةعلى الموضوع القيم ويستهل التثبيت لانه فيه الي يكفي ويوفي ونرجو من المشرف التثبيت

فتى الرشاويه
23/05/2007, 07:52 PM
لاهنت يا كشات نجد على المرور الكريم

طح طوح
24/05/2007, 01:40 AM
مشكور على الموضوع المفيد
تسلم والله يجزاك خير
تقبل مروري

ابو تمام
24/05/2007, 02:06 AM
الله يجزاك خير ماقصرت يعطيك العافيه

مورد القيفان
24/05/2007, 02:15 AM
الله يعطيك العافيه اخوي فتى الرشاويه

abufahad2008
24/05/2007, 02:31 AM
http://www.mekshat.com/pix/upload/images36/mk49692_e97d2689681wz2.gif

مداوي
24/05/2007, 02:47 AM
مشكور اخوي فتى الرشاويه على الطرح الجميل ونقل أقوال العلماء والتفصيل في ذلك
جزاك الله خيرا

فتى الرشاويه
24/05/2007, 10:39 AM
مقصر ت ياخواني على مروركم الكريم
لاخ طح طوح
ابو تمام
مورد القيفان
الفتك
مداوي ولا هنتو على المشاركه في الموضوع